ناشرة مغربية تترجم قصص مصورة عن الاحتباس الحراري للعربية

معاذ زيادي وناشرته (الشرق الأوسط)
معاذ زيادي وناشرته (الشرق الأوسط)
TT

ناشرة مغربية تترجم قصص مصورة عن الاحتباس الحراري للعربية

معاذ زيادي وناشرته (الشرق الأوسط)
معاذ زيادي وناشرته (الشرق الأوسط)

لا يمكن وصف هذا العمل سوى بأنه مغامرة استدعت معجزة صغيرة لتتحقق. والمغامر هو معاذ زيادي وناشرته ليلى الشاوني. مهندس مغربي قرّر في لحظة حماسية أن يُترجم كتاباً فرنسياً ضخماً من نوع القصص المصورة، ومدافعة عن حقوق الإنسان تدير داراً للنشر في الدار البيضاء. ميزة الكتاب أنه للكبار واليافعين. يجمع بين العلم والأدب، ويشرح مشكلات الاحتباس الحراري بأسلوب المحاورات والقصص المصورة. وكانت الطبعة الفرنسية من كتاب «عالم غير منته» قد حققت رواجاً مدهشاً. وهو عمل مشترك بين مؤلفه جان مارك جانكوفيسي، المهندس والأستاذ الجامعي، وبين الرسام كريستوف بلان، «الشرق الأوسط» تواصلت مع معاذ زيادي فكان هذا الحوار:

* كيف تعرفت إلى عالم جانكوفيسي وبلان؟

- في بادئ الأمر كنت أعرف الكاتب جانكوفيسي من بعيد، ذلك أنني كنت أعمل مع مكتب استشاراته الهندسية في إطار مشاريع توكل إلى الشركات التي أعمل فيها. لكنني كنت أجهل الجانب الأدبي في شخصيته. وهو الجانب الذي أبرزه وبمهارة الرسام الفرنسي كريستوف بلان.

* لماذا أثار هذا الكتاب اهتمام آلاف القرّاء؟

- حال صدوره، أثارت هذه القصة المصورة ضجة كبيرة في فرنسا، ولقيت إقبالاً كبيراً من الشباب. بل إن بعض المعاهد والمؤسسات اقتنتها ووفّرتها لطلبتها وموظفيها لتحسيسهم بمشكلة موارد الطاقة والتقلبات المناخية. ومن جانبي، أعجبتني الطريقة التي اختارها الكاتب والرسام لإيصال الفكرة من خلال اعتمادهما على تقنية القصة المصورة (الكوميكس). لقد نجحا في تبسيط السيناريو عبر حوار بين شخصيتين: الكاتب الذي يلعب دور الخبير المتمكن، ثم الرسام الذي يلعب دور المتلقي الساذج، يأخذنا البطلان في رحلة معرفية متعددة المصادر، مليئة بروح الدعابة التي تخفي في طياتها موسوعة معرفية قيمة تفيد مختلف فئات القراء: القارئ الناشئ والشاب والكهل والمتقدم في السن، المتعلم والمثقف وقليل الحظ من الثقافة، كل واحد حسب حاجاته.

* كيف اهتديت للكتاب؟

- تعرفت عليه في إطار مناظرة نظمتها الشركة التي أعمل فيها. لقد أهدوا نسخاً منه لجميع رؤساء الأقسام. وقد أتممت قراءته في جلسة واحدة، فوجدت بين يدي عملاً علمياً جامعاً لكثير من المفاهيم المعرفية في مجلد واحد،وقد نجح بلان في وضع بصمة الرسم المناسب للمحتوى بمهارة عالية أعطت الكتاب نكهة خاصة.

* كيف جاءتك فكرة ترجمته إلى العربية؟

- قرأت في الصحف خبراً عن ترجمة الكتاب إلى الألمانية وترحيب الكاتب بتلك النسخة، ذلك أن الكتاب ينتقد السياسة الألمانية فيما يخص الطاقة. فكرت بنسخة عربية واتصلت بجانكوفيسي لأطرح عليه الفكرة، لا سيما أن معظم الطاقات الأحفورية المستغلة عالمياً تنتج في دول عربية، وقد بات من الضروري في ضوء موضوع الاحتباس الحراري وبدأ تلك الدول في تحويل اقتصادها إلى أفق جديدة أكثر استدامة،ومن جهة أخرى، فإن التركيبة السكانية للدول العربية تتشكل من نسبة عالية من الشباب. وتبعاً لذلك فإنها أكثر الديموغرافيات في العالم التي ينبغي أن تهتم بهذا الموضوع المستقبلي والمصيري بالنسبة لها. من جهته، رحب جانكوفيسي بالفكرة التي طرحتها عليه وقدمني إلى ناشره (دارجو) وشرعنا في العمل لإنجازه قبيل مؤتمر (الأطراف كوب 28) الذي نُظم في الإمارات العربية المتحدة في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

