«مختبرات السَّرد العربية»... هل أصبحت لافتةً أنيقةً دون مضمون؟

مثقفون وأدباء يناقشون مرجعياتها وأهدافها الفكرية والنقدية

هوشنك أوسي
هوشنك أوسي
TT

«مختبرات السَّرد العربية»... هل أصبحت لافتةً أنيقةً دون مضمون؟

هوشنك أوسي
هوشنك أوسي

شهد الحراك الثقافي العربي في السنوات الأخيرة عدداً من الظواهر التي عدّها مراقبون علامةً أدبيةً مهمةً تحرك المياه الراكدة، تأتي «مختبرات السرد» على رأس هذه الظواهر. اللافت أنه قبل 20 عاماً كان المصطلح نفسه غريباً يثير التساؤل، وربما السخرية، بسبب غرابته وإحالاته العلمية والطبية، لكنه الآن بات من المفردات البديهية للنشاط الأدبي والثقافي هنا وهناك، ولا يكاد يخلو بلد عربي منه، بل إن بعض البلاد مثل مصر والمغرب أصبح لديها أكثر من مختبر سردي.

في هذا السياق، إلى أي حد تبدو تلك المختبرات ضرورية، وما هي الأهداف التي حققتها خصوصاً بعد نضوج التجربة وانتشارها؟... في هذا التحقيق يجيب مديرو ومؤسسو تلك المختبرات، بالإضافة لأدباء ومثقفين، عن هذه الأسئلة وغيرها.

عبد الرحمن غانمي

كانت شرارة البداية انطلقت من المغرب، حيث شهدت الساحة الثقافية هناك الإرهاصات الأولى لتلك التجربة، وكان للمثقفين المغاربة فضل كبير في صك المصطلح وتقديمه للساحة العربية لاحقاً. اللافت أن «مختبر السرد» بكلية الآداب، جامعة السلطان مولاي سليمان بني ملال، يمتد نشاطه ليشمل «الأشكال الثقافية: الأدب واللغة والمجتمع»، فهل ثمة دلالة ما؟ طرحنا السؤال على مدير المختبر د. عبد الرحمن غانمي فأجاب قائلاً: «في الواقع لم تنشأ الفكرة من فراغ، فهي حصيلة تراكمات أكاديمية أملت علينا في آخر المطاف تأسيس المختبر بأفق ورؤية مغايرة، ليست غايتنا تكرار التجارب، أو أن نكون مجرد رقم إضافي، ولا (مزاحمة) أيِّ من كان، وإنما فقط من أجل ترجمة المشروع الذي نؤمن به على أرض الواقع، ولذلك لم نقدم على هذه الخطوة إلا بعد مخاض مهم ونقاش مع مكونات المختبر ومرجعياته الفكرية في بدايات العقد الأول من هذا القرن».

سمير الفيل

وحول أبرز الأهداف الخاصة بالمختبر، أوضح أنها تتمثل في الاشتغال على قضايا وموضوعات ما زالت في حاجة إلى التناول، أو تلك التي لم تنل حظها من العناية والاحتضان، تبعاً لتصورات فيها قسط محترم من الاجتهاد والمثابرة، وعقد مؤتمرات وندوات وطنية ودولية ولقاءات منتظمة. والاهتمام كذلك بالتأطير الأكاديمي للطلبة في تكوين أطروحات الدراسات الأدبية واللسانية والثقافية.

لكن مع «تكاثر» مختبرات السرد من المحيط إلى الخليج، يرى البعض أنها تحولت إلى نشاط روتيني ولافتة أنيقة دون مضمون حقيقي، يجيب د. غانمي: «هناك عدد من مختبرات السرديات العربية تؤدي خدمة ثقافية لافتة، في سياقات أدبية ونقدية وفكرية بدلاً من أن يظل ذلك حكراً على بعض المؤسسات، ومن الأكيد أن التجارب تتنوع ولا تشتغل بالضرورة بإيقاع واحد، وتقوى في حين، وقد يخفت صوتها في لحظات أخرى، وقد تتحول بعض الأنشطة في بعض الأحايين إلى إعادة إنتاج الموجود».

سهير المصادفة

الرهان على الغرابة

في أواخر ديسمبر (كانون الثاني) 2009، تم الإعلان عن انطلاق «مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية». ورغم غرابة الاسم وقتها، إلا أن مؤسس ومدير المختبر الكاتب منير عتيبة راهن على أن هذه الغرابة ستكون نقطة تميز تلفت الأنظار إلى ما يقوم به المختبر، حتى لو واجه الاسم في البداية بعض التندر.

ويشير عتيبة إلى تبني المختبر فكرة «زمن السرد» مقابل «زمن الرواية»، وهو المصطلح الذي أطلقه الناقد المصري د. جابر عصفور، وذلك حتى لا يظن البعض أن الرواية قتلت بقية الأشكال السردية. وتم التوسع في مفهوم السرد بالمختبر، فلم يعد يقتصر على «السرد الكتابي» من قصة قصيرة ورواية، بل أضيف إليه «السرد المسموع» ممثلاً في الدراما الإذاعية، و«السرد المرئي» ممثلاً في الدراما التليفزيونية والسينمائية، إضافة إلى المسرح الذي يعد أب الفنون، باعتبار أن كل هذه الفنون «تسرد» فكرة في إطار فني باستخدام أدوات مختلفة من النص المكتوب إلى جسد الممثل وصوته إلى الحركة المسرحية والمؤثرات الصوتية والموسيقى والديكور والإضاءة. ويتم تنظيم لقاء شهري بـ«بيت السناري» التابع لمكتبة الإسكندرية بمنطقة السيدة زينب بالقاهرة لمناقشة عمل سردي أو مناقشة مجمل أعمال سارد. كما يتم تنظيم لقاء شهري آخر بالمكان نفسه تحت عنوان «مختبر السرديات للفتية ببيت السناري»، وهو ورشة عمل دائمة لتدريب الشباب تحت سن العشرين ومناقشة أعمالهم بالتواصل مع كبار المبدعات والمبدعين.

جعفرالعقيلي

ويوضح منير عتيبة أن مختبر السرديات بالإسكندرية حقق الكثير من أهدافه، مثل دعم جسور التعاون بين الجهات الثقافية في البلاد العربية المختلفة، وهو ما تجلى في العديد من المؤتمرات التي نظمها المختبر مثل مؤتمر «البحر والصحراء: قصة مدينتين (الإسكندرية والرياض)» الذي جاء ثمرة تعاون بين مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية وبين «وحدة السرد» بكلية الآداب بجامعة الملك سعود.

رد الاعتبار للمنجز السردي

وحسب البيان التأسيسي لمختبر السرديات بالأردن، فإن الهدف من ذلك الكيان يتمثل في «الانفتاح على جميع أشكال السرد ومنتجيه دون أي مرجعية سوى جِدّة النص وسعيه الحثيث للمقاربات الحقيقية بغرض رد الاعتبار إلى المنجز السردي باعتباره منصة للانفتاح الإنساني».

منير عتيبة

وينفي الكاتب والناشر الأردني جعفر العقيلي، نائب رئيس المختبر، فكرة أن ظاهرة مختبرات السرد تحمل شيئاً من الرفاهية أو الرغبة في التقليد، مؤكداً أن تأسيس المختبر الأردني جاء انطلاقاً من الوعي بأهمية السرد وضرورة معاينته عبر الرواية والقصة والمسرحية والنصوص، بعين واعية وناقدة، والإسهام في خلق بيئة مبدعة حرة خلاقة، من خلال المراجعات والقراءات، واستنطاق النص الحاضر، واستحضار النماذج المبدعة، وفتح الأبواب للمغامرات السردية الجديدة، كي تعزز الحضور الإبداعي المهم فيما يخص الأجيال المبدعة في مجال السرد في الأردن، ليكون تلمّسه بتجلياته وأبعاده الإنسانية ومساحاته الإبداعية.

يضيف العقيلي: «نقوم في المختبر بتنظيم أنشطة غير نمطية كانت بمثابة سبل مدروسة تلقي الضوء على السرد المكرس وتأخذ بيد التجارب السردية الجديدة وفق رؤى وأدوات لا تتحقق إلا بثالوث الروائي والناقد والقارئ». ويؤمن مؤسسو المختبر، الذي يرأسه الكاتب مفلح العدوان، أن من أبرز معالم التنوير الثقافي في البلاد العربية ازدهار حالة النقد الذي يترافق مع وجود حركة تأليف مميزة وذات فعالية.

وعلى الدرب نفسه وفي ديسمبر 2019، أطلق مثقفون من مدينة دمياط الساحلية، شمال مصر «مختبر السرد بدمياط». ومن بين هؤلاء المؤسسين الشاعر والقاص سمير الفيل الذي يشير إلى أن أنشطة المختبر تتم في مقر حزب «التجمع» بالمدينة رغبة في الاستقلال عن الهيئات الرسمية. ويضيف الفيل: «نجح المختبر في تقديم جيل جديد من النقاد إلى الساحة الثقافية المصرية منهم محمد طاهر عشعش، دعاء البطراوي، هبة عادل السويسي، إضافة إلى النقاد أصحاب الخبرة مثل د. حمدي سليمان، د. عيد صالح، د. رشا الفوال، ود. إبراهيم منصور».

ويقول الفيل إن الهدف الأهم للمختبر، الذي بدأ في التبلور والتحقق، يتمثل في مد الحركة الثقافية بنشاط نوعي حقيقي، والتعرف على أقلام لا تحظى بدرجة كبيرة من الشيوع والانتشار لكنها تملك الموهبة ولديها هاجس التجاوز والتجريب. وينفي الفيل تحول المختبر إلى مجرد نشاط روتيني، نظراً لحرص الإدارة على اختيار أعمال مرموقة وذات مصداقية، ولإسناد مهمة النقد لأقلام عُرف عنها التجرد والنزاهة.

تفاؤل وتحذير

من جهتها، تشير الكاتبة الروائية سهير المصادفة إلى أنها شاركت في معظم فعاليات مختبرات السرديات، سواء في مصر أو في العالم العربي. لعل أشهرها وأكثرها تأثيراً مختبر السرديات بالمغرب، وكذلك ملتقى السرد الذي تقيمه الشارقة، وهو في أحد وجوهه مختبر للسرد أيضاً. وحول رؤيتها لتلك التجربة بعين المبدع تقول المصادفة: «فعاليات هذه المختبرات مهمة بالتأكيد للبحث الأكاديمي والنقد الأدبي والأدب المقارن، وبالتالي هي مهمة لمسيرة السرد. ولكن لا يساهم في الارتقاء بمستوى السرد إلا السرد نفسه، أي الروائي أو الروائية، فنحن هنا نتحدث عن تناول ما بعد العملية السردية، أي تحليل العمل الأدبي المكتمل بالفعل، من خلال محاور تفتح الآفاق أمام الباحثين، وتشير إلى الطفرات الكبرى في مسيرة السرد، وقد تكتشف من خلاله مدارس أو تيارات أدبية جديدة».

ويقول الشاعر والروائي السوري المقيم ببلجيكا هوشنك أوسي: «إن مختبرات السرد ظاهرة تنعكس إيجابياً على ضفتي الإبداع والنقد معاً، لكنها يُفترض أن تكون مرتبطة إمّا بالمكتبات الوطنيّة الكبرى، أو بأقسام وكُليّات الآداب في الجامعات، أو بوزارة الثّقافة، بحيث تكون مدعومة ومموّلة، وتحظى بشخصيّة أكاديميّة اعتباريّة. لكن مع ذلك، ففي ظنّي وتقديري أن التفاؤل الموجود حيال مختبرات السّرد، يفترض أن يكون مصحوباً بالتحذير مما يمكن وصفه بـانقلاب السحر على الساحر، بحيث كنا في أمس الحاجة لمختبرات السرد، كي تنقذ السّاحة الأدبية والنقدية من مظاهر الإسفاف والتهافت في الكتابة الأدبية والنقدية، لكن الخوف أن نصبح فجأة في أمس الحاجة إلى من ينقذنا من (مختبرات السّرد) العشوائيّة والارتجاليّة، أو الخاضعة لسطوة وسلطان هذا الكاتب أو الناقد أو المموّل».


مقالات ذات صلة

«مائة عام من العزلة» يستحق ابتسامة ماركيز... مسلسلٌ ضخم على هيئة حلم مدهش

يوميات الشرق «مائة عام من العزلة» يستحق ابتسامة ماركيز... مسلسلٌ ضخم على هيئة حلم مدهش

«مائة عام من العزلة» يستحق ابتسامة ماركيز... مسلسلٌ ضخم على هيئة حلم مدهش

تختتم «نتفليكس» عامها بمسلسل من الطراز الرفيع يليق باسم الأديب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز ورائعتِه «مائة عام من العزلة».

كريستين حبيب (بيروت)
ثقافة وفنون عبد الرحمن شلقم وأجواء الحب والفروسية في «القائد العاشق المقاتل»

عبد الرحمن شلقم وأجواء الحب والفروسية في «القائد العاشق المقاتل»

بأسلوب شيّق، وحبكات متتالية، يسرد عبد الرحمن شلقم المسار الاستثنائي للقائد العسكري الإيطالي أميديو جوليت، الذي عرف ببطولاته، وانتصاراته

سوسن الأبطح (بيروت)
ثقافة وفنون مي التلمساني وإيهاب الخراط... وفي الوسط الكاتب أحمد رمضان الفائز بالجائزة

أحمد رمضان يحصد «جائزة إدوار الخراط» الأدبية

بمناسبة الذكرى التاسعة لرحيله (1926 - 2015)، وفي احتفالية رائعة تليق بعطائه المتنوع المغامر واجتراحه آفاقاً جديدة للكتابة.....

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
ثقافة وفنون  أرسطو

لماذا نقرأ للقدماء؟

أثارت أستاذة الفلسفة آغنيس كالارد البروفيسورة في جامعة شيكاغو في مقالة لها نشرتها «ذا ستون/ نيويورك تايمز» قضية جدوى قراءة أرسطو اليوم

خالد الغنامي
يوميات الشرق من «الأطلال» إلى «واللهِ أبداً»... جواهر اللغة العربية بأصوات أجيالٍ من المطربين

من «الأطلال» إلى «واللهِ أبداً»... جواهر اللغة العربية بأصوات أجيالٍ من المطربين

من أم كلثوم وفيروز وعبد الوهاب، مروراً بماجدة الرومي وكاظم الساهر، وصولاً إلى عمرو دياب. كيف أسهمَ نجوم الأغنية في إحياء اللغة العربية الفصحى؟

كريستين حبيب (بيروت)

قافلة من الشعراء تشعل ليالي الكويت الباردة في «دورة البابطين» الثقافية

الشاعرة روضة الحاج (الشرق الأوسط)
الشاعرة روضة الحاج (الشرق الأوسط)
TT

قافلة من الشعراء تشعل ليالي الكويت الباردة في «دورة البابطين» الثقافية

الشاعرة روضة الحاج (الشرق الأوسط)
الشاعرة روضة الحاج (الشرق الأوسط)

أشعلت كتيبة من الشعراء، تقاطروا من كل أرجاء العالم العربي، لياليّ الكويت الباردة بالدفء والمشاعر الصاخبة، في توليفة من العشق والغزل والحنين والافتجاع، حيث أوقد 27 شاعراً وشاعرة عربية جمر الكلمات لتنساب قصائدهم كألسنة نار تسكب حرارة العاطفة في قوالب موسيقية تجتذب القلوب التواقة إلى الدفء والجمال.

عبر ثلاث أمسيات شعرية، توزع الشعراء الـ27 ضمن فعاليات الدورة التاسعة عشرة لمؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية للإبداع الشعري، التي خصصت أعمال هذه الدور لسيرة مؤسسها الراحل الشاعر عبد العزيز سعود البابطين، الذي رحل منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أقيمت الأمسيات الثلاث في مكتبة البابطين في العاصمة الكويت، الأمسية الأولى جمعت تسعة شعراء من مختلف أنحاء العالم العربي، وأدارها الدكتور مشعل الحربي (الكويت). وشارك فيها كلٌ من: أوس الأفتيحات (العراق)، وجاسم الصحيّح (السعودية)، وجمانة الطراونة (الأردن)، وحنين عمر (الجزائر)، وخالد بودريف (المغرب)، ومحمد طه العثمان (سوريا)، ومحمد عرب صالح (مصر)، وموضي رحال (الكويت)، ووليد الصراف (العراق).

الأمسية الثانية جمعت أيضاً تسعة من الشعراء، وأدارها الدكتور عبد الله السرحان (الكويت) وشارك فيها كلٌ من: أحمد شلبي (مصر)، وجاسر البزور (الأردن)، وخالد الحسن (العراق)، وروضة الحاج (السودان)، وسمية محنش (الجزائر)، وفالح بن طفلة (الكويت)، ومحمد الجلواح (السعودية)، نبيلة حماني (المغرب)، وهبة الفقي (مصر).

وضمّت الأمسية الثالثة، تسعة شعراء آخرين، وأدارها الدكتور أحمد الفرج (الكويت)، وشارك فيها كلٌ من: إباء الخطيب (سوريا)، وأحمد بلبولة (مصر)، وإياد هاشه (العراق)، وحسام شديفات (الأردن) ودلال البارود (الكويت)، وشقراء مدخلي (السعودية) وعبد الله الفيلكاوي (الكويت)، وفارس حرّام (العراق)، ومحمد البريكي (الأمارات).

الشاعر السعودي جاسم الصحيّح (الشرق الأوسط)

جاسم الصحيّح

شارك في الأمسية الأولى الشاعر السعودي جاسم الصحيّح، الذي سبق أن فاز بجائزة أفضل ديوان شعري في مسابقة البابطين للإبداع الشعري 2012 عن ديوانه «ما وراء حنجرة المغني»، كما حاز جائزة سوق عكاظ الدولية للشعر العربي الفصيح 2018، وأخيراً جائزة المركز الأول في برنامج «المعلقة» من وزارة الثقافة السعودية في عام 2024.

وألقى الصحيّح بعضاً من نصوصه، جاء في قصيدته «لعابر في التآويل»:

نبيٌّ ولكنْ عابرٌ للشرائعِ

حدودُ سماواتي حدودُ أصابعي

إذا سال ظِلِّي بَلَّلَتْنِي غمامةٌ

من الوحيِ، تندَى بالمعاني الجوامعِ

رَعَيتُ ولكنْ في مراعي هواجسي!

تَأَمَّلتُ لكنْ في (حِرَاءِ) الشَّوَارِعِ!

يُجَلِّلُني مجدُ القصائدِ حينما

أشمُّ أريجَ الله بين (المَطالعِ)

حروفي نجومٌ أَفْلَتَتْ من مدارِها

إليَّ، وعَقَّتْ ما لها من مواقعِ!

فما حِكمتي إلا الجَمالُ، وحُجَّتي

شعوري بأنَّ الكونَ إحدى ودائعي

تَلَمَّستُ ديني داخلي فاعْتَنَقْتُهُ

وشَيَّدتُ في كلِّ الخلايا صوامعي

يسيلُ بيَ التأويلُ في كلِّ جُملةٍ

كأنِّي (مجازٌ مُرسَلٌ) للمنابعِ

بسَبعَةِ أختامٍ أُشَمِّعُ فكرتي

وأرسلُها للخلقِ دون طوابعِ

سـيَشكُونِـيَ الوُعَّاظُ مِلءَ نقيقِهِمْ

فمُستنقعُ الشكوَى كثيرُ الضفادعِ

الشاعرة روضة الحاج (الشرق الأوسط)

روضة الحاج

شاركت الشاعرة السودانية روضة الحاج في الأمسية الثانية، وسبق أن حازت لقب «شاعر سوق عكاظ» لعام 2005، وشاركت في برنامج «أمير الشعراء» بنسخته الأولى، وحازت المركز الرابع... الشاعرة روضة الحاج، حملت أحزان بلدها السودان الذي تكويه نار الحرب، ومعاناة الناس وعذاباتهم، فألقت من لهيب الحزن قصيدتها «الآن تُمطرُ في جنوبِ القاهرة!»، جاء فيها:

وأنا ومصرُ

غريبةٌ لاذت بحزنِ غريبةٍ

بينا تسيرُ القاطرة

كلُّ المحطاتِ التي مرَّت بنا

متشابهاتٌ كلُّهنَّ

فليس من بيتٍ

لكي نأوي له

والساعة العجلى تشير إلى تمام العاشرة!

لا أهلَ

لا مستقبلينَ هناك

لا معنًى أُطاردُه

فيتبعُني ويُتعِبني

فقط

وجعٌ عظيمٌ لانهمارِ الذاكرة!

الآن تُمطر في جنوبِ القاهرة

وأنا يُعاودُني شجاي المرُّ

تعبثُ بي حميَّاي القديمةُ

كلما

بكتِ السماءُ وأبرقت

فكأنَّما روحي السماءُ الماطرة

وجعٌ عتيقٌ

يستبدُّ بهذه الروحِ المطيرةِ

كلما

لمعتٌ بروقٌ كنتُ أعرفُهنَّ

هبَّ عليّ عطرُ الأرضِ

أيقظَ كلَّ ما هدهدتُه لينامَ

أوقدَ ليلي الساجي

وسافرَ بي هناك

وهل أنا

مذ جئتُ هذي الأرضَ

إلا ضيفةٌ ومسافرة!

مطرٌ

وصوتُ (حليم)

شايٌ أحمرٌ

كتبٌ مبعثرةٌ

وشوقٌ

لست أدري ما الذي أشتاقُه

ومن الذي أشتاقُه

لكنَّني أدري تلوُّي القلبِ

كالملدوغِ

حين تُحيط بي أشجانُه

أدري بسكِّينِ الحنينِ

يشقُّ هذي الخاصرة!

الآن تُمطرُ في جنوبِ القاهرة

أبكي

لأرضٍ لم تغادرني وإن غادرتُها

لأحبةٍ سأظلُّ أحملهُم معي

حتى الحياةِ الآخرة!

أو ربما أبكي مكابدتي

لأبدو مثلما أبدو

وفي روحي تمورُ عوالمٌ شتى

وكونٌ كاملٌ يغلي

وأسئلةٌ

وما من مهربٍ إلا إلى هذي القصيدةِ

وهي تُمعنُ في مراوغةٍ

أنا أدرى بها

يا للعنودِ الماكرة!

ولربما أبكي

صدوعاً كلما رممّتها

وظننتُها التأمت

أعادتها قصيدةُ شاعرٍ

أو شاعرة!

أبكي

وتنهمرُ السماءُ

وتُجهش الدنيا معي

والشوقُ يهطِلُ

والحنينُ الآنَ

يهمي من سماءِ القاهرة!

الشاعرة الجزائرية سمية محنش (الشرق الأوسط)

سمية محنّش

الشاعرة الجزائرية سمية محنّش، قرأت مجموعة من النصوص من بينها «أسئلة في العشـــقْ»، جاء فيه:

لماذا...

وفي كُلِّ حُبٍ تُعَادُ الحَكَايَا

نُعيدُ الحَكَايَا...

ونَصْبُو إلى المُسْتَحيل

الذي لا يَرُوحُ

الذي لا يجيءُ

الذي كشهابٍ

يُغِيرُ الحَنَايَا

ونَلْتَذُّ بالآهِ

نلتاعُ بالشَّوْقِ

نَبْنِي قُصُوراً مِنَ الوَهْمِ فوقَ السَّحابِ

عَلَيْها نُقِيمُ الخَطَايَا

ونقلبُ كُنْهَ الأُمُورِ على ضِفَّةٍ لِلْخَيَالِ المُخَدَّرْ

فَذا الوَهْم يغدو عبيراً وسُكَّرْ

وتَغْدُو الكَمَنْجَاتُ

في الرُّوحِ نايَا...

وإنَّا لَنَغْرَقُ في الحُبِّ غَرْقَا

كَمِثْلِ السّكارى...

كَدُوقٍ قَديمٍ...

سنختارُ موتاً بِصَحْنِ النَّبِيذِ

ونَفْرَحُ أنَّا بذا المَوْتِ عِشْنَا

وأنَّا نَدِينُ لهُ كَالرَّعايَا

وإنَّا الرَّعايا.

سَنَكْذِبُ حَتْماً

ومِنْ فَرْطِ صِدقٍ

نُقَدِّسُ كِذْبَتَنَا مُغرَمِينَ...

بِحُسْنِ النَّوَايَا

ونَصْدُقُ طَبْعاً...

إذا أجهشَ الحُبُّ فينَا

وفُرْنَا بِتَنُّورِهِ كالشَّظايا

الشاعرة الأردنية جمانة الطراونة (الشرق الأوسط)

جمانة الطراونة

الشاعرة الأردنية جمانا الطراونة، تنقلت برشاقة بين بحور القصيدة، وتنوعت مشاربها بين الغزل والحنين، تقول:

عشقتُكَ مرتينِ وما أكتفيتُ

كأنّي مِنْ نهايتِكَ أبتديتُ

لِتُصْبِحَ عالَمي غادرتُ ذاتي

إليكَ وبي على نفسي انطويتُ

«أحبّكَ» لم تَعُدْ تُشفي غليلي

كما كانتْ فعفوكَ إن بكيتُ

أحاولُ بالقصيدةِ أنْ أُوكنّي

فلا يخلوْ من التصريحِ بيتُ

على قلبي استويتَ وأنتَ أهلٌ

لتملِكَهُ فلو أنّي استويتُ

رأيتُكَ قبلَ هذا ملءَ عيني

متى قلْ لي وأين بكَ التقيتُ؟!

تآلفتِ القلوبُ وفزتُ كوني

بنارِ النظرةِ الأولى أكتويتُ

أُقيمُكَ كالصلاةِ فأنتَ فرضٌ

ونافلةٌ وأعني ما نويتُ

بوجهِكَ في المرايا يا ابنَ روحي

إذا طالعتُها دوني أحتفيتُ

يراكَ الناظرون إليّ حتّى

ظننتُ بأنّني فيكَ اختفيتُ

رميتُكَ إذْ رميتُ فدارَ سهمي

عليّ فما رميتُكَ إذْ رميتُ

لأبعدِ نَجْمةٍ سأمدُّ كفي

وأقطِفُها فبالحبِّ ارتقيتُ

ومن عينيكَ أشربُ ألفَ كأسٍ

من الشعرِ الزلالِ وما ارتويتُ

تُؤَرِقُني وموجُ الشوقِ عاتٍ

حبيبي هل بدأتُ أم انتهيتُ ؟!

أُخيفُكَ أم أخافُكَ لستُ أدري

وكيف عليّ مِنْكَ بكَ أحتميتُ؟!

فأنتَ أنا ولستَ هُنا لتأبى

تموتُ معي وتحيا إن حييتُ

الشاعر إياد هاشم يلقي قصيدته خلال الأمسية الثالثة (الشرق الأوسط)

إياد هاشم

الشاعر العراقي، المقيم في النمسا، إياد هاشم، ألقى قصيدتين، خصص الأولى لرثاء الشاعر الراحل عبد العزيز البابطين، جاء فيها:
يا رِمالَ الْكُوَيْتّ
لَوْ يَكِلُّ الْرِّثْاءُ جادَ الْوَفَاءُ
كَيْفَ لِيْ يَوْمَ غابَتِ الْجَوْزاءُ
كَيْفَ ناءَتْ عَنَا صُدُورُ الْقَوافِي
حِينَ حَلَّتْ بِرَحْلِهَا الشُّعَراءُ
كَيْفَ تَأْبَى الأَقْلامُ فِي دَوْحَةِ الْمَجْد،
وَتَأْسى فِي فَقْدِكَ الْعَلْياءُ
مَا تَحَيَّنْتُ فُرْصَةً لِلْمَراثِي
أَوْ دَعَتْنِي لِذِكْرِكَ الأَسْماءُ
بَلْ وَجَدْتُ الأَرْجَاءَ حَزْنِى لِفَقْدٍ
قَبْلَ حُزْنِي وَهَلْ سَيُجْدِي الْبُكَاءُ
يَا بَرِيقَ الْمِدادِ فِي حَضْرَةِ الْكُتْبِ،
تَمَهَّلْ فَلِلْبُدُورِ سَماءُ
حَدَّثَتْنَا الدِّيارُ عَنْ ساكِنِيها
كَصُخُورٍ يَصُفُّهَا الْبَنَّاءُ
كَيْفَ أَبْقَتْ مَعْناكَ فِي كُلِّ رُكْنٍ
فِضْتَ فِيهِ ، كَمَا يَفِيضُ الإِناءُ
ما تَخَبَّتْ بَراعِمُ الشِّعْرِ يَوْمًا
فِي مُحَيَّاكَ أَوْ تَبَدَّى الْحياءُ
أَنْتَ فِي بارِقِ النَّشِيدِ قَصِيدٌ
وَنَشِيدٌ إِذا عَلا الإِقْواءُ
يَا لَيالِيكَ كَمْ تَساهَرْتَ طُرًا
لِتَرَى الْمَجْدَ شادَهُ الأَبْنَاءُ

يَا رِمالَ الْكُوَيْتِ هَذا (أَبُو سعُودُ)
نَزِيلٌ ، وَيُكْرَمُ النُّزَلاءُ

.....

يَا رِمالَ الْكُوَيْتِ هَلْ يُسْرَقُ الْجَفْنُ
فَيَأْتِي مِنْ صَحْوَةٍ إِغْماءُ

بِي مِنَ الشَّعْرِ مَا يَحُثُّ الْقَوافِي

مُذْ أَصابَتْكَ طَعْنَةٌ نَجْلاءُ

مَا تَعَوَّدْتُ أَنْ أَلُومَ ضُلُوعِي
ذاتَ كَسْرٍ لَمَا يَشُحُّ الذَّواءُ

جِنْتُ أَسْعَىٰ فَقَدْرُ يَوْمِكَ قَدْرٌ
لا تُدانِيهِ غايَةٌ وَ عَطاءُ

يَوْمُ ذِكْرِاكَ لَمْ يَعُدْ يَوْمَ ذِكْرِى
رُبَّ مَوْتىٰ لِكِنَّهُمْ أَحْياءُ