فيلم «مهمة العوجا» يوثّق بطولة سعودية ويُحوّل الإنقاذ إلى ملحمة درامية

«الدفاع السعودية» لـ«الشرق الأوسط»: الدراما تحفظ البطولات وتُخلدها في الذاكرة

بوستر فيلم «مهمة العوجا» (منصة «شاهد»)
بوستر فيلم «مهمة العوجا» (منصة «شاهد»)
TT

فيلم «مهمة العوجا» يوثّق بطولة سعودية ويُحوّل الإنقاذ إلى ملحمة درامية

بوستر فيلم «مهمة العوجا» (منصة «شاهد»)
بوستر فيلم «مهمة العوجا» (منصة «شاهد»)

استطاعت الكلمة المصوَّرة أن تُحوّل العمل الفنّي القائم على نقل روح البطولة إلى وثيقة وطنية تُجسّد الإخلاص والانتماء. بهذه الرؤية، قدَّم المدير العام التنفيذي للتواصل الاستراتيجي في وزارة الدفاع، عبد الرحمن بن سلطان السلطان، قراءته لتجربة فيلم «مهمة العوجا» خلال عرضه في جامعة الأعمال والتكنولوجيا، مؤكداً أنّ الأفلام والإنتاج الدرامي يُعدّان من أهم وسائل التواصل الحديثة، لإتاحتهما توثيق القصص الوطنية بلغة درامية قادرة على الوصول إلى الجمهور المحلّي والعالمي على السواء. فميزة الدراما تكمن في قدرتها على تجسيد البطولات الإنسانية بلغة مؤثّرة تنقل الصورة الحقيقية للواقع وتُخلّدها في الذاكرة الجمعية.

وأوضح السلطان لـ«الشرق الأوسط» أنّ فيلم «مهمة العوجا» أبرَزَ هذه القيمة، إذ عُرض على منصّات البثّ المتعدّدة، وعلى شاشات الخطوط الجوّية السعودية، ونجح في توثيق تجربة نوعية تُبرز كفاءة القوات المسلحة السعودية واحترافيتها، مؤكداً علو مكانتها وجاذبيتها، ليس فقط على المستوى العسكري، بل في بُعدها الإنساني.

وأضاف أنّ الفيلم يُوجّه مجموعة من الرسائل العميقة، أبرزها تأكيد قيم الشجاعة والتفاني والانتماء الوطني، والتذكير بأنّ بناء الوطن مسؤولية أبنائه جميعاً، وهو لا ينهض إلا بسواعد مَن يُخلصون له ويُضحّون.

وفي سياق حديثه، أشار السلطان إلى أنّ وزارة الدفاع تسعى إلى تحقيق رسائلها الاتصالية عبر إنتاج الأعمال الدرامية والوثائقية التي تُسطّر بطولات القوات المسلّحة السعودية، وتُوثّق قصصهم المُلهمة بأسلوب فنّي مؤثّر، لافتاً إلى أنّ هذا التوجُّه يعكس رؤية مهنية ناضجة تسعى إلى تحقيق التوازن بين الرسالة الوطنية والجودة الدرامية.

مشهد من فيلم «مهمة العوجا» (وزارة الدفاع)

كما نوَّه بالتعاون القائم بين وزارة الدفاع و«الهيئة العامة للترفيه» في إنتاج فيلم حربي جديد أعلن عنه المستشار تركي آل الشيخ، مشيراً إلى أنّ الأبواب مفتوحة لإنتاج مزيد من الأعمال التي تنقل الصورة الحقيقية لبطولات القوات المسلّحة السعودية، وتُعزّز حضورها في المشهدَيْن المحلّي والدولي.

