«منازل العطراني»... سيرة ذاتية بنكهة الرواية الحديثة

مطاردات أمنية مرئية وغير مرئية وبحث عن مكان آمن

«منازل العطراني»... سيرة ذاتية بنكهة الرواية الحديثة
TT

«منازل العطراني»... سيرة ذاتية بنكهة الرواية الحديثة

«منازل العطراني»... سيرة ذاتية بنكهة الرواية الحديثة

رواية «منازل العطراني» للروائي جمال العتابي، الصادرة عام 2023، سيرة ذاتية بنكهة الرواية الحديثة؛ إنها تحاول أن تلملم خيوط حكايةٍ بطلُها «محمد الخلف» الذي هرب من السجن وراح يرسم خطة دقيقة للوصول إلى ملاذ آمن في قريته «العطرانية» في منطقة الفرات الأوسط. ونكتشف أن بطل الرواية كان سجيناً من سجناء الرأي بعد عام 1960، إذ أُحيل بتهمة كيدية ملفقة إلى المحكمة العسكرية التي حكمت عليه بالسجن، وأودع سجن الكوت. وعندما حدث انقلاب الثامن من فبراير (شباط) 1963 الفاشي، نجح السجناء، ومنهم بطل الرواية، بالتعاون مع أبناء المدينة، في كسر أبواب السجن، وإطلاق سراح السجناء الذين اتخذوا طرقاً مختلفة للوصول إلى بيوتهم أو البحث عن ملاذات آمنة.

والرواية بكاملها عبارة عن مونولوغ داخلي طويل، من وجهة نظر بطل الرواية، يتحدث فيه عن حياته الجديدة المجهولة تماماً:

«أين المسار، بعد أن بِتَّ ليلتك في بيت أحد أصحابك المعلمين في الكوت؟ أصبحت طليقاً الآن، قالها «محمد الخلف»، وبحيرة وذهول: ما زلت بملابس السجن»، (ص 5).

وهكذا تتشكل البنية السردية للرواية، بوصفها بنية بحث عن ملاذ آمن، وبنية مطاردة، مرئية وغير مرئية، من أجهزة الأمن الديكتاتورية آنذاك. وتتحول قرية «العطرانية» وهي سكن العائلة والعشيرة في منطقة الفرات الأوسط إلى بنية مكانية مولدة، تحرك الأحداث، وتستحضر الذكريات المغيَّبة، وتقدم مراجعة نقدية ذاتية لتجربة الحركة الوطنية طوال نصف قرن، وتعيد تشكيل صورة البنية السردية بكاملها.

فعندما وصل «محمد الخلف» إلى قرية «العطرانية» أطلق عليه «نوار الناهض»، زوج شقيقته الذي رافقه إلى قرية «العطرانية» في قلعة سكر بالناصرية، لقب «محمد العطراني»، ووفَّر له ملاذاً آمناً:

«ها هو مخبؤك، بعيدٌ عن أعين الرقباء، تستعيد فيه ملامح الماضي»، (ص 29).

وكان هذا المخبأ حقاً فرصة مناسبة لـ«محمد الخلف»، لمراجعة صفحات حياتية بعين نقدية فاحصة ونقد ذاتي سياسي وشخصي للسنوات الماضية. والرواية، من جانب آخر، تفضح مظاهر العنف والاستبداد التي تمارسها الأنظمة الديكتاتورية، وبشكل خاص نظام البعث وأجهزة أمنه ومخابراته، كما تنطوي الرواية على مراجعة لتاريخ العراق السياسي طيلة نصف قرن، وتحديداً منذ ثورة الرابع عشر من يوليو (تموز) عام 1958 حتى الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003. كما تكشف الرواية عن استيعاب دقيق لطبيعة الحياة اليومية وتفاصيلها في الأرياف والأهوار. ويمكن القول إن معظم شخصيات الرواية الثانوية هي من شريحة الفلاحين الكادحين، باستثناء نماذج تنتمي إلى شريحة المثقفين والمتعلمين في مقدمتهم بطل الرواية «محمد الخلف»، وولده «خالد»، فضلاً عن «نوار»، زوج شقيقته الكبرى الذي رافقه إلى ملاذه الأخير. وتُختتم الرواية بقرار الحكومة بإخلاء السجون والعفو عن المحكومين والسجناء والهاربين وإطلاق سراحهم، وذلك الإجراء كان إجراء استباقياً لاحتمال احتلال البلاد وغزوها بعد أن راحت الحشود العسكرية الأجنبية تقف على الحدود لاحتلال البلاد خصوصاً بعد احتلال النظام الصدامي لدولة الكويت الشقيقة:

«الغاية واضحة، النظام أقدم على الإجراء قبل أن يتداعى وينهار، أمام حشود العساكر التي تنتظر في الحدود لاحتلال البلاد وغزوها»، (ص 252).

