ضيو مطوك وول: غياب ثقافة تقبل الآخر... أبرز تحديات حوار الحضارات

الباحث في مجال بناء السلام يقترح 3 محاور لإيجاد حلول للأزمات

غياب ثقافة تقبُّل الآخر لا يزال أبرز تحدٍ يواجه حوار الحضارات
غياب ثقافة تقبُّل الآخر لا يزال أبرز تحدٍ يواجه حوار الحضارات
TT

ضيو مطوك وول: غياب ثقافة تقبل الآخر... أبرز تحديات حوار الحضارات

غياب ثقافة تقبُّل الآخر لا يزال أبرز تحدٍ يواجه حوار الحضارات
غياب ثقافة تقبُّل الآخر لا يزال أبرز تحدٍ يواجه حوار الحضارات

«تحديات حوار الحضارات» موضوع شغل كثيراً من العلماء والمفكرين، قديماً وحديثاً، أمثال فريدريك هيغل، وجون لوك، وجان جاك روسو، ومن المحدَثين فرانسيس فوكوياما في كتابه «نهاية التاريخ والإنسان الأخير»، الذين دعوا بشكل خاص إلى ضرورة إيجاد صياغة تتضمن الحد الأدنى للتعايش السلمي بين كل المكونات الحضارية، ما دامت هناك فوارق كونية ووجودية.

غير أن السياسي والمفاوض الجنوب سوداني البارز الدكتور ضيو مطوك ديينق وول المتخصص في مجال بناء السلام وفض النزاعات، يرى أن غياب ثقافة تقبُّل الآخر لا يزال أبرز تحدٍ يواجه حوار الحضارات.

تولى وول حقائب وزارية عدة في السودان وجنوب السودان، وكان مفاوضاً في الجولات المختلفة لمفاوضات السلام بين البلدين قبل الانفصال وبعده، قبل أن يقود لجنة وساطة جنوب السودان لمفاوضات السلام السودانية، ثم يصبح عضواً في فريق خبراء فض النزاعات في الهيئة الحكومية للتنمية الأفريقية «إيغاد».

د. ضيو مطوك وول

ويقول وول لـ«الشرق الأوسط» في حوار عبر الهاتف، إن في حوار عبر الهاتف، إن الفكرة الأساس في موضوع «حوار الحضارات» تتمحور في وجود قناعة بأن هناك فرصة لإيجاد صياغة بديلة لما يحدث الآن في عالمنا المعاصر، إذ يمكن للمشكلات التي يعانيها العالم أن تتفاقم في غياب الحوار والقبول بالآخر. وأضاف: «ليس أمامنا خيار آخر غير ذلك. وكما يذهب مفكرون عديدون، فإن الصدامات التي نشهدها مرتبطة بطوائف دينية أو عِرقية في كثير من الأحيان».

وأشار إلى أن الباحث السوداني فرانسيس دينق تعرَّض لهذا الموضوع من خلال مؤلفه «صراع الرؤى»، مستشهداً بما يجري في السودان، «فالرؤى المتصارعة في البلد لا تزال تهدد وحدة السودان، وأيضاً كتبنا عن سياسة التمييز الإثني في السودان، وهي قضية أدت إلى انفصال جنوب السودان، وما زالت تهدد استمرارية الدولة السودانية بوصفها كياناً موحداً في ظل التطورات المتلاحقة بالبلاد».

وشدد وول على ضرورة تشخيص القضايا التي لا بد أن يجري حوار حولها، مثل حرية الاعتقاد الديني، وقضايا التنوع العِرقي والإثني، والاختلاف الجغرافي، خصوصاً بين قطبي العالم الشمالي والجنوبي، والنوع والمساواة بين الجنسين الرجل والمرأة، والفوارق الاجتماعية والاقتصادية والانقسام الطبقي داخل المجتمعات، وتوزيع الثروات، وهيمنة الأغنياء على الفقراء.

