«حجيج البحر»... صراع النفس البشرية بين العزلة والخلاص

«حجيج البحر»... صراع النفس البشرية بين العزلة والخلاص
TT

«حجيج البحر»... صراع النفس البشرية بين العزلة والخلاص

«حجيج البحر»... صراع النفس البشرية بين العزلة والخلاص

صدرت حديثاً عن «منشورات رامينا» في لندن رواية «حجيج البحر» للكاتب الكردي السوري ريدي مشّو، وهي عمل أدبي جديد يتناول فيه قضايا الوجود الإنساني والمعاناة الفردية في مواجهة مشاعر العجز والاغتراب.

الرواية تأخذ القارئ في رحلة متخيّلة يتداخل فيها الواقع مع الخيال، ويتمحور السرد حول مجموعة من المرضى الذين يفقدون بصرهم، ويخوضون تأملات عميقة حول الحياة والموت وما بينهما. من خلال هذه الشخصيات التي تبحث عن الأمل في عالمٍ مليء بالألم، ينسج مشّو عالماً متخيّلاً مليئاً بالتفاصيل النفسية والفلسفية، يثير تساؤلات حول مصير الإنسان وعلاقته بالمجهول.

تتمركز الرواية حول البحر رمزاً رئيسياً يحمل في طياته العديد من الدلالات المتناقضة، فهو لا يقتصر على كونه جسداً مائياً، بل يتحوّل إلى رمز للأمل والشفاء من جهة، ووسيلة للهروب من الواقع القاسي من جهة أخرى. الأمواج التي تتراكم في مخيلة الأبطال ترمز إلى الحيرة الداخلية التي يشعرون بها، إذ يسعون إلى البحر بوصفه الملاذ الأخير والوجهة النهائية التي تطمح إليها أرواحهم المنهكة.

يضع الكاتبُ قارئه في مواجهة عيادة غريبة تجمع الشخصيات الرئيسة، إذ تتلاشى حدود الزمان والمكان، وتصبح تلك العيادة رمزاً لميناء الأرواح التائهة التي تبحث عن خلاصها. تتيح هذه العيادة المجال للشخصيات لكي تعيش في عالم متداخل بين الحقيقة والخيال، ما يخلق فضاءً من الغموض والانفتاح على احتمالات متعددة. يسعى الكاتب من خلال هذا البناء السردي إلى طرح أسئلة عميقة عن جدوى الحياة، وعن المصير الذي ينتظر الإنسان بعد مواجهته لأقصى درجات الألم الجسدي والنفسي.

الرواية تتسم بتداخل الأزمنة والأماكن، ويخلق مشّو عالماً يخرج فيه المرضى عن واقعهم التقليدي ويخوضون رحلات تأملية داخلية بحثاً عن إجابات حول الحياة والموت. تتداخل قصص المرضى وأحلامهم المعلّقة لتصبح الرواية بمثابة مرآة تعكس الصراعات النفسية التي يعيشونها. ويبرز الكاتب الصراع الداخلي في نفوس الشخصيات، مستخدماً البحر عنصراً رمزياً يتكرر في السرد ليعبر عن أحلامهم وآمالهم المحطمة. هذا البحر هو بمثابة امتداد لآلامهم وآمالهم الضائعة، مما يجعل الأمواج تتجسد صوتاً داخلياً يعكس حالة التوتر والخوف التي يعيشونها.

في كل مشهد من مشاهد الرواية، تتجلّى معاني العزلة والأمل. الشخصيات تجد نفسها في مواجهة مع أسئلة حول معنى الرحلة الإنسانية وما إذا كان الشفاء من الممكن تحقيقه أم أن البحر ليس سوى دوامة لا تنتهي من الهروب. كل موجة في البحر تمثل جزءاً من حيرة الشخصيات التي تبحث عن مخرج أو جواب لما تواجهه من تساؤلات وجودية. الكتابة العميقة التي يتبناها مشّو تأخذ القارئ في رحلة فلسفية مفعمة بالتأمل في جدوى الحياة البشرية.

وريدي مشّو كاتب وروائيّ وموسيقيّ كرديّ من سوريا. وقد أصدر مجموعات شعرية باللغتين العربيّة والكرديّة. وله روايتان.


مقالات ذات صلة

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
ثقافة وفنون «حجر النرد»... حاكماً على التاريخ في الرواية

«حجر النرد»... حاكماً على التاريخ في الرواية

قد يفاجأ القارئ الاعتيادي الذي يقرأ هذا النص السردي الموسوم بـ«وجوه من حجر النرد»، الصادر عام 2024، كونه لا يمت بصلة لفن الرواية الحديثة

فاضل ثامر
يوميات الشرق المستشار تركي آل الشيخ يتحدث خلال المؤتمر الصحافي للجائزة سبتمبر الماضي (هيئة الترفيه)

1967 متنافساً من 49 دولة على «القلم الذهبي»

انتهت المرحلة الأولى من عملية التحكيم للقائمة الطويلة التي شارك فيها 1967 كاتباً من 49 دولة حول العالم للفوز بـ«جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
يوميات الشرق د. سعد البازعي رئيس «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» (الشرق الأوسط)

البازعي: «جائزة القلم الذهبي» متفردة... وتربط بين الرواية والسينما

بدأت المرحلة الثانية لـ «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» لتحديد القائمة القصيرة بحلول 30 ديسمبر قبل إعلان الفائزين في فبراير.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
يوميات الشرق باربرا  تايلور برادفورد (أ.ب)

وفاة الروائية الشهيرة باربرا تايلور برادفورد

تُوفيت عن عمر يناهز 91 عاماً باربرا تايلور برادفورد، الصحافية البريطانية التي تحولت إلى ظاهرة في عالم النشر بعد روايتها «وومان أوف سبستانس».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر
TT

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

هي رواية تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، تحمل اسم «عورة في الجوار»، وسوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر والتوزيع، وتقع في 140 صفحة.