غلاف كتاب «عالم غير منتهٍ» (الشرق الأوسط)

* هل أنت من متابعي كتب القصص المصورة بشكل خاص؟

- اكتشفت هذا الفن الأدبي منذ الصغر، بل كانت تلك أولى قراءاتي. كانت مكتبة الطفولة تحتوي على كتب جاءتنا من القاهرة وبيروت وبغداد، مثل قصص الشاطر حسن، وسلسلة «رائد» بساط الريح وغير ذلك. وقد يرجع الفضل في ذلك إلى والدتي التي كانت تقرأ لي القصص المصورة قبل منامي، وإلى والدي الكاتب والقاص المغربي أحمد زيادي الذي كان يشتري لي خلال أسفاره إلى المشرق العربي الكتب والمجلات العربية للأطفال. أذكر منها «المزمار»، و«مجلتي»، و«العربي الصغير» و«ماجد» و«سمير» وغيرها.

* لا شك أن قراءاتك منحتك لغة عربية سليمة؟

- كنت آنذاك تلميذاً في مدرسة ابتدائية فرنسية في الدار البيضاء تابعة للتعليم الخاص الكاثوليكي، وكان جلّ زملائي فيها يقرأون القصص المصورة بالفرنسية ويجهلون عالم القراءة الذي كنت أنتمي إليه جهلاً باتاً. كنت أعيش غريباً في ذلك الوسط، وقراءاتي هي همزة وصل لي مع أطفال افتراضيين من سني، في العراق ولبنان ومصر والأردن. كنا نتراسل ونتبادل المعلومات الجغرافية والطوابع البريدية. وقد أسهمت تلك الكتب والمجلات في تمتين معرفتي للغة العربية وآدابها. ولما كبرت قرأت المنفلوطي، والحكيم، ومحفوظ، وتعرّفت على الأدب الفرنسي في المدرسة الثانوية، ومن ثَمّ الأدب الإسباني. أما القصص المصورة فقد اكتشفتها في المرحلة الجامعية ولم تكن للصغار بل للبالغين. وفي تلك الفترة كانت العربية غائبة عن هذا الصنف الأدبي، لأن الفكرة الشائعة أنه صنف للصغار. هذا مع العلم أن كثيراً من موضوعات القصص المصورة الصادرة بالفرنسية أو الإنجليزية تهمّ العالم العربي، وقد أنجز قسماً منها كتّابٌ ورسامون عرب، أذكر مثلاً «البيانو الشرقي» للبنانية زينة أبي راشد، أو «عربي المستقبل» الذي صدر في ستة أسفار للسوري رياض سطوف، أو «حشومة» للمغربية زينب فاسيكي.

* أليس من الغريب أن يخوض مهندس تجربة الترجمة؟

- بالتأكيد نظرة المهندس هي التي جلبت الاهتمام إلى الموضوع، وأيضاً لأنني كنت في الآونة الأخيرة، في إطار عملي الوظيفي، بصدد إنجاز مخطّط التنمية المستدامة في مجال تصميم وإنشاء المراكز التجارية في أوروبا. وعندما بدأت في النظر إلى ما كانت تتسبب فيه تلك المشروعات في الزيادة من حدة انبعاثات الغازات الدفيئة، شعرت بالمسؤولية التي يجب أن يتحلّى بها المهندس الذي لا تقتصر مهمته على إيجاد حلول علمية للمشاريع التي يُنجزها، بل عليها أن تكون أيضاً صديقة للبيئة. ومن هنا فإن ترجمة هذا الكتاب لتوفيره في لغة يتكلم بها عشرات الملايين من القراء تدخل أيضاً في إطار هذه المسؤولية المهنية للمهندس.

