شاشة الناقد: رحلة من قلب تاريخ أسود

مشهد من «رحلة الخلود» (ف. ج. برودكشنز)
مشهد من «رحلة الخلود» (ف. ج. برودكشنز)
TT

شاشة الناقد: رحلة من قلب تاريخ أسود

مشهد من «رحلة الخلود» (ف. ج. برودكشنز)
مشهد من «رحلة الخلود» (ف. ج. برودكشنز)

رحلة الخلود ★★★

إخراج: فرانك جلبرت| دراما تاريخية | العراق | 2024‫ ‬

حفلت الأفلام العراقية في السنوات العشرين الماضية بموضوعات تصدّت للفترة السابقة لذلك التاريخ في عهد صدام حسين. لن نجد بينها جميعاً ما دافع عنه أو عالج فترته على نحو متوازن أو علمي.

«رحلة الخلود» ليس في وارد الدفاع عن ذلك النظام بالطبع، لكنه يعالج المسألة على نحو تاريخي محدّد، وفي نطاق تجربة معيشة ومُضافةٌ إليها نظرة ملمّة بالأحداث، أكثر منها مجرّد كتابة خيالية.

هذا يعود إلى أنّ المخرج العراقي فرانك جلبرت، آشوري، وموضوعه هو الاضطهاد الذي عاناه الآشوريون في أحداث وقعت قبيل رحيل النظام البعثي، عندما اعتقل الجيش ومخابراته عدداً كبيراً من الآشوريين، فأعدم بعضهم، وسجن عدداً آخر، بعد تعذيب الجميع. التهمة هي التمرّد على النظام، في الوقت الذي تخوض فيه البلاد حرباً ضدّ العدو الفارسي، كما يَرِد على لسان أحد الضباط.

بطل الفيلم إيشو (آبي سرغيز)، سيق بين هؤلاء المتّهمين، بعدما صادف وجوده في القرية التي دهمها الجيش. حُقِّق معه، ثم أُطلق. على أثر ذلك، يقرّر القيام برحلة طويلة من بغداد إلى شمال العراق، بعدما أدرك أنّ موقعه كآشوري يفرض عليه ذلك.

الدقائق الـ44 الأولى من الفيلم داخلية. يمكن القبول بما يُضفيه المخرج عليها من لون قاتم وإضاءة مبتسرة، فغُرف التعذيب والزنزانات عادةً ما تكون على هذا النحو. لكنّ المرء يتساءل عندما ينتقل المشهد إلى اجتماع مع بعض كبار المسؤولين، عما إذا كانوا يعيشون في العتمة ما دام ذلك القسم من الفيلم معنيّاً بالتفاصيل الواقعية.

تلك الفترة من العمل تؤسّس جيّداً لرحلة إيشو التي تشكّل النصف الثاني منه، فينتقل بها المخرج من الجوّ الداكن إلى الطبيعة الجميلة للبلاد العراقية. كان يُفضّل لو أنّ الوقت أُتيح لتعميق الرحلة المنشودة بمفارقات مناسبة، وربما بمَنْح الكاميرا وقتاً أطول قليلاً من التشبّع بالمكان. إيشو يقابل أشخاصاً عدّة، لكن الحقيقة أنّ الحوارات هنا لا توفر شيئاً يُذكر عنهم، ولا عن تبرير أعمق لرحلة الخلود التي يقوم بها.

