«دورية نجيب محفوظ» تعود بعد انقطاع 5 سنوات

محور عن المرأة وأدوارها المتنوعة في أعماله

اللوجو الجديد للدورية
اللوجو الجديد للدورية
TT

«دورية نجيب محفوظ» تعود بعد انقطاع 5 سنوات

اللوجو الجديد للدورية
اللوجو الجديد للدورية

تعاود «دورية نجيب محفوظ» التي تشرف عليها هيئة الكتاب المصرية، بالتعاون مع المجلس الأعلى للثقافة، ومركز نجيب محفوظ، صدورها بعد توقف دام نحو 5 أعوام. ويسعى العدد الجديد من خلال موضوعاته إلى دحض الاتهامات التي ساقها البعض ضد أدب صاحب «نوبل»، ويركز كثير منها على أن محفوظ سعى إلى «الإساءة للمرأة وتصويرها في أعماله الروائية بصورة سلبية».

يقارب العدد هذه القضية، في محور خاص عنوانه «المرأة في عالم محفوظ»، وتضمن 38 شهادة ودراسة نقدية شارك بها مجموعة من النقاد والمبدعين والمبدعات، منهم الأديب محمد جبريل، وجاءت دراسته بعنوان «أربعة وجوه لنساء نجيب محفوظ»، والناقدة الدكتورة هويدا صالح: «تمثلات صورة المرأة وصراع الأنساق الثقافية في روايات نجيب محفوظ»، والناقد شوقي بدر يوسف: «نساء نجيب محفوظ في كتاب المرايا- النص والكتابة»، والدكتور أشرف الصباغ «نساء نجيب محفوظ».

وبالإضافة لهذا، يتضمن العدد مقاربات نقدية تناولت بعض أعمال محفوظ انطلاقاً من وجهات متنوعة. وبه أيضاً قراءات لبعض الكتب التي صدرت عنه، وبعض الرسائل الجامعية التي تم إنجازها عن بعض أعماله. وتأتي المقالات والشهادات والمقاربات النقدية والرسائل التي تتضمنها الدورية في إطلالتها الجديدة -حسب وصف رئيس تحريرها الدكتور حسين حمودة- باعتبارها «تجاوبات واستجابات جديدة لأعمال محفوظ ومعها»، و«هي أعمال متجددة، وغنيّة بعوالمها، وقادرة دائماً على طرح ما لا انتهاء له من طرائق الاستجابة والتجاوب»، وشارك فيها الأدباء: سيد الوكيل، وأحمد صبري أبو الفتوح، وأمينة زيدان، وأحمد القرملاوي، وسمير الفيل، وآخرون.

وقال حمودة في افتتاحية العدد، إن «أوهاماً عدة شاعت حول كتابات نجيب محفوظ، كان من بينها أنه لم ينصف المرأة، أو أنه قدّم في أعماله صورة سلبية لها، وتوقف عند نماذج سيئة لها على المستوى الأخلاقي. والحقيقة أن هذا الوهم الذي يقارب أحياناً حدود الاتهام، بكل (التنويعات) عليه، انطلق من (إساءة قراءة)، وأحيانا من (عدم قراءة)، لأعمال نجيب محفوظ، وقد جاءت بعض الأحكام على أعماله الروائية من خلال مشاهدة الأفلام المأخوذة عنها، وحكم عليها بعض من حكم من خلال قراءة سطحية لها».

وذكر حمودة أن قراءة العمل الأدبي يجب ألا تتعامل معه معزولاً عن سياقه، كما أن هناك ضرورة لعدم إغفال الملابسات التي ترتبط بـ«الزمن المرجعي» الذي يجسده العمل الإبداعي، وأن يضع الناقد في الاعتبار أن الأديب: «لا يقدم بطرائق توجيهية (نماذج) إيجابية أو مثالية من أجل الاقتداء بها، بما يشبه وضع (لافتات) تشير إلى طريق ما ينبغي المضي فيه»، وأضاف: «إن هذه الوجهة الأخيرة: كانت وراء تصورات مضللة، سادت في بعض الفترات، حول طبيعة أو وظيفة الدور الذي (يجب) للأدب الروائي أن يقوم به، في خدمة بعض الأفكار أو العقائد أو الآيديولوجيات».