وكثير من هذه القضايا المُلحة، وفق وول، دائماً تكون مصدر أساس لنزاعات وحروب داخل المجتمعات على مستوى العالم، وسرعان ما تنعكس نتائج هذه النزاعات على الأبرياء، الذين ليست لهم صلة بالأمر إطلاقاً، وأحياناً تنصبُّ عواقب هذه المصادمات العنيفة ضد أمة بأجمعها أو طائفة أو فئة أو ديانة من دون فرز.

ومن الأمثلة المجسّدة لهذه الظاهرة، وفقاً له، والتي تدل على عدم وجود رغبة في الحوار من قِبل الساسة والقادة، المقولة الشهيرة المنسوبة للرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن، أثناء حرب العراق، حيث قال: «إما أن تكون معنا أو ضدنا». مثل هذا التصنيف، يضيف وول، لا يعطي مساحة للحوار، بل «يُوصد الأبواب في الوجه الآخر، ويضع العالم برُمّته على كِفّتين لا ثالث لهما: إما (معنا أو ضدنا)... مثل هذا الأسلوب يشجع الصدام، ويستبعد الحوار، وربما يولِّد تكتلات وتحالفات تنتهي بحروب مدمرة ليس لها نهاية أو دراية بنهايتها».

غموض تعريف الشرق والغرب

ويذكر وول أنه «في الرابع عشر من يونيو (حزيران) 2023، قامت (رابطة العالم الإسلامي)، بالتعاون مع (الأمم المتحدة)، بتنظيم مؤتمر لحوار الحضارات في نيويورك، تحت شعار (حوار التعدد: الأديان والثقافات من أجل بناء جسور التواصل بين الشرق والغرب)، ويُعدّ هذا المؤتمر الأول من نوعه، حيث حضره الأكاديميون والمفكرون، وناشطو المجتمع المدني، ومدافعون عن الحقوق والحريات، ورجال دين من الأطياف المختلفة، وكل الطوائف الدينية في العالم».

ويضيف: «راودني القلق؛ لعدم وجود الفهم والتعريف الدقيق لمصطلحي الشرق والغرب، رغم الاعتقاد الذي يقودنا إلى أن الشرق هو آسيا، ويمتد إلى مصر والسودان والمغرب العربي بأفريقيا؛ نسبة لصلتها بالعروبة والإسلام، أما الغرب فهو أوروبا وأستراليا، وشمال أميركا التي تضم الولايات المتحدة وكندا، لكن السؤال الأهم الذي يطرح نفسه بالقوة هو: أين بقية العالم التي لا يشملها هذا التعريف من هذا الحوار؟ إذا جزمنا بأن هذا التقسيم هو تقسيم أيديولوجي، يضع الحضارتين الشرقية والغربية في تنافس، وربما يؤدي إلى التصادم، فأين بقية العالم، خصوصاً أميركا الجنوبية وبقية الدول الأفريقية باستثناء دول المغرب العربي التي تنتمي إلى الكيان العربي؟ وأين إسرائيل التي توجد بالشرق الأوسط وليست جزءاً من الشرق، حسب هذا التعريف المبهم من هذه المعادلة الغامضة؟».

وشدد الباحث في مجال بناء السلام وفض النزاعات على أهمية وجود تعريف واضح للشرق والغرب؛ حتى يتسنى للجميع فرصة مناقشة القضايا المطروحة، والخروج بخلاصات تعالج المشكلة، وإلا فسيدور الحوار في حلقة مفرغة، وعلى ضرورة طرح القضايا المسكوت عنها للحوار، مثل الإثراء بأسلوب الغش وتداعياته على الفقراء، والاضطهاد الذي يتعرض لها بعض المجتمعات في الحقبة الاستعمارية دون تقديم اعتذار عن هذه الجريمة التاريخية، وكذلك محاولة جعل الزواج المِثلي شرطاً لتقديم إعانات للدول الفقيرة، رغم مخالفتها أعراف ومعتقدات هذه البلدان.

