يُفتتح قريباً في بغداد متحف يضم مكتبة وأثاثاً ومقتنيات للشاعرة العراقية نازك الملائكة، وهو إنجاز مهم للثقافة العراقية، خصوصاً أن العراق يشكو من عدم الاهتمام في هذا المجال؛ حيث فقد كثيراً من تركات ومقتنيات رموز فكرية وأدبية عراقية بسبب الإهمال وعدم الوعي بأهمية هذه الرموز.
وكان مقرراً أن يُفتتح المتحف في العام الماضي (2023) الذي يصادف الذكرى المئوية لولادتها، ولكنّ ظروفاً كثيرة أجّلت ذلك، حتى حانت فرصة تنظيمه من خلال اتصال المركز الثقافي البغدادي بعائلتها التي أبدت استعداداً لذلك، كما يقول طالب عيسى، مدير المركز: «المتحف ضمن مشروعنا في المركز الثقافي المسمى (ناقلو التراث) الذي يتضمن نقل مكتبات ومقتنيات علماء بغداد إلى المركز الثقافي البغدادي، وبدأ المركز بنقل مكتبات عماد عبد السلام وميخائيل عواد مروراً بالدكتور أحمد سوسة وعبد الحميد الرشودي وعزيز السيد جاسم، وعبد الرزاق الهلالي، وجميع هذه الشخصيات كان لها أثر كبير بالثقافة العراقية... وقد خُصص أكثر من 30 مكتبة في المركز الثقافي البغدادي تضم مكتباتهم وبعض التفاصيل من حياتهم».
لكن هذا المتحف حالة خاصة، يستدرك عيسى: «فعائلة الشاعرة الكبيرة عندما لمسوا النجاح الكبير لنشاط المركز في هذا المجال قرروا أن ينقلوا ليس فقط مكتبة الملائكة، بل كل مقتنياتها من المكتب الذي كانت تعمل عليه وجميع أدواته، وكذلك جميع أثاثها، وكذلك الكتب والمخطوطات النادرة والنفيسة، وبعض الهدايا من أصدقائها المشاهير في كل مكان من العالم».
والمعروف أن المركز الثقافي البغدادي يقيم أكثر من 1600 نشاط ثقافي سنوياً، يزوره أكثر من مائة ألف مواطن سنوياً، لذلك رأت عائلة الملائكة أنه المكان الأنسب لمتحف نازك الملائكة، خصوصاً أن شارع المتنبي الذي يقع في المركز في إحدى البنايات الأثرية في منطقة القشلة وسط بغداد، كان قبل ما يقرب من مائة عام مقراً للحكومة العراقية، وهو مركز استقطاب للجميع خصوصاً المثقفين، فكان أن اتصلت بالمركز الأديبة سيناء محمود وزوجها أكرم العكيلي - كما يضيف طالب عيسى - وكانا متعاونين كثيراً مع إدارة المركز... وتم نقل المكتبة من منطقة (حي الأطباء)، حيث مكان سكنها عندما كانت تقيم في بغداد، وتم نقلها بجميع محتوياتها خلال نهار كامل.
ويشير عيسى إلى أنه بعد نقل هذه المحتويات التي تخص الشاعرة التي ارتبط اسمها بأهم ثورة نوعية في الشعر العربي، ثورة الشعر الحر مع زملائها بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي وشاذل طاقة، تمت فهرسة المحتويات المختلفة وضمها في سجل خاص للمقتنيات يحتفظ به المركز وتم تخصيص واحدة من كبرى القاعات لها في المركز الثقافي البغدادي.
ويذكر مدير المركز أن ما تضمه المكتبة التي احتلت جانباً كبيراً من القاعة، لم يكن فقط كتب نازك الملائكة بل ضمت بعضاً من كتب زوجها الدكتور عبد الهادي محبوبة، وهو الأديب المعروف في العراق، وأول رئيس لجامعة البصرة، لذلك توزعت الكتب بشكل عام بين كتب التاريخ وكتب الأدب، وتضمنت كثيراً من المخطوطات والنفائس الثمينة، وكذلك العديد من الإهداءات من الأدباء العراقيين والعرب.
وبعد الانتهاء من تنظيم تفاصيل هذا المتحف بما يليق ومكانة الملائكة في الثقافة العربية، سيتم الافتتاح الرسمي لهذا المتحف بحضور كثير من المثقفين العراقيين.
وفي جولة سريعة في المتحف، ترى أن هناك مكاناً خُصص لعرض كتبها ومقتنياتها، وغرفة خاصة للمكتب الذي كانت تعمل فيه الملائكة، والذي ضم كثيراً من التفاصيل التي بقيت محفوظة، وهناك الأثاث الذي كانت تكتب عليه أغلب قصائدها، وبعض الإهداءات مثل العود الذي أهداه لها الموسيقار محمد عبد الوهاب، إذ عُرف عن الشاعرة تعلمها أصول العزف على العود على يد الموسيقار والعواد الكبير جميل بشير عام 1950، والدرع الذي أهداه إياها النحات العراقي الكبير محمد غني حكمت، وكذلك مزججات تحوي كثيراً من صورها الشخصية والعائلية، وصورها مع بعض الأدباء العرب، وكذلك مستمسكاتها الشخصية، من بطاقة الجنسية العراقية وبطاقات عضويتها في المؤسسات الثقافية، إضافة للعديد من الوثائق المهمة... وهناك أيضاً جانب مهم في المكتبة يتضمن ما كُتب عنها من قبل أدباء عراقيين عرب.
ولدت الشاعرة نازك الملائكة (1923 - 2007)، في بغداد في بيئة ثقافية، إذ كانت أمها شاعرة وأبوها كاتباً وتخرجت في دار المعلمين العالية عام 1944. ودخلت معهد الفنون الجميلة وتخرجت في قسم الموسيقى عام 1949، وفي عام 1959 حصلت على شهادة ماجستير في الأدب المقارن من جامعة ويسكونسن - ماديسون في أميركا. وبعدها عُينت أستاذة في جامعة بغداد وجامعة البصرة ثم جامعة الكويت. عاشت في الكويت، ثم في القاهرة منذ 1990 في عزلة اختيارية وتوفيت بها في 20 يونيو (حزيران) 2007 عن عمر ناهز 83 عاماً بسبب إصابتها بهبوط حاد في الدورة الدموية. ودُفنت في مقبرة خاصة للعائلة غرب القاهرة.
ويعتقد كثيرون أن نازك الملائكة هي أول من كتبت الشعر الحر في قصيدتها التي حملت عنوان «الكوليرا» عام 1947، وهي من أولى قصائد الشعر الحر في الأدب العربي. وقد بدأت الملائكة في هذا النوع في فترة زمنية مقاربة جداً للشاعر بدر شاكر السياب.