عن عوالمها وفضائها السردي، يقول تاج السرّ لـ«الشرق الأوسط»: «تروي هذه الرواية التحولات الاجتماعية، وحياة الريف المكتنز بالقصص والأساطير، وانتقال البلد إلى (العصرنة) والانفتاح ورصد التأثيرات الثقافيّة التي تهبّ من المدن إلى الأرياف، لكنها ترصد أيضاً تأثير الأوضاع السياسية المضطربة في السودان على حياة الناس العاديين وما تسببه الانقلابات العسكرية من معاناة على السكان المحليين، خاصة في الأرياف... إلى جانب اهتمامها بتفاصيل الحياة اليومية للناس، في سرد مليء بالفكاهة السوداء».

حمل غلاف الرواية صورة الكلب، في رمزية مغوية إلى بطل الرواية، الذي كان الناس يطلقون عليه لقب «كلب الحرّ» كتعبير عن الشخص كثير التنقلّ الذي لا يستقرّ في مكان. كان كثير التنقّل حيث يعمل سائق شاحنة لنقل البضائع بين الريف والعاصمة وبقية المدن، والزمان هو عام 1980، وفي هذا الوقت يلتقي هذا السائق، وكان في العشرينات من عمره بامرأة جميلة (متزوجة) كانت تتبضع في متجر صغير في البلدة التي ينحدرُ منها، فيهيمُ فيها عشقاً حتى إنه ينقطع عن عمله لمتابعتها، وتشمم رائحتها، وكأنها حلم من أحلام الخلود.

وعن الريف السوداني الذي توليه الرواية اهتماماً خاصاً، ليس كرحم مكاني فحسب، إنما كعلاقة ممتدة في جسد الزمان والحياة، مفتوحة دائماً على قوسي البدايات والنهايات. يتابع تاج السر قائلاً: «الريف السوداني يلقي بحمولته المكتنزة بالقصص والأساطير حتى الفانتازيا في أرجاء الرواية، حيث ترصد الرواية ملامح وعادات الحياة الاجتماعيّة... لتنتقل منها إلى عالم السياسة، والانقلابات العسكرية والحروب الداخلية، حيث تسجل صراعاً قبلياً بين قبيلتَين خاضتا صراعاً دموياً على قطعة أرض زراعية، لا يتجاوز حجمها فداناً واحداً، لكنّ هذه الصراعات المحلية تقود الكاتب إلى صراعات أكبر حيث يتناول أحداثاً تاريخيّة كالوقائع العسكريّة والحروب ضدّ المستعمِر الإنجليزي أيّام المهدي محمد أحمد بن عبد الله بن فحل، قائد الثورة المهديّة، ومجاعة ما يعرف بـ(سنة ستّة) التي وقعت عام 1888، حيث تعرض السودان عامي 1889 – 1890 إلى واحدة من أسوأ المجاعات تدميراً».

وعلى الصعيد الاجتماعي، ترصد الرواية الغزو الثقافي القادم من المدن إلى الأرياف، وكيف استقبله الناس، خاصة مع وصول فرق الموسيقى الغربية، وظهور موضة «الهيبيز»، وصولاً إلى تحرر المرأة.

رواية جديدة تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، سوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر.

يشار إلى أن أمير تاج السر روائي سوداني ولد في السودان عام 1960، يعمل طبيباً للأمراض الباطنية في قطر. كتب الشعر مبكراً، ثم اتجه إلى كتابة الرواية في أواخر الثمانينات. صدر له 24 كتاباً في الرواية والسيرة والشعر. من أعماله: «مهر الصياح»، و«توترات القبطي»، و«العطر الفرنسي» (التي صدرت كلها عام 2009)، و«زحف النمل» (2010)، و«صائد اليرقات» (2010)، التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2011، تُرجمَت أعماله إلى عدّة لغات، منها الإنجليزيّة والفرنسيّة والإيطاليّة والإسبانيّة والفارسيّة والصينيّة.

نال جائزة «كتارا» للرواية في دورتها الأولى عام 2015 عن روايته «366»، ووصلتْ بعض عناوينه إلى القائمتَين الطويلة والقصيرة في جوائز أدبيّة عربيّة، مثل البوكر والشيخ زايد، وأجنبيّة مثل الجائزة العالميّة للكتاب المترجم (عام 2017 بروايته «العطر الفرنسي»، وعام 2018 بروايته «إيبولا 76»)، ووصلت روايته «منتجع الساحرات» إلى القائمة الطويلة لجائزة عام 2017.

صدر له عن دار «نوفل»: «جزء مؤلم من حكاية» (2018)، «تاكيكارديا» (2019) التي وصلتْ إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب (دورة 2019 – 2020)، «سيرة الوجع» (طبعة جديدة، 2019)، «غضب وكنداكات» (2020)، «حرّاس الحزن» (2022). دخلت رواياته إلى المناهج الدراسيّة الثانويّة الإماراتيّة والبريطانيّة والمغربية.