مقالات ذات صلة

رحيل الشاعر شوقي أبي شقرا... صائغ الغرائبيات الطفولية

يوميات الشرق من اليمين... أدونيس وشوقي أبي شقرا وأنسي الحاج ويوسف الخال

رحيل الشاعر شوقي أبي شقرا... صائغ الغرائبيات الطفولية

شاعر سوريالي بامتياز، عُرف بتراكيبه الفريدة، وعشقه للّعب بالصور، وكأنها «بازل» (Puzzle) في يد طفل لا يملّ التجريب. بقي كذلك حتى سنواته الأخيرة.

سوسن الأبطح (بيروت)
يوميات الشرق د. مرزوق بشير بن مرزوق

الشاعر مرزوق بشير: الدراما القطرية ليست في أفضل حالاتها بسبب قيود الإنتاج

الكاتب والباحث القطري الدكتور مرزوق بشير بن مرزوق أن الحضور الثقافي لدولة قطر في معرض الرياض يمثلّ تقديراً مهماً للثقافة القطرية.

ميرزا الخويلدي (الرياض)
يوميات الشرق محمد المكي أحد مؤسسي «مدرسة الغابة والصحراء» (الشرق الأوسط)

رحيل شاعر «أكتوبريات» السودان

ازداد نزيف المبدعين السودانيين برحيل الشاعر والدبلوماسي، الموسوم بـ«شاعر الأكتوبريات»، محمد المكي إبراهيم، في القاهرة، إثر علّة لم تمهله.

أحمد يونس (كمبالا)
يوميات الشرق وزير الثقافة الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان يكرّم د. سعد الصويان (وزارة الثقافة)

سعد الصويان... إرث علمي عصيّ على النسيان

مُنح الأنثروبولوجي والباحث السعودي الدكتور سعد الصويان جائزة «شخصية العام الثقافية» في السعودية لهذا العام تثميناً لإسهاماته العلمية والأدبية والثقافية الكبيرة.

عمر البدوي (الرياض)
ثقافة وفنون حلمي التوني بجانب إحدى لوحاته (حسابه بـ«فيسبوك»)

رحيل حلمي التوني... أحد رموز الفن التشكيلي المصري

رحل الفنان التشكيلي المصري حلمي التوني، صباح اليوم (السبت)، عن عمر يناهز 90 عاماً.

يسرا سلامة (القاهرة)

هل تؤدي الأمراض العقلية إلى إنتاج شعر عظيم؟

ألن غينسبرغ
ألن غينسبرغ
TT

هل تؤدي الأمراض العقلية إلى إنتاج شعر عظيم؟

ألن غينسبرغ
ألن غينسبرغ

أعاد نشر كتاب ستيفن م. واين، الذي جاء بعنوان «أفضل العقول: كيف صنع آلن غينسبرغ شعراً ثورياً من الجنون»، في العام الماضي، طرح التساؤلات الدائمة حول العلاقة بين الصحة العقلية والقدرة على الإبداع، وكما يوحي العنوان فإن هذه الأسئلة تبدو أدبية واجتماعية وسياسية في آن واحد.

فهل تؤدي الأمراض العقلية إلى إنتاج شعر عظيم؟ لقد واجه العديد من الشعراء، المشهورين وغير المشهورين، من العصور القديمة وحتى الوقت الحاضر مشاكل الصحة العقلية بدرجات متفاوتة، لكن هل يؤدي هذا إلى جعلهم متميزين أدبياً؟ كيف نتعامل مع مثل هذه الأسئلة التي لا تخلو من التعقيد في حد ذاتها؟

بغض النظر عن أي تقييم لـ«العظمة» و«التميز» التي يمكن أن يتجادل بشأنهما حراس القوائم الأدبية الثابتة، فإننا في حاجة إلى توخي الحذر من الالتفاف حول ما يُسمى بـ«الشاعر الملعون»، أو المحكوم عليه بالهلاك، خصوصاً الميل إلى إضفاء طابع رومانسي، بل وحتى تقديس، على مثل هؤلاء الشعراء وأعمالهم.

