«كفَى»... كتاب يربط تحولات الاقتصاد بتعاسة البشر

النرويجية لين ستالسبيرغ تتهم الليبرالية الجديدة بـ«تدمير» الإنسان والطبيعة

«كفَى»... كتاب يربط تحولات الاقتصاد بتعاسة البشر
TT

«كفَى»... كتاب يربط تحولات الاقتصاد بتعاسة البشر

«كفَى»... كتاب يربط تحولات الاقتصاد بتعاسة البشر

في كتابها «كفى - كيف تدمر الليبرالية الجديدة البشر والطبيعة» الذي صدرت طبعته العربية عن دار « صفصافة» بالقاهرة، تشرّح الكاتبة النرويجية لين ستالسبيرغ الصلة بين التطورات الاقتصادية العالمية وتعاسة إنسان هذا العصر.

تدفع المؤلفة في الكتاب الذي يقع في 220 صفحة من القطع المتوسط بترجمة شيرين عبد الوهاب وبسنت علي أمين، بأن هناك مفاهيم مختلفة لمصطلح «الليبرالية الجديدة». فمثلاً يستخدمه البعض لوصف النظام الاقتصادي الذي أنشأته رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر من جهة والرئيس الأميركي رونالد ريغان من جهة أخرى؛ فكثير من الناس يطلقون مسمى «أصولية السوق» أو «ليبرالية السوق» على هذا النظام وينظرون إلى «الليبرالية الجديدة» بكونها نظاماً سياسياً اقتصادياً تطبق من خلاله الدولة نظام فكر السوق على معظم مجالات الحياة، بما في ذلك خدمات الرعاية الاجتماعية، مثل رياض الأطفال ودور رعاية المسنين.

وهناك من يربطون هذا المصطلح بمصطلح آخر هو الاستهلاك، وأولئك هم الذين يستغلون الإعلانات واللافتات الموجودة في كل مكان، ويفكرون في كيفية استغلال مخاوفنا وعدم ثقتنا في أنفسنا والاستفادة من كل ذلك في جني المال. وتشير إلى أننا يمكننا أن نرى أثر ذلك حينما نجد أنفسنا ننساق وراء تلك الفتن وننفق الأموال لكي نغير من شكلنا وشكل أجسادنا. فعندما يصبح شكلنا الخارجي وما نملكه مرتبطاً بماهيتنا وصورتنا الاجتماعية وكيف يرانا الناس، هنا يصبح الاستهلاك والهوية أمرين مرتبطين تمام الارتباط، وبالتالي يمكننا أن نرى كيف اصطبغ فكرنا بفكر هذه الموجة من الليبرالية.

ويلفت الكتاب إلى أن أفراد حركات العمال يربطون بين «الليبرالية الجديدة» ومصطلحات أخرى مثل مصطلح «الموارد البشرية» الذي حل محل قسم شؤون الموظفين، أو مصطلح الإدارة العامة الجديدة، وهو شكل من أشكال الإدارة التي تقيس مستوى الموظفين والنتائج من خلال التقارير البيانية والمؤشرات الدقيقة؛ فالليبرالية الجديدة بالنسبة لاتحادات العمال ما هي إلا نظام كبير «يدمر الحياة العملية وقواعدها».

ويهتم الكثير من علماء النفس أيضاً بهذا المفهوم وماهيته؛ فهم يرون أن الكثير من المرضى أو المستهلكين في زماننا هذا يعانون مشكلات واضطرابات نفسية صارت سمة من سمات هذا الزمن الذي نعيش فيه، ومن بين هذه الاضطرابات الضغط والقلق المرضي وجَلد الذات والشعور بأن المرء غير كافٍ، كذلك الاكتئاب والوحدة والشعور باليأس والإحساس بالعجز. وهذه الاضطرابات النفسية ليست منتشرة فقط في أوساط الشباب؛ فالكثير من الناس من مختلف الأعمار يعانون منها ويتساءل علماء النفس ما إذا كانت هذه المشكلات النفسية تنشأ من داخل المريض ذاته أم أنها نتيجة للمجتمع الذي يحيا فيه المريض.