وتكشف الرواية، من الناحية السردية، عن نزعة ميتاسردية واضحة، تتمثل في رغبة بطل الرواية «محمد الخلف» في كتابة مذكراته، ومنها الأوراق السبع التي كتبها والمؤرَّخة في: «22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1963 – العطرانية»، (ص 120). فضلاً عن وجود إشارات إلى أنه ترك فصولاً من مذكراته عن سيرته الشخصية بعنوان «مذكرات عطراني»، (ص 120). وهناك من بين مذكراته فصل أفرد له عنواناً باسم «سردياته» يتحدث فيه عن حياته عندما كان معلماً في الأربعينات، بعد أن نُقل إليها من «الدواية» عام 1951، وفيها وصفٌ شامل لحياة الناس والقرية والمدرسة، وبشكل خاص لمعلميها وطلابها، (ص 123).

وكانت الأم، زوجة «محمد الخلف»، رمزاً للمرأة العراقية المكافحة والصابرة التي تحملت كل المآسي والخسارات التي مرت بالأسرة والمجتمع:

«امرأة عاشت عمراً كاملاً من الأحزان والمرارة، مع ذلك ظلت شامخة كنخلة راسخة في الأرض»، (ص 250).

ونجد مظاهر واضحة للكوميديا السوداء في كثير من صفحات الرواية، وهي تسخر من أنظمة الاستبداد والديكتاتورية، وتكسر جدار الخوف الذي يمنع المواطن من مقاومتها، وربما تتجلى هذه الظاهرة في السخرية من استثمار لافتات النظام الديكتاتوري التي تحمل شعارات الحزب الحاكم (الحرية والاشتراكية) لعمل ملابس داخلية للأطفال، وكما قال أحد الأشخاص ساخراً: «تسترون مؤخراتكم بعبارات التحدي والنصر القادم!»، (ص 248). وكما قال «محمد الخلف» لأحد أشخاص الرواية:

«كان علينا أن نشملك بهذه (المكرمة) بالعيد، ربما وجدت عند خصيتيك شعارات (الحرية والاشتراكية). الأحفاد كذلك، نالوا حصتهم من (المكارم)، تلك ألبستهم الداخلية زاهية بشعارات تمجّد الأمة، خصوصاً إذا كان القماش ملوناً أصلاً»، (ص 248).

ومن الضروري الإشارة إلى وجود تنوع في أنماط السرد. على الرغم من هيمنة بنية المونولوغ الداخلي، التي تستبطن لا وعي بطل الرواية «محمد الخلف». فهناك فصول ومقاطع تكشف عن بنية السرد كلي العلم، وأخرى تعتمد على بنية المشهد الروائي، كما تشغل الحوارات الخارجية موقعاً خاصاً في البنية السردية، ولا يمكن أن نتجاهل الطبيعة البوليفونية متعددة الأصوات في السرد والتي تمنح الفرصة لعدد من الشخصيات الروائية لتقديم منظوراتهم ووجهات نظرهم السردية.

ففي الفصل السابع والعشرين يعتمد السرد إلى درجة كبيرة على بناء المشهد:

«عندما ينام الجميع، يبقى محمد مستيقظاً تحت الضوء الشاحب، المنسكب من السقف»، (ص 142).

كما نجد مظاهر للسرد كلي العلم، وهو سرد خارجي تقريري:

«كان محمد الخلف قد رسم له مسالك الطريق من ساحة الأمين إلى الكاظمية ثم إلى مدينة الحرية في الشارع المقصود في أول مظلة»، (ص 36).

ويتكرر توظيف بنية المونولوغ الداخلي في حوارات عدد من الشخصيات الروائية، منها منولوغات «نوار»:

«أذهب إلى الفراش كي أستريح، أصبح النوم صعباً، كم أيقظتني الكوابيس!»، (ص 32).