ولا شك أن هناك تقاليد قديمة منتشرة عبر العديد من الثقافات في التعامل مع «الجنون» باعتباره وسيلة للحصول على رؤية والتنوير والنبوءة، وكثيراً ما تم اعتبار أولئك الذين عُدُّوا «مجانين» باعتبارهم ذوي رؤية، وحاملي الحقيقة التي تتعارض مع تفاصيل الحياة اليومية العادية، ومخربين لأنظمة المجتمع «المتحضر».

وقد تعقدت مثل هذه التقاليد المتمثلة في تمجيد «الغرباء» باعتبارهم شعراء في مجتمع ما بعد الصناعي (في علم الاجتماع، يعدُّ المجتمع ما بعد الصناعي مرحلة تطور المجتمع الذي يوّلد في اقتصاده قطاع الخدمات ثروةً أكبر من قطاع الصناعة)، إذ يضع واين «الجنون» في إطار ثقافي، بينما يضع «المرض العقلي» في إطار سريري، حيث يتم تصنيف الأخير على أنه مرضي وفقاً لما سماه ميشيل فوكو بـ«النظرة السريرية» لمؤسسات المجتمع، وتخضع تعريفات هذه النظرة للتغيرات الآيديولوجية والتقنية في تلك المجتمعات.

ومن الأمثلة على ذلك الولايات المتحدة في ذروة جنون الحرب الباردة و«قوانين جيم كرو» (مصطلح أصبح شائع الاستخدام في الغرب في ثمانينات القرن التاسع عشر الميلادي، عندما صار الفصل الاجتماعي مشروعاً في كثير من الأجزاء الجنوبية للولايات المتحدة)، وحركات الحقوق المدنية والقومية السوداء والحركات المناهضة للحرب التي كانت بمثابة رد مباشر على السياسة اللاإنسانية في ذلك الوقت، فقد كان هذا المجتمع يصنف «الآخر» على أنه حالة مرضية، وكانت الصورة المثالية للمواطنين الوطنيين من البيض من الطبقة المتوسطة، والمستقيمين والمستهلكين الموجهين نحو العائلة، هم القاعدة، فيما كان يُنظَر إلى الانحرافات بعين الريبة، إذ مثلت تهديداً يجب تحييده أو احتواؤه في حالة الفشل من أجل «سلامة» الأمة وأمنها.

ووصف ألن غينسبرغ هذا الأمر بـ«متلازمة الإغلاق»، إذ اعتبر أن المجتمع «الصحي» هو ذلك الذي يطلب الامتثال المطلق لقواعده، وإنكار الجسد أو الوعي الفردي أو الخبرة أو اللغة، من خلال تقديم الوفرة المادية (لقلة مختارة من المواطنين).

لكن الشعراء الأميركيين مثل ألن غينسبرغ، وبوب كوفمان، وإليز كوين، وواندا كولمان، الذين عانى كل منهم من مشكلات الصحة العقلية وواجهوا تلك التجارب في فنهم، خرقوا هذه الهياكل الثابتة، إذ ألقوا الضوء على الأثر البشري الفردي للكفاح ضد مثل هذا المناخ من الخوف والخدر.

ومن خلال ذلك، كشف هؤلاء الشعراء عن مرض المجتمع الذي سعى إلى إضفاء طابع مرضي عليهم واحتوائهم، إذ عبر كل من هؤلاء الشعراء الأربعة، من خلال أسلوبهم الشعري الفريد، عن حساسية أوجزها الروائي جاك كيرواك في كتابه «الإيمان والتقنيات في النثر الحديث» (1959): «لا خوف أو خجل من كرامة تجربتك أو لغتك أو معرفتك».