وتطرّق وول أيضاً إلى ضرورة مناقشة قضايا حيوية، مثل محاولة فرض النظام السياسي الواحد على العالم بأَسره، خصوصاً الديمقراطية الليبرالية، التي يريد الغرب فرضها على الدول الأخرى، قضية الصراع على قيادة العالم وبمنطق القوة، وليس التعاون والقبول، والذي نعيش تداعياته في كثير من مناطق العالم، قضية حرية الاختيار والانضمام إلى تجمعات وتكتلات دون إكراه، والتي أدت لنشوب الحرب في أوكرانيا، قضية الانبعاثات الغازية الحرارية وأثرها على الدول النامية، والقائمة طويلة.

«حوار الطرشان»

لكن وول عبَّر عن مخاوفه بأن يكون الحوار حول هذه القضايا «حوار الطرشان»، وخصوصاً من جانب الغرب، لكثير من الأسباب: أولاً، الأمم المتحدة نفسها غير قادرة على إدارة مثل هذا الحوار بالتكافؤ؛ لأن الغرب يسيطر على أجهزتها الفاعلة، خصوصاً «مجلس الأمن»، وعضويته الدائمة التي تتكون من 5 أعضاء، 3 منهم من الغرب، ولذلك دون الإصلاح في هذه المنظمة الدولية لا نرجو كثيراً منها... ثانياً، الغرب يمتلك الإعلام الذي يجعله يسوِّق أقوى أزمة من خلال أفكاره، حيث يجد ضحاياها أنفسهم يرقصون معهم على الأنغام نفسها، وشهدنا ذلك في تصورها لتقديم الدعم لأوكرانيا في حربها ضد روسيا كعمل ثوري ووطني، عكس الذين يريدون مساعدة روسيا، حيث يتم تخوينهم وربط عملهم هذا بالبربرية والوحشية. ثالثاً، الهيمنة الاقتصادية التي تجعل الغرب سيد العالم، وإمساكه بكل المبادرات وقيادة المؤسسات الدولية، التي تهيمن على الاقتصاد الدولي، مثل البنك والصندوق الدوليين، وشهدنا كذلك تأثيره الواضح على «المحكمة الجنائية الدولية»، والمؤسسات العدلية والحقوقية التي تُجرِّم وتحاسب قيادات العالم الثالث فقط... وأخشى أن تنحصر فكرة الحوار في الانصهار في البوتقة الواحدة، واستبعاد فكرة قبول الآخر.


مقالات ذات صلة

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

يوميات الشرق ذاكرة إسطنبول المعاصرة ورواية أورهان باموك الشهيرة في متحف واحد في إسطنبول (الشرق الأوسط)

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

لعلّه المتحف الوحيد الذي تُعرض فيه عيدان كبريت، وبطاقات يانصيب، وأعقاب سجائر... لكن، على غرابتها وبساطتها، تروي تفاصيل "متحف البراءة" إحدى أجمل حكايات إسطنبول.

كريستين حبيب (إسطنبول)
كتب فرويد

كبار العلماء في رسائلهم الشخصية

ما أول شيء يتبادر إلى ذهنك إذا ذكر اسم عالم الطبيعة والرياضيات الألماني ألبرت آينشتاين؟ نظرية النسبية، بلا شك، ومعادلته التي كانت أساساً لصنع القنبلة الذرية

د. ماهر شفيق فريد
كتب ناثان هيل

«الرفاهية»... تشريح للمجتمع الأميركي في زمن الرقميات

فلنفرض أن روميو وجولييت تزوَّجا، بعد مرور عشرين سنة سنكتشف أن روميو ليس أباً مثالياً لأبنائه، وأن جولييت تشعر بالملل في حياتها وفي عملها.

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

صدر حديثاً عن دار نوفل - هاشيت أنطوان كتاب «دليل الإنسايية» للكاتبة والمخرجة الآيسلندية رند غنستاينردوتر، وذلك ضمن سلسلة «إشراقات».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
ثقافة وفنون «شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

عن دار «بيت الياسمين» للنشر بالقاهرة، صدرتْ المجموعة القصصية «شجرة الصفصاف» للكاتب محمد المليجي، التي تتناول عدداً من الموضوعات المتنوعة مثل علاقة الأب بأبنائه

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية
TT

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام، ولفت الانتباه؛ لأن رواية المانجا «أنستان» أو «الغريزة» لصاحبها المؤثر أنس بن عزوز، الملقب بـ«إنوكس تاغ» باعت أكثر من 82 ألف نسخة خلال 4 أيام. وهو إنجاز كبير؛ لأن القصّة الموجهة إلى جمهور من القرّاء الشباب قد خطفت المرتبة الأولى في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً من «الحوريات»، الرواية الفائزة بجائزة «الغونكور» لهذه السنة.