أثر يتجاوز الشاشة

أعاد فيلم «مهمة العوجا» تعريف البطولة من منظورٍ إنساني، إذ لم يكتفِ بسرد واقعة عسكرية بل كشف كيف تصنع التجارب الصعبة رجالاً أقوى وإيماناً أعمق. فقد أبرز دور القوات المسلّحة السعودية في حماية أمن المملكة واستقرارها، وقدَّم صورة واقعية لاحترافية جنودها وتطوّر منظومتها الدفاعية، بما يعزّز ثقة المواطنين بقدرتها وكفاءتها، كما جسَّد الفيلم التكاتُف الوطني في أبهى صوره.

من السماء إلى الذاكرة الوطنية

بهذا المزج بين الفنّ والواقع العسكري، نجحت وزارة الدفاع في تحويل حدث من قلب العمليات إلى وثيقة وطنية محفورة في الذاكرة الجمعية، تُوثّق الشجاعة وتبثّ الأمل، وتعكس رؤية مهنية ناضجة تسعى من خلالها إلى تحقيق التوازن بين الرسالة الوطنية والجودة الدرامية.

وتحوّلت الحادثة الحقيقية إلى فيلم وطني بعنوان «مهمة العوجا»، من إنتاج وزارة الدفاع السعودية، ضمن رؤيتها لتعزيز الاتصال الاستراتيجي وتمكين الطاقات الوطنية. لم يكن الفيلم مجرد إعادة تمثيل لواقعة عسكرية، بل رسالة بصرية وطنية تُجسّد معاني الإخلاص والتضحية، وتؤكد أنّ أمن الوطن يُبنى بتضحيات أبنائه وإصرار قيادته، فالوطن لا ينسى أبناءه المُخلصين الذين يصنعون المجد بصمت وبطولة.

اللافت أنّ مدّة الفيلم (21 دقيقة) جاءت مطابقة تماماً لمدّة عملية الإنقاذ الحقيقية التي نُفذت على أرض الواقع بعد حادثة سقوط الطائرة، في دلالة رمزية على دقة العمل وحرص صنّاعه على التوثيق الزمني للأحداث كما جرت في الميدان.

صناعة بحجم الوطن

بدأت مرحلة الإعداد للفيلم بعمليات استكشاف ميدانية دقيقة لمواقع التصوير في مناطق العمليات لتجسيد التفاصيل الواقعية بأعلى درجات الدقّة. شارك في تنفيذ العمل أكثر من 700 عنصر بشريّ من تخصّصات عسكرية وفنّية مختلفة، من أطقم جوّية وموجِّهي مقاتلات وشرطة جوّية وإسناد هندسي ودفاع جوّي ومدفعية واستخبارات وأمن، إلى جانب كوادر طبّية وميدانية.

أما الجانب الفنّي، فتولّاه فريق من المخرجين والفنّيين والمصوّرين ومُصمِّمة أزياء ومديري مشروعات ومشغّلي طائرات من دون طيار، إلى جانب فرق الدعم من السائقين وعناصر الإعاشة والميكانيكيين.

استغرق التصوير 85 ساعة طيران خلال أيام العمل المكثَّفة، واستخدمت فيه أكثر من 300 قطعة من المعدّات والأسلحة والذخائر الحقيقية، بما فيها المركبات المجهَّزة، وسيارات الإسعاف، وأدوات التصوير العسكرية، في مشهد إنتاجي يُوازي في واقعيته تفاصيل المَهمّة الحقيقية.

رمزية «العوجا»... بين الأرض والهوية

لم يكن اختيار الاسم مصادفة؛ فـ«العوجا» هو الاسم التاريخي لنجد، مهد الدولة السعودية الأولى، ومركز الأصالة والشجاعة والكرامة. جاء الاسم ليُجسد الرابط بين بطولات الماضي وتضحيات الحاضر، وليؤكد أنّ ما يحدث اليوم في ميادين الدفاع هو امتداد لتاريخ طويل من الفداء والعزّة. كما استعرض الفيلم العادات والتقاليد السعودية الأصيلة، ما عزَّز الشعور بالهوية الوطنية المُشتركة، ورسَّخ قيم الولاء والانتماء والتلاحُم بين أبناء الوطن.