* أرى أنك تعدّ هذا الكتاب من النوع الأدبي رغم أنه يتناول قضية علمية؟

- أعتقد أن الأدب يلعب دوراً كبيراً في إيصال الأفكار العلمية. وأكبر دليل على ذلك كتابات جانكوفيسي نفسه. لقد نشر كتباً علمية تقليدية عدّة، لكن القصة المصورة هي التي تصدّرت مبيعات كتبه ومبيعات الكتب في فرنسا. فالأدب يمتاز بخاصية الخيال والتصور والإبداع، ويُساعد العلم لاكتشاف مشروعات يحقّقها في المستقبل. ومن الأمثلة على ذلك رواية توفيق الحكيم «رحلة إلى الغد» التي أصدرها عام 1957 مستبقاً فيها وصول الإنسان إلى القمر عام 1969، فلولا الأدب ما وصل العلم.

* ألم تكن ضخامة الكتاب عقبة في وجه الترجمة؟

- كان التحدي الأكبر هو إيجاد ناشر في الوطن العربي يقبل المجازفة بشراء الحقوق من الناشر الفرنسي، وتحمّل تكلفة الترجمة والرسم. فكثير من الرسومات والأشكال الموجودة في الكتاب قد عُرّبت. وهناك مشكلات الطبع والتوزيع لكتاب من 200 صفحة من القطع الكبير وبالألوان. لكل تلك الأسباب كادت المغامرة أن تنتهي بالإحباط. ثم حدثت المعجزة الصغيرة عندما التقيت بالسيدة ليلى الشاوني، مديرة دار «الفنك» المغربية، وهي مناضلة وناشطة حقوقية داعمة لحقوق المرأة والحرية. فقد رحبت بالفكرة، ورأت أن تغيرات المناخ من القضايا التي ينبغي النضال من أجلها، وأن نشر النسخة العربية يدخل في إطار الالتزام الذي لا بدّ أن يتحلّى به الناشر المسؤول.

* هل كان من اليسير ترجمة لغة الحوارات العلمية؟

- أسهمت قراءاتي الطفولية للقصص المصورة في منحي حيوية مكّنتني من إنجاز حوارات بسيطة في متناول شريحة واسعة من القراء على اختلاف أعمارهم. ذلك أن المعلومات المتوفرة مفيدة للقارئ العربي البالغ بصرف النظر عن توجهاته المهنية وميوله. ثم إن الأسلوب البسيط والدّعابات والرسومات تجعله يسافر بحنين إلى مرحلة طفولته. وبالنسبة للناشئة فإنهم سيجدون في الكتاب تبسيطاً يسمح لهم بفهم المحتوى والمشاركة أيضاً في صياغة آرائهم في موضوع مؤثر على السياسة والاقتصاد، ويرقى بهم سريعاً إلى سن المسؤولية. لقد حاولت تجنّب استعمال الهوامش، وحاولت جاهداً ألا أُترجم المعنى بتغيير القالب، على عكس النسخة الأميركية التي غُيّرت فيها النصوص والطرائف والمعطيات التاريخية لتقريبها من واقع القارئ الأميركي.

* هل أنت متفائل بوصول هذا الجهد إلى فئة واسعة من القراء؟

- الكتاب موجّه للجميع. وكما تقول العبارة الفرنسية الشهيرة: «من عمر سبع سنوات إلى سبع وسبعين سنة». وهو يشكّل قراءة عائلية ويصلح مرجعاً في المدارس والجامعات وأيضاً في الإدارات والشركات. لقد سهّلت النُّسخة الفرنسية الحديث عن موضوعات موارد الطاقة والتقلبات المناخية، وكانت محفزاً على طرحها للنقاش، وتبادل الآراء، واتخاذ المواقف التي من شأنها الحد من ويلات انبعاثات الغازات الدفيئة والاحتباس الحراري. فالمواطن هو أولاً مستهلك، وفي يديه حل لمشكلة عالمية. وهذا الكتاب يبيّن كيف يسهم الفرد في إيجاد حلّ يساعد البشرية على أن تنعم بغدٍ أفضل.


مقالات ذات صلة

«أوراق من سجن النساء»... يوميات مثقفات وراء الأسوار

كتب «أوراق من سجن النساء»... يوميات مثقفات وراء الأسوار

«أوراق من سجن النساء»... يوميات مثقفات وراء الأسوار

يتضمن كتاب «أوراق من سجن النساء» للأكاديمية وأستاذة الإعلام الدكتورة عواطف عبد الرحمن، تجربة فريدة تتمثل في استعادة ذكريات اعتقالات سبتمبر (أيلول) 1981 الشهيرة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «اكتشاف إيران»... رحالة إسبانية لبلاد الحدائق والسجاد

