الأحساء السعودية تعيد شاعرها طرفة بن العبد إلى الواجهة بعد غياب 1450 عاماً

حوار افتراضي مع الشاعر المتمرد يقول فيه إنه وصف الملك عمرو بالنعجة وتغزل في أخته فقتله فصداً

صورة تخيلية للشاعر طرفة بن العبد
صورة تخيلية للشاعر طرفة بن العبد
TT

الأحساء السعودية تعيد شاعرها طرفة بن العبد إلى الواجهة بعد غياب 1450 عاماً

صورة تخيلية للشاعر طرفة بن العبد
صورة تخيلية للشاعر طرفة بن العبد

يعد الشاعر طرفة بن العبد من الشخصيات شبه الأسطورية الذي عبر في شعره، خصوصاً في معلقته الشهيرة، عن هموم إنسانية ووجودية لم يسبقه إليها أحد، بالرغم من أن جمعاً من النقاد، المتقدمين والمتأخرين، يصفونه باللامبالاة والطيش، والمستهتر بمقامات الرجال مهما كانت منزلتهم حتى ولو كانوا ملوكاً أو سادةً أو مشايخ قبائل.

ومع انطلاق المهرجان المخصص عن الشاعر الجاهلي أحد أصحاب المعلقات السبع، الذي ينطلق غداً (الخميس) 16 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 24 من الشهر نفسه، ويأتي ضمن احتفاء وزارة الثقافة السعودية برموز الشعر وبأهمية المعلقات التي جسدت عظمة اللغة العربية وجمالها وأبرزت جودة خصائصها البلاغية، أجرينا حواراً افتراضياً مع الشاعر طرفة، سلّط فيه الضوء على سيرته وأعماله الخالدة وحياته القصيرة المليئة بالقصص والمغامرات الضاجة الصاخبة وشخصيته المتمردة وشاعريته اللافتة، حيث كان بكوراً في اليتم وفي التمرد، معتزاً بكرامته مما مهد لقتله غدراً، عن طريق قطع الكاحل أو ما يسمى بـ«الفصد»، وتناول قبلها الخمر للتخفيف من الألم وسرعة تسييل الدم، وهو دون الثلاثين من عمره.

ملصق المهرجان

هنا نص الحوار:

* هل من الممكن أن تقّدم نفسك للقراء، وشيئاً مختصراً من سيرتك وولادتك وطفولتك؟ وقبل كل شيء، لماذا هذا الاختلاف في نطق اسمك؟

-اسمي طَرَفَة (بفتح الحروف الثلاثة الأولى). ولدت في البحرين التي هي الأحساء، إحدى مناطق بلادكم السعودية اليوم، وليست دولة البحرين التي حاضرتها المنامة، وبالتحديد في هجر التي ما زالت تحتفظ باسمها اليوم في الأحساء، وذلك عام 543 من الميلاد، ونشأت يتيماً من أبي وكفلني أعمامي الذين لم يعوضوني عن فقداني أبي، بل اضطهدوني أيما اضطهاد، مما دفعني إلى الانكفاء على ذاتي، متفرداً ومتحللاً بفطرتي من كل التقاليد السائدة في وقتي.

* أنت من أصحاب المعلقات السبع، من الشعراء الملحميين الكبار، حدثنا عن ظروف ولادة معلقتك التي وصفها النقاد المتأخرون بأنها أعمق ما قاله شاعر جاهلي وكشف فيها عن موقف وجودي أو ما يسمى في عصرنا هذا «ميتافيزيقياً»؟