وترى المؤلفة أن «الليبرالية الجديدة» ترتبط بكل تفاصيل حياتنا، فإذا كنت تعاني مأزق ضيق الوقت أو التوتر والقلق غير المبرر الذي ينبع من إحساسك بعدم الرضى عن نفسك وشعورك بأنك غير جيد بما فيه الكفاية فاعلم أنك لست وحدك، وأن زميلك في العمل الذي يخشى رفض أي من قرارات وأوامر رئيسه أو مديره في العمل بسبب الضغط الواقع عليه نتيجة التقييمات المستمرة لأداء الموظفين هو أيضاً يعاني الشعور ذاته الذي تشعر به. وتحمّل «الليبرالية الجديدة» التي نعيش في ظلها هي مسؤولية ذلك كله بشكل أو بآخر.

وبحسب لين ستالسبيرغ، فإن هذه الموجة الجديدة من الليبرالية تفتقر للبوصلة الأخلاقية ولا تسعى إلا لتيسير أعمال الأسواق؛ فنجدها تدفعنا إلى تناسي بعض المُثل الإنسانية التي تربينا عليها، وأن نهتم عوضاً بأن نكون موظفين ذوي كفاءة عالية، وأن نتحلى بالإيجابية وأن تكون لدينا القابلية للتغيير والتكييف؛ ولكن ماذا سيحدث إذا لم نكن نرغب في ذلك؟... لا تفرض المؤلفة حلاً بعينه على القارئ إزاء تلك الأزمة العالمية، لكنها تكتفي بالإشارة إلى أننا نعرف أشخاصاً قرّروا أن يعيشوا الحياة بطريقة مغايرة واتخذوا قرارات مختلفة في ما يخص طريقة عيشهم وأسلوب حياتهم بعيداً عما تفرضه آيديولوجيات هذا الزمان.


مقالات ذات صلة

من «إيخمان في القدس» إلى «من أجل السماء»

كتب ميشيل فوكو

من «إيخمان في القدس» إلى «من أجل السماء»

حين تكون الضحية نتاجاً لثنائية متضامنة: غياب العقل وعبثية الشر.

شرف الدين ماجدولين
كتب محمد مبوغار صار

القائمة الأولى لـ«الغونكور»... حضور مميّز للكتاب الأفارقة

بعد أيام من انطلاق الموسم الأدبي، كشفت أكاديمية «الغونكور» عن القائمة الأولى للكتاب المرشحين للفوز بالجائزة الأدبية هذه السنة.

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب غلاف الرواية

الكاتبة السعودية عائشة مختار في «الريح لا تستثني أحداً»

تقدم الكاتبة السعودية عائشة مختار عملها «الريح لا تستثني أحداً» بوصفه «مُتتالية قصصية»، ينهض معمارها على فن القصة القصيرة المُكثفة

منى أبو النصر (القاهرة)
يوميات الشرق على مدى عشرة أيام تزين فعاليات معرض الكتاب العاصمة السعودية (هيئة الأدب)

علوان: معرض الرياض للكتاب أيقونة ثقافية وأكبر المعارض العربية في مبيعات الكتب

بات معرض الرياض الدولي للكتاب عنواناً للريادة الثقافية للسعودية منذ انطلاقه قبل خمسة عقود وتحقيقه سنوياً لأعلى عوائد مبيعات الكتب بين المعارض العربية.

عمر البدوي (الرياض)
يوميات الشرق ترتبط نورة بعالم لغة الإشارة بشكل شخصي بسبب قصة شقيقتها الكبرى (تصوير: أمنية البوحسون) play-circle 02:39

مترجمة سعودية تفتح نوافذ المعرفة لجمهور الصمّ بـ«معرض الرياض للكتاب»

تقوم مترجمة لغة إشارة سعودية بنقل ما يرِد فيها على لسان متخصصين كبار تباينت مشاربهم وخلفياتهم الثقافية إلى جمهور من الصمّ يتطلع لزيادة معارفه وإثراء مداركه.

عمر البدوي (الرياض)