«اكتشاف إيران»... رحالة إسبانية لبلاد الحدائق والسجاد

تسعى الرحالة والكاتبة الأكاديمية الإسبانية باتريثيا ألمارثيجي في كتابها «اكتشاف إيران»، إلى تقديم وجه آخر غير معروف لهذا البلد بعيداً عن السياسة وصخبها.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق بسام شبارو (موقع الدار العربية للعلوم ناشرون)

رحيل بسّام شبارو بعد مغامرة نصف قرن في الطباعة والنشر

غادرنا بسّام شبارو، رئيس مجلس إدارة «الدار العربية للعلوم - ناشرون»، أحد أكثر الناشرين حيوية وإنتاجاً في لبنان، والعصامي الذي لم ينطلق من إرث.

سوسن الأبطح (بيروت)
كتب خالد السلطاني

حداثةٌ وما بعد حداثة من بوّابة العمارة

لا يمكنُ للمشتغل في تاريخ الثقافة وفلسفات الحداثة وما بعد الحداثة في عالمنا العربي إلّا أن يدقق كثيراً وطويلاً في الحقيقة التالية....

لطفية الدليمي
كتب غلاف كتاب «نحو تفكير كردي جديد»

«نحو تفكير كردي جديد»

صدر حديثاً عن «دار الزمان» كتاب جديد للباحث الكردي السوري حواس محمود بعنوان «نحو تفكير كردي جديد».

«الشرق الأوسط» (بيروت)

نمو قياسي لـ«الكتاب الصوتي» بفضل «الذكاء الاصطناعي»

نمو قياسي لـ«الكتاب الصوتي» بفضل «الذكاء الاصطناعي»
TT

نمو قياسي لـ«الكتاب الصوتي» بفضل «الذكاء الاصطناعي»

نمو قياسي لـ«الكتاب الصوتي» بفضل «الذكاء الاصطناعي»

تتطور المنتجات الصوتية بشكل غير مسبوق، بفضل الذكاء الاصطناعي، الذي بات يوفّر آلياً ساعات من النصوص المسموعة، بكلفة منخفضة. وهو ما سمح، في السنوات الخمس الأخيرة، بتسريع إنتاج الكتب الصوتية بأعداد كبيرة وجودة عالية.

تدل الأرقام على أن الكتب الصوتية الرقمية هي أسرع القطاعات نمواً. ففي عام 2023، ارتفعت إيراداتها في الولايات المتحدة بنسبة 9 في المائة، وحققت 2 مليار دولار. فيما ارتفعت الإيرادات بما نسبته 24 في المائة خلال الفترة نفسها في بريطانيا، وهذا يحصى من خلال عمليات تنزيل الكتب، التي ارتفعت في المملكة المتحدة بنسبة 17 في المائة، بين عامي 2022 و2023.

يبقى أن رصد نمو الكتب الصوتية العربية أكثر صعوبة، لكن القيمين عليها يؤكدون أن الإقبال يتزايد، لكن الغالبية الساحقة تستفيد من الكتب المجانية والمقرصنة، التي تنتشر كالنار في الهشيم، مما يجعل فهم مدى الإقبال أكثر صعوبة. وهي مشكلة تطول المنتجات الرقمية الصوتية، لا سيما الكتب في مختلف اللغات، مما يعيد أزمة حقوق المؤلف إلى نقطة الصفر، مضافاً إليها هذه المرة حقوق الناشر، الذي يرى كتابه الذي صرف عليه أمواله، يوزَّع صوتياً، بعد أن كان يُقرصَن إلكترونياً وورقياً، دون أي اعتبار. كما أن شكوى الناشرين تتصاعد؛ بسبب عدم شفافية المنصات التي لا سبيل للتأكد من حساباتها، أو مراقبة عدد مرات التنزيل عليها.

الترويج على قدم وساق

وتقدّر منصة «سبوتيفاي» أن نمو صناعة الكتب الصوتية يمكن احتسابه بـ20 في المائة سنوياً بدءاً من سنة 2022. لكن الظاهرة ليس متروكة للظروف. فهناك عمل حثيث على الترويج للكتب الصوتية بلغات أجنبية عديدة، من خلال إقناع القارئ بأنها وسيلة أخرى للمعرفة من خلال القراءة بالأذنين، التي لا تختلف كثيراً في فائدتها، عن القراءة بالعينين.