- نعم إنها ملحمة كما في لغة عصركم اليوم. لقد كشفت في المعلقة من خلال أكثر من 40 بيتاً عن أصالة ناقتي وخصائها الجسدية الكثيرة. وقد علمتُ أن بعض النقاد المتأخرين في عصركم أشاروا إلى أن هذه الأبيات التي خصصتها في الحديث عن الناقة هي وصف يعجز عنه علماء التشريح، ووصل إلى مسامعي أن هناك جراحاً من بلادكم السعودية، اسمه جمال فطاني، نال شهادة الدكتوراه في علم التشريح عن «خف الجمل»، وقد استفاد من معلقتي، خصوصاً في الأبيات الأربعين التي وصفت فيها الناقة، هذا المخلوق الخرافي ورفيق العربي في حله وترحاله وسميتموه «سفينة الصحراء». لقد بدأت بالإشارة إلى أني إذا حل بي الهم أمضي بناقة نشيطة في سيرها وسمّيتها العوجاء، وهي الناقة التي تستقيم في سيرها لفرط نشاطها، وأضفت عليها صفة «مرقال» وهو بين السير والعدو:

وَإِنّي لَأَمضي الهَمَّ عِندَ اِحتِضارِهِ

بِعَوجاءَ مِرقالٍ تَروحُ وَتَغتَدي

* البعض من النقاد ودراسي شعرك أعطوا عنواناً لمعلقتك هو: «ملحمة البطولة واليأس»، هل تتفق معهم على هذا العنوان؟

-لقد وُفّق هؤلاء النقاد ودارسو شعري في اختيار هذا العنوان لمعلقتي، وأرى أن المعلقة أو الملحمة التي وصل عدد أبياتها إلى أكثر من 100 بيت، ومطلعها:

لِخَولَةَ أَطلالٌ بِبُرقَةِ ثَهمَدِ

تَلوحُ كَباقي الوَشمِ في ظاهِرِ اليَدِ

هي ملحمة بالفعل، ومع استبعاد وصفي للناقة بـ40 بيتاً منها، فإن المعلقة تستقطب كل قيمتها في مجموعة أبيات توصف عادة بالحكمة، كما أشارت إلى ذلك موسوعة الشعر العربي التي اختارها وشرحها وقدم لها مطاع صفدي وإيليا حاوي، وأشرف عليها الدكتور خليل خاوي، وحققها وصححها نصاً ولغة ورواية أحمد قدامة، وطبعت عام 1974م، ولجمال هذه الموسوعة في عرضها وشروحها فقد استقطعت أكثر إجاباتي عن أسئلتكم من هذه الموسوعة التي تعد من أفضل من تناول شعري في الدراسة والنقد والشرح.

لقد خاطبت لائمي في هذه الأبيات عن التمتع بملذات الحياة، فلا أجد ثمة معنى للعيش إلا بثلاث وسائل وهي: الفروسية، والخمرة، والمرأة، وهنا يبرز موقفي الوجودي مليئاً بتحدي الموت والزوال:

أَلا أَيُّهَذا اللائِمي أَحضُرَ الوَغى

وَأَن أَشهَدَ اللَذّاتِ هَل أَنتَ مُخلِدي

فَإِن كُنتَ لا تَسطيعُ دَفعَ مَنيَّتي

فَدَعني أُبادِرها بِما مَلَكَت يَدي

وَلَولا ثَلاثٌ هُنَّ مِن عيشَةِ الفَتى

وَجَدِّكَ لَم أَحفِل مَتى قامَ عُوَّدي

فَمِنهُنَّ سَبقي العاذِلاتِ بِشَربَةٍ

كُمَيتٍ مَتى ما تُعلَ بِالماءِ تُزبِدِ

وَكَرّي إِذا نادى المُضافُ مُحَنَّباً

كَسيدِ الغَضا نَبَّهتَهُ المُتَوَرِّدِ

وَتَقصيرُ يَومَ الدَجنِ وَالدَجنُ مُعجِبٌ

بِبَهكَنَةٍ تَحتَ الطِرافِ المُعَمَّدِ

كَأَنَّ البُرينَ وَالدَماليجَ عُلِّقَت

عَلى عُشَرٍ أَو خِروَعٍ لَم يُخَضَّدِ

كَريمٌ يُرَوّي نَفسَهُ في حَياتِهِ

سَتَعلَمُ إِن مُتنا غَداً أَيُّنا الصَدي

أَرى قَبرَ نَحّامٍ بَخيلٍ بِمالِهِ

كَقَبرِ غَويٍّ في البَطالَةِ مُفسِدِ

تَرى جُثوَتَينِ مِن تُرابٍ عَلَيهِما

صَفائِحُ صُمٌّ مِن صَفيحٍ مُنَضَّدِ

أَرى المَوتَ يَعتامُ الكِرامَ وَيَصطَفي

عَقيلَةَ مالِ الفاحِشِ المُتَشَدِّدِ

لقد أطلقت هذه الكلمات الكبرى لأوكد للجميع على أنه متى تم لأي شخص الاستفادة من حياته بتلك السبل الثلاث: الفروسية، وتساقي الخمرة، ومعايشة المرأة، فإنه لن يسلّم للقبر إلا العظام والجلد ولن يحفل أبداً متى قام عوّده.

* كيف كانت فلسفتك ونظرتك إلى الحياة؟

- لقد نظرت من خلال هذه القصيدة إلى الحياة، وكأنها الفرصة الوحيدة لتحقيق وجود الإنسان، فهو لذلك لن يمنع نفسه الصادية من الغرف من كل مناهلها وينابيعها، بينما قد يعجز الآخر عن ذلك فيقضي عمره صادياً محروماً.

* كيف ترد على ما ذهب إليه بعض النقاد المتأخرين، بأنه لا يعقل أن تقول هذه الأفكار الناضجة، لتغرق في متابعة التقليد المعروف لأوصاف الناقة وغيرها، من خلال 40 بيتاً تشكل حوالي نصف معلقتك؟

- لقد قلت هذه الأفكار الناضجة كما تفضلت في لحظة إشراق نادرة لم تتكرر، ذلك أنني حاولت عن وعي حاد ومتوتر أن ألخص موقفي الذاتي من الحياة والوجود وأن أطل منه على جذر السلوك الحقيقي الذي كان يفجر الإحساس والبطولة لدي ولدى نخبة فتيان الصحراء.

* لوحظ أن الأبيات التأملية المتوترة قليلة في شعرك، مما جعل البعض يشكك في صحة نسبتها إليك قياساً بأبياتك عن الناقة؟

- من حق أي ناقد أن يقرأ القصيدة بما يراه، ولا حل بذلك إلا بالعودة إلى تكرار قضايا النّحل والضياع والاختلاط التي عاناها تراث الشعر العربي، أنا أجزم أنني شاعر الأبيات القليلة التأملية المتوترة التي توهجت من خلال كومة من جزئيات الأوصاف اللامتناهية إلى الناقة التي نسجت هيكل ملحمتي وجسدها لكنها تركت تجوفاً صغيراً للقلب، وكان الطل هو ذلك المقطع النادر الوهاج الذي تجلى في صرختي: "ألا أيها الزاجر....".

* هجوت الملك عمرو بن هند الذي أمر عامله بالبحرين (الأحساء)، بقتلك، هل تتذكر شيئاً من هجائك للملك ودوافعه؟

- عندما قدمت مع خالي المتلمس من الأحساء (البحرين سابقاً)، إلى الحيرة أُعجب الملك بشعري ونادمته مع المتلمس وأكرمني وبقيت عنده زمناً وكنت وقتها غلاماً معجباً بنفسي تيّاهاً. فبينما كنت أشرب يومياً بين يدي الملك، إذ أشرفت أخته فرأيتها، فقلت فيها هذين البيتين:

ألا يا ثاني الظبي الذي يبرق شنفاه

ولولا الملك القاعد قد ألثمني فاه

ونظر إليّ الملك عمرو نظرة كادت تقتلعني من مجلسه ووقتها قال لي خالي المتلمس: يا طرفة إني أخاف عليك من نظرته إليك، فلم أكترث لكلامه:

فَلَيتَ لَنا مَكانَ المَلكِ عَمروٍ

رَغوثاً حَولَ قُبَّتِنا تَخورُ

مِنَ الزَمِراتِ أَسبَلَ قادِماه

وَضَرَّتُها مُرَكَّنَةٌ دَرورُ

يُشارِكُنا لَنا رَخِلانِ فيه

وَتَعلوها الكِباشُ فَما تَنورُ

لَعَمرُكَ إِنَّ قابوسَ بنَ هِندٍ

لَيَخلِطُ مُلكَهُ نوكٌ كَثيرُ

قَسَمتَ الدَهرَ في زَمَنٍ رَخيٍّ

كَذاكَ الحُكمُ يَقصِدُ أَو يَجورُ

لَنا يَومٌ وَلِلكِروانِ يَومٌ

تَطيرُ البائِساتُ وَلا نَطيرُ

فَأَمّا يَومُهُنَّ فَيَومُ نَحسٍ

تُطارِدُهُنَّ بِالحَدَبِ الصُقورُ

وَأَمّا يَومُنا فَنَظَلُّ رَكباً

وُقوفاً ما نَحُلُّ وَما نَسيرُ

* دون إنكار للذات، ما هي القصيدة التي ترى أن عبقريتك الشعرية تجلّت فيها؟

-نعم إنها المطولة الثانية - بعد المعلقة - ، التي بلغ عدد أبياتها 76 بيتاً، ونجحت من خلالها في تناول موضوع الغزل والفخر ووصف الفرس وتصوير سلوك الرجال وهم وسط حلبة الصراع والوغى من أجل الشرف والكرامة، وقد نظمتها في مرحلة سابقة من عمري، ومن نضجي الفكري، لكنها رغم ذلك أعدها مادة أساسية لاكتشاف المقاييس الفنية والجمالية التي تمتاز بها شاعريتي، وقد قلتها في امرأة اسمها «هرة» التي أحببتها ومنها:

أَصَحَوتَ اليَومَ أَم شاقَتكَ هِر

وَمِنَ الحُبِّ جُنونٌ مُستَعِر

لا يَكُن حُبُّكِ داءً قاتِلاً

لَيسَ هَذا مِنكِ ماوِيَّ بِحُر

كَيفَ أَرجو حُبَّها مِن بَعدِ ما

عَلِقَ القَلبُ بِنُصبٍ مُستَسِر

أَرَّقَ العَينَ خَيالٌ لَم يَقِر

طافَ وَالرَكبُ بِصَحراءِ يُسُر

جازَتِ البيدَ إِلى أَرحُلِنا

آخِرَ اللَيلِ بِيَعفورٍ خَدِر

ثُمَّ زارَتني وَصَحبي هُجَّعٌ

في خَليطٍ بَينَ بُردٍ وَنَمِر

تَخلِسُ الطَرفَ بِعَينَي بَرغَزٍ

وَبِخَدَّي رَشَإٍ آدَمَ غِر

وَلَها كَشحا مَهاةٍ مُطفِلٍ

تَقتَري بِالرَملِ أَفنانَ الزَهَر

وَعَلى المَتنينِ مِنها وارِدٌ

حَسَنُ النَبتِ أَثيثٌ مُسبَطِر

* هل تتذكر رحلتك إلى حتفك مع خالك المتلمس (جرير بن عبد المسيح الضبيعي)، وأنتما تحملان رسالتين إلى عامل الملك عمرو بن هند في الأحساء (البحرين)؟

- نعم كنت أنا وخالي المتلمس غير جديرين بالتبعية المطلقة للملك عمرو بن هند، وقلنا أبيات من الذم والسخرية فيه، وفي طريقنا إلى البحرين (الأحساء حالياً)، خاطبني خالي وأثناني عن الذهاب، عندما فتح رسالته ووجد فيها قتله، فرفضت فتح رسالتي طمعاً في المال والمكافأة وأتذكر أن خالي رمى رسالته في النهر وقال فيها:

مَن مُبلِغُ الشُعَراءِ عَن أَخَوَيهِمَ

خَبَراً فَتَصدُقَهُم بِذاكَ الأَنفُسُ

أَودَى الَّذي عَلِقَ الصَحيفَةَ مِنهُما

وَنَجا حِذارَ حِبائِهِ المُتَلَمِّسُ

أَلقَى صَحيفَتَهُ وَنَجَّت كورَهُ

عَنسٌ مُداخِلَةُ الفَقارَةِ عِرمِسُ

عَنسٌ إِذا ضَمَرَت تَعَزَّزَ لَحمُها

وَإِذا تُشَدُّ بِنِسعِها لا تَنبِسُ

وَجناءُ قد طَبَخَ الهَواجِرُ لَحمَها

وَكَأَنَّ نُقبَتَها أَديمٌ أَملَسُ

وَتَكادُ مِن جَزَعٍ يَطيرُ فؤادُها

إِن صاحَ مُكَّاءُ الضُحى مُتَنَكِّسُ

أَلقِ الصَحيفَةَ لا أبَا لَكَ إِنَّهُ

يُخشى عَلَيكَ مِنَ الحِباءِ النِقرِسُ

وَعَلِمتُ أَنّي قَد مُنِيتُ بِنَيطَلٍ

إِذ قيلَ كانَ مِن آلِ دَوفَنَ قَومَسُ

وَفَرَرتُ خَشيَةَ أَن يَكونَ حِباؤُهُ

عاراً يُسَبُّ بهِ قَبيليَ أَحمَسُ

وَتَرَكتُ حَيَّ بَني ضُبَيعَةَ خَشيَةً

أَن يُوتَروا بِدَمي وَجِلدِيَ أَملَسُ

ثَكِلَتكَ يا اِبنَ العَبدِ أُمُّكَ سادِراً

أَبِساحَةِ المَلِكِ الهُمامِ تَمَرَّسُ


مقالات ذات صلة

من «الأطلال» إلى «واللهِ أبداً»... جواهر اللغة العربية بأصوات أجيالٍ من المطربين

يوميات الشرق من «الأطلال» إلى «واللهِ أبداً»... جواهر اللغة العربية بأصوات أجيالٍ من المطربين

من «الأطلال» إلى «واللهِ أبداً»... جواهر اللغة العربية بأصوات أجيالٍ من المطربين

من أم كلثوم وفيروز وعبد الوهاب، مروراً بماجدة الرومي وكاظم الساهر، وصولاً إلى عمرو دياب. كيف أسهمَ نجوم الأغنية في إحياء اللغة العربية الفصحى؟

كريستين حبيب (بيروت)
ثقافة وفنون هوشنك أوسي

العربية في يومها العالمي... واقع مؤسف ومخاطر جسيمة

في يومها العالمي الذي يوافق 18 ديسمبر من كل عام، لا تبدو اللغة العربية في أفضل حالاتها، سواء من حيث الانتشار والتأثير أو الاهتمام داخل المؤسسات التعليمية.

رشا أحمد (القاهرة)
ثقافة وفنون حُلي من مدافن البحرين الأثرية

حُلي من مدافن البحرين الأثرية

كشفت حملات التنقيب المتواصلة في تلال مدافن البحرين الأثرية عن مجموعات متعددة من اللُّقَى، منها مجموعة كبيرة من الحليّ والمجوهرات دخلت متحف البحرين الوطني

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون ريجين أولسين

«كيركيغارد»... والحب المستحيل

كان أحدهم قد أطلق العبارة التالية: كيركيغارد فيلسوف كبير على بلد صغير الحجم. بمعنى أنه أكبر من البلد الذي أنجبه. وبالفعل، فإن شهرته أكبر من الدنمارك

هاشم صالح
ثقافة وفنون أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية

سحر عبد الله

العربية في يومها العالمي... واقع مؤسف ومخاطر جسيمة

هوشنك أوسي
هوشنك أوسي
TT

العربية في يومها العالمي... واقع مؤسف ومخاطر جسيمة

هوشنك أوسي
هوشنك أوسي

في يومها العالمي الذي يوافق 18 ديسمبر من كل عام، لا تبدو اللغة العربية في أفضل حالاتها، سواء من حيث الانتشار والتأثير أو الاهتمام داخل المؤسسات التعليمية. يكفي أن يُلقي أحدهم نظرة عابرة على لافتات المحال أو أسماء الأسواق التي تحاصر المواطن العربي أينما ولّى وجهه ليكتشف أن اللغات الأجنبية، لا سيما الإنجليزية، صار لها اليد الطولى. ويزداد المأزق حدةً حين تجد العائلات أصبحت تهتم بتعليم أبنائها اللغات الأجنبية وتهمل لغة الضاد التي تعاني بدورها من تراجع مروِّع في وسائل الإعلام ومنابر الكتابة ووسائط النشر والتعبير المختلفة.

