أدباء ومثقفون يهود في الولايات المتحدة: بعد «غزة» من الصعب أن تكون يهودياً

الأجيال الشابة تبتعد عن إسرائيل وتشعر بالفظاعة مما تفعله في القطاع

فلسطينية نازحة تنظر من داخل خيمة في رفح جنوب قطاع غزة في 27 ديسمبر (أ.ف.ب)
فلسطينية نازحة تنظر من داخل خيمة في رفح جنوب قطاع غزة في 27 ديسمبر (أ.ف.ب)
TT

أدباء ومثقفون يهود في الولايات المتحدة: بعد «غزة» من الصعب أن تكون يهودياً

فلسطينية نازحة تنظر من داخل خيمة في رفح جنوب قطاع غزة في 27 ديسمبر (أ.ف.ب)
فلسطينية نازحة تنظر من داخل خيمة في رفح جنوب قطاع غزة في 27 ديسمبر (أ.ف.ب)

أكدت مصادر في اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، أن الممارسات الإسرائيلية خلال الحرب على غزة، لم تعد مقبولة أو مفهومة لدى الأميركيين وحتى لدى اليهود هناك، وبات معها من الصعب أن تكون يهودياً؛ لأن الجميع يخجلون بها ويريدون التنصل منها.

وقالت هذه المصادر إن السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين عموماً، وما يحدث حالياً ضد غزة وكذلك الضفة الغربية، لا تثير الانتقادات وحسب، بل تجعل كثيراً من اليهود يفتشون عن طريقة تبعدهم عنها وتظهرهم معارضين لها بشدة. وحتى أولئك الذين يتفهمون الغضب الإسرائيلي من هجوم «حماس» على بلدات الغلاف واعتداءاتها على المدنيين، يرون أن الرد الإسرائيلي بحرب دمار شامل، لا تناسب الاعتداء، وتنطوي على قيم ومفاهيم خطيرة.

فلسطينيون يركضون للاحتماء من غارة بالقرب من مستشفى الشفاء في مدينة غزة نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)

وقد انعكس ذلك بوضوح في الرسالة التي نشرت في بداية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ووقّع عليها مئات الكتاب وشخصيات المثقفين اليهود، ينتقدون فيها العدوان على قطاع غزة والانتقام من المدنيين.

وقد هوجم يومها هؤلاء الكتاب واعتبروا «معادين للسامية»، لكنهم ردوا على التهمة ببيان ثان أشد حدة، قالوا فيه، إن اتهامهم باللاسامية، هو «كمّ أفواه وتبرير غير أخلاقي للهجومات وعمليات القصف التي تقوم بها إسرائيل على غزة». ويُواصل الكتّاب رسالتهم قائلين: «يقلقنا اعتبار مواقفنا وكفاحاتنا بأنها (معادية للساميّة). فهذا الاتهام جاء ليبرر جرائم الحرب المتمثلة في قتل شعب».

كما انعكس الموقف في رسالة أخرى وقع عليها نحو 300 شخصية يهودية بارزة في المجال الثقافي والفكري، ضد حرب إسرائيل على غزة. كان مِن بينهم الكاتبة والمفكّرة نعومي كلاين، والمسرحي الحائز على جائزة «بوليتسر»، طوني كوشنر، والفنّانة نان غولدن والممثلة الهزليّة إيلانه غالزر، والممثلة تبي غبزون، والمؤرّخة والكاتبة سارة شولمان، وغيرهم.

وكانت مجموعة كبيرة من المثقفين الأميركيين من مختلف الطوائف والشرائح، قد أصدرت بياناً بعد مرور أسبوعيْن على هجوم «حماس» في أكتوبر (تشرين الأول)، وقع عليه 4000 كاتب وشخصية ثقافيّة وعاملون في مجال الثقافة والتربية وباحثون في الأكاديميات وصحافيون، قالوا فيه، إنهم يرون «أن إسرائيل تنفّذ عملياً جريمة حرب في غزّة»، ونعتوها بأنها «دولة أبرتهايد». وأكدوا أنهم يقفون إلى جانب كفاح الغزّاويين لتحرّرهم مِن الكولونيالية.

الكاتب الأميركي تا نهيسي كوتس (ويكيبيديا)

وقبلَ هذا، نشرت مجموعة مِن كتّاب معروفين ومفكّرين - (يقف على رأسهم تا نهيسي كوتس، وهو الشخصية الأكثر تأثيراً هناك اليوم بخصوص مدى التأثير على الكفاح من أجل حقوق الإنسان) - رسالة علنيّة نشرها مُلْحَق صحيفة «نيويورك ريفير أوف بوكس»، يطالبون فيها حكومات العالَم بإلزام إسرائيل التوقّف فوراً عن الهجوم على غزّة. وأشاروا في خلفيّة الرسالة إلى أنه «بعد مرور 16 سنة مِن الحصار انفجرَ وتدفّق المسلحون مِن غزّة إلى إسرائيل».