ويستعان من أجل دعم هذه الأفكار بدراسات متتالية تظهر جدوى أن تستمع للكتب إن كنت لا تقرأها، أو أن تقوم بالأمرين معاً. فثمة دراسة نشرت مؤخراً تبين أن الاستماع لا يقل أهمية وتأثيراً على الشخص من القراءة نفسها. وثمة ترويج للكتب الصوتية، من خلال دراسات أخرى حول العلاقة الجدلية بين الاستماع للكتب وتحفيز بعض السلوكيات. ثمة دراسة بينت أن الاستماع لكتاب يعين على النوم، والاستغراق السريع، مع توصية باعتماد السير الذاتية، والقصص البوليسية حين لا تكون عنيفة، باعتبارها من بين الأفضل لجلب النعاس. ولتسويق أكبر تربط إعلانات بعض المنصات الأميركية، وبينها «أوديبل»، بين رياضة الركض والاستماع إلى نصوص الكتب المقروءة، وكذلك اقترحت المنصة عناوين معينة، اعتبرت أنها تحفّز على النشاط وتزيد من متعة الذين يمارسون هذا النوع من الرياضة.

أساليب تسويقية تتزامن مع ظهور دراسات تدعمها وتمنحها المصداقية، علماً بأنه من الصعب معرفة مدى دقة المعلومات في كل مرة، أو جدّية هذه الدراسات.

كل هذا يأتي بعد أن أصبح إنتاج الكتاب الصوتي متاحاً بسرعة مذهلة، بفضل الذكاء الاصطناعي التوليدي. وإن كانت الشركات المنتجة لا تتحدث بصراحة ووضوح عن استغلالها لبيانات أصوات موجودة لديها لإنتاج كتب جديدة، فمن المرجّح، حسب التقديرات، أن آلاف الكتب أصبحت موجودة، في الأسواق عبر استخدام الذكاء الاصطناعي، باستغلال أصوات بشرية دون أن يُدفَع لأصحابها أي مقابل.

ومؤخراً أعلنت «أمازون» عن وجود 40 ألف كتاب صوتي على منصتها «أوديبل» المتخصصة بالبودكاست والكتب الصوتية، التي تم إنتاجها بواسطة الذكاء الاصطناعي.

وقد أطلقت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 خدمة تتيح للكتّاب نشر أعمالهم صوتياً، عبر الذكاء الاصطناعي. وهو ما سمح لكثير من المؤلفين تحويل كتبهم إلى صيغة جديدة بتكلفة وجهد مغريين.

وكان تسجيل الكتاب يحتاج لأيام وأسابيع وجهود كبيرة، وتكاليف عالية، إذا ما لجأ الكاتب لمن يقوم عنه بهذه المهمة. أما اليوم، فيتحدث المؤلفون الذين قاموا بتسجيل كتبهم عبر القراءة الآلية، عن حاجتهم إلى ساعة واحدة فقط لإتمام المهمة. وتقدم «أمازون» للمؤلف 40 في المائة من مدخول ما تسوقه، وإن كان بعض المؤلفين يشككون في صدقية تعاطي المنصات معهم، نظراً للمداخيل المتواضعة التي يجنونها.

انخفاض بالتكاليف والجهد

وبفضل الذكاء الاصطناعي أمكن خفض تكلفة إنتاج كتاب صوتي من 2500 دولار إلى 400 دولار تقريباً.

وقبل «أمازون» بأشهر كانت «غوغل» قد أعلنت عن الخدمة نفسها، عارضة عشرات الأصوات، بعدة لغات؛ بحيث أصبح بإمكان المؤلف أن يستخدم أكثر من صوت، وباللغة التي يختارها. وهذه التقنيات التوليدية، أتاحت إنتاج عشرات آلاف الكتب المسموعة، التي تسوّق ويروّج لها، وتجد بشكل متزايد طلباً عليها، خاصة بين الشباب الذين هم دون الـ35 من العمر.

ورغم التطمينات التي تنشرها المنصات، مؤكدة أن هذه الخدمة السحرية ليست موجودة لتحل مكان المؤدين المحترفين، أو تستغني عن القراءة البشرية التي تبقى مهمة وأساسية، وإنما هي تسعى فقط لتوسيع الإمكانات، ولا تريد للآلة أن تحل محل الإنسان، إلا أن الاعتراضات تتسع بين محترفي الأداء الصوتي.