في هذا التحقيق، يتحدث أكاديميون وأدباء حول واقع اللغة العربية في محاولة لتشخيص الأزمة بدقة بحثاً عن خريطة طريق لاستعادة رونقها وسط ما يواجهها من مخاطر.

سمير الفيل

عاميات مائعة

في البداية، يشير الناقد والأكاديمي البحريني د. حسن مدن إلى أنه من الجيد أن يكون للغة العربية يوم نحتفي بها فيه، فهي لغة عظيمة منحت بثرائها ومرونتها وطاقاتها الصوتية العالم شعراً عظيماً، كما منحته فلسفة وطباً ورياضيات وهندسة، واستوعبت في ثناياها أمماً وأقواماً عدة. ورأى مدن أن يوم اللغة العربية ليس مجرد يوم للاحتفاء بها، إنما هو، أيضاً، وربما أساساً، للتنبيه إلى المخاطر الكبيرة التي تواجهها، حيث تتهدد سلامة الكتابة والنطق بها مخاطر لا تُحصى، متسائلاً: ماذا بقي في أجهزة التلفزة الناطقة بالعربية من اللغة العربية السليمة، التي تُنتهَك قواعدها كل ساعة، وتحل محلها عاميات مائعة، حيث يتبارى المذيعات والمذيعون في التلذذ بمطِّ ألسنتهم وهم ينطقونها، فيما يختفي جيل أولئك المذيعين المفوهين ذوي التأسيس اللغوي السليم الذين كانت اللغة العربية تشنّف الأسماع من على ألسنتهم؟

د. حسن مدن

ويستدرك الأكاديمي البحريني موضحاً أنه ليس مطلوباً من الجميع أن يتحولوا إلى علماء أفذاذ على غرار سيبويه، فذلك مُحَال، خصوصاً أن الانشطار الذي أصاب اللغة العربية إلى فصحى ومجموعة لهجات عامية جعل من المستحيل أن تكون لغتنا العربية، بصرفها ونحوها لغة محادثة يومية، ولكن ثمة حدود دنيا من قواعد اللغة وطريقة كتابتها ونطقها يجب احترامها والحفاظ عليها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مخاطر تخريب اللغة.

ويلفت د. مدن إلى أنه فيما يتعلق بواقع اللغة في معاهد التعليم والدرس، نجد أنه من المؤسف أن معيار تفوق التلميذ أو الطالب الجامعي بات في إتقانه اللغة الإنجليزية لا العربية، وبات يفكر كل والدين حريصين على مستقبل أبنائهما في تعليمهم الإنجليزية، ومن النادر أن يتحدث أحدهم عن حاجة أبنائه إلى إتقان العربية. ويحذر د. مدن من مخاوف تواجه مستقبل لغة الضاد وإمكانية تعرضها لخطر يتهدد وجودها، لافتاً إلى أن هناك تقريراً أجنبياً يتحدث عن أن قرننا الحالي سيشهد ضمور وموت مائتي لغة من لغات شعوب العالم تحت سطوة العولمة الثقافية التي تتخذ من اللغة الإنجليزية «المؤمركة» وسيلة إيصال واتصال.

د. عيدي علي جمعة

حلول عملية

ويشير القاصّ والروائيّ المصريّ سمير الفيل إلى عدة حلول عملية للخروج من النفق المظلم الذي باتت تعيشه لغة الضاد، مشيراً إلى ضرورة الاهتمام بمعلمي اللغة العربية وأساتذتها في المدارس والجامعات، من حيث الرواتب وزيادة مساحات التدريب، بالإضافة إلى جعل اللغة العربية أساسية في كل المؤسسات التعليمية مهما كانت طبيعة المدرسة أو الجامعة. وهناك فكرة الحوافز التي كان معمولاً بها في حقبتَي السبعينات والثمانينات، فمن يدخل أقسام اللغة العربية من الحاصلين على 80 في المائة فأكثر، تُخصَّص لهم حوافز شهرية.