لا ينحني الفيلم إلى التنميط. هو وطني من وجهة نظر آشوري لموضوع شخصياته، وهي في غالبيتها آشورية. كذلك لا يخصّ هؤلاء بأي تميّز عن سواهم ممَن عانوا من طوائف الشعب العراقي. نسمع، في أحد المَشاهد، أسماء عربية يُنادى عليها بين المعتقلين؛ وفي مشهد آخر يذكر أحدهم أنّ أطيافاً عدّة عَبَرت المكان من طوائف واتجاهات سياسية مختلفة. وفي ثالث، يذكّر الضابط المُشرف على التعذيب (الممثلون الذين يؤدّون أدوار الضباط والمسؤولين الأساسيين، هم أفضل تمثيلاً من سواهم)، أنّ النظام البائد كان حريصاً على معاملة المسيحيين كافة أسوةً بالمسلمين من دون تمييز. حقيقة لم يشأ الفيلم التعليق بشكل كافٍ عليها، فالجانب الآخر منها هو أنّ النظام نفسه كال للآشوريين. كلمة السرّ هنا هو إذا ما كان المواطن موالياً للنظام أو يطالب بالديمقراطية، كما يردُ في الفيلم.

العناصر الفنية والتقنية جيّدة، ولا بدّ من ذِكر أنّ التصوير بدأ عام 2019، ومن ثَم دهمه الوباء فتوقّف، لينتهي فعلياً العام الماضي.

• عرض خاص

‪THE ZONE OF INTEREST‬ ★★

إخراج: جوناثان غلازر | هولوكوست | ألمانيا | بولندا | 2023‫ ‬

أسوأ ما يحتويه فيلم جوناثان غلازر «منطقة الاهتمام»، هو أنه لا يهتم كثيراً بشخصياته. مراقبتها وهي تعيش حياتها في ذلك المنزل الكبير الذي تشغله مع الخدم والحاشية فوق مساحة أرض واسعة، هي مثل مراقبة الأثاث والديكورات وكل شيء آخر. نعم؛ هي تتحدّث في ما بينها. تتبادل أزمة احتمال الانتقال من هذا المكان إلى ذاك. تضحك هنا وتعبس هناك، لكنها لا تعيش ما تقوم به، بل تردّده. تمنحه شكلاً متحرّكاً بلقطات حرص المخرج على أن يكون معظمها بعيداً عن تلك الشخصيات، كما لو أنه لا يريد الاقتراب منها لئلا يُصاب بعدوى.

لقطة من فيلم «منطقة الاهتمام» (أ 24)

يبدأ الفيلم بشاشة سوداء تستمر لنحو 4 دقائق. هذا إنذار مبكر بأنّ المخرج يريد الحديث عن نفسه وقدراته وتميّزه. هذا كله ينحدر في خانة التكلّف، وإنْ لم يتبع ذلك أي تفعيل جيّد للحكاية التي نراها، فسينتهي كما بدأ: قطعة من حياة الآخرين اختيرت لسبب معيّن، وعولجت كما لو أنهم ليسوا أكثر من ديكورات متحرّكة.

بعد السواد الداكن، يفتح الفيلم على عائلة الضابط رودولف هوس (كريستيان فريدل) المؤلَّفة منه ومن زوجته هدفيغ (ساندرا هولر)، و5 أولاد، وربما 5 من الخدم، بينهم فتاة بولندية مِن جملة مَن يمر بهم الفيلم كما لو أنها عثرة عليه تجاوزها.

رودولف هوس كان شخصية حقيقية. ضابط مكلّف الإشراف على معسكر اعتقال «أوشفيتز»، الملاصق للمنزل الذي يقيم فيه وأسرته. جزء من منوال هذا الفيلم يدور حول كيف أنّ هذه العائلة المسيحية (بالطبع) لم تشعر بأي حرج حيال أنْ يفصلها عن المكان الذي يُساق إليه اليهود سوى جدار بالكاد يرتفع فوق القامة، ولا هي طرحت سؤالاً حوله ولا اهتمّت بضحاياه. للدلالة، ثمة ذلك المَشهد الصغير المحشور في وسط الفيلم لصبي يبلغ 12 عاماً يلعب في غرفته ببعض الأحجار، ويسمع صوت ضابط داخل المعسكر يأمر بإعدام ضحية. يتوجّه إلى النافذة ليُتابع. لا نرى ما يراه.

