«كاتب لا يستيقظ من الكتب»... فعل القراءة في حياة الكُتاب

«كاتب لا يستيقظ من الكتب»... فعل القراءة في حياة الكُتاب
TT

«كاتب لا يستيقظ من الكتب»... فعل القراءة في حياة الكُتاب

«كاتب لا يستيقظ من الكتب»... فعل القراءة في حياة الكُتاب

صدر، حديثاً، عن دار «أكورا» بطنجة، كتاب جديد للناقد والمترجم المغربي محمد آيت لعميم، تحت عنوان «كاتب لا يستيقظ من الكتب»، قال عنه صاحبه إنه ثمرة لأكثر من عشرين سنة من الترجمة لحوارات شاملة مع كتاب ومفكرين وفلاسفة وروائيين ونقاد، «كان استكشف فيهم نظرات عميقة حول الكتابة والوجود، وحول الأدب والحياة».

العنوان مثير ويغري بالإقبال على الكتاب. وقد برر آيت العميم اختياره، بقوله «ولو أنني كنت أترجم هذه الحوارات بطريقة متقطعة، فإنني سألمح فيها خيطاً ناظماً، وهو مديح القراءة والاعتناء بالكتاب؛ مما حدا بي أن أطلق هذا العنوان الذي بدا لي جامعاً لأشتات هذه الحوارات. إذ لا يخلو حوار من الإشادة بفعل القراءة وبأهمية الكتب في حياة الكتاب».

يشتمل الكتاب على 15 حواراً طويلاً، لكل من الروائي والكاتب المكسيكي كارلوس فوينتيس، الأول بعنوان «السعادة والتاريخ لا يمكن أن يلتقيا» والثاني بعنوان «في مديح الثقافة الهجينة»، وللناقد والكاتب الفرنسي رولان بارت تحت عنوان «الأدب والتدريس»، ولتزفيطان تودوروف، بلغاري الأصل، تحت عنوان «الدين والحب والجمال... طرائق لإعادة التجربة مع المطلق»، وللناقدة والروائية البلغارية جوليا كريستيفا تحت عنوان «استعجال التمرد»، وللفيلسوف الفرنسي بول ريكور تحت عنوان «كل كتاب أكتبه يترك شيئاً عالقاً»، وللروائي الإيطالي أنطونيو تابوكي تحت عنوان «صرت كاتباً بالصدفة»، وللناقد الإيطالي بييترو تشيتاتي تحت عنوان «كتبي شكل من أشكال السرقة»، وللناقد المغربي عبد الفتاح كيليطو تحت عنوان «كنت بورخيسيا قبل أن أقرأ بورخيس»، وللروائي الإسباني خابيير سركاس تحت عنوان «الرواية سلاح دمار شامل»، ولجون كلود كاريير تحت عنوان «ما مصير البيبليوفيليا (عشق الكتب) في زمن الرقمنة؟»، وللفيلسوف بيير فيسبيريني تحت عنوان «تشكلت الفلسفة القديمة في القرن الـ19»، ولبيرنار بيفو تحت عنوان «أن نقرأ هذا عمل شجاع»، ولميشيل باستورو تحت عنوان «الكتاب الصغير للألوان»، وللكاتب الإيطالي إمبرتو إيكو تحت عنوان «الكتاب لن يموت أبداً».

وكتب آيت لعميم، في تقديم كتابه «أظن أن القارئ سيجد نفسه أمام وفرة من الأفكار المتنوعة، والعميقة صدرت عن كتّاب ونقاد بصموا تاريخ القراءة، وخلفوا أعمالاً خالدة، ومن عجائب الاتفاق أن أفكاراً عديدة التقى فيها هؤلاء الكتاب، لم تكن تظهر لي أثناء الترجمة، بل بدت لي لما انتظمت الحوارات في كتاب، فأصبحت هذه الحوارات تتحاور فيما بينها».

وعن اختياره ترجمة حوارات مع كتّاب كبار، يقول «الحوار جنس أدبي حي، ينبض بالأفكار الطازجة، ويسمح للكاتب أن يتحدث عن تجربته وكتبه بنوع من الحيوية المضيئة؛ إذ الأفكار التي يسترسل في التصريح بها تتمتع بذكاء اللحظة وبالعثور على الجمل المناسبة، أحياناً يتمكن الكاتب من اكتشاف صيغ وعبارات موجزة تصبح جملاً خالدة لا تنسى، إضافة إلى أن الحوار يتمتع بالقدرة على التكثيف والإيجاز، وتقديم مفاتيح لفتح مستغلقات الكتابة، وفهم مقصديات الكاتب من أعماله».