أو كما نجد الابن خالد في هذا المونولوغ عقب زيارته لوالده في السجن:

«كنت أوجه كلامي لأبي، ولا أعرف بالضبط لماذا انصرفت إلى رصد حالات الانفعال في وجوه السجناء ووجوه عوائلهم»، (ص 9).

الرواية لم تسقط في التسجيلية والوثائقية وبقيت أمينة على شروط السرد والتخييل

ونلاحظ أن عنوان الرواية «منازل العطراني» بوصفه عتبة نصية أولى بتعبير الناقد الفرنسي جيرار جنيت، ينطوي على دالّين سيميائيين: الأول دالٌّ مكاني هو «منازل» وهو الملاذ الذي اتجه إليه بطل الرواية «محمد الخلف» في هروبه والذي يشير إلى قرية «العطرانية» في الفرات الأوسط. أما الدال الثاني (العطراني) فيشير إلى شخصية بطل الرواية «محمد الخلف». وبهذا فالرواية تتحول جزئياً إلى رواية عن المكان، بوصفه مولداً للسرد، ورواية شخصية مركزية من جهة أخرى.

لكن الرواية في مجملها تظل رواية شخصية (Personality Novel) لأنها تتمحور، كما أشرنا سابقاً، حول سيرة بطلها ومعاناته داخل السجن وخارجه، حيث تتشكل الشخصية وبناؤها عبر أكثر من مستوى من مستويات السرد. فهناك سرد «بيوغرافي» يقدمه البطل نفسه من سلسلة مونولوغاته، التي تشكل القسم الأعظم من البنية السردية، كما تسهم تعليقات وأحكام أفراد أسرة البطل وأصدقائه في إضاءة جوانب مختلفة من شخصيته. وبهذا، فالشخصية الروائية تتحول إلى بؤرة مركزية تتوجه إليها جميع أنماط السرد، لتعلن في النهاية عن تكامل شخصية بطل الرواية «محمد الخلف»، كما رسمها الروائي.

وكما أشرنا سابقاً، فالرواية لم تسقط في التسجيلية والوثائقية، وبقيت أمينة على شروط السرد والتخييل، من خلال خلق شخصية روائية افتراضية، وورقية إلى حدٍّ كبير، بتعبير رولان بارت، لكنها لم تقطع جذورها بالأرض والحياة والواقع.


مقالات ذات صلة

الفتى حامل الطير وعنقود العنب

ثقافة وفنون شاهد قبر من البحرين، يقابله شاهدان من تدمر

الفتى حامل الطير وعنقود العنب

يحتفظ متحف البحرين الوطني في المنامة بمجموعة كبيرة من شواهد القبور الأثرية المزينة بنقوش تصويرية آدمية، منها شاهد مميّز يمثّل فتى يحمل عصفوراً وعنقوداً من العنب

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون غلاف الكتاب

الرواية الفلسطينية... ممارسات الاحتلال وآليات المقاومة

«أسئلة الرواية الفلسطينية» هو الكتاب الحادي عشر في النقد الروائي للشاعر والناقد سلمان زين الدين، وقد صدر مؤخّراً عن «مركز ليفانت للدراسات والنشر» في الإسكندرية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
ثقافة وفنون ريما بالي

الكاتبة السورية ريما بالي: أُواجه الحرب بالخيال وقصص الحب

تهتم الكاتبة الروائية السورية ريما بالي بسردية بلادها ما بعد الحرب، وتوليها عناية خاصة من خلال أعمالها التي تتحدث فيها عادة عن مسقط رأسها «حلب» في سياقات مختلفة

منى أبو النصر (القاهرة)
ثقافة وفنون "نصب الحرية" لجواد سليم

كلام الشموع

لأم كلثوم أغنية من تأليف أحمد رامي وتلحين محمد القصبجي عنوانها «سكت والدمع تكلّم على هواه»، تعود إلى ثلاثينات القرن الماضي

حيدر المحسن
كتب إميلي هنري

إيميلي هنري... كتب تحقق أعلى مبيعات من دون ترويج ولا «تيك توك»

لم يسبق لإيميلي هنري قط أن أجرت جولة للترويج لأحد كتبها أو قرأت مقاطع من كتبها داخل إحدى المكتبات بهدف الترويج.