لن يكترث المخرج لتصوير أي شيء من المعسكر باستثناء الدخان، ومشهد للنهر الجميل وقد غمره رماد بني اللون.

حتى في المَشاهد التي تكشف عن مرامي الفيلم بوضوح، مثل ذلك الذي يسبح فيه رماد الضحايا فوق النهر، مما يجبر العائلة على الفرار؛ معالجة من دون تفاعل. واقع تلتقطه الكاميرا وتمضي. حسناً تفعل في هذا المشهد، لكنها لا تُحسن في معظم المَشاهد الأخرى تحقيق الغاية عينها. الكاميرا بعيدة عن البشر (في نحو 90 في المائة من المَشاهد). تعرض حياة أشخاص يعيشون بمحاذاة المأساة من دون الإحساس بها. علاقة المخرج بموضوعه مثل مَن يلقي نكتة ساخرة، فتخونه الطريقة، لتأتي هامدة ومن دون سخرية.

«منطقة الاهتمام» مأخوذ عن رواية طويلة الأحداث تستند إلى وقائع حقيقية شهدها المكان. لكنه؛ وقد انتهى هذا الناقد من قراءته للتوّ، ما يبرّر سبب التأخر في استعراض هذا الفيلم الذي شوهد مرتين، أولاهما في مهرجان «كان»؛ يستغني عمّا جعل ذلك الكتاب مؤثراً. أهمل أحداثاً عدّة، واستغنى عن شخصيات مهمّة، وتجاهل حبكات. لا بأس. أحد لا يفترض أنْ على الاقتباس احتواء كل شيء، لكنّ النبرة اختلفت لتتحوّل إلى ما يُشبه الصحن البارد، مزوّدة بمنزل مصمَّم بلون نحاسي، ومن دون حسنات. نعم؛ الحديقة كبيرة، لكنّ حمام السباحة صغير. البيت شاسع، لكنه من الداخل عارياً إلا من لوازم محدودة.

حتى قبل انتهاء المُشاهَدة بنحو ساعة، يتبادر السؤال الذي يكرهه معظمنا وهو: لماذا هذا الفيلم، وما المقصود منه؟ هو لا يطرح قضية، ولا هو فني أو تجاري. نعم؛ هناك فكرة مفادها أنّ ثمة عائلة تعيش بفاصل جدار عن المأساة ولا تشعر بها. لكن أليس هذا هو الواقع كيفما نظرنا إليه؟ أليس هذا شبيهاً بتجاهل الغرب للإبادة التي يتعرّض لها الفلسطينيون اليوم؟

فيلم غلازر أُنجِز قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، لذلك هو غير مسؤول، لكن وجوده اليوم يطرح السؤال المذكور بسهولة. الضابط الفعلي هوس قُبض عليه مع انتهاء الحرب، وأُعدِم عام 1947 في باحة معسكر الاعتقال الذي أشرف عليه.

• عروض: موسم الجوائز الحالي.

‪OUTLAW POSSE‬ ★★

إخراج: ماريو فان بيبلس | وسترن | الولايات المتحدة | 2024‫ ‬

يتوجه كثير من أفلام الغرب الأميركي هذه السنوات إلى تطوير مفردات النوع البصرية لتحاكي أي نوع أكشن آخر. أستثني فيلم والتر هيل الأخير، «ميت لأجل دولار»، فالمخرج من جيل سابق احترم قوانين أفلام الوسترن في عالم لم يعد يأبه للنوع.

