أسئلة في سينما جاك تاتي ورموزها الكوميدية

تصدى لعصر مضطرب وأيَّد فرنسا محافظةً


من «عمّي» (سبكتا فيلمز)
من «عمّي» (سبكتا فيلمز)
TT

أسئلة في سينما جاك تاتي ورموزها الكوميدية


من «عمّي» (سبكتا فيلمز)
من «عمّي» (سبكتا فيلمز)

«كودا»، الذي خطف 3 أوسكارات قبل عامين (من بينها أوسكار أفضل فيلم»، مأخوذ عن فيلم فرنسي عنوانه «عائلة الحمل La Famille Belier» أخرجه إريك لارتيغو سنة 2014، وهو يأتي في عداد قائمة طويلة من الاقتباسات التي أنتجتها هوليوود بناءً على أفلام نالت نجاحاً في موطنها الفرنسي كما حدث لاحقاً عندما اقتُبست كأفلام أميركية.

من بين هذه الأفلام، على سبيل المثال، «أجور الخوف Le Salaire de la peur»، 1953، الذي أعاد ويليام فرايدكن صنعه سنة 1977 تحت عنوان لا يمتّ مطلقاً للموضوع هو «ساحر Sorcerer»، ومثل فيلم جان - لوك غودار «مقطوع النفس À bout de souffle»، 1959، الذي حققه حيم ماكبرايد عام 1983. هذان فيلمان دراميان، مما يفسر سبب عدم نجاح الاقتباسين التجاري في الولايات المتحدة.

لكن الحظ الأفضل كان من نصيب تلك الأفلام الكوميدية من تلك الاقتباسات مثل «الرجل بفردة حذاء حمراء» الذي أخرجه ستان دراغوتي عن فيلم كوميدي فرنسي بعنوان «الأشقر الطويل مع فردة حذاء سوداء Le grand blond avec une chaussure noire»، 1972، و«3 رجال وطفل» لليونارد نيموي (1987)، و«القفص» لمايك نيكولز (1996) المأخوذين من فيلمين متماثلين في النوع والعنوان.

سبب نجاح هذه الاقتباسات مصدره أن الكوميديا هي أصعب أنواع القصص إذا ما عُرضت في بلاد غير دول إنتاجها. إنها مثل نكتة روسية تفقد معناها عند الترجمة، أو نكتة عربية ينتهي قائلها من دون أن يفهم الأجنبي ما تقصده. الحل، إذاً، كان شراء الاستوديو الأميركي الحقوق، وتحويل السيناريو وشخصياته من فرنسية نموذجية إلى أميركية تامّة، ومنح الأدوار كلها لممثلين أميركيين.

جاك تاتي (سبكتا فيلمز)

كوميدي مختلف

لكنّ نجاحاً مماثلاً، لكنْ أبعد صدى، نالته أفلام المخرج جاك تاتي حول العالم على الرغم من مرور عقود على تحقيقها. لم يجرِ تحويل أي منها لفيلم أميركي أو من أي بلد آخر، ولم يحاول أحد تقليده أو استيحاءه. ما جرى ولا يزال، هو عرض أفلامه لجمهور المثقفين وهواة السينما محاطة بذلك القبول النقدي الواسع الذي كانت شهدته منذ عقود ولا تزال.

منذ تحقيق تاتي فيلمه الأول «يوم العيد Jour de fete» الذي شهد عرضه الأول سنة 1949 وعروض أفلامه تنتقل من مؤسسة وطنية للسينما إلى مهرجان، ومن مهرجان إلى مظاهرة في صالة متخصصة سواء في فرنسا أو بريطانيا أو أمستردام أو برلين وسواها. قبل عامين، وليس للمرّة الأولى، شهدت نيويورك عروضاً كاملة لأفلامه، وقبل شهر واحد انتهت «مؤسسة الفيلم الأميركية» في لوس أنجليس من عرض كل أعماله في احتفاء خاص.

بناءً على ذلك، أليس من الممكن اعتبار أفلام تاتي، التي لم تزد على خمسة أعمال، آخرها «حركة مرور Traffic» سنة 1971، أكثر فرنسية من الأفلام القابلة للانتقال برمّتها إلى أي سينما أخرى مستعدة لإعادة إنتاجها بطريقتها الخاصّة وحوارها المحلي؟

أفلام جاك تاتي لا يمكن لها أن تُترجم لتنتَج خارج بلادها لسببين: الأول أنها ذات محيط اجتماعي - فرنسي خالص، والآخر، وهو الأهم في بعض جوانبه، أنْ لا ممثل آخَر يستطيع أن يقلد تاتي، وإذا لم يفعل فإن الكوميديا ذاتها ستنحسر مثل ماء في البالوعة، وبذلك لن يبقَ هناك أي سبب لتقليدها أو إعادة صنعها. كذلك، وكحقيقة ثالثة، هي ليست أفلاماً سهلة السرد كونها لا تعتمد على قصّة بل على وقائع فقط.