إليزابيث إيغان

إيميلي هنري... كتب تحقق أعلى مبيعات من دون ترويج ولا «تيك توك»

إميلي هنري
إميلي هنري
TT

إيميلي هنري... كتب تحقق أعلى مبيعات من دون ترويج ولا «تيك توك»

إميلي هنري
إميلي هنري

لم يسبق لإيميلي هنري قط أن أجرت جولة للترويج لأحد كتبها أو قرأت مقاطع من كتبها داخل إحدى المكتبات بهدف الترويج. أضف إلى ذلك أنها لا تملك حساباً على «تيك توك». أما حسابها على «إنستغرام»، فيتميز بصور أغلفة كتبها، بينما يخلو من جولات في خزانة ملابسها أو محاولاتها إنقاذ بعض القطط، أو صور لتناولها وجبة شهية مرتبة في الأطباق على نحو أنيق.

ووفق تعبير هنري، فإنها لا ترغب في أن تتحول إلى «كاتبة وشخصية شهيرة بعض الشيء في الوقت ذاته». إنها «روائية رومانسية»؛ وهنا انتهى الأمر. وبالتأكيد يعدّ هذا نهجاً غير مألوف، بل حتى ربما يعدّ جريئاً، في عصر يتوقع فيه قراء أعمال الخيال الشعبي مستوى من العلاقات شديدة الحميمية مع كتّابهم المفضلين.

ورغم ذلك، فإن هنري، التي تشتهر في أوساط محبيها باسم «إم هن»، نجحت في إطلاق خامس كتاب لها يحقق أعلى مبيعات في غضون 4 سنوات. واستمرت أحدث أعمالها؛ التي حققت نجاحاً مدوياً، «قصة طريفة (Funny Story)» في قائمة أفضل الكتب مبيعاً طوال 9 أسابيع. وفي أول شهرين من صدوره، حصد الكتاب نحو 60 ألف مراجعة من القراء عبر موقع «غود ريدز»، ناهيك بإطلاقه صناعة كاملة من القمصان والشموع والملصقات على صلة به.

ووفق الأرقام، باعت هنري، في المجمل، 7 ملايين نسخة داخل الولايات المتحدة منذ عام 2020. ويجري العمل على تحويل 3 من رواياتها إلى أفلام. وأعلنت هنري، الثلاثاء الماضي، أن رواية أخرى؛ هي «مكان سعيد (Happy Place)»، سيجري تحويلها إلى مسلسل على «نتفليكس».

عن ذلك، تقول هنري: «كان الأمر سريعاً للغاية. أشعر كأن السنوات الأربع الأخيرة لم تكن في حقيقتها سوى 35 ثانية فقط».

في أثناء تبادل أطراف الحديث مع هنري داخل مقهى «كوفي إمبوريم» في سينسيناتي المليئة بالأشجار، بدا من الصعب تخيل انسحابها نحو حالة من الهدوء. من جهتها، قالت هنري، وسط هدير جزازات العشب الدائرة في الحي: «أنا أحب الناس حقاً. عندما أكون وسط مجموعة كبيرة أميل إلى رفع صوتي لمستوى أعلى، لكن بعد ذلك سأعود للمنزل في صمت تام. وقد لا أتحدث مع أي شخص على امتداد أيام عدة».

بدأت هنري مسيرتها في مجال الكتابة عبر تأليف روايات موجهة للشباب، وكانت تعكف على كتابة أول رواية لها بعنوان «الحب الذي قسم العالم (Love That Split the World)»، في الصباح قبل أن تذهب للعمل بصفتها كاتبة فنية لدى شركة للهاتف والإنترنت والتلفزيون، وكانت مسؤولة عن اللغة الغامضة فوق صناديق الكابلات، ولم يكن هذا العمل ممتعاً لها.

وعليه؛ استقالت هنري بمجرد حصولها على سلفة كتابها الافتتاحي؛ وهو كتاب متواضع، وفق ما ذكرت، ثم كتبت أو شاركت في تأليف 3 كتب أخرى للجمهور الأصغر سناً.

تقول: «وصلت إلى لحظة في أثناء كتابتي لجمهور البالغين الأصغر سناً شعرت عندها بالإرهاق. لم يكن لديّ أي شيء جديد لأقوله».