ويشير آيت لعميم إلى أن ما يميز أغلب الحوارات التي يشتمل عليها كتابه، أنها «تتمتع بالشمولية وتغطية المشاريع الكتابية لكل مؤلف على حدة؛ مما يجعلها توفر للقارئ نظرة شاملة على التحولات التي عرفها كل كاتب، وتكشف أسرار هذه التحولات، إضافة إلى أنها حوارات ذات طابع سيري، بحيث نصادف فيها معطيات حول الكاتب، تعمل على إضاءة بعض مشاغل الكتابة لديه، وتفسر القطائع التي صاحبت هؤلاء الكتاب عبر مسارات الكتابة ومنعرجاتها، إلى درجة أن كل حوار على حدة قد يتحول إلى مشروع كتاب حول تجربة المؤلف».

هناك قيمة أخرى، يبرزها آيت لعميم في تقديم كتابه، بخصوص الحوارات، بإشارته إلى أنها «بداية للمجتهد ونهاية للمقتصد، فهي تلبي حاجات كل صنف، فالذي يتمتع بقدرة هائلة على القراءة ستفتح له الحوارات نهماً قرائياً لأعمال هؤلاء الكتاب أو إعادة قراءتها على ضوء الأفكار التي كشفتها لحظات الحوار، ومن لديه نزوع انتقائي في القراءة فإن الأفكار التي وردت مبثوثة في ثنايا الحوارات قد تلبي بعضاً من فضوله المعرفي».

مما نقرأ، في حوار أمبرتو إيكو الذي حمل عنوان «الكتاب لن يموت أبداً»: «الكتاب مثله مثل الملعقة أو المطرقة أو العجلة أو المقص. ما أن تخترعها لأول مرة فإنه ليس بإمكانك أن تصنع أحسن منها. لا يمكنكم أن تصنعوا ملعقة أفضل من الملعقة. حاول مجموعة من المصممين أن يطوروا أو يصلحوا مثلاً الحلالة، ولكن بنجاحات متفاوتة جداً. إضافة إلى ذلك أغلبها لا يشتغل. لقد حاول فيليب تسارك تجديد عصارات الليمون، لكن عصارته (من أجل إنقاذ صفاء جمالي ما) تترك البذور تمر. لقد برهن الكتاب على جدارته، ولا نرى كيف يمكننا أن نصنع أفضل من الكتاب للاستعمال نفسه. يمكن للكتاب أن يتطور في تركيبته، يمكن لصفحاته ألا تكون من الورق، لكن سيظل ما هو عليه».

في حواره أيضاً، يتحدث إيكو عن المستقبل، وعن تطور التكنولوجيات الحديثة، فيقول «كل شيء ممكن الوقوع، يمكن للكتب ألا تثير اهتمام سوى قبضة من أناس محددين سيشبعون فضولهم العابر في المتاحف والمكتبات»، قبل أن يستدرك «يمكننا أيضاً أن نتخيل أن الاختراع المدهش الذي هو الإنترنت، سيختفي بدوره في المستقبل. بالضبط مثل المنطادات اختفت من سمائنا، حين أطلقت النار على هوندبرغ في نيويورك، قبل الحرب بقليل، مات مستقبل المنطادات. الأمر نفسه بالنسبة إلى طائرة الكونكورد، فحادثة كونيس عام 2000 كانت مشؤومة، فالتاريخ على الرغم من ذلك مدهش، تخترع طائرة، تقطع المحيط الأطلسي في ثلاث ساعات بدلاً من ثمانٍ. من كان سيعترض على مثل هذا الإنجاز؟ لكن صرف النظر عنها بعد هذه الكارثة على اعتبار أن الكونكورد باهظة الثمن، هل كان هذا سبباً معقولاً؟ فالقنبلة النووية هي الأخرى باهظة الثمن!».

ومما نقرأ في الحوار المنجز مع برنار بيفو، عن القراءة إذ تعزلنا عن العالم وتفتحنا عليه في الوقت نفسه، على لسان ابنته سيسيل بيفو «أن تجد وقتاً للقراءة هو نوع من المصارعة. فحينما كنت أعمل، إذا لم أجد دقيقة من أجل القراءة في اليوم، كنت أتوقف في مقهى. وأنادي على أطفالي وأقول لهم إنني سأتأخر لبعض الوقت لأنه ما زال لدي عمل – شيء لم يكن صحيحاً، وكنت أقرأ ليس طويلاً، ولكن على الأقل عشرين دقيقة. قبل أن أدخل إلى البيت، كنت في حاجة إلى هذا. لأنني كنت أعرف أنني إذا دخلت، لن أجد الوقت... أو، عوض أن أتناول وجبة الغذاء مع زملائي في العمل، كنت أعتذر أن لدي موعداً، وأذهب وحدي إلى بيسترو كي أقرأ. أمر لا يصدق، لكن من المستحيل أن أقول لهم «لا أريد أن أتغ]ى معكم، سأذهب لأقرأ، الناس لا يقبلون بهذا».