مقالات ذات صلة

«الضارية»... دراما سعودية تُجسّد بشاعة العالم حين يغيب القانون

يوميات الشرق تركي اليوسف يُقدّم شخصية رجل عصابات في المسلسل (شاهد)

«الضارية»... دراما سعودية تُجسّد بشاعة العالم حين يغيب القانون

لطالما امتاز تركي اليوسف بانشغاله بالطبقات النفسية أكثر من الانفعالات، وفي «الضارية» يذهب أبعد ممّا قدّمه سابقاً...

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق تصف فرح بيطار تجربتها في مسلسل «سلمى» بالرائعة (إنستغرام)

فرح بيطار لـ«الشرق الأوسط»: خرجتُ من تجربة «سلمى» بصديقات العمر

فرح بيطار التي قدَّمت أعمالاً حُفرت في ذاكرة اللبنانيين، من بينها «غربة» و«التحدّي»، كانت تتابع الدراما المُعرّبة...

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق يجمع المسلسل بين محمد فراج وزينة (الشركة المنتجة)

«ورد وشوكولاتة»... دراما مستوحاة من جرائم قتل حقيقية بمصر

ينطلق مسلسل «ورد وشوكولاتة» في إطار دراما نفسية واجتماعية تعيد النظر في العلاقات الإنسانية عندما تخرج عن مسارها الطبيعي.

أحمد عدلي (القاهرة )
خاص بطلة مسلسل «سلمى» مرام علي في حوار خاص مع «الشرق الأوسط» (إنستغرام)

خاص مرام علي: «سلمى» علّمتني الصبر وعدم الاستسلام و«جولي وشادي» روح المسلسل

بطلة مسلسل «سلمى» الممثلة السورية مرام علي تتحدث لـ«الشرق الأوسط» عن تجربتها في هذا العمل، خلف الكواليس وأمام الكاميرا.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق متفانٍ في عمله إلى حدّ الذوبان بالشخصية التي يتقمّصها (صور طوني عيسى)

طوني عيسى لـ«الشرق الأوسط»: دوري في «بالحرام» الرمضاني مختلف تماماً

يتمتّع طوني عيسى بقوة أداء عفوية وحقيقية تطبع مَشاهده مهما اختلفت طبيعة أدواره.

فيفيان حداد (بيروت)

مخرجون عالميون في حصيلة العام

«فلسطين 36» لماري آن جاسر (ملف مهرجان تورنتو)
«فلسطين 36» لماري آن جاسر (ملف مهرجان تورنتو)
TT

مخرجون عالميون في حصيلة العام

«فلسطين 36» لماري آن جاسر (ملف مهرجان تورنتو)
«فلسطين 36» لماري آن جاسر (ملف مهرجان تورنتو)

يقترب العام الحالي من نهايته. المهرجانات الكبرى أُقيمت في مواعيدها وخرج منها الفائز والخاسر. بين هذين الفريقين هناك أيضاً من قدّم أفلاماً جيدة تراوحت نتائجها بين الربح والخسارة.

للإحاطة بأبرز ما شهده عام 2025 على صعيد المخرجين، لا بد من تقسيم النتائج إلى 4 قوائم، لكل منها تخصصها ومزاياها.

قبل ذلك، لا بد من القول إن هذه القوائم ليست لتقييم الأفلام التي حقّقها هؤلاء المخرجون. الواقع أن أي مخرج نجح في اختراق موقعٍ ما قد يكون أخفق فنياً حتى ولو خطف جائزة كبيرة من مهرجان ما. هذا لم يعد أمراً غير معتاد خلال السنوات العشرين الأخيرة، حيث اختلط الحابل بالنابل في أكثر من مناسبة.

كذلك الحال إذا ما خسر مخرج معركته في المهرجانات والمناسبات السنوية. بعض أفضل ما أُنجز منذ مطلع القرن لم يحقق نجاحاً مهرجانياً، ولا حتى نقدياً في أحوال متعددة، كما في حال «خيط وهمي» (Phantom Thread)، لبول توماس أندرسن، 2018)، و«وداعاً للغة» لجان-لوك غودار (2014)، أو «جوكر» لتود فيليبس (2020).