ويقول الكاتب روبي بمدَر، الذي يقسم معيشته منذ عشرين عاماً بيْن الولايات المُتحدة وإسرائيل، إنه توجد لهذه الظاهرة جذور عميقة مرتبطة بمسارات اجتماعية في أميركا، وتخص أيضاً العلاقة بيْن إسرائيل والشتات اليهودي الموجودين خارج إسرائيل الذين جرى التعامل معهم على مدى سنوات بتوجيه عنيف وبتكبّر واستعلاء مِن جهة إسرائيل.

أطفال فلسطينيون ينتظرون الطعام عند نقطة توزيع في مخيم للاجئين في رفح جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

وكان من المفهوم أنه من المريح الحديث عن النُّخبة الأدبيّة. ولكن يحدث مسار شبيه بيْن مجموعات أهلية كبيرة بالإمكان تمييزها، مثل المثقفين اليهود الأميركيين والمُبدعين في مجال الفنون والمجموعات الكبيرة في عالَم الاقتصاد والأعمال، وفي مجالات مهمة أخرى. في كل تلك المجموعات توجد مواقف شبيهة وتجارب حياتيّة مُشتركة.

وتقول فنّانة أميركية مِن أصول إسرائيلية: «يوجد لي أصدقاء وزملاء يهود يقولون إن اليهود ليس مِن المفروض أن يوجَدوا ويعيشوا في إسرائيل. يجب تفهّم أين يريد الناس العيش. ويوجد شعور أميركي بمعرفة ما هو العدل ومَن هو الضعيف ومَن هو القويّ. وُجهة النظر ثنائيّة، ويميل القلب إلى دعم الضعيف والسّيْر معه ضد القوي. والحركة التقدمية في الولايات المتحدة وغالبية اليهود الذين جزء كبير منهم تقدميون يعملون وينشطون رغم شعورهم بالذنب لكونهم مِن البيض المُفضلين. أنا أشعر بالذنب لكوني بيضاء ومُفضلة وأريد أن أتخطى هذا الجسر».

بول أوستر

وذكر تقرير في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، أن الكتاب الأميركيين لا يُسْرعون اليوم في إعلان دعمهم لإسرائيل. الكثيرون مِمّن يقفون على قمّة الثقافة في الولايات المتحدة وخاصة النخبة في الأدب الأميركي الذين هم يهود، ويهوديتهم ظاهرة في مؤلفاتهم، مثلاً، مسول بلو وفيليب روث (توفي عام 2018)، وبول أوستر وفيفيان غورنك ونتان أنغلندر ونوره أفرون... وغيرهم.

هؤلاء اليهود الأميركيون أصحاب هذه الأفكار لا يعارضون وجود دولة إسرائيل، بل يعارضون ما تتلفع به وترتديه في السنوات الأخيرة. ويصعب عليهم دعم حكومة إسرائيلية متطرفة تضمّ وزراء أصحاب أفكار لا شرعيّة تؤدّي إلى قصف وقتل آلاف المواطنين


مقالات ذات صلة

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

الولايات المتحدة​ دمار جراء غارة إسرائيلية في غزة في 22 نوفمبر 2024 (رويترز)

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

انتزع ترمب الفوز من منافسته الديمقراطية، معتمداً وعوداً انتخابية طموحة بوقف التصعيد في غزة ولبنان، واحتواء خطر إيران، ووضع حد للحرب الروسية - الأوكرانية.

رنا أبتر (واشنطن)
المشرق العربي دبابة إسرائيلية على مثلث مرجعيون - ديرميماس - القليعة قرب نهر الليطاني بجنوب لبنان (متداول)

إسرائيل تملأ غياب هوكستين بالغارات والتوغلات

تملأ إسرائيل غياب الموفد الرئاسي الاميركي آموس هوكستين الذي يحمل مبادرة أميركية لوقف إطلاق النار، بالغارات العنيفة، وتوسعة رقعة التوغل البري الذي وصل إلى مشارف

نذير رضا (بيروت)
المشرق العربي إسرائيل تخشى أن تتم ملاحقة ضباطها أيضاً بعد إصدار مذكرة توقيف بحق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو (مكتب الإعلام الحكومي في إسرائيل - أ.ف.ب)

«نتنياهو المطلوب» يقلق إسرائيل على ضباطها

في ظلّ معلومات عن اتجاه دول أجنبية إلى تقليص اتصالاتها مع الحكومة الإسرائيلية غداة صدور مذكرة توقيف دولية بحق رئيسها، بنيامين نتنياهو، وأخرى بحق وزير دفاعه

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي رئيس البرلمان العراقي خلال «منتدى السلام» في دهوك (إكس)