وعن الأسباب التي تجعله يتخلى عن كتاب، أجاب برنار بيفو «إذا أزعجني. فبقراءتي ثلاثين صفحة، يمكنني أن أعرف أن الكتاب يدور في حلقة مفرغة، وأنه متبجح، وأن الشخصيات ليست ذات أهمية كبرى. وإذا كان الأمر يتعلق بمحاولة أو دراسة، فإنها غير مفيدة أو أن الكتابة ذات سطحية مفزعة».


مقالات ذات صلة

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

ثقافة وفنون «شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

عن دار «بيت الياسمين» للنشر بالقاهرة، صدرتْ المجموعة القصصية «شجرة الصفصاف» للكاتب محمد المليجي، التي تتناول عدداً من الموضوعات المتنوعة مثل علاقة الأب بأبنائه

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق المعرض يتضمّن برنامجاً ثقافياً متنوعاً يهدف إلى تشجيع القراءة والإبداع (واس)

انطلاق «معرض جازان للكتاب» فبراير المقبل

يسعى «معرض جازان للكتاب» خلال الفترة بين 11 و17 فبراير 2025 إلى إبراز الإرث الثقافي الغني للمنطقة.

«الشرق الأوسط» (جيزان)
يوميات الشرق الأمير فيصل بن سلمان يستقبل الأمير خالد بن طلال والدكتور يزيد الحميدان بحضور أعضاء مجلس الأمناء (واس)

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

قرَّر مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية تعيين الدكتور يزيد الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية خلفاً للأمير خالد بن طلال بن بدر الذي انتهى تكليفه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

مرَّت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الصعد، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على غزة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام

أنيسة مخالدي (باريس)

دلايات ودبابيس جنائزية من الإمارات

قطعتان من رأس الخيمة تقابلهما قطعة من أبوظبي وأخرى من الشارقة
قطعتان من رأس الخيمة تقابلهما قطعة من أبوظبي وأخرى من الشارقة
TT

دلايات ودبابيس جنائزية من الإمارات

قطعتان من رأس الخيمة تقابلهما قطعة من أبوظبي وأخرى من الشارقة
قطعتان من رأس الخيمة تقابلهما قطعة من أبوظبي وأخرى من الشارقة

كشفت أعمال التنقيب في الإمارات العربية المتحدة عن سلسلة كبيرة من المدافن الأثرية حوت كثيراً من الحلي والمجوهرات المصوغة من الذهب والفضة والنحاس والبرونز والرصاص. تبرز في هذا الحقل مجموعة ذات أشكال حيوانية، صُنعت من سبيكة الإلكتروم المكونة من الذهب والفضة، على شكل دلايات أو دبابيس من نوع «البروش»، رافقت أصحابها الراقدين في مثواهم الأخير.

تعود هذه الحلي إلى الألفية الثانية قبل الميلاد، وتشهد لتقليد فنّي محلّي خاص، يتجلّى في تكوين أشكالها المجسّمة كما في صياغتها المتقنة.

أشهرها قطعة من محفوظات متحف رأس الخيمة الوطني، مصدرها مقبرة تقع في منطقة ضاية، شمال مدينة الرمس التي تشكل في زمننا المفتاح الشمالي لإمارة رأس الخيمة. كشفت عن هذه المقبرة بعثة ألمانية خلال السنوات الأخيرة من ثمانينات الماضي، وتبيّن أنها مقبرة يبلغ طولها 9 أمتار، وعرضها 4.4 أمتار، وقيل يومها إنها أكبر المقابر التي تمّ الكشف عنها في رأس الخيمة، وتعود إلى الألف الثاني قبل الميلاد، وقد فقدت كثيراً من مكونات أثاثها بسبب تعرّضها لأعمال السرقة والنهب، واستخدام جزء كبير من مساحتها كمأوى للأغنام. حوى هذا المدفن مجموعة من القطع الفخارية والأواني الناعمة، إلى جانب مجموعة من الأدوات المعدنية، ومجموعة من الحلي المتعدّدة الأنواع. وضمّت هذه المجموعة من الحلي قطعاً بدا أنها دلايات تجمع بين الذهب والفضة والكهرمان، صيغت على شكل مجسّمات حيوانية تبعاً لنسق واحد وجامع.