المسافة الزمنية بين كل فيلم وآخر من أفلامه تعكس عدم تهافته على أن يكون فرناندل أو لوي دو فونيس أو بورڤيل آخر. هو ليس بوارد اتّباع قصّة جماهيرية بطلتها الأحداث وانسكاباتها على الشخصيات الأولى فيها، كما هي العادة في غالبية المنتج الكوميدي في كل مكان.

فيلمه الثاني كان «عطلة السيد أولو 1953» النموذج الكامل لشخصيته على الشاشة ولماهية أفلامه وفلسفته السينمائية، كما لغته الفنية والثقافية. ثم مرّت أربع سنوات قبل تحقيق فيلمه الثالث «عمّي»، 1958، وثمانية أعوام أخرى قبل إخراج «وقت اللعب Playtime»، وبعده بخمس سنوات أخرج فيلمه الأخير «حركة مرور».

تلتصق هذه الأفلام بالهوية الوطنية لتاتي من حيث إنها ليست تقليداً، ومن حيث إنها فرنسية غير قابلة للتحوّل إلى أي شيء آخر عدا ذلك.

بستر كيتون في «أسبوع واحد» (تشنك برودكشنز)

الوطن في مفهومه

الناحية الوطنية لجاك تاتي مثار جدال. هي تعلن موقفه من وطن يتعثر في محاولته مجاراة التقليد الأميركي في الحياة. هذا مُعبَّرٌ عنه جيداً في «عمّي Mon oncle‬». تاتي يقبل دعوة لزيارة منزل مزوّد بوسائل وأدوات عصرية لا يجدها «مسيو أولو» مهمّة. في الواقع هو غريب عنها ولا يُحسن استخدامها مما يتسبب في كوارث صغيرة أراد تاتي منها أن تتولى نقد العصرنة بوضوح.

هذا الفيلم قريب من روح فيلم قديم لبستر كيتون بعنوان «أسبوع واحد، 1920، وفيه يحاول كيتون وعروسه بناء منزل جاءت جدرانه الخشبية وأرضيته وسقفه في صناديق عليهما أن يجمعاها معاً. الرجل الذي يكنّ له الضغينة يتلاعب بأرقام الصناديق، والنتيجة: منزلٌ مركَّب شكلياً خطأ. مائل وباب الدخول في الطابق العلوي، وأشياء من هذا القبيل. لكنّ فيلم كيتون ليس ضد المدنية بالضرورة بل عن اضطرار رجل فقير إلى شراء منزل من نوع «ابنه بنفسك».

«عمّي» ربما أوحى للكوميدي البريطاني بيتر سلرز بحركاته المعتمَدة في فيلم إدوارد بلايك «الحفل The Party» سنة 1968، فهو رجل هندي يصل إلى حفلة لم يُدعَ إليها ولا معرفةَ له بتقنيات وأدوات البيت (حتى البسيطة» مما تنتج عنه مشكلات كبيرة لأن كل ما يلمسه يتحوّل إلى كارثة. هذا الفيلم أيضاً ليس تعليقاً ناقداً للعصرنة لكنه وطيد الصلة بشخصية «أولو» في الفيلم الفرنسي.

علاقة تاتي بفرنسا علاقة سياسية. عايشَ سنتَي احتلال ألمانيا لفرنسا (1940 – 1942) التي انقسمت جغرافياً وسياسياً إلى جانبين، واحد يتبع حكومة فيشي المتعاونة وآخر تقوده المقاومة في الجنوب والمهجر. هذا الوضع لم يمنع تاتي من البقاء في باريس قبل تسلله هارباً من تلك التبعية. رغم ذلك، هناك من يقول، بين المؤرخين، إن تاتي مال إلى حكومة فيشي، بدليل أن فيلمه الأول تحدّث عن العائلة والوطن من منظور محافظ، وكذلك لأن الفيلم حمل نغمة معاداة لأميركا التي استقبلتها فرنسا المحررة بالأحضان، وأرادت الطلاق سريعاً من ماضيها، والتطوّر صوب ما هو عصري، كما بدت أميركا آنذاك.