ولمن يستغرب هذا الرواج أو اهتمام دور النشر بالكُتاب المبتدئين من صنّاع المحتوى، فإن الظاهرة ليست بالجديدة؛ حيث إن كثيراً من المكتبات والمواقع أصبحت تخصّص رفوفاً كاملة لهذه النوعية من الكتب، كسلسلة «#فولوي مي» التابعة لدار «أشيت»، والتي تضم أعمالاً للمؤثرين تتوزع بين السّير الذاتية والقصص المصوّرة والتنمية البشرية والأسفار، وحتى الطبخ.

في فرنسا، أول تجربة من هذا القبيل كانت عام 2015، بكتاب «إنجوي ماري»، وهو السيرة الذاتية للمؤثرة ماري لوبيز المعروفة بـ«إنجوي فنيكس» (6 ملايين متابع على إنستغرام). وإن كان البعض لا يستوعب أن تكتب فتاة في سن العشرين سيرتها الذاتية، فقد يستغرب أيضاً النجاح التجاري الكبير الذي حصل عليه هذا الكتاب؛ حيث باع أكثر من 250 ألف نسخة، رغم الهجوم الشديد على الأسلوب الكتابي الرديء، حتى لقَّبتها مجلة «لي زنكوريبتبل» الثقافية متهكمة بـ«غوستاف فلوبير الجديد». شدّة النقد لم تمنع زملاءها في المهنة من خوض التجربة نفسها بنجاح؛ المؤثرة ناتو (5 ملايين متابع على يوتيوب) نشرت مع مؤسسة «روبرت لافون» العريقة رواية «أيقونة»، قدمت فيها صورة ساخرة عن عالم المجلات النسوية، وباعت أكثر من 225 ألف نسخة. وتُعدُّ دار نشر «روبرت لافون» بالذات الأكثر تعاوناً مع صناع المحتوى؛ حيث نشرت لكثير منهم.

في هذا السياق، الأكثر نجاحاً حتى اليوم كان كتاب التنمية البشرية «الأكثر دائماً+» لصاحبته لينا محفوف، الملقبة بـ«لينا ستواسيون» (5 ملايين متابع على إنستغرام) وباع أكثر من 400 ألف نسخة.

مجلة «لي زيكو» الفرنسية، تحدثت في موضوع بعنوان «صناع المحتوى؛ الدجاجة التي تبيض ذهباً لدور نشر» عن ظاهرة «عالمية» من خلال تطرقها للتجارب الناجحة لمؤثرين من أوروبا وأميركا، حملوا محتواهم إلى قطاع النشر، فكُلّلت أعمالهم بالنجاح في معظم الحالات. المجلة استشهدت بالتجربة الأولى التي فتحت الطريق في بريطانيا، وكانت بين دار نشر «بانغوين بوكس» والمؤثرة زوي سوغ (9 ملايين متابع على إنستغرام) والتي أثمرت عن روايتها الناجحة «فتاة على الإنترنت» أو «غور أون لاين»؛ حيث شهدت أقوى انطلاقة في المكتبات البريطانية بـ80 ألف نسخة في ظرف أسبوع، متفوقة على سلسلة «هاري بوتر» و«دافنشي كود».

المجلة نقلت بهذه المناسبة حكاية طريفة، مفادها أن توم ويلدون، مدير دار النشر، كان قد تعاقد مع المؤثرة بنصيحة من ابنته البالغة من العمر 12 سنة، والتي كانت متابعة وفيّة لها.