أجمل هذه الدلايات وأكملها، دلاية هي كذلك أشهرها، وقد احتلّت صورتها غلاف كتاب خاص بآثار دولة الإمارات العربية، نشره المؤرخ محمد عبد النعيم في عام 1999 ضمن سلسة «آثار ما قبل التاريخ وفجره في شبه الجزيرة العربية». يبلغ طول هذه القطعة 5 سنتيمترات، وعرضها 11 سنتيمتراً، وتمثّل حيوانين من فصيلة الكلبيّات، يصعب تحديد جنسهما بدقة. صيغ هذان الحيوانان في قالب تحويري زخرفي صرف؛ حيث ظهرا متواجهين وملتصقين بشكل معاكس، أي الظهر مقابل الظهر، مع 6 قوائم منتصبة، مرصوفة عمودياً بشكل تعادلي متجانس. يشكّل جسدا هذين الحيوانين مساحة أفقية واحدة تزينها 4 كتل بيضاوية ناتئة. تعلو هذه المساحة الأفقية شبكة من الأسنان المرصوفة كأسنان المشط، ويتوسط هذه الشبكة ذيلا الحيوانين الملتفّين على شكل دائرتين لولبيتين مرتفعتين نحو الأعلى.

يتكرّر هذا الشكل في قطعة أخرى من مقبرة ضاية وصلت بشكل مجتزأ للأسف. يحضر الحيوانان في تكوين مماثل، غير أن بدنيهما يبدوان هنا منفصلين بشكل جلي، وتأخذ شبكة الأسنان المرصوفة تشكيلاً مغايراً، مع بروز الدائرتين اللولبيتين المتقابلتين في وسطها. حافظ أحد الحيوانين على رأسه وطرف قائمتين من قوائمه، وفقد الآخر الجزء الأكبر من بدنه. ويبدو هذا الرأس أشبه برأس ذئب يفتح شدقي فمه، كاشفاً عن نابين من أنيابه. تُمثّل هذه القطعة شكلاً من أشكال متنوعة تظهر في كل حلية من هذه الحلي التي تتبع نسقاً جامعاً. خرجت بعضها من مقابر تقع ضمن أراضي تتبع اليوم إمارة رأس الخيمة، وخرج البعض الآخر من مقابر تقع خارج هذه الإمارة، ومنها مقبرة على الحدود الشرقية لواحة القَطَارَة، في مدينة العين التابعة لإمارة أبوظبي.

كشفت أعمال التنقيب في هذه المقبرة عن مجموعة كبيرة من الأسلحة، ومجموعات من الأواني الحجرية والفخارية، دخل القسم الأكبر منها متحف العين. إلى جانب هذه القطع المتنوعة، تحضر مجموعة من الحلي والمجوهرات، منها بضع دلايات تشهد لشيوع هذا الطراز المحلي في هذه الناحية من الجزيرة العربية.

حافظت إحدى دلايات واحة القَطَارَة على تكوينها بشكل شبه كامل، واللافت أن هذا التكوين يماثل بشكل كبير تكوين دلاية ضاية الذائعة الصيت. يلتصق الحيوانان، وتبدو مساحة بدنيهما المتشابكين واحدة. في المقابل، تبدو ملامح رأسيهما أكثر وضوحاً، وتوحي بأنها تجمع بين الذئب والنسر، مما يعطي هذا الحيوان طابعاً خرافياً. يظهر هذا الرأس كذلك في قطعة معروضة في مركز مليحة للآثار، مصدرها مقبرة تقع في جبل البُحَيْص المجاور لبلدة المدام في المنطقة الوسطى من إمارة الشارقة. وفقاً للتقليد السائد، تمثل هذه الدلاية حيوانين مقرنين، يقفان في اتجاه معاكس، ظهراً إلى ظهر، مع ذنَبين ملتفين إلى الأعلى في الوسط. ضاع أحد هذين الحيوانين المقرنين بشكل كامل، وبقي الآخر، وتكشف صياغته عن دقة كبيرة في تجسيم مفاصل البدن وفقاً لبناء تشريحي متماسك.

يصعب تحديد وظيفة هذه الحلي بدقة، والأكيد أنها جنائزية، كما يشير حضورها في المقابر بشكل دائم. تعود هذه المقابر إلى عصر أطلق عليه البحاثة اسم عصر وادي سوق، نسبة إلى موقع أثري كُشف عنه بين مدينة العين وخليج عُمان. أظهرت دراسة هذا الموقع تحوّلاً كبيراً في طرق الاستيطان المتبعة في شمال شرقي شبه الجزيرة العربية، خلال الفترة الممتدة من 2000 إلى 1600 قبل الميلاد، كما أظهرت تحوّلاً في النسق والطرز الفنية. وظهرت ملامح هذه التحولات في مواقع أخرى متعدّدة من الإمارات.

تشكل الحلي ذات الرؤوس الحيوانية علامة من علامات هذا التحوّل الفني الذي تعددت صوره وأشكاله في ذلك العصر. تحمل هذه الحلي كما يبدو أثر وادي السند، غير أنها تتميز بطابع محلي خاص، ويتجلَّى هذا الطابع الخاص في تجسيمها المتقن، كما في صياغتها المرهفة.