ويمضي «الفيل» في تقديم مزيد من المقترحات العملية مثل استحداث مسابقات دائمة في تقديم دراسات وبحوث مصغرة حول أعمال رموز الأدب العربي قديماً وحديثاً، فضلاً عن عدم السماح بوجود لافتات بلغة أجنبية، وتحسين شروط الالتحاق بكليات العربية المتخصصة مثل دار العلوم والكليات الموازية. ويضيف: «يمكنني القول إن اللغة العربية في وضع محرج غير أن الاهتمام بها يتضمن أيضاً تطوير المنهج الدراسي بتقديم كتابات كبار المبدعين والشعراء مثل نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وأبي القاسم الشابي، وغيرهم في المنهج الدراسي بحيث يكون مناسباً للعصر، فلا يلهث للركض في مضمار بعيد عن العصرية، أو الحداثة بمعناها الإيجابي».

تدخل رسمي

ويطالب د. عايدي علي جمعة، أستاذ الأدب والنقد، بسرعة تدخل الحكومات والمؤسسات الرسمية وجهات الاختصاص ذات الصلة لوضع قوانين صارمة تحفظ للغة العربية حضورها مثل محو أي اسم أجنبي يُطلق على أي منشأة أو محل داخل هذه الدولة أو تلك، مع دراسة إمكانية عودة « الكتاتيب» بصورة عصرية لتعليم الطفل العربي مبادئ وأساسيات لغته بشكل تربوي جذاب يناسب العصر.

ويشدد على أن اللغة العربية واحدة من أقدم اللغات الحية، تختزن في داخلها تصورات مليارات البشر وعلومهم وآدابهم ورؤيتهم للعالم، وأهميتها مضاعفة، لكثرة المتحدثين بها في الحاضر، وكثرة المتحدثين بها في الماضي، فضلاً عن كثرة تراثها المكتوب، لكن من المؤسف تنكُّر كثير من أبنائها لها، فنرى الإقبال الشديد على تعلم لغات مختلفة غير العربية، فالأسر حريصة جداً على تعليم الأبناء في مدارس أجنبية، لأنهم يرون أن هذه اللغات هي البوابة التي يدخل منها هؤلاء الأبناء إلى الحضارة المعاصرة.

الأديب السوري الكردي، المقيم في بلجيكا، هوشنك أوسي، إنتاجه الأساسي في الشعر والرواية والقصة القصيرة باللغة العربية، فكيف يرى واقع تلك اللغة في يومها العالمي؟ طرحنا عليه السؤال، فأجاب موضحاً أن الحديث عن تردّي واقع اللغة العربيّة مبالَغ فيه، صحيح أنّ العالم العربي والبلدان العربيّة هي مناطق غير منتجة صناعياً، ولا تقدّم للعالم اختراقات وخدمات علميّة تسهم في الترويج للغة العربيّة والتسويق لها، كحال بلدان اللغات الإنجليزيّة، والفرنسيّة، والألمانيّة، والصينيّة، إلاّ أن اللغة العربيّة لم تكتفِ بالمحافظة على نفسها وحسب، بل طوّرت نفسها لتنسجم ومقتضيات العصر وإيقاعه المتسارع.

ويلفت أوسي إلى نقطة مهمّة مفادها أن النهوض الاقتصادي في الصين وكوريا الجنوبيّة واليابان، لم يجعل من لغات هذه البلدان رائجة في العالم، ومنافسة للغات الإنجليزيّة، والفرنسيّة، والألمانيّة. وفي ظنه أن أعداد الأجانب الذين يودّون تعلّم اللغة العربيّة، لا يقلّ عن الذين يودّون تعلّم اللغات الصينيّة واليابانيّة والكوريّة.