«لا تقل إنني لم أحذرك»... تأملات في كواليس الكتابة والإبداع

«لا تقل إنني لم أحذرك»... تأملات في كواليس الكتابة والإبداع
TT

«لا تقل إنني لم أحذرك»... تأملات في كواليس الكتابة والإبداع

«لا تقل إنني لم أحذرك»... تأملات في كواليس الكتابة والإبداع

في مزيج ساحر من تجربته الشخصية في الكتابة، وبصيرته الخاص كأديب موهوب، يأخذنا الصحافي والروائي الأميركي الشهير تشاك بولانيك، مؤلف رواية «نادي القتال»، التي تحولت إلى فيلم شهير بطولة براد بيت، إلى ما وراء كواليس الكتابة، ويشارك القارئ مغامراته المثيرة ويقدم نصائح سخية للأدباء الشبان في كتاب «لا تقل إنني لم أحذرك»، الصادر عن «دار الكرمة» بالقاهرة، ترجمة محمد الدخاخني. يركز المؤلف بشكل خاص على ما يجعل الكتابة قوية وما يجعلنا نصف حكاية ما بأنها مؤثرة. ومن خلال خبرة طويلة تستند إلى أعوام من الدراسة المتأنية والعديد من الكتب الناجحة، يمنح بولانيك كل مهتم بحرفة الكتابة دليلاً واضحاً وملهماً وعملياً وكشفاً مذهلاً لقوة الكتابة الإبداعية وتأثير فن السرد القصصي.

رغم ذلك يقول بولانيك مخاطباً القارئ إنه إذا أتاه وطلب منه أن يعلمه كل ما يستطيع فسيخبره أن صناعة النشر في حالة يُرثى لها، وأن الرواية لم تعد ولو مجرد ومضة في الثقافة، فقد جاء الجيل الجديد متأخراً جداً بعد أن دمرت القرصنة الأرباح وانتقل القراء كافة إلى مشاهدة الأفلام وألعاب الكمبيوتر. ويخاطب المؤلف قارئه قائلاً: «يا ولد عد إلى البيت، فلا أحد يُولد للقيام بهذه الوظيفة؛ سرد القصص. نعم لكن عندما تصبح مؤلفاً فإنك تبحث عن مؤلفين آخرين كموجهين لك وتستفيد من تجربتهم بالطريقة التي يبحث بها مصاصو الدماء عن ضحاياهم، مع إيمان عميق بأنه لكي يدوم أي شيء يجب أن يكون مصنوعاً من الغرانيت أو الكلمات».

ويشير بولانيك إلى أن هذا الكتاب يعد بطريقة ما دفتر قصاصات من حياته الكتابية ومطاردته لمشاهير الأدباء ومصاحبتهم طالباً النصيحة، من التبضع في سوق الخردة في برشلونة مع ديفيد سيدرايس إلى تناول المشروبات في حانة مع نورا إيفرون قبل أشهر فقط من وفاتها، إلى سنوات المراسلة المتقطعة التي مر بها مع توم جونز وأيراليفين. وإذا عاد مؤلف شاب في يوم آخر وطلب منه أن يعلمه أسرار الإبداع، فسيخبره أن كونه مؤلفاً ينطوي على ما هو أكثر من الموهبة والمهارة، لأنه ببساطة عرف مؤلفين رائعين لم ينتهوا من أي مشروع وأدباء أطلقوا أفكاراً لا تُصدق ثم لم ينفذوها بالكامل قط، ورأى كُتاباً باعوا كتاباً واحداً وأصيبوا بخيبة أمل شديدة بسبب العملية إلى درجة أنهم لم يكتبوا كتاباً آخر.

ويقتبس بولانيك بتصرف عن الكاتبة جوي ويليامز قولها إن «الكُتاب يجب أن يكونوا أذكياء بما يكفي لإيجاد فكرة رائعة، لكنهم يجب أن يكونوا مملين بما يكفي لدراستها وتنقيحها وتحريرها مع تسويق المخطوطة ومراجعتها ومراجعتها مرة أخرى وإعادة مراجعتها ومراجعة النسخة المحررة وتدقيق التنضيد الأولي وإجراء مقابلات وكتابة مقالات للترويج للعمل، وأخيراً الذهاب إلى عدد من المدن وتوقيع النسخ لآلاف أو عشرات الآلاف من الأشخاص».

وينصح المؤلف الأديب الشاب بأن يفكر في القصة على أنها تدفق من المعلومات، في أحسن الأحوال، سلسلة من الإيقاعات متغيرة باستمرار، ثم يفكر في نفسه باعتبار أنه ليس الكاتب بل منسق الأغاني أو «الدي جي» الذي يقوم بخلط وتجهيز وعرض المقطوعات الغنائية. وكلما زاد عدد المقطوعات الموسيقية التي يتعين على الأديب المبتدئ أخذ عينات منها، كلما زاد عدد الأسطوانات التي يتعين عليه تدويرها وزادت احتمالية إبقاء الجمهور يرقص. هنا سيكون لديه المزيد من الحيل للتحكم في الحالة المزاجية له وللجمهور الراقص. لتهدئتها تماماً ثم العلو بها بقوة، لكن عليه الاستمرار دوماً في التغيير والتنويع والتطوير.