لكن ما هو مؤكَّد أن تاتي كان بالفعل ضد الحضارة، مصطنعةً أو مستوردةً. بالنسبة إليه أي منزل ريفي هو البيت الحقيقي الذي يمكن لبطله «أولو» أن يشعر فيه بالانتماء.

هذا واضح في نظرته وتعامله مع منازل المدن. في مطلع «بلايتايم» يبدو المبنى مثل علب كبريت يعلو بعضها بعضاً. في «عطلة السيد أولو» الفندق والإعلانات الموزّعة على الشاطئ يمنعان رؤية البحر والطبيعة. حين يدخل «أولو» ذلك الفندق الذي يُمضي فيه الوقت يُثير الإزعاج بسبب الهواء الذي يدخل معه عندما يفتح الباب. المكان في الداخل غير مريح أو مستقر. ثم، وكما ورد قبل قليل، هناك ذلك المنزل المركّب من دون جمال وبكثير من الديكورات غير المريحة في «وقت اللعب».

بالنسبة إليه هناك علامات للمد الرأسمالي لا يرغب فيه لأنه يأكل من الهوية الفرنسية. هذا يتضح في فيلمه الأخير، إذ عليه أن يوصل وآخرون ابتكاراً لسيارة تتحوّل إلى مخيم من باريس إلى معرض مقام في مدينة أمستردام. طوال الطريق يواجه تاتي عقبات أسبابها خارجة عن إرادته لكن الشركة ستحمّله المسؤولية. لا نتحدث عن نقده لزحمة السير فقط، بل عن المنازل والفنادق والمعرض ذاته وما يواجهه من مشكلات مختلفة على طول الطريق بين المدينتين.

معطف وغليون

إذا كان فيلم «أسبوع واحد» لبستر كيتون له تأثيرٌ ما في تاتي، فهو ليس الفيلم الوحيد. في الكوميديا هناك ثلاثة مناهج في الأداء: إثارة التعاطف صوب الشخصية (على غرار أفلام تشارلي تشابلن)، وإثارة النكتة الموجهة مباشرةً إلى الجمهور (مثل لوي دو فونيس، وإسماعيل ياسين، من بين مئات)، وإدماج المُشاهد في رصد شخصية لديها موقف من الحداثة (بستر كيتون، وجاك تاتي). مع هذا، هناك حقيقة أن كل منهما لا يَضحك بل يُضحك، وهذا على عكس كل الكوميديين المعروفين.

لكن بالطبع هناك فوارق أساسية من بينها أن كيتون واضح فيما يقوم به وليس غامضاً حين يأتي الأمر إلى علاقاته مع الآخرين، هو عاطفي أساساً، بينما تاتي لا يبدو من النوع الذي قد يقع في الحب مطلقاً. هو شخص وحيد حتى في محميّته الفرنسية. يرتدي المعطف الواقي دوماً. يدخّن غليونه ولا يكترث للقطات وجه قريبة لكي يقرأ المُشاهد تعبيراً ما عليها.

10 ممثلين آخرين أثْروا السينما الكوميدية

• بستر كيتون

عند هذا الناقد، هذا أفضل كوميدي عرفته السينما في تاريخها. هو أيضاً المخرج الذي رفع شأن الكوميديا في السينما.

• بل موراي

كوميدي هادئ ينقل القدر الصحيح من السخرية لمحيطه ويؤدي أدواره بشفافية وعمق معاً.

• تشارلي تشابلن

- أشهر الممثلين الكوميديين وشخصيّته كمتشرد تبقى ماثلة لليوم.

• جون كاندي

انتمى حضوره إلى نوع نموذجي من الكوميديا. لم يسخر من بدانته أو يقبل المتاجرة بها، بل حوّلها إلى عنصر فعال.

• جيم كاري

رغم أننا لم نعد نراه كثيراً، ما زال من أولئك الذين يبعثون البهجة خصوصاً في أفلامه الأولى.

• روبرتو بنيني

الممثل والمخرج الإيطالي أنجز سريعاً مكانته عبر «الحياة حلوة» سنة 1997.

• عادل إمام

الكوميدي الأعلى نجاحاً في السينما العربية، عرف التوازن بين الأداء واختيار الموضوعات ذات القضايا في الكثير من الأحيان.

• لوريل وهاردي

أفضل ثنائي كوميدي منذ الثلاثينات إلى اليوم. الكيمياء بينهما لم تجد من يتجاوزها.

• هارولد لويد

الكوميدي الأقل شهرة من بستر كيتون وتشارلي تشابلن... شخصية فذة بدورها.

