«إيزيس تيماء» و«إيزيس قرية الفاو»

الأولى مصرية الطابع بامتياز

«إيزيس تيماء» و«إيزيس قرية الفاو»
«إيزيس تيماء» و«إيزيس قرية الفاو»
TT
20

«إيزيس تيماء» و«إيزيس قرية الفاو»

«إيزيس تيماء» و«إيزيس قرية الفاو»
«إيزيس تيماء» و«إيزيس قرية الفاو»

من موقع تيماء الأثري في الجزء الشمالي الغربي من جزيرة العرب؛ بين المدينة المنورة وتبوك، خرج مجسّم خزفي على شكل تميمة مصرية الطابع، يمثّل إيزيس؛ المعبودة الأم في وادي النيل. ومن موقع قرية الفاو، على الحافة الشمالية الغربية من الربع الخالي، في المنطقة التي يتداخل فيها وادي الدواسر مع جبال طويق، خرج تمثال خزفي يوناني الطابع يمثل هذه المعبودة التي دخلت عالم البحر الأبيض المتوسط الأوسع في القرن الرابع قبل الميلاد واحتلّت مكانة رئيسية في معبده حتى القرن الرابع للميلاد.

كشفت أعمال التنقيب التي جرت في تيماء خلال عام 2007 عن مجموعة من اللقى؛ منها هذه التميمة الخزفية التي تتبنّى نموذجاً انتشر انتشاراً واسعاً في سائر أنحاء وادي النيل، يمثّل سيّدة في وضعية المواجهة، تنتصب بثبات، معتمرة تاجاً ضخماً يبدو حجمه أكبر من حجم وجهها. امّحت سمات هذه التميمة؛ غير أن معالم قالبها بقيت جلية، رغم ضياع القسم الأسفل الخاص بالساقين. البنية مصرية بامتياز، وتتجلّى في ثبات الكتلة، وبنيتها التشريحية. تنتصب القامة في مهابة ووقار، وتتدلى الذراعان بشكل مستقيم، وتبدوان ملتصقتين بجانبي الصدر العاري.

ظهرت إيزيس في نهاية عصر المملكة المصرية القديمة، في القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد، حيث ارتبط اسمها بالعالم الجنائزي. في الألفية الأولى قبل الميلاد، تجاوزت هذا العالم، وشاعت عبادتها بشكل واسع في سائر أنحاء وادي النيل، حيث شكّلت مع زوجها أوزوريس وابنها حورس ثالوثاً مقدّساً ساد في ظلّ المملكة الحديثة. حضرت هذه المعبودة أولاً في هيئة سيدة تعتمر تاجاً يشبه العرش، ثم ورثت السمات التي تمتّعت بها قديماً حتحور؛ «سيدة السماء والخصوبة والجمال»، وبات تاجها على شكل قرص شمسي يحضر بين «قرني بقرة»، وحظيت بقوى خارقة جعلت منها حامية المملكة، وحاكمة السماوات والأرض، وسيّدة القدر. حافظت إيزيس على هذه السيادة في ظل البطالمة الذين حكموا مصر وبنوا الإسكندرية وجعلوا من هذه المدينة عاصمة لدولتهم، وشكلت في تلك الحقبة ثالوثاً جديداً مع سيرابيس الذي جمع بين أوزوريس و«الثور المقدس» المعروف باسم «آبيس»، و«حربوقراط»، وإرث حورس الذي عُرف بـ«سيّد الصمت والأسرار».

على الرغم من ضياع ملامحها، فإن «إيزيس تيماء» تبدو مصرية بامتياز، وتُضاف إلى مجموعة من اللقى المصرية التي عُثر عليها في مواقع عدة من الأراضي العربية السعودية؛ ومنها على سبيل المثال مجموعة من التمائم الصغيرة أشار إليها جمال الدين صالح سراج علي في تقرير خاص «عن نتائج حفرية الخريبة الجنوبية بالحِجْر»، نُشر في العدد الـ13 من حولية «أطلال» سنة 1990. تضم هذه المجموعة مجسّماً لامرأة برأس لبؤة، يمثل المعبودة سخمت؛ «سيدة الحرب والمعارك»، ومجسّماً لطفل يرفع سبابته إلى فمه يمثل حربوقراط، ومجسماً على هيئة أفعى الكوبرا يمثل «واجيت»؛ معبودة دلتا مصر. مثل «إيزيس تيماء»، تتبع هذه التمائم النماذج المتعارف عليها، وتعكس الروابط الفنية التي جمعت بين الجزيرة العربية ومصر في العصر الهلنستي.