كايت بلانشت في «أب أم أخت أخ» لجيم جارموش (أنيمال كينغدوم)

مخرجون حققوا أفلاماً مهمّة

هناك مخرجتان عربيتان في هذه اللائحة، هما كوثر بن هنية بفيلمها المدوّي «صوت هند رجب»، وماري آن جاسر في «فلسطين 35». ولا بد من القول إنه على كثرة الأفلام العربية التي عُرضت في مهرجانات دولية عدة، فإن «فلسطين 35» و«صوت هند رجب» قادا الأعمال الناطقة بالعربية إلى مستوى اهتمام عالمي. كلا الفيلمين اعتمد، في المقام الأول، على تمويل أجنبي (مع مساهمة عربية محدودة)، ما يجعل انتماءهما للسينما العربية قائماً على عنصرين: هوية المخرج، واللغة العربية المستخدمة. هذان العنصران لا يحددان انتماء الفيلم بوصفه هوية إنتاجية عربية. كلاهما عن موضوع الساعة: فلسطين، وكلاهما يدخلان منافسات موسم الجوائز الحالي

آخرون في المجال نفسه: بول توماس أندرسن عن «معركة بعد أخرى»، والإسباني أوليڤر لاكس عن «سِرات»، والأميركية كاثلين بيغلو عن «منزل الديناميت»، وغويلرمو دل تورو عن «فرنكشتاين».

هذه الأفلام الأربعة ستؤول إلى ترشيحات الأوسكار والمناسبات السنوية الأخرى («غولدن غلوب»، و«بافتا»، و«جمعية المخرجين الأميركية» وغيرها)، شأنها في ذلك شأن الفيلمين العربيين المذكورين.

السعوديتان شهد أمين وهيفاء المنصور ضمن هذه القائمة (الأولى عن «هجرة»، والثانية عن «المجهولة»)، وإن كانتا في مرحلة انتظار ما سيؤول إليه كل فيلم منهما.

«الأوديسا»، الفيلم المقبل لكريستوفر نولان (يوينڤرسال)

مخرجو الجوائز

بدأ العام بفوز برادلي كوربت بجائزة «غولدن غلوب» عن فيلمه «ذا بروتاليست»، تَبِعه شون باكر بفوزه عن «أنورا». هذان الفيلمان من إنتاج السنة الماضية، وكانت المناسبتان محطتهما الأخيرة.

في «كان» حصد البرازيلي كليبر ميندونزا فيلو جائزة أفضل مخرج عن فيلمه الجيد «العميل السري» The Secret Agent. وفي «ڤينيسيا» نال بني صفدي الجائزة نفسها عن «الآلة المدمّرة» The Smashing Machine.

الإيراني جعفر بناهي حقق نصراً في «كان» عبر «كان مجرد حادثة» (It Was Just an Accident)، عندما خطف السعفة الذهبية. أما جائزة أفضل فيلم في مهرجان «ڤينيسيا» فذهبت إلى جيم جارموش عن «أب أم أخت أخ» (Father Mother Sister Brother)، وهو المخرج الأميركي المستقل الوحيد الذي انتزع جائزة كبرى هذا العام.

المخرجون الخاسرون

هناك عدد كبير من الخاسرين خلال المسابقات الدولية، وكثيرون منهم لم يقدّموا ما يستحق الفوز فعلاً.

قدّم الأميركي ريتشارد لينكلتر فيلمين هذا العام. عرض في «كان» فيلم «موجة جديدة» Nouvelle Vague، وخصّص «ڤينيسيا» لفيلم «قمر أزرق» Blue Moon، ولم يفز في أي منهما.

المخرج المستقل الآخر وس أندرسن دخل سباق «كان» بفيلم «مؤامرة فينيقية» وخرج منه صفر اليدين.

الفرنسي أوليڤييه أساياس لم ينجز ما يُذكر عبر «ساحر الكرملين» (The Wizard of Kremlin)، كما خرج مواطنه فرنسوا أوزون بلا ذكر عندما قدّم نسخة من رواية ألبير كامو «The Stranger». اليوناني يورغوس لانثيموس خسر جولته في «كان» عندما قدّم جديده «بوغونيا» (Bugonia) الفانتازي الداكن.

كذلك لم ينجز المجري لاشلو نيميش (مخرج «ابن شاوول» في 2015) أي نجاح بفيلمه الجديد «يتامى». وهذا كان حال الإيطالي باولو سورنتينو في «النعمة» (La Grazia).

عام 2025 كشف أن الفوز أو الخسارة في المهرجانات لا يحدد قيمة المخرج، فالمشهد السينمائي أوسع من الجوائز

مخرجون ما زالوا على القمّة

هناك خمسة مخرجين لم يقدّموا جديداً هذا العام، لكنهم ما زالوا بين من تعتبرهم هوليوود والعالم كباراً؛ هم: جيمس كاميرون الذي سيعرض الجزء الثالث من «أڤاتار» تحت عنوان (Avatar: Fire and Ashes) في 19 من الشهر المقبل. النجاح التجاري المتوقع كبير، علماً بأن الجزء الثاني حقق إعجاباً نقدياً أقل من الجزء الأول.

دنيس (أو دَني، حسب مولده في كيوبك الكندية) ڤيلنوف، يشتغل على «Dune 3» الذي سيعرض في العام المقبل، وسيتبعه أول فيلم لجيمس بوند يُنتَج أميركياً لحساب مؤسسة «أمازون» التي دفعت مليار دولار لشراء حقوقه من المنتجين السابقين باربرا بروكولي ومايكل ولسون.

كريستوفر نولان الذي ما زال يعيش على زخم نجاحات «أوبنهايمر»، وقد دخل مرحلة ما بعد التصوير لفيلمه الجديد «الأوديسا»، المبرمج للعرض في يونيو (حزيران) المقبل.

وأخيراً مارتن سكورسيزي الذي ينجز للعام المقبل «حطام صقلية» (Shipwrecks of Sicily)، وهو فيلم تسجيلي لم يُحدد موعد عرضه بعد.


شاشة الناقد: ثلاثة أفلام رائعة عن الحلم الأميركي الكبير الذي لم يتحقق

«مدينة سمينة»: ستايسي كيتش ملاكم في الحقل (كولمبيا بيكتشرز)
«مدينة سمينة»: ستايسي كيتش ملاكم في الحقل (كولمبيا بيكتشرز)
TT

شاشة الناقد: ثلاثة أفلام رائعة عن الحلم الأميركي الكبير الذي لم يتحقق

«مدينة سمينة»: ستايسي كيتش ملاكم في الحقل (كولمبيا بيكتشرز)
«مدينة سمينة»: ستايسي كيتش ملاكم في الحقل (كولمبيا بيكتشرز)

FAT CITY ★★★★

* إخراج: ‪جون هيوستون ‬

* الولايات المتحدة (1972)

جون هيوستون ليس غريباً عن تحقيق تلك الأفلام التي تتحدّث عن ضمور الحلم الكبير بتحقيق الذات والثروة. «كنوز سييرا مادري» (The Treasure of the Sierra Madre) عام 1948 ثم «الغابة الإسمنتية» (The Asphalt Jungle) عام 1950 سبقا هذا الفيلم، ونجد اللمَحة نفسها في أفلام أخرى لاحقة له. لكن هذا الفيلم هو الأفضل بينها لجهة تصوير حالة رجلَين طمحا كلّ بمفرده، وانتهيا إلى الجلوس في حانة بلا مستقبل منشود.

إنهما توفي (ستايسي كيتش في دور حياته) وإرني (جِف بردجز). الأول ملاكم سابق خسر مكانته ثم امتنع عن السعي، وبلغ سنّاً لا يستطيع معها إلا تذكّر ماضيه. في أحد المشاهد نراه يعمل في الحقول مقابل 3 دولارات في الساعة. إرني هو شاب مقبل، لديه خامة جيدة ويتوقَّع له شأن كبير في الملاكمة.

لكن لا توفي ينجز حلم العودة، ولا إرني يحقق البداية الموعودة. هذا ليس ضمن قصة مُسَلِّية لهواة أفلام الرياضة (أو لأي فئة من هواة القصص)، بل مُعالَج بلمسات رقيقة وحانية وبشعور تعاطفي إنساني عميق تعبّر عنه اللقطات القريبة والأداء الرائع لكل ممثل في هذه الدراما.

البداية تصوّر أناساً غير معروفين يفترشون أرصفة المدينة ومتسكعين في الأحياء الفقيرة التي تقع الأحداث فيها. أولئك خَدعتهم الحياة فتحوّلوا إلى هياكل. وفي النهاية، هناك رجلان (إرني وتوفي) ينضمّان إلى ركاب من فقدوا أحلامهم. في المدينة السمينة بأحلام من فيها، الكل يتساوى حين يفشل.

THE KILLING ★★★★

* إخراج: ‪ستانلي كوبريك‬

* الولايات المتحدة (1956)

قبل أن يكون هذا فيلماً عن عصابة تخطط للسرقة، فهو بدوره فيلم عن ذلك الحلم الذي لن يتحقق. صحيح أن أبطاله (سترلينغ هايدن، جاي فليبن، تِد دي كورسيكا وآخرون) لديهم أسباب مختلفة لتحقيق الحلم تلتقي تحت مظلة انتزاع ثروة تُحسّن أوضاعهم، فإنهم، بالطريقة التي قام كوبريك بتصويرهم ومنحهم شخصياتهم، يبدون، في معظمهم، يستحقون الإفلات بالغنيمة. أنجز كوبريك هذا الفيلم بعد عامين من قيام أكيرا كوروساوا بإنجاز «راشومون»، واستخدم منهج المخرج الياباني في السرد، حيث يُعاد سرد الأحداث من وجهة نظر شخصياتها، ما يوفّر اختلافاً في عرض الحدث الجامع.

سترلينغ هايدن: حلم الثروة في «القتل» (يونايتد آرتستس).

هايدن هو جوني، خرج من السجن ولتوّه يريد تنفيذ السرقة الأخيرة. يجمع حوله 5 أفراد، اثنان منهم يعملان في ميدان سباق الخيل، وسيسهّلان دخول العصابة إلى غرفة تجميع المال وسرقته. أحدهما (جو سوير) لديه زوجة مريضة تلتزم فراشها في منزل متواضع، والآخر (إليشا كوك جونيور) يريد نيل رضا وحب زوجته المتبرّمة من الفقر الذي تعيش فيه. تتم السرقة، لكن مآلاتها تجسّد ضعف الذات واستحالة تحقيق ذلك الحلم.

ليس الفيلم مصنوعاً لتأييد عصابة تزمع الخروج عن القانون، بل هو عن شخصيات (ليست جميعها إيجابية) تبحث لنفسها عن موقع ما تحت ضوء الشمس.

TUCKER‪:‬ THE MAND AND HIS DREAM ★★★★

* إخراج: فرانسيس فورد كوبولا

* الولايات المتحدة (1988)

حتى «العراب» (في جزئه الثاني على الأخص) هو فيلم عن انهيار الحلم الأميركي، كذلك فيلم كوبولا الرائع الأخير «ميغالوبوليس». «تاكر: الرجل وحلمه» يجسّد محاولة هذا المخرج الصادق في نقده، منح المشاهد عملاً محدداً في هذا الاتجاه

يتصدّى الفيلم لسيرة حقيقية تقع في الأربعينات من القرن الماضي: برستون تاكر (جيف بردجز) طمح لصنع سيارة مصممة على نحو مختلف عن السيارات الأميركية الأخرى (فورد، شيفروليه، دودج، وسواها)، تتميّز بالحداثة والطواعية وعناصر السلامة. سريعاً ما تُثير تصاميمه وطموحه مخاوف تلك الشركات التي تنبري لمحاربته. يحاول دخول حرب التنافس مسلّحاً بثقته وإيمانه بالمشروع، ووثوقه ببلوغ الغاية إذا ما تجاوز العراقيل الكثيرة التي تحيط به. لكن هذه تتغلّب عليه، ويعلن إفلاسه وخسارة طموحه.

جِف بردجز في «تاكر: الرجل وحلمه» لكوبولا (باراماونت بيكتشرز)

لا يقل مستوى شغل كوبولا هنا عن أي فيلم آخر حقَّقه. يعرف قيمة الصورة وعناصرها، ويستغل المشاهد قبل تصويرها لتنقل حسّاً جمالياً موحَّد الأسلوب حال تنفيذها.

ما يختلف فيه عما سبق هو أنه يتحدث عن حكاية وقعت بالفعل، وأنه ليس ضرورياً أن يكون الحالمون أشخاصاً من محدودي الدخل. «تاكر» يشترك مع «مدينة سمينة» لهيوستون و«القتل» لكوبريك في الحديث عن اصطدام الأحلام بجدار الفشل الذي لا يعرف صغيراً أو كبيراً. مثلهما أيضاً، هو عن أميركا ولو من زاوية مختلفة.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز


«أوسكار: عودة الماموث»... أول وحش عربي يقتحم سينما هوليوود

بدأ عرض «أوسكار: عودة الماموث» في صالات السينما السعودية (فوكس سينما)
بدأ عرض «أوسكار: عودة الماموث» في صالات السينما السعودية (فوكس سينما)
TT

«أوسكار: عودة الماموث»... أول وحش عربي يقتحم سينما هوليوود

بدأ عرض «أوسكار: عودة الماموث» في صالات السينما السعودية (فوكس سينما)
بدأ عرض «أوسكار: عودة الماموث» في صالات السينما السعودية (فوكس سينما)

في تجربة فريدة تمزج بين الخيال العلمي والإبهار البصري، يُقدّم المخرج هشام الرشيدي فيلم «أوسكار: عودة الماموث»، وهو أول فيلم عربي ينضمّ إلى فئة أفلام الوحوش العملاقة التي اشتهرت بها هوليوود من خلال أعمال مثل «غودزيلا» و«كينغ كونغ»، لكنه يأتي هذه المرّة برؤية عربية خالصة تعكس طموح صنّاع السينما في المنطقة إلى منافسة الإنتاجات العالمية بأسلوب يحمل هوية محلّية أصيلة.

الماموث يعود إلى الحياة في قلب القاهرة

تدور أحداث الفيلم في إطار من الخيال العلمي الممزوج بالأكشن، وتتناول عودة الماموث –الكائن العملاق المُنقرض– إلى الحياة نتيجة تجارب علمية في مجال التعديلات الجينية، ليجد نفسه فجأة ينمو وسط القاهرة. هناك، تتسارع الأحداث في شوارعها بين الدمار والمطاردة والعلماء الساعين للسيطرة على الكائن العملاق.

يمتدّ الفيلم على مدار 110 دقائق من التشويق والإثارة، ويعتمد في 90 في المائة من مَشاهده على المؤثّرات البصرية التي تولَّت تنفيذها شركة «ترند VFX»، مقدّمةً تجربة غير مسبوقة في السينما العربية لجهة مستوى الجودة والتقنية، مما تطلّب وقتاً وجهداً استثنائيَيْن لإنجاز العمل.

ويؤكد المخرج هشام الرشيدي لـ«الشرق الأوسط» أنّ «أوسكار: عودة الماموث» هو تجربة عربية طَموحة تُحتَسب لمصلحة صنّاعها: «كان هدفنا إنجاز فيلم عربي بمواصفات عالمية يُوازي ما نشاهده في هوليوود، وإنما بهويتنا وقيمنا. أردنا إثبات أننا نستطيع صناعة وحش عربي في السينما».

من فكرة جريئة إلى واقع بصري ضخم

انبثقت فكرة الفيلم من كريم نشام، الذي طرح تصوّراً لعمل عربي يتناول كائناً خيالياً لم يُقدَّم من قبل في السينما العالمية. تولَّى كتابة السيناريو حامد الشراب بمشاركة عماد شرار وأبو صاب عسكر، واستغرق تطوير القصة عاماً كاملاً، قبل الدخول في مرحلة التصوير التي امتدَّت أكثر من عامين بسبب تعقيد المَشاهد واعتمادها الكبير على تقنيات الغرافيك.

لاعب الخفّة السعودي أحمد البايض خلال العرض الخاص للفيلم في جدة (رِدْ سي مول)

من الماموث الكرتوني إلى الماموث العربي

يُعدّ فيلم «أوسكار: عودة الماموث» أول عمل عربي يُقدّم الماموث في قالب واقعي وحركيّ، بعدما اعتاد الجمهور رؤيته في الأعمال الكرتونية شخصيةً مُسالمةً وودودةً، أشهرها شخصية «ماني» في سلسلة أفلام العصر الجليدي (Ice Age).

«ماني» شارك في مغامرات مُشوّقة مع حيوانات أخرى في بيئة العصر الجليدي، جامعاً بين الكوميديا والعاطفة، وهي السّمات التي استعادت حضورها في فيلم «أوسكار» من خلال تقديم الماموث العربي أيضاً بطابع طيب وإنساني رغم قوّته الجسدية.

مُشاركة سعودية مؤثّرة وأداء لافت

يبرز في الفيلم حضور سعودي لافت من خلال مشاركة لاعب الخفّة السعودي الشهير، أحمد البايض، في أول مواجهة له أمام كاميرا السينما بدور شخصية أجنبية قتالية. ويصفه المخرج بأنه اختيار مثالي للدور نظراً إلى لياقته الجسدية وطوله وصوته القوي وأدائه المتمكّن، قائلاً: «أحمد البايض دخل عالم الأكشن بثقة. أداؤه يوصل إحساس القوة والانضباط، وكان عنصر جذب حقيقياً في المَشاهد القتالية».

كما شارك في الفيلم الفنان السعودي مؤيد طيب، إلى جانب نخبة من النجوم العرب، منهم أحمد صلاح حسني، وهنادي مهنا، ومحمد ثروت، ومي القاضي، وعزت زين، ومحمود عبد المغني.

البطل الخفي وراء الوحش

وخلال العرض الخاص للفيلم في سينما «فوكس» بجدة، بحضور طاقم العمل، أشاد هشام الرشيدي بدور شركة «ترند VFX» التي تولَّت تنفيذ المؤثرات البصرية والصوتية بالكامل، مشيراً إلى أن النجاح يعود بشكل كبير إلى جهودها: «الشركة كانت شريكاً حقيقياً في الحلم. عملت على التفاصيل الدقيقة جداً من حركة الماموث إلى الصوت والظلّ، والنتيجة كانت مذهلة».

رؤية عربية لعصر سينمائي جديد

ويختم الرشيدي حديثه بالتأكيد أنّ «أوسكار: عودة الماموث» هو مجرّد البداية لسلسلة من المشروعات العربية الكبرى التي ستجمع صنّاع السينما من السعودية ومصر: «نحن نبني صناعة جديدة. هذه خطوة أولى، والآتي أقوى».

أما الفنان محمد ثروت، فيصف الفيلم بأنه «تجربة غير مألوفة في السينما العربية»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط»: «عودة الماموث في قلب القاهرة فكرة جريئة ومجنونة في الوقت عينه. في الفيلم حركة ودراما وتكنولوجيا على أعلى مستوى».