ومما لا شك فيه هو أن اهتمام دور النشر بأعمال المؤثرين يبقى مدفوعاً بالأرباح المادية المتوقعة، وهو ما أكده موضوع بمجلة «لوبوان» بعنوان «المؤثرون آلة لصنع النجاحات التجارية في قطاع النشر». كشف الموضوع عن أن تحويل المحتوى السمعي البصري لصناع المحتوى إلى الكتابي، أصبح بمثابة الورقة الرابحة للناشرين، أولاً لأنه يوفر عليهم عناء الترويج الذي تتكفل به مجتمعات المشتركين والمتابعين، وكل وسائل التواصل التابعة للمؤثرين، والتي تقوم بالعمل بدل الناشر، وهو ما قد يقلّل من خطر الفشل؛ بل قد يضمن الرواج الشعبي للعمل. ثم إنها الورقة التي قد تسمح لهم في الوقت نفسه بالوصول إلى فئات عمرية لم تكن في متناولهم من قبل: فجمهور المراهقين -كما يشرح ستيفان كارير، مدير دار نشر «آن كاريير» في مجلة «ليفر إيبدو»: «لم يكن يوماً أقرب إلى القراءة مما هو عليه اليوم. لقد نشرنا في السابق سِيَراً ذاتية لشخصيات من كل الفضاءات، الفرق هذه المرة هو أن المؤثرين صنعوا شهرتهم بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، ولهم جمهور جاهز ونشيط، وإذا كانت هذه الشخصيات سبباً في تقريب الشباب إلى القراءة، فلمَ لا نشجعهم؟».

شريبر: الكتاب بعيد كل البعد عن مستوى «الغونكور» وبأن كاتبته لم تقرأ في حياتها كتاباً باستثناء الكتاب الذي كتبته

هذه المعطيات الجديدة جعلت الأوضاع تنقلب رأس على عقب، فبينما يسعى الكتاب المبتدئون إلى طرق كل الأبواب أملاً في العثور على ناشر، تأتي دور نشر بنفسها إلى صناع المحتوى، باسطة أمامهم السّجاد الأحمر.

وإن كان اهتمام دور النشر بصنّاع المحتوى لاعتبارات مادية مفهوماً -بما أنها مؤسسات يجب أن تضمن استمراريتها في قطاع النشر- فإن مسألة المصداقية الأدبية تبقى مطروحة بشدّة.

بيار سوفران شريبر، مدير مؤسسة «ليامون» التي أصدرت مذكرات المؤثرة الفرنسية جسيكا تيفنو (6 ملايين متابع على إنستغرام) بجزأيها الأول والثاني، رفض الإفصاح عن كم مبيعات الكتاب، مكتفياً بوصفه بالكبير والكبير جداً؛ لكنه اعترف في الوقت نفسه بلهجة ساخرة بأن الكتاب بعيد كل البعد عن مستوى «الغونكور» وبأن كاتبته لم تقرأ في حياتها كتاباً باستثناء الكتاب الذي كتبته؛ لكنها لم تدَّعِ يوماً أنها تكتب بأسلوب راقٍ، وكل ما كانت تريده هو نقل تجاربها الشخصية إلى الجمهور ليأخذ منها العبَر.

الناقد الأدبي والصحافي فريديك بيغ بيدر، كان أكثر قسوة في انتقاده لكتاب المؤثرة لينا ستواسيون، في عمود بصحيفة «الفيغارو» تحت عنوان: «السيرة الذاتية لمجهولة معروفة»؛ حيث وصف العمل بـ«المقرف» و«الديماغوجية»، مضيفاً: «بين الأنا والفراغ اختارت لينا ستواسيون الخيار الثاني». كما وصف الكاتبة الشابة بـ«بالجاهلة التي تعترف بجهلها»، منهياً العمود بالعبارة التالية: «147 صفحة ليس فيها سوى الفراغ، خسرتُ 19 يورو في لا شيء».

أما الناشر بيار سوفران شريبر، فقد قال في مداخلة لصحيفة «لوبوان»: «اتهمونا بنشر ثقافة الرداءة؛ لكن هذه النوعية من الكتب هي هنا لتلتقي بقرائها. إنهما عالمان بعيدان استطعنا تقريبهما بشيء سحري اسمه الكتاب. فلا داعي للازدراء».