دخلت إيزيس عالم البحر الأبيض المتوسط بأقاليمه المتعددة في نهاية القرن الرابع قبل الميلاد، ونافست نظيراتها اليونانيات على مدى 8 قرون من الزمن، وتعدّدت أسماؤها خلال تلك الحقبة الطويلة، فعُرفت بلقب «إيزيس ميريونيما»؛ أي «المعبودة ذات العشرة آلاف اسم»، وهي المعبودة التي امتدحها لوقيوس أبوليوس في القرن الثاني للميلاد بإجلال قلّ نظيره في كتاب «التحولات»؛ فهي: «مليكة بني الإنسان الوحيدة»، وهي السيدة «التي يسيطر مدّها وجزرها على كل جسم مهما كان؛ في الجو والبر وأعماق البحر»، وهي «مليكة السماء المباركة» التي تُعرف بأسماء كل المعبودات، وهي التي تُكرَّم «بطقوس كثيرة مختلفة»، وهي التي تستجيب للدعاء، وتقول: «أنا الطبيعة. أنا الأم الكونية... سيدة العناصر كلها، ابنة الزمان الأولى، مليكة الأموات، ملكة الخالدين كذلك، ورغم أني أُعبَد بمظاهر كثيرة وأُعرَف بأسماء لا تحصى، ويُتقرّب إليّ بكل شكل من الشعائر المختلفة، فإن الكرة الأرضية عن آخرها تبجلني».

تعدّدت صور إيزيس في العالم المتوسّطي كما تعدّدت أسماؤها، فحضرت في قوالب مختلفة عُرف كلّ منها باسم خاص. في كتابه الصادر عام 1982 تحت عنوان «قرية الفاو... صورة للحضارة العربية قبل الإسلام»، نشر عبد الرحمن الطيب الأنصاري صورة لقطعة من الخزف المزجج بلون فيروزي عُثر عليها في منطقة سكنية، «تمثل وجه شخص طويل يرتدي غطاء على الرأس». في الواقع، يمثل هذا المجسّم رأساً أنثوياً يغلب عليه الطابع اليوناني الكلاسيكي، يعتمر تاجاً بيضاوياً ضخماً يفوق حجمه حجم وجه صاحبته. اتضح لاحقاً أن هذا الوجه يعود إلى تمثال عُثر عليه من غير رأس، وتمّ جمع الرأس بالبدن، فاكتمل التمثال المطليّ بالأزرق والأخضر، وبلغ طوله 25 سنتيمتراً، وقطره 8 سنتيمترات.

دخل هذا التمثال متحف قسم الآثار الخاص بجامعة الملك سعود بالرياض، وعُرض عالمياً في معرض انطلق من متحف «اللوفر» في باريس في صيف 2010. يجمع هذا المجسّم بين «إيزيس» و«تيكه»؛ «سيدة الحظ السعيد والنجاح والازدهار ووفرة الغلال» التي تحمل «قرن الوفرة» المليء بثمار الأرض. ظهر هذا «القرن» في القرن الخامس قبل الميلاد حيث ارتبط بـ«سيد العالم السفلي» الذي عُرف باسم «هاديس»؛ أي «مانح الثروة»، تعبيراً عما يحمله باطن الأرض من كنوز تشكّل جزءاً من مملكته. وارتبط في مرحلة لاحقة بسيدة الازدهار «تيكه» التي تعدّدت صورها ورموزها، حيث بات لكل مدينة مزهرة «تيكه» خاصة.

تتبنّى «إيزيس الفاو» نموذجاً شاع في العالم المتوسّطي، كما في العدد الهائل من الشواهد الأثرية التي تظهر فيها هذه المعبودة وهي تحمل «قرن الوفرة». تحضر «الأم الكونية» في ثوب طويل يلفّ جسدها وينسدل عند قدميها، مع عقد من حبات لؤلئية يلتف حول عنقها. يتميز هذا التمثال بطابع خاص يتجلّى في ضخامة حجم الرأس قياساً إلى حجم الجسم، ممّا يهب هذه القطعة اليونانية حلّة شرقية تماثل الحلل التي غالباً ما تبرز في النتاج الهلنستي الشرقي.


مقالات ذات صلة

مصر: ارتباك واتهامات في أول أيام تشغيل «تطوير منطقة الأهرامات»

يوميات الشرق باعة وخيّالة أمام هرم خفرع (الشرق الأوسط)

مصر: ارتباك واتهامات في أول أيام تشغيل «تطوير منطقة الأهرامات»

أثار الارتباك الذي شهدته منطقة أهرامات الجيزة في أول أيام تشغيل منظومة التطوير الجديدة بشكل تجريبي جدلاً واسعاً وانتقادات واتهامات

رحاب عليوة (القاهرة )
يوميات الشرق إحدى مراحل إنشاء المتحف المصري الكبير (صفحة المتحف على «فيسبوك»)

مصر تسابق الزمن للانتهاء من تحسين الصورة البصرية لمحيط المتحف الكبير

تسابق مصر الزمن للانتهاء من مشروع تحسين الهوية البصرية للمنطقة المحيطة بالمتحف الكبير، قبل افتتاحه المقرر بعد نحو 3 أشهر، في 3 يوليو 2025.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مصر: لا نية لإزالة المباني التاريخية والمحال التجارية بـ«وسط البلد»

مصر: لا نية لإزالة المباني التاريخية والمحال التجارية بـ«وسط البلد»

نفت مصر ما تردد حول اعتزام الحكومة إزالة المباني التاريخية والمحال التجارية بمنطقة «وسط البلد» التي تخضع لخطة تطوير في قلب العاصمة القاهرة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق الكشف الأثري في الرامسيوم بالأقصر تضمَّن قطعاً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

مصر: اكتشاف مقابر أثرية ومخازن للعسل والزيتون في الأقصر

تُضيء هذه الاكتشافات على التاريخ الطويل والمعقّد للمعبد، وتفتح آفاقاً جديدة لفهم دوره في مصر القديمة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق ثريا من رقائق الزجاج داخل معهد الشمس بطشقند (كاريل بالاس. من كتاب "طشقند: عاصمة الحداثة"، ريزولي نيويورك. بإذن من مؤسسة أوزبكستان لتنمية الفن والثقافة.)

بنايات طشقند الحديثة... إرث معماري وإلهام للمحافل الدولية

تستحق المباني الحديثة التي بُنِيت في النصف الثاني من القرن العشرين الزيارة والتأمل في تفاصيل المعمار الحديث المخلوط بعوامل من التراث الإسلامي للمدينة.

عبير مشخص (طشقند- أوزبكستان)

تطبيق جديد يهدف إلى تمكين الفنانين في مواجهة الذكاء الاصطناعي

من المتوقع أن يصل حجم سوق الذكاء الاصطناعي العالمي بحلول عام 2033 إلى 4.8 تريليون دولار (رويترز)
من المتوقع أن يصل حجم سوق الذكاء الاصطناعي العالمي بحلول عام 2033 إلى 4.8 تريليون دولار (رويترز)
TT
20

تطبيق جديد يهدف إلى تمكين الفنانين في مواجهة الذكاء الاصطناعي

من المتوقع أن يصل حجم سوق الذكاء الاصطناعي العالمي بحلول عام 2033 إلى 4.8 تريليون دولار (رويترز)
من المتوقع أن يصل حجم سوق الذكاء الاصطناعي العالمي بحلول عام 2033 إلى 4.8 تريليون دولار (رويترز)

في عام 2008، قال كاتب السيناريو إد بينيت - كولز إنه مرّ بـ«لحظة انهيار» في مسيرته المهنية، بعدما قرأ مقالاً عن نجاح الذكاء الاصطناعي في كتابة أول سيناريو لهذه التكنولوجيا. لكن بعد قرابة عقدين، ابتكر هو وصديقه كاتب الأغاني جيمي هارتمان، تطبيقاً قائماً على تقنية «بلوكتشاين»، يأملان بأن يمكّن الكتّاب والفنانين وغيرهم من امتلاك أعمالهم وحمايتها.

يقول هارتمان إنّ «الذكاء الاصطناعي اقتحم حياتنا، وبدأ يسيطر على وظائف كثيرين»، مضيفاً أن التطبيق الذي ابتكره هو وصديقه يرفض هذا الوضع، ويؤكد أنّ العمل مِلك لصاحبه.

ويتابع: «هذا عمل بشري، ونحن من نحدد قيمته، لأننا نملكه».

يُهدد الذكاء الاصطناعي الذي يتطوّر باستمرار، الملكية الفكرية وسبل العيش في مختلف المجالات الإبداعية.

الذكاء الاصطناعي يلعب دوراً مهماً في مختلف المجالات (رويترز)
الذكاء الاصطناعي يلعب دوراً مهماً في مختلف المجالات (رويترز)

ويرمي التطبيق الذي طوّره إد بينيت - كولز وجيمي هارتمان ويحمل اسم «إيه آر كيه» ARK، إلى تسجيل ملكية الأفكار والعمل، من الفكرة الأولية إلى المنتج النهائي. فعلى سبيل المثال، يُمكن للشخص تسجيل مقتطف تجريبي لأغنية بمجرد تحميل الملف، على ما يوضح مبتكرا التطبيق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وتتضمّن الخصائص اتفاقات عدم إفصاح، والتحقق القائم على تقنية «بلوكتشاين»، وإجراءات أمان بيومترية تؤكد أن الملف مِلك للفنان الذي حمّله.

ويُمكن للمتعاونين أيضاً تسجيل مساهماتهم الخاصة طوال فترة العملية الابتكارية.

ويقول بينيت كولز إنّ تطبيق «إيه آر كيه» يتحدى فكرة أن المنتج النهائي هو الشيء الوحيد الجدير بالقيمة.

ويشير هارتمان إلى أن الهدف هو الحفاظ على «عملية إبداع وابتكار بشري، وعزلها لحاميتها وكسب لقمة العيش منها».

من المقرر إطلاق «ايه آر كاي» في صيف 2025، وقد حصل التطبيق على تمويل من شركة رأس المال الاستثماري «كلاريتاس كابيتال»، كما أنه في شراكة استراتيجية مع «بي إم آي»، وهي منظمة تُعنى بحقوق الأداء.

ويقول بينيت - كولز: «رأيتُ مقولة تُلخص الأمر: النمو من أجل النمو هو فلسفة الخلية السرطانية. وهذا هو الذكاء الاصطناعي».

ويضيف أنّ «تبرير المبيعات دائماً ما يكون أسرع، لكننا نحتاج إلى أن نُحب العملية من جديد».

ويشبّه الفرق بين الفن البشري ومحتوى الذكاء الاصطناعي بطفل يرافق جده إلى بائع لحوم، مقابل طلب قطعة لحم من خدمة توصيل عبر الإنترنت.

ويقول إن الوقت الذي يمضيه أفراد العائلة معاً، وفي هذا المثال السير إلى المتجر ومنه والمحادثات بين إتمام المهمة «لا يقل أهمية عن عملية الشراء نفسها».

ويُقال إن الذكاء الاصطناعي يُقلل من قيمة العملية الإبداعية التي يأمل الفنانان أن يُعيد تطبيق «إيه آر كيه» ترسيخ أهميتها.

ويضيف هارتمان «إنه بمثابة رقابة وتوازن بالنيابة عن الإنسان».

- «النهوض» - يقول مبتكرا «إيه آر كيه» إنّهما قررا أن يكون التطبيق قائماً على تقنية بلوكتشين، أي تخزين البيانات في سجلّ رقمي، لأنها لا مركزية.

ويقول بينيت - كولز: «لمنح المبتكر استقلالية وسيادة على ملكيته الفكرية والتحكم في مصيره، ينبغي أن تكون التقنية لا مركزية».

ويوضحان أن مستخدمي التطبيق سيدفعون ثمن «إيه آر كيه» بحسب هيكلية متدرجة، إذ تُحدّد مستويات الأسعار وفقاً لحاجات استخدام التخزين.

ويشير كاتب السيناريو إلى أنّهما يسعيان إلى أن يكون التطبيق بمثابة «تسجيل على بلوكتشاين» أو «عقد ذكي»، واصفاً إياه بأنه «آلية توافق».

ويقول هارتمان إنّ «حقوق الطباعة والنشر مبدأ جيد جداً، ما دام يمكنك إثباته ودعمه».

الذكاء الاصطناعي يمكنه تحسين جودة الحياة (جامعة هارفارد)
الذكاء الاصطناعي يمكنه تحسين جودة الحياة (جامعة هارفارد)

ويضيف: «لماذا لا نحرز تقدماً في مجال حقوق الطباعة والنشر لناحية طريقة إثباتها؟ نعتقد أننا توصلنا إلى حل».

ويؤكد الفنانان أن المجالين اللذين يعملان فيهما كانا بطيئين جداً في الاستجابة للانتشار السريع للذكاء الاصطناعي.

ويشير بينيت - كولز إلى أنّ جزءاً كبيراً من الاستجابة ينبغي أن يبدأ بـ«لحظات انهيار» يواجهها الفنانون، مشابهة لما مر به قبل سنوات.

ويقول: «من هناك، يمكنهم النهوض وتحديد ما يمكن فعله»، مضيفاً: «كيف يمكننا الحفاظ على ما نحب القيام به، وما هو مهم بالنسبة إلينا؟».