محترفو الصوت في خطر

هذه التبريرات باتت تتكرر باستمرار، لكنها لا تُطمْئن أصحاب المهن المتضررة، مثل الممثلين ودور النشر وأصحاب استوديوهات الإنتاج. بل على العكس، تتعالى اعتراضات هؤلاء، ويعتبرون أن الذكاء الاصطناعي إنما ينطق بأصوات سبق لهذه المنصات أن استخدمتها لأناس من لحم ودم، وها هي تستفيد مما لديها من بيانات. ويكفي أن يتم التلاعب قليلاً بالصوت، عند إعادة استخدامه كي يتم التمويه، ولا تطلب موافقة من صاحبه الأصلي أو يتقاضى أجراً. وبات بالإمكان مزج عدة أصوات آلياً للحصول على صوت جديد، مختلف عنها جميعاً. فالآلة لا يمكنها خلق صوت من العدم.

لكن تبقى لأصوات كبار المؤدين والنجوم أهمية معنوية في تسويق الكتب المسموعة، ورفع سعرها. وإذا كان الحصول على أصوات مشاهير أحياء، مكلف إلى حد يجعل شركات الإنتاج تفكّر تكراراً في الجدوى قبل التعاقد معهم، فمما لا يخطر على بال أن ثمة لجوءاً إلى إعادة استعمال أصوات المشاهير الموتى. وقد تم بالفعل التواصل مع ورثة نجوم للحصول على موافقتهم لاستخدام أصواتهم في الذكاء الاصطناعي التوليدي، ليس لقراءة الكتب فقط، بل لأغراض قد تكون إعلانية أو تعليقات وما أشبه. فإعادة استخدام الصوت المسجل يتساوى فيه الأحياء كما الأموات، فلمَ لا يكون اللجوء إلى صوت، يأنسه المستمع وقد ألف بحّته، بأقل تكلفة ممكنة.

توظيف أصوات الموتى

لا تزال الأصوات المعروفة ذات النبرة المألوفة قادرة على اجتذاب المستمعين، كما أن الصوت البشري أقوى تأثيراً وحيوية واحترافية من الصوت المعالج رقمياً. لهذا حين يكون تسجيل كتاب مأمون الربح، لا تبخل المنصات في السخاء، حتى ولو كبرت التكاليف؛ لأن كتاباً «بست سيلر» بصوت أحد المشاهير، على منصة معروفة قد يتحول إلى مصيدة لاجتذاب القراء المستمعين، ليطّلعوا على مزيد من الكتب ويكتشفوا الرغبة في تنزيلها.

فبدءاً من العام المقبل، سيكون في متناول المستمعين المجلدات الـ7 من سلسلة هاري بوتر يؤديها 100 ممثل بأصواتهم. وهذا إنتاج ضخم ومكلف، يستغرق وقتاً وجهداً، ويحتاج لتنفيذه تقنيات عالية، من أجل ضمان إصدار مميز يستحق دفع مقابله للاستماع إليه.

بات بالإمكان مزج عدة أصوات آلياً للحصول على صوت جديد، مختلف عنها جميعاً. فالآلة لا يمكنها خلق صوت من العدم.

هاري بوتر بصوت 100 فنان

وقد ترددت الكاتبة جي كي رولينغ طويلاً قبل إعطاء موافقتها على هذا المشروع، نظراً لأن كتبها متوفرة صوتياً، مقرصنة ومنتشرة على نطاق واسع، بالمجان وكذلك على المنصات. كان لا بد من عرض مميز جداً، كي يستحق الجهد المبذول من أجله.

مما يؤسف له أن من فاتتهم متعة القراءة من العرب لا يبدو أنهم يحاولون تعويض النقص المعرفي لديهم، باللجوء إلى الاستماع. فالكتاب الصوتي لا يُروَّج له بالقدر الكافي، ويبدو غائباً عن الساحة، مع أن ثمة من وجد فيه حلاً لنقص الوقت، أو متعة أثناء القيام ببعض النشاطات، وهؤلاء لا يزالون قلة. بعض الهيئات الرسمية قامت بجهد في هذا المجال، غير أن باقي التسجيلات المتوافرة، في كثير منها، تتم على أيدي هواة، وتفتقد للقراءة السليمة، أو النبرة الجذابة، وربما الصوت الجميل والوضوح الكافي. أكثر من ذلك، نحن بحاجة لرصد سلوك المستمعين الفعليين، لمعرفة أعدادهم، ومتطلباتهم، خصوصاً أن غالبيتهم يعتمدون تسجيلات مقرصنة، يتم تبادلها على مجموعات خاصة من وسائل التواصل الاجتماعي.