درويش... الساحر الذي قضى على جيلين

درويش... الساحر الذي قضى على جيلين
TT

درويش... الساحر الذي قضى على جيلين

درويش... الساحر الذي قضى على جيلين

مرة دار حديث بيني وبين الصديق الفنان التشكيلي والإعلامي حيدر المحرابي عن محمود درويش، وقد مرَّت سنتان على رحيله في ذلك الوقت؛ فقال لي: كيف تنظر لتجربته ولرحيله؟ أتذكر أنني قلت له: الحمد أن درويش رحل، فاستغرب مني هذا الكلام وهو يعرف مدى شغفي بدرويش؛ فقلت له: ذلك لأننا الآن بعد رحيله نستطيع أن نقول عن أنفسنا إننا شعراء، فبوجوده كان من الصعب أن نطلق هذه الكلمة علينا، ولكن بعد رحيله يجوز لنا هذا الأمر.

هذا الحديث وإن كان مُبالَغاً فيه، لكنه يقودنا إلى أهمية محمود درويش في الشعرية العربية، ومدى سطوته الكبرى على الذائقة كتابة وحضوراً فارقاً في الثقافة.

بشكل عام محمود درويش، أو قصائده، أو بالأحرى تراكيبه الشعرية الفريدة والساحرة، تتسلل إلى نصوص الكثيرين من الشعراء لغوايتها الماكرة وسحرها الأخاذ؛ فالمتعلقون من الشعراء بتجربته لا تخلو قصائدهم من هذا الأثر الواضح جداً، حيث تجد تلك التراكيب والجمل الشعرية تأخذ طريقها لحظة الكتابة وغياب الوعي، فتنبت جمل درويش ومناخاته في تلك النصوص، وعلى هذا تستطيع أن أقول إن درويش أسهم بالقضاء على تجارب أكثر من نصف الشعراء الشاميين، فمعظم جيل السبعينات والثمانينات والتسعينات من شعراء قصيدة التفعيلة قد انصهروا في تجربة درويش، واستطاع وسمه الشعري أن يمهر أغلب تلك التجارب وبالأحرى أن يقضي عليها، لتكون نسخاً مكررة من النسخة الأصلية، وهنا أتحدث عن تجربتي في بداياتها حيث أصدرت ديواني الأول «رحلة بلا لون»، عام 1999، وقد كتب الصديق الناقد أثير محمد شهاب في وقتها مقالاً عن الديوان أظهر فيه أثر محمود درويش على قصيدتي، وبعدها التقينا في المقهى وضحكنا حيث قلت له الحمد لله أننا في تلك المدة كنا نكتب الشعر العمودي، وحين يتسلل درويش لنصوصنا فإنها تتيه في عوالم وخبايا البيت الشعري، ومن الصعب التقاط التراكيب الدرويشية الشاخصة في النص العمودي، ولكن هذه المقالة علمتني أن أصنع كوابحي الخاصة بي، فبدأت بمغادرة عالم درويش ورحلت للتراث وللحداثة ولأسماء غيره، وحين عدت إليه عدت متسلحاً بقوى لا تقل جمالاً عن السحر الذي يبثه في شعريته العالية.

درويش يبقى (كما أزعم) أحد أهم شعراء العربية على الإطلاق؛ الشاعر الذي استطاع أن ينتصر على نفسه، وأن يصنع تحولاته الخاصة به، وأن يذيب ويصهر رؤاه السياسية في القصيدة دون أن تكون للسياسة سطوة على النص، وهذا الأمر لا ينطبق على بداياته طبعاً. الشاعر الذي استطاع أن يحول العام المشترك إلى خاص جداً، وأن يبث فيه من روحه القلقة جمالياته العابرة.

درويش الشاعر الذي بقيت أحلم برؤيته على المستوى الشخصي، بقيت قصائده وتسجيلاته الرفيق الذي لا يفارقني، درويش صانع الجدارية العظيمة التي أظن أنها نص النصوص ودرّة القرن العشرين التي صنعت كوميديا إلهية جديدة ورسالة غفران مختلفة:

سلامٌ على قبر درويش

‏وهو يتابع أخبارنا

‏يتتبع ما يكتب الشعراء

‏وما يمحي من خرائط نائمة

في يديه

‏سلامٌ على قبر درويش

‏أخشى كثيراً إذا ما تنفس من قبره

‏ونادى علينا:

‏تعالوا!

‏تُرى هل نجيء؟

وماذا سنحكي إذا ما التفتنا إليه

 

درويش يبقى كما أزعم احد أهم شعراء العربية على الإطلاق. الشاعر الذي استطاع أن ينتصر على نفسه وأن يصنع تحولاته الخاصة به.


مقالات ذات صلة

لبنان سعيد عقل... أملٌ بين الركام

يوميات الشرق حمل سعيد عقل في قلبه وعقله روح لبنان الخالدة (فيلوكاليا)

لبنان سعيد عقل... أملٌ بين الركام

في كل مرة تنظّم «فيلوكاليا» أمسية، تنهمك رئيستها الأخت مارانا سعد بتتبُّع التفاصيل والحرص على الأناقة. تقول لـ«الشرق الأوسط» إنّ حجم الحضور بدا مفاجئاً...

فاطمة عبد الله (بيروت)
تكنولوجيا غالبية القُرَّاء يرون أن الذكاء الاصطناعي يكتب قصائد شعر أفضل من البشر (رويترز)

دراسة: الذكاء الاصطناعي يكتب قصائد أفضل من البشر

أكدت دراسة جديدة أن قصائد الشعر التي تكتب بواسطة أنظمة الذكاء الاصطناعي أفضل من تلك التي يكتبها البشر.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
ثقافة وفنون «اخترعت الشعر»... مختارات لأفضال أحمد سيد

«اخترعت الشعر»... مختارات لأفضال أحمد سيد

«اخترعت الشعر» عنوان لافت لمختارات نقلها عن الأردية المترجم هاني السعيد للشاعر الباكستاني أفضال أحمد سيد الذي يُعد أحد رواد قصيدة النثر في باكستان.

رشا أحمد (القاهرة)
يوميات الشرق الفنانة اللبنانية جاهدة وهبة (صور الفنانة)

جاهدة وهبة «تعيش مع الضوء» وتجول العواصم بصوتها دعماً للبنان

كان لا بد أن تعود الأغنية لتنبض في حنجرة جاهدة وهبة بعد صمت صدمة الحرب. وها هي الفنانة اللبنانية تحمل أغنيتها وتجول العواصم الأوروبية والعربية رافعةً صوت وطنها.

كريستين حبيب (بيروت)
ثقافة وفنون الشعر حين يتحول إلى فعل مقاومة

الشعر حين يتحول إلى فعل مقاومة

يحتضن الشاعر المصري كريم عبد السلام، فلسطين، في ديوانه الذي وسمه باسمها «أكتب فلسطين - متجاهلاً ما بعد الحداثة»، ويكشف أقنعة المواقف والسياسات المتخاذلة.....

جمال القصاص

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.