أما كتابها الأول للبالغين، «بيتش ريد (Beach Read)»، فكان فرصة لها كي تكتب من دون ضغوط الجمهور صغير السن. ورغم أن كثيرين رأوا هذا أبسطَ مشكلة يمكن أن يواجهها أي كاتب، فإن هنري تنصح اليوم الكتاب الطموحين بالاستمتاع بخصوصية العمل على مشروع ما دون إقحام القراء في الأمر. وقالت: «من المتعذر أن نعود يوماً إلى هذا الشعور نفسه من المتعة».

صدرت رواية «بيتش ريد» في 19 مايو (أيار) 2020، تقريباً قبل أسبوع من تجاوز أعداد ضحايا جائحة «كوفيد19» داخل الولايات المتحدة عتبة المائة ألف. وبطبيعة الحال، كان أقرب إلى المستحيل تنظيم فعاليات تتضمن التفاعل مع الجمهور. وبدا الموقف منطوياً على مفارقة بالغة، بالنظر إلى أن الرواية كان المقصود منها أن يستمتع القراء بمطالعتها على رمال الشاطئ.

ومع ذلك، ورغم استمرار إغلاق كثير من الشواطئ العامة، فإن الرواية حققت نجاحاً ساحقاً عبر «تيك توك». ويوماً بعد آخر، زحفت الرواية نحو قائمة أفضل الكتب مبيعاً حيث ظلت لأكثر من عام.

في هذا الصدد، قالت أمادنا بيرجيرون، مسؤولة التحرير لأعمال هنري لدى «بيركلي»: «في ذلك الوقت، كان كثيرون يتطلعون إلى شيء يضفي على حياتهم شعوراً بالإشراق والراحة والدفء، وفي الوقت نفسه لا يخجلون من التعبير عن الحزن. وبالفعل، وفرت رواية (بيتش ريد) للقارئ كل هذه الأشياء».

وشكل ذلك سابقة جرى الحفاظ عليها عبر الروايات الثلاث التالية لهنري: «أشخاص نلتقيهم في الإجازة (People We Meet on Vacation)»، و«عشاق الكتب (Book Lovers)» و«مكان سعيد (Happy place)». وبمرور الوقت، زادت المبيعات؛ كتاباً وراء كتاب، بينما ظلت هنري داخل كنف منزلها في سينسيناتي.

تقول: «أعتقد أنني لو كنت قد قمت بجولة ترويجية للرواية، أو لو أن (بيتش ريد) لم تصدر في فترة الجائحة، لكان فريق العمل قد اعتقد أن المبيعات تزداد بفضل الجولات التي أقوم بها. وبالتالي، كانوا سيطلبون مني إنجاز مزيد منها. إلا إنه بالنظر إلى أن كل شيء كان ناجحاً من دون اضطراري إلى تنظيم جولات، فقد تعاملوا بمرونة مع رغبتي في البقاء داخل المنزل».

يذكر أنه في وقت مبكر من عملها الأدبي، واجهت هنري ضغوطاً للخروج إلى العالم عبر نافذة «تيك توك». وعن هذا، تقول: «أعلنت رفضي الفكرة. عندما يموت (إنستغرام)، سأموت معه. هذا آخر حساب لي عبر شبكات التواصل الاجتماعي».

وتضيف: «بدأت تداعب خيالي أحلام؛ لو أنني بدأت مشوار الكتابة قبل عصر شبكات التواصل الاجتماعي. في تلك العصور، لم أكن لأعلم كيف يبدو كاتبي المفضل، ولم أكن لأعبأ أو حتى أفكر في الذهاب إلى فعالية يشارك فيها. من الغريب أن تحلم بالكتابة وهي في صورة ما، ثم تكبر وتبدأ مسيرة الكتابة بالفعل لتجد أنها تحولت إلى صورة أخرى مختلفة تماماً».

وتنسب هنري وبيرجيرون ودانييل كير، مساعدة مدير شؤون الدعاية لدى «بيركلي»، جزءاً من الفضل في النجاحات التي حققتها روايات هنري إلى تصميمات الأغلفة العصرية والبراقة التي صممتها ساندرا تشو، خصوصاً الاهتمام الذي توليه للألوان ولغة جسد الشخصيات.

في رواية «قصة طريفة»، بذلت تشو مجهوداً كبيراً للوصول إلى الوضعية المثالية لجسد الشخصية الرئيسة بالرواية. وشرحت تشو أن «دافني»، أمينة مكتبة أطفال، بدت «متعجرفة بعض الشيء في البداية». في النهاية، نجحت تشو في تصويرها على نحو يعكس التوازن الصحيح بين الذكاء والحذر. وبناءً على طلب هنري، اختارت تشو أن ترسم «دافني» بملابس بسيطة، مع ارتدائها حذاء «كروكس» أصفر.