وبصفته طبيباً نفسياً، يقدم وين منظوراً مميزاً لسيرة غينسبرغ المعروفة جيداً، فهو تناول جميع المراحل الرئيسية فيها، خصوصاً تلك المتعلقة بالعلاقة بين الشعر وفهم غينسبرغ المتغير لـ«الجنون».

منذ صغره، شهد غينسبرغ الصراعات المروعة التي خاضتها والدته نعومي مع الفصام البارانويدي، إذ أمضت عقدين من الزمان تعاني منه في المستشفيات النفسية وخارجها.

وكانت تجربة غينسبرغ الشخصية في معهد الطب النفسي التابع لمستشفى كولومبيا بريسبتيريان، حيث كان مريضاً لمدة ثمانية أشهر في عام 1949، بمثابة حافز، فهناك التقى كارل سولومون، الذي أهدى إليه قصيدة «Howl» (عواء)، التي تعد من أشهر قصائده، كما زرعت هذه التجربة أيضاً بذوراً شعرية داخله قائمة على التعاطف والاستشفاء، قام غينسبرغ بتطويرها على مدار مسيرته المهنية.

وتعدُّ «Howl» قصيدة رثاء صريح، وتتضمن نداءً للشفقة الإنسانية والخلاص، فالسطر الافتتاحي للقصيدة، ليس واضحاً كما يبدو للبعض، وذلك على الرغم من كونه من أحد أكثر الأسطر التي يتم اقتباسها في الشعر الأميركي في القرن العشرين، إذ يقول فيه:

«لقد رأيت أفضل عقول جيلي يدمرها الجنون، والجوع، والهستيريا، والعري»

فهل هذا «الجنون» مرتبط بـ«أفضل العقول»؟ أم هل هو الجنون المدمر للمجتمع نفسه؟ هناك غموض مُتعمَد هنا، يوضحه غينسبرغ جزئياً من خلال السؤال والإجابة في بداية الجزء الثاني من القصيدة.

إن العقل المقصود في قصيدة غينسبرغ هو عقل غير مرتبط بأي قيمة إنسانية، إنه عقل مجرد، منفصل عن القلب والجسد، ولذا فإن الخروج من هذا العقل قد يعني الحفاظ على إنسانيتك، لكن هذا يجعلك مشكلة للمجتمع.

وكما يشير وين، فإن غينسبرغ فهم هذا من خلال الطبيعة الثنائية للجنون باعتباره «إما محرراً أو ضاراً»، وقاده استكشافه للتوترات بين هذين المنظورين إلى تناول هذه المفاهيم بشكل كبير في شعره.

وليس من قبيل المصادفة أن قصيدة «Howl» استُوحيت، جزئياً، من قصيدة كريستوفر سمارت «Jubilate Agno»، التي كتبها الأخير أثناء احتجازه في مصحة لعلاج ما يُعتقد الآن أنه كان اكتئاباً، كما استلهم غينسبرغ أيضاً من قصيدة «Ode to Walt Whitman» لفديريكو غارسيا لوركا، الذي عانى أيضاً من الاكتئاب والقلق بعد اكتشاف ميوله الجنسية، والمقدمة الأولى لقصيدة «At the Top of My Voice» لفلاديمير ماياكوفسكي، الذي انتحر عام 1930.

وعندما أصر غينسبرغ، في الجزء الثالث من قصيدة «Howl»، على أن الروح بريئة وخالدة ولا ينبغي لها أبداً أن تموت في مستشفى مجانين محروسة بالأسلحة، فإنه يشير إلى حياة تتجاوز الهياكل التي تشخص ما هو في جوهره مقدس وغير قابل للاحتواء على أنه مريض.

وقد طوّر غينسبرغ شعره في أعماله اللاحقة، مثل قصيدة «Kaddish» في عام 1962، وهي قصيدة رثاء مؤلمة من محب لأمه التي توفيت في مستشفى «Pilgrim State» قبل فترة وجيزة من نشر قصيدة «Howl» (عواء).