بغداد تلقّت «تهديداً واضحاً» من إسرائيل

قال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، أمس، إنَّ بغداد تلقّت «تهديداً واضحاً» من إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (دهوك)
شؤون إقليمية صور للمحتجَزين لدى «حماس» (رويترز)

تقرير: إسرائيل لا ترى إمكانية التفاوض مع «حماس» إلا بعد الاتفاق مع «حزب الله»

التفاوض بشأن الرهائن الإسرائيليين تقلَّص منذ تعيين يسرائيل كاتس وزيراً للدفاع.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»
TT

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

عن دار «الكرمة» بالقاهرة، صدرت رواية «أبريل الساحر» للكاتبة البريطانية إليزابيث فون أرنيم، التي وُصفت من جانب كبريات الصحف العالمية بأنها «نص مخادع وذكي وكوميدي». ومنذ صدورها عام 1922 تحولت إلى أحد أكثر الكتب مبيعاً واقتُبست للمسرح والإذاعة والسينما مرات عديدة.

تتناول الرواية التي قامت بترجمتها إيناس التركي قصة 4 نساء بريطانيات مختلفات تماماً هربن من كآبة لندن بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى إلى قلعة إيطالية ساحرة في الريفيرا الإيطالية ليقضين إجازة الربيع. وبعد أن تهدهن روح البحر الأبيض المتوسط يتغيرن تدريجياً ويكتشفن الانسجام الذي تاقت إليه كل منهن، ولكن لم يعرفنه قط.

وتجيب الرواية بشكل مقنع عن السؤال الأبدي حول كيفية تحقيق السعادة في الحياة من خلال مفارقات الصداقة بين النساء والتمكين والحب المتجدد والعشق غير المتوقع. وصفتها صحيفة «الديلي تلغراف» بأنها «على مستوى ما، قد تُعد الرواية هروباً من الواقع، ولكن على مستوى آخر فهي مثال لتحرر الروح»، بينما رأت صحيفة «ميل أون صنداي» أنها تتضمن «وصفاً حسياً حالماً لأمجاد الربيع الإيطالي».

وتُعد إليزابيث فون أرنيم (1866-1941) إحدى أبرز الكاتبات الإنجليزيات واسمها الحقيقي ماري أنيت بوشامب، وهي ابنة عم الكاتبة كاثرين مانسيفيلد. ولدت في أستراليا لعائلة ثرية وتزوجت أرستقراطياً ألمانياً حفيداً للملك فريدرش فيلهلم الأول، ملك بروسيا، واستقرت مع زوجها في عزبة عائلته في بوميرانيا حيث ربيا 5 أطفال.

بعد وفاة زوجها كانت على علاقة عاطفية مع الكاتب المعروف هـ. ج. ويلز لمدة 3 سنوات، لكنها تزوجت بعدها فرانك راسل الأخ الأكبر للفيلسوف الحائز جائزة نوبل برتراند راسل لمدة 3 سنوات ثم انفصلا. وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية انتقلت للإقامة في الولايات المتحدة حتى توفيت. زواجها الأول جعل لقبها «الكونتيسة فون أرنيم شلاجنتين»، أما زواجها الثاني فجعل اسمها إليزابيث راسل.

نشرت روايتها الأولى باسم مستعار ولكن مع النجاح الكبير لكتبها استخدمت اسم «إليزابيث فون أرنيم». أصدرت أكثر من 20 كتاباً وتُعد روايتها «أبريل الساحر» التي نُشرت عام 1922 من أكثر الكتب مبيعاً في كل من إنجلترا والولايات المتحدة ومن أحب أعمالها إلى القراء وأكثرها شهرة.

ومن أجواء الرواية نقرأ:

«بدأ الأمر في نادٍ نسائي في لندن بعد ظهيرة أحد أيام فبراير، نادٍ غير مريح وبعد ظهيرة بائسة عندما أتت السيدة ويلكنز من هامبستيد للتسوق وتناولت الغداء في ناديها. التقطت صحيفة (التايمز) من على الطاولة في غرفة التدخين وجرت بعينيها الخاملتين أسفل عمود مشكلات القراء ورأت الآتي:

(إلى أولئك الذين يقدرون الشمس المشرقة، قلعة إيطالية صغيرة من العصور الوسطى على شواطئ البحر الأبيض المتوسط للإيجار، مفروشة لشهر أبريل (نيسان) سوف يبقى الخدم الضروريون).

كانت هذه بداية الفكرة، ومع ذلك كما هو الحال بالنسبة إلى عديد من الأشخاص الآخرين، لم تكن صاحبتها على دراية بذلك في تلك اللحظة.

لم تكن السيدة ويلكنز مدركة قط أن كيفية قضائها شهر أبريل في ذلك العام قد تقررت في التو والحال إلى درجة أنها أسقطت الصحيفة بحركة غلب عليها الانزعاج والاستسلام في الوقت نفسه، وتوجهت نحو النافذة وحدقت في كآبة الشارع الذي تقطر به الأمطار».