والآن، هل ثمة احتمال أن تخوض هنري جولات للترويج لأعمالها الجديدة، خصوصاً مع عودة الجولات الترويجية من جانب كتاب آخرين؟

عن هذا الأمر، تجيب كير: «ندرس دوماً هذه الفكرة، لكننا نركز اهتمامنا، في نهاية المطاف، على سبل مثيرة ومبتكرة للترويج لإيميلي ورواياتها، والتفاعل مع الجمهور والوصول إلى قراء جدد».

بمعنى آخر؛ نوقش الأمر بالفعل، لكن لم يُقَر جدول زمني محدد لأية جولات ترويجية بعد.

من ناحية أخرى، ظهرت هنري في 3 برامج تلفزيونية ـ «غود مورنينغ أميركا» و«توداي» و«تامرون هول». واستلهاماً من تجربة روائيين آخرين غالباً ما ينظمون حفلات في ساعات متأخرة من الليل، احتفالاً بإطلاق كتاب جديد، ساعدت «بيركلي» في تنظيم أكثر عن 200 فعالية احتفالية بإصدار رواية «قصة طريفة» عبر مكتبات بمختلف أرجاء البلاد. ونُظّم أكثر من 50 منها عند منتصف الليل.

في هذا السياق، عبرت ليا كوك، مالكة دار «ذي ريبيد بوديس»، المختصة في الأعمال الرومانسية، عن اعتقادها بأن «قراء الأعمال الروائية الخيالية يشكلون فئة مميزة بحد ذاتها، من حيث الولاء. وقد نفدت نسخ الرواية لدينا في 3 أيام فقط».

في 22 أبريل (نيسان) الماضي، تدفق أكثر من 100 من القراء المتحمسين على متجر الدار في حي بروكلين بنيويورك. وكانت هناك أطباق من الشوكولاته، ومطبوعات فنية مستوحاة من رواية «قصة طريفة» ومحيط بحيرة ميتشغان الذي تدور أحداث الرواية في أجوائه... وفجأة، ظهرت هنري نفسها تتجول وسط الحشد مثل ضيف آخر مبتهج. وكانت ترتدي ملابس بسيطة براقة تعكس أجواء الشاطئ والبحر.

وفي مقطع فيديو، ظهر القراء وهم يستقبلونها بسعادة غامرة وحماس وتصميم على التقاط هذه اللحظة بهواتفهم الخاصة. وتعالت صيحات إحدى المعجبات: «يا إلهي! يا إلهي!». أما هنري، فرحبت بالقراء، بينما حمل وجهها شعوراً بالانتصار والارتياح.

تقول لنا: «كان هناك أشخاص تعرفت عليهم بعدما تابعتهم سنوات وهم يروجون لكتبي عبر وسائل التواصل الاجتماعي. كانت تلك لحظة مميزة ورائعة للغاية، لكن الشيء الجميل حقاً في قرائي أنهم شيء خارج عني؛ إنهم مجتمع قائم بذاته».

يُنسب جزء من الفضل في النجاحات التي حققتها روايات إيميلي هنري إلى تصميمات الأغلفة العصرية والبراقة

يذكر أن النسخة ذات الغلاف المقوى لرواية «قصة طريفة» باعت نسخاً أكثر بنسبة 850 في المائة خلال الأسابيع الأربعة الأولى من إصدارها، مقارنة بالنسخة ذات الغلاف الورقي في الفترة ذاتها، رغم أن تكلفتها تبلغ نحو الضعف. وبحلول أواخر مايو (أيار)، كانت لا تزال في مقدمة الكتب داخل كثير من مكتبات سينسيناتي.

ومع ذلك، فإنها عندما همت بمغادرة مقهى «كوفي إمبوريم» برفقة زوجها للعودة إلى المنزل، لم تكن هنري تتبختر في مشيتها مثل شخصية مهمة أو بارزة أو حتى شخص تجذب كتبه القراء إلى المكتبات في منتصف الليل؛ وإنما كانت تسير بجدية تليق بكاتبة عاقدة العزم على العودة إلى العمل.

خدمة «نيويورك تايمز»