لقطة من فيلم «جماعة الخارجين على القانون» (كنويس برذرز)

«جماعة الخارجين على القانون» لماريو فان بيبلس، يكشف عن رغبته في تجاوز الشيفرات الكلاسيكية من المشهد الأول؛ عندما ينتصر لهنديّ أحمر ويطيح بالعصابة الشريرة المحيطة به، ويجد الوقت كذلك لإلقاء خطاب قصير حول اغتصاب البيض أراضي الأميركيين الأصليين. كون البطل، فان بيبلس نفسه، أفروأميركياً، فإنّ المناسبة مُتاحة لتصويره على خُطى أي شخصية كلاسيكية من الغرب القديم تداولتها السينما مراراً، مثل بيلي ذا كيد، أو وايات إيرب من دون شارة «الشريف». سريع بسحب المسدس وإطلاق النار، ورصاصته لا تخطئ الهدف؛ وقوي في فن القتال اليدوي، وبعض المَشاهد ينمّ عن قدرات أخرى بما في جاذبية لا تستطيع ممثلات الفيلم مقاومتها.

الحبكة تنصّ على أنه عاد من المكسيك ليستخرج ذهباً أخفاه والده. سيحتاج لتأليف جماعة متعدّدة الأجناس، مُدركاً أنه ليس الوحيد الذي يسعى إلى استخراج الذهب، بل ثمة عدو اسمه آنجل (ويليام مابوثر) لديه عصبته لتساعده في المَهمّة عينها. باقي الفيلم من هذه النقطة المتقدّمة استعارة من سينما الوسترن الإيطالية وتطبيقها على قواعد أميركية. لا الاستعارة، ولا الأصل، يتمتّعان بأسلوب فني أو بإخراج يتضمّن بعض ثقافة ذلك العصر وواقعه.

بذلك، يدلف الفيلم سريعاً إلى الفئة المنتشرة من أفلام الغرب الأميركية في السنوات العشرين الأخيرة، حيث المغالاة في رسم الأجواء، وتصميم المعارك يتقدّم على فن النوع وحسناته السابقة.

• عروض: تجارية.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز


مقالات ذات صلة

سينما المخرج المصري يسري نصر الله (الشرق الأوسط)

يسري نصر الله: أفلامي شعبية... والسينما التجارية «على كف عفريت»

يعدّ المخرج المصري يسري نصر الله من المخرجين القلائل الذين سعوا لتحقيق المعادلة الصعبة بين السينما الهادفة المرتبطة بالنخب، والسينما التجارية التي تتجه للجمهور.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنان غوتز فاليان (غيتي)

غوتز فاليان... الديناصور الأخير في غابة السينما اليدوية

على مدار أكثر من 30 عاماً، ظلَّ الفنان النمساوي المولد، يعتاش من رسم بوسترات الأفلام الضخمة يدوياً، لتزيِّن أعرق دور العرض السينمائية في العاصمة برلين.

«الشرق الأوسط» (برلين)
يوميات الشرق آمبر هيرد

آمبر هيرد تعلن إنجابها توأمين في منشور بمناسبة عيد الأم

أعلنت الممثلة الأميركية آمبر هيرد أنها أصبحت أمّاً لثلاثة أطفال.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق منى زكي وأحمد داود بعد تسلُّم جوائزهما (إدارة المركز الكاثوليكي للسينما)

منى زكي وأحمد داود أفضل ممثلَيْن مصرييْن في «الكاثوليكي للسينما»

تسلَّمت منى زكي جائزتها من زميلها عضو لجنة التحكيم، الفنان عمرو يوسف، وشكرت اللجنة على اختيارها، معربة عن اعتزازها بجوائز المهرجان وصدقيته.

أحمد عدلي (القاهرة)

يسري نصر الله: أفلامي شعبية... والسينما التجارية «على كف عفريت»

المخرج المصري يسري نصر الله (الشرق الأوسط)
المخرج المصري يسري نصر الله (الشرق الأوسط)
TT

يسري نصر الله: أفلامي شعبية... والسينما التجارية «على كف عفريت»

المخرج المصري يسري نصر الله (الشرق الأوسط)
المخرج المصري يسري نصر الله (الشرق الأوسط)

يعَدّ المخرج المصري يسري نصر الله من المخرجين القلائل الذين سعوا لتحقيق المعادلة الصعبة بين السينما الهادفة المرتبطة بالنخب، والسينما التجارية التي تتجه للجمهور وتراهن على شباك التذاكر، ويرى نصر الله أنه مخرج «أفلام شعبية»؛ فجميع الموضوعات التي تناولها من البيئات الشعبية وتعبر عن طبقات شعبية.

وفي حواره مع «الشرق الأوسط» تحدث يسري نصر الله عن «صناعة السينما باعتبارها الهاجس الأكثر أهمية وإلحاحاً لديه»، ويقول صاحب «مرسيدس» و«سرقات صيفية» و«صبيان وبنات» و«احكي يا شهرزاد» إن «السينما تنهار»، ووصف السينما التجارية التي تراهن على شباك التذاكر بأنها «على كف عفريت».

وقال إن «السينما تحتاج إلى شيء جوهري، وهو عودة الجمهور إلى دُور العرض، هذه العادة اختفت، ولم يعد هناك مشوار السينما المعتاد، مثلما كانت في الحي الذي تسكن فيه. السينما الآن في المولات، وتحتاج إلى سيارة لتذهب إليها، والتذكرة تصل إلى 250 جنيهاً، وأقل تذكرة بـ100 جنيه، وهذا مبلغ كبير»، وحكى نصر الله عن موقف شاهده وهو ذاهب لرؤية فيلم لمحمد سعد في السينما، حيث سأله شاب: «أيهما أفضل الصالة أم البلكون؟ ما يعني أن ثقافة السينما ومعرفة الجمهور والأجيال الجديدة بدور العرض وارتباطهم بها؛ كلها أمور أصبحت غائبة تماماً عنهم الآن».

الملصق الدعائي لفيلم «احكي يا شهرزاد» (سينما. كوم)

وقبل عام تقريباً شارك نصر الله في مهرجان «كان» بصفته رئيس لجنة تحكيم لمسابقة الأفلام القصيرة، وقبل أيام شارك في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة بصفته رئيس لجنة تحكيم مسابقة الاتحاد الأوروبي للفيلم الأورومتوسطي، وعن أفلام المهرجانات يقول: «هناك أفلام جيدة جداً، لكن الرهان هل هذه الأفلام تحفز الجمهور ليذهب إلى السينما؟ المشكلة التي عرفتها أن دور العرض لا تستغل المهرجانات، خصوصاً التي تقام في الأقاليم بعيداً عن مركزية العاصمة القاهرة، بطريقة جيدة لجذب الجمهور واستعادة ثقافة دخول السينما».

وعن تأثير المنصات الجديدة على ذهاب الجمهور للسينما، قال: «بالطبع تؤثر سلباً، فالمستقبل للمنصات، ونلاحظ أن سينمات الأحياء تغلق أبوابها الواحدة تلو الأخرى».

ورداً على سؤال حول طبيعة سينما يسري نصر الله التي تهتم بالجماليات الفنية أكثر من البحث عن الجمهور أو الرهان على شباك التذاكر، قال: «أنا أصنع الفيلم كما يجب أن يكون في تصوري»، مضيفاً: «أقدم أفلاماً شعبية، حين أقدم فيلم (صبيان وبنات) في نزلة السمان هو موضوع شعبي، وكذلك (الماء والخضرة والوجه الحسن)، وغيرهما من الأفلام. الفيلم الذي قد يبدو صعباً هو (جنينة الأسماك)؛ حيث إن الصعوبة هي الرهان على الموضوع. فقد صنعت (سرقات صيفية) من دون نجوم، وعبلة كامل وقتها لم تكن نجمة، ورغم ذلك حقق الفيلم نجاحاً لافتاً، البعض كان يرى فيلم (مرسيدس) صادماً، لكن مع الوقت اختلفت الرؤية، والبعض يتعامل معه الآن على أنه فيلم كوميدي؛ فالأجيال الجديدة تشاهده وتضحك».

فيلم «باب الشمس» من إخراج يسري نصر الله (سينما. كوم)

وعن ابتعاده عن السينما التجارية، قال: «لم يحدث أن تعرض منتج للخسارة من أفلامي، لكن للأسف السينما بشكل عام تعاني، ولم تعد صناعة السينما صحية». وتابع: «اليوم لدي صعوبة في صناعة أفلامي؛ لأن السينما انهارت في حد ذاتها، حتى ما يطلق عليه البعض سينما تجارية أصبحت (على كف عفريت)، البعض يصنع أفلاماً لأسواق بعينها، وهذا ليس سيئاً؛ فالمهم أن تستمر صناعة السينما... حين يصنعون فيلماً مثل (الحريفة) وينجح يكررون التيمة (الحريفة 2) وهكذا، ولكن لا يوجد تيار أو خطة تضمن استدامة هذه السينما»، وتابع: «حين كانت لدينا سينما تجارية حقيقية، كان الجميع يستطيع العمل مثل محمد خان وحسن الإمام وخيري بشارة وداود عبد السيد وغيرهم، كان لهم مكان ويحققون أرباحاً، لكن الآن دُور العرض فارغة، وتذكرة السينما وصلت إلى 250 جنيهاً (الدولار يساوي 50.64 جنيه مصري) فكيف تصبح السينما تجارية؟ كيف تجذب الجمهور البسيط من الشارع للصالات؟ هذه الثقافة لم تعد موجودة للأسف».

وعن رؤيته لصناعة السينما في السعودية خلال الفترة الأخيرة، قال: «السعودية بها أكبر سوق للفيلم المصري، وأرى لديها إمكانيات لصناعة سينما حقيقية، وهناك مخرجون سعوديون رائعون يعبرون عن قضايا وموضوعات المجتمع السعودي بشكل رائع، ويستطيعون الاستعانة بنجوم من مصر، لكن لا أعتقد أنني بصفتي مخرجاً مصرياً أستطيع تقديم فيلم عن السعودية؛ فلديهم مخرجون قادرون على فعل ذلك أفضل مني، وقد شاهدت أكثر من فيلم سعودي جيد جداً، وبهذه الأفلام هامش حرية أكبر بكثير من المتاح في مصر»، وتابع: «لكن إذا أتيح لي صناعة فيلم مصري في السعودية سأفعل ذلك، بحيث يكون الموضوع مصرياً وكذلك الأبطال، وتم تصويره غالباً في مصر، وإذا تعثرت في مصر وعُرض علي استخدام الاستوديوهات والإمكانيات الموجودة في السعودية سأفعل ذلك».

وأضاف نصر الله: «منذ سنوات ونحن نطالب بانفتاح مصر على تصوير الأفلام العالمية، وللأسف هذا لا يتم رغم ما لدينا من إمكانيات».

ولصناعة أفلام قادرة على الاستمرار، قال صاحب «باب الشمس»: «على كل مخرج أن يعيش عصره، أفلامي وأفلام محمد خان ويوسف شاهين وغيرها تعيش حتى الآن لأنها عاشت حاضرها، واستمتعت بهذا الحاضر، وتعبر عنه، حتى لو عبرت عنه بلؤم، فمثلاً فيلم (سيكو سيكو) أراه فيلماً رائعاً، لأنه يعبر عن عصره صناعه، فعلاقة الأجيال الجديدة بالدنيا تجعلهم يشاهدون أشياء ربما لا نستطيع فهمها، وحين يصنعون أفلاماً ستكون من بعدٍ مختلف، لا يمكن أن يصنعوا أفلاماً تشبه أفلامنا، ولا أنا أستطيع صناعة فيلم يشبههم، المهم صناعة فيلم جيد، ومعنى فيلم جيد هنا هو أن يعبر عن علاقة صانعي الفيلم بالعالم في لحظته الراهنة، ومن ثم يصل إلى وجدان المتلقي».