• وودي ألن

الكوميديا عند وودي تنهل من شخصية مليئة بالحسابات والمخاوف وآسرة.


مقالات ذات صلة

أربعينات القرن الماضي تجذب صناع السينما في مصر

يوميات الشرق أحمد عز في لقطة من فيلم «فرقة الموت» (الشرق الأوسط)

أربعينات القرن الماضي تجذب صناع السينما في مصر

يبدو أن سحر الماضي دفع عدداً من صناع السينما المصرية إلى اللجوء لفترة الأربعينات من القرن الماضي بوصفها مسرحاً لأحداث أفلام جديدة.

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق مهرجان القاهرة السينمائي لتنظيم ورش على هامش دورته الـ45 (القاهرة السينمائي)

«القاهرة السينمائي» يدعم صناع الأفلام بالتدريبات

أعلن «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي» عن تنظيم مجموعة متخصصة من الورش لصنّاع الأفلام.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق المخرج معتز التوني يتوسط وأمينة خليل فريق العمل خلال العرض الخاص بالقاهرة (الشركة المنتجة)

«X مراتي» فيلم مصري جديد يراهن على «الضحك» فقط

يرفع الفيلم المصري «X مراتي» شعار «الضحك للضحك» عبر كوميديا المواقف الدرامية التي تفجرها قصة الفيلم وأداء أبطاله.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق  الحدث يهتم بالتنوّع البيولوجي والسينما (مهرجانات ريف)

انطلاق «مهرجانات ريف»... ومشكلات بيئة جنوب لبنان في الصدارة

تُعدّ «مهرجانات ريف» المُقامة في بلدة القبيات، الوحيدة لبنانياً التي تتناول موضوعات البيئة، فتضيء على مشكلاتها وتزوّد روّادها بحلول لمعالجتها.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق حورية فرغلي (إنستغرام)

حديث حورية فرغلي عن حياتها الشخصية يلفت الانتباه في مصر

لفتت الفنانة المصرية، حورية فرغلي، الانتباه في مصر بعد حديثها عن تفاصيل في حياتها الشخصية، والسبب الذي لأجله قالت إنها «تمنت الموت».

محمد الكفراوي (القاهرة )

مخرجون كبار يحشدون أفلامهم في مهرجان «ڤينيسيا»

أنجلينا جولي في «ماريا» (أبارتمنت بيكتشرز)
أنجلينا جولي في «ماريا» (أبارتمنت بيكتشرز)
TT

مخرجون كبار يحشدون أفلامهم في مهرجان «ڤينيسيا»

أنجلينا جولي في «ماريا» (أبارتمنت بيكتشرز)
أنجلينا جولي في «ماريا» (أبارتمنت بيكتشرز)

يعود مهرجان «ڤينيسيا» إلى الأضواء مجدداً في 27 من الشهر المقبل وحتى 11 من الشهر التالي، ومعه يعود الحديث عن أحد أهم ثلاثة مهرجانات سينمائية في العالم، والحدث الأول في عداد الاهتمام بتوفير النوعية بعيداً عن اللمعان الخاطف والبهرجة المعهودة لمهرجانات أخرى. المهرجانان الآخران هما «برلين» و«كان». الأول يقف على أهبة تغيير شامل حالياً لكي يعاود إطلاقاً جديداً بعد سنوات من تآكل البرمجة، والثاني يشبه قطار إكسبرس جامح ملئ بالأنوار والإغراءات الإعلامية وعقود البزنس.

اختلاف «ڤينيسيا» يبدأ بالتقدير الكبير الذي يكنّه له نقاد السينما العالميين، وذلك تبعاً لما ينتخبه من أفلام ويوفره من برامج.

الحال أن الدورة الـ81 لا تختلف مطلقاً عن الدورات السابقة في هذا المجال. أفلام عديدة، وأسماء كبيرة وأخرى جديدة واعدة، وأقسام تتنقل بينها وكل منها يوفر متعاً بصرية مختلفة.

مايكل كيتون ووينونا رايدر في «بيتلجوس» (بلان ب انترتاينمنت)

بداية ونهاية

الافتتاح سيكون من نصيب الفيلم الأميركي (Beetlejuice Beetlejuice) «بيتلجوس، بيتلجوس» لتيم بَرتون، الذي أنجز بدوره «بيتلجوس» الأول سنة 1988 حين كان لا يزال في بداياته. الآن يعاود طرق باب هذه الفانتازيا التي منحته مكانة لدى