محمد زايد الألمعي: «أنا الولدُ الذبيح!»... «سأموت قليلاً» وسألمسُ بعصايَ السماء

الشاعر السعودي الذي طالما رثى نفسه أصبح مرثية على شفاه الشعراء

محمد زايد الالمعي: «سأموت قليلاً»
محمد زايد الالمعي: «سأموت قليلاً»
TT

محمد زايد الألمعي: «أنا الولدُ الذبيح!»... «سأموت قليلاً» وسألمسُ بعصايَ السماء

محمد زايد الالمعي: «سأموت قليلاً»
محمد زايد الالمعي: «سأموت قليلاً»

قبل سنوات، كتب الشاعر السعودي محمد زايد الألمعي قصيدة يرثي فيها نفسه: «سأموت قليلاً / وستحزنون مؤقتاً / وبعدها ستحتفلون/ وتتحدثون عن عمق سخريتي/ وذكاء التافه من أقوالي/ وسوف تتجاهلون القصائد التي أحببتُ/ وتبررون أخطائي/ والشعر العظيم/ الذي لم أقلّه بعد!»... واليوم أصبح الألمعي الذي لَمَعَ في الشعر والفكر مرثية على شفاه الشعراء.

فقد توفي الكاتب والشاعر محمد زايد الألمعي في أحد مستشفيات القاهرة، إثر جلطة دماغية أصابته قبل يومين من رحيله عن 68 عاماً، ومن المقرر أن يشيّع إلى مثواه الأخير (الثلاثاء) في أبها جنوب المملكة.

ظل الألمعي يدق أجراس الرحيل منذ ثلاثين عاماً حين كتب: «لم يعد في العمر متّسعٌ/ كي تميل إلى ضدِّهِ أو إليه»، لكنه ظلّ يحلم أن يلمس السماء بعصاه: «حين كنتُ صبياً/ توهَّمتُ أن السماءَ/ سألمسُها بعصايَ/ إذا ما علوتُ الجبلْ».

وقد رحل الألمعي في القاهرة، ويعود اليوم «الولدُ الذبيح» إلى أرضه التي أحبّ: «أنا عائدٌ للبيت/ منطفئ/ كنايٍ دون ريح/ أنا ذابلٌ ومؤجلٌ/ مثل الخريفِ/ ومهملٌ/ خلف القصيدةِ/ غائمٌ/ لا أرتجي سفناً/ وطوفاناً/ أنا الولدُ الذبيح!».

كان محمد زايد الألمعي اسماً لامعاً في فضاء الشعر الحديث في السعودية والعالم العربي. بالإضافة إلى ذلك، فقد امتلك رؤية فكرية وفلسفية وحداثية عبرّ عنها في العديد من مقالاته ولقاءاته التلفزيونية، وأصدر ديوانه الشعري «قصائد من الجبل»، 1983، وقد بدأ حياته معلماً ثم اشتغل في الصحافة الثقافية خصوصاً في جريدة «البلاد»، قبل أن يؤسّس مع آخرين مجلّة «بيادر» الأدبية التي تصدر عن نادي أبها الأدبي.

أصبح محمد زايد الألمعي اسماً لامعاً في فضاء الشعر الحديث في السعودية والعالم العربي

ولد الألمعي عام 1958 في قرية رجال ألمع بمنطقة عسير، وتخرّج في كليّة المعلّمين ثم درس الزراعة في جامعة الملك عبد العزيز.

ونعت وزارة الإعلام الكاتب والشاعر محمد بن زايد بن محمد الألمعي، وكتبت وزارة الإعلام عبر موقع «إكس»: «بعد مسيرة عريقة في عوالم الشعر والأدب؛ الموت يغيّب الشاعر محمد زايد الألمعي».

في حين نعاه عدد من الشعراء والأدباء السعوديين والعرب، فقد كتب الدكتور عبد الله الغذامي عبر منصة «إكس»: محمد زايد الألمعي «مبدع عاش للشعر. يتنفس شعراً ويفكر شعراً وسلوكه ونظام علاقاته قصائد مع الحياة وللحياة».

وكتب جاسم الصحيح، عبر المنصة نفسها: «جبلُ الشعر العالي وشاعر الجبال الكبير محمد زايد الألمعي يحلِّق في معراج الخلود إلى جوار ربه الكريم... رحمك الله رحمة واسعة يا أبا عبد الخالق، وعلى الشعر بعدك العفا، اليومَ تلمسُ السماءَ بيدِ الحقيقة لا الوهم، ويبقى صداكَ ملءَ مسامع الأجيال يردد: (حين كنتُ صبيًّا توهَّمتُ أن السماءَ سألمسُها بعصايَ إذا ما علوتُ الجبلْ)».

وكتب الإعلامي د. سليمان الهتلان: «لم يكن شاعراً فقط. بل كان صاحب رؤية فكرية فلسفية معقدة. وكان شغوفاً بتعلم الجديد من منتجات الحداثة كالتقنية ومعاني المصطلحات الحديثة. وكان مغامراً جسوراً خارجاً عن قيد القبيلة وفياً لجميل أعرافها واعياً بحدود (العيب) في سلومها. كان حراً شغوفاً بالمغامرة!».

وقال الدكتور سعد البازعي عبر تغريدة له: «بالرحيل المفاجئ والمفجع للصديق الشاعر محمد زايد الألمعي (رحمه الله) يفقد المشهد الأدبي والثقافي العربي وجهاً بارزاً من وجوهه الكبيرة المبدعة. ظل محمد مثل قصائده متأبياً على الانضواء تحت عنوان أو الاندراج ضمن مجموعة، لكنه كان مع ذلك طاقة شعرية حداثية هائلة تنجز بصمت، كرحيله الصامت».

وقال الكاتب والروائي عبد العزيز الصقعبي: برحيل الألمعي «فقد الشعر في المملكة صوتاً متميزاً، في انتظار مبادرة لنشر أعماله الكاملة».

وكتب الروائي أحمد الدويحي: «قال ذات مرة في أمسية كبيرة ومشهودة بالرياض: لا نحب أحد... غير هذا البلد! فوقف أحد غلاة التشدد حينها، وسأله: من الذين لا تحبهم؟ رد: ببساطة كل من يعتقد أني لا أحبه، فأنا لا أحبه! كان عالياً ورفيعاً وشامخاً فكراً وشعراً».

من قصيدته «في مهب الطفولة»:

عند فاصلة في مهب الطفولة

أوقفني حيث كان الولد

أراني دفاتره وخرائط أحلامه

كان نبتاً بهياً كأسلافه الجبليين

من أزل الروح حتى الأبد

كان يقرأهم ويعيد قواميسهم مثلهم

فيسمي القرى وطنًا

والحقول بلد

وكان يباهي بأن غرسوا باسمه سدرة إذْ وُلد

وقال سأُسكنُ فيها يماماً ليغرقها بالهديل

إذا ما لقيتُ الصبايا صباح الأحد

وقال سأنخب منهن واحدة وأعتقها في خوابي المدينة حتى تفوح كصيف

وتعبقَ ريحانةً وتسيلَ بَرَد

وقال سأطلقها في دروب المدينة

مهرة حريَّة

يا لهذا العجوز الولد..


مقالات ذات صلة

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

ثقافة وفنون غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق مجموعة من المشاهير الراحلين الأعلى دخلاً رغم وفاتهم منذ سنوات

ملايين الدولارات في حسابات أموات... كيف يجني المشاهير الراحلون أموالاً طائلة؟

لا تعني وفاة المشاهير أن ثرواتهم تتوقّف عن التكاثر، بل إنها قد تتضاعف بعد رحيلهم كما هي الحال مع مايكل جاكسون... فكيف يحصل ذلك ومَن المستفيدون؟

كريستين حبيب (بيروت)
شمال افريقيا الكاتب الجزائري بوعلام صنصال يتحدث في مؤتمر صحافي خلال الدورة الثانية والستين لمهرجان برلين السينمائي الدولي 9 فبراير 2012 (أ.ب)

الجزائر تواجه دعوات متزايدة للإفراج عن الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال

دعا سياسيون وكتاب وناشطون إلى الإفراج عن الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
يوميات الشرق وزارة الثقافة حريصة على التبادل الثقافي الدولي بوصفه أحد أهداف الاستراتيجية الوطنية للثقافة (واس)

اتفاقية تعاون تجمع «الثقافة السعودية» و«مدرسة الملك تشارلز للفنون»

شهد الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي رئيس مجلس إدارة هيئة التراث، الأربعاء، توقيع اتفاقية تعاون بين الوزارة ومدرسة الملك تشارلز للفنون.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يؤكد مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج

أكد البيان الختامي لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة، الذي اختُتم اليوم، إقامة مشروع بحثي فلسفي يدرس نتاج الفلاسفة العرب وأفكارهم وحواراتهم.

ميرزا الخويلدي (الفجيرة)

لماذا نقرأ للقدماء؟

 أرسطو
أرسطو
TT

لماذا نقرأ للقدماء؟

 أرسطو
أرسطو

أثارت أستاذة الفلسفة آغنيس كالارد البروفيسورة في جامعة شيكاغو في مقالة لها نشرتها «ذا ستون/ نيويورك تايمز» قضية جدوى قراءة أرسطو اليوم، خصوصاً ونحن نراه يتبنى قيماً تخالف القيم الإنسانية التي تواضع الناس في زماننا على مجافاة ما يخالفها. ما لم تشر إليه كالارد هو أننا نعلم أن الثورة العلمية التي بدأت مع كوبرنيكوس (1473 – 1543) وانتهت بإسحاق نيوتن (1642 – 1727) قد دمرت علوم أرسطو، سواء على صعيد النظريات التي قال بها، أم على صعيد المنهج الذي اتبعه، فقد أسس غاليليو غاليلي المنهج التجريبي الذي نسف إدخال التأمل في دراسة الطبيعة. وغاليليو هو من قام باكتشاف أقمار المشتري التي تدور حوله فأسقط نظام أرسطو والبطالمة عن مركزية الأرض، وهو من اكتشف بمقرابه الذي صنعه بنفسه النمش على وجه الشمس (العواصف المغناطيسية) فأبطل نظرية كمال الشمس والأفلاك. ثم جاء قانون الجاذبية النيوتوني فألغى نظرية أرسطو عن المحرك الذي لا يتحرك. ما الذي بقي؟ الأخلاق.

لا يقف اختلافنا معه عند العلم، بل ينتقل إلى مستوى الأخلاق، حين نجده لا يكتفي بالتغاضي عن جرائم العبودية، ويدافع عنها، بل يراها مفيدة لاقتصاد الدولة وللمُستعبَد نفسه، على حد سواء. من وجهة نظره، هناك بشر لا يُحسنون التكسب ولا أن يستفيدوا في حياتهم، وبالتالي فالأفضل لهم أن يكونوا مجرد أدوات بأيدي غيرهم. ولا تقف معاداة أرسطو لليبرالية عند هذا الحد، بل يقرر في مواضع كثيرة من كتبه أن المرأة غير قادرة على اتخاذ القرار السلطوي، وبالتالي لا يجوز تمكينها من السلطة سوى سلطتها في بيتها. وتمتد عنصرية أرسطو وطبقيته إلى حرمان من يعمل بيده من حق المواطنة، كما أنه يحرمه من حق التعليم، في نسخته من المدينة الفاضلة. وفي موضع من كتاب «الأخلاق» يقرر أن قبيح الصورة لا يستحق السعادة ولا المعرفة، ويمكن القول بأنه قام بالتأسيس للأخلاق الأرستقراطية، فقد قرر أن المواعظ الأخلاقية لن تُفيد المستمعين، إلا إذا كانت نفوسهم في أصلها نبيلة وكريمة وشريفة، يقصد بذلك أن خطابه موجه فقط لطبقة الأرستقراطيين والنبلاء وعِلية المجتمع، أما بسطاء الناس وسوقتهم، فليسوا بداخلين في هذه المعادلة، ولن يصلوا إلى الفضيلة –بحسب أرسطو– مهما سمعوا من المواعظ الأخلاقية. «كل من كان خسيس النسب أو شديد القبح فهو محروم من الوصول للسعادة الكاملة». أما إذا حاول هؤلاء أن يتجاوزوا حدودهم وأن يسْموا على ما هم فيه، كمحاولة الفقير أن يكون كريماً جواداً وهو لا يملك ما ينفقه، فهذا في حكم أرسطو: «غبي وأحمق». إذن، فالأخلاق والفضائل عند أرسطو طبقية ولا تليق إلا بمن يقدرون عليها ممن لديهم رغبة في استثمار مكانتهم الاجتماعية واستغلالها جيداً.

عندما نفتش في نصوص الفلاسفة فسنجد أن أرسطو لم يكن وحده، فهيراقليطس كان يحتقر عموم الناس، وصدرت عن هيوم وكانط عبارات عنصرية ضد السود، وفريجه، صاحب المنعطف اللغوي، صدرت عنه عبارات صُنفت على أنها مضادة للسامية. لكن عنصرية أرسطو أسوأ وأوسع دائرة، فهو ضد كل من ليس بإغريقي. في عنصرية تشبه موقف ديكارت من الحيوانات التي يصفها بأنها آلية وبلا روح ولا وعي. ولهذا كان تلاميذه يطاردون الكلاب في شوارع باريس ويضربونها بالعصي لكي يثبتوا أنها لا تشعر، كما قال الأستاذ.

لكن ما هو موقفنا نحن من هذا؟ هل نتجاهل مثل هذه الهفوات ونركز اهتمامنا على الأفكار العظيمة التي أدلوا بها في مواضع أخرى؟ أم أن هذه العنصرية هي جزء لا يتجزأ من فلسفاتهم؟ هذا هو السؤال الذي حاولت كالارد الإجابة عنه.

عندما نفتش في نصوص الفلاسفة فسنجد أن أرسطو لم يكن وحده، فهيراقليطس كان يحتقر عموم الناس، وصدرت عن هيوم وكانط عبارات عنصرية ضد السود، وفريجه، صاحب المنعطف اللغوي، صدرت عنه عبارات صُنفت على أنها مضادة للسامية.

في الواقع، هناك من يمكن فصل هفواتهم عن فلسفاتهم من مثل هيوم وكانط وفريجه، ويمكننا أن نعتبرها فلتات لسان أو مفردات مخزونات رشحت عن ثقافة وتربية أهل ذلك العصر. وهناك من لا يمكن فصل فلسفتهم عن أحكامهم الجائرة، ومن هؤلاء أرسطو، فكل فلسفته قائمة على عدم المساواة. مكانة الإنسان تكتسب مع النشأة، وبالتالي فلا فضيلة للنساء ولا للعمال ولا للأجانب من غير الإغريق، فكل من ليس بإغريقي بربري، كل هؤلاء ليس لهم حق في المطالبة بالاحترام. إنه لا يؤمن بمفهوم الكرامة الإنسانية الذي بُنيت عليه حقوق الإنسان، بل كل ما يتعلق بحقوق الإنسان لا يتفق مع فلسفة أرسطو.

ما فات الأستاذة كالارد أن تشير إليه هو أن هذه النظرة الأرسطية المتعالية هي أحد الأسباب المهمة لنشوء المركزية الأوروبية، وهي تلك النظرية التي تحدو بها العيس إلى الغرب باعتباره مركزاً للأحداث العالمية أو متفوقاً على جميع الثقافات الأخرى. صحيح أنه من المحبب إلى النفس أن نكون قادرين على أن نؤيد إمكانية الخلاف الجذري حول الأسئلة الأكثر جوهرية، لكن هذا لن يمنعنا من رصد الأخطاء الشنيعة في تاريخ الفكر وتفكيكها لكيلا تعود مرة ثانية. ورغم أن قسماً كبيراً مما دونه أرسطو قد ثبت أنه غير صحيح، وأن الأخلاق التي دعا إليها تنطوي على ما لا يطاق؛ فإنه ما زالت أقسام الفلسفة في جامعات العالم تُدرس أخلاق أرسطو كجزء من مناهج الفلسفة. لا يمكن أن يطالب متعلم بمحاربة أرسطو أو منع كتبه أو عدم طباعتها، فهو اسم في غاية الأهمية في تاريخ الفكر ومحطة جوهرية في رحلة الروح، وهذا الاسم قد وقع اليوم تجاوزه، لكنه علامة مهمة لكي نفهم كيف وصلنا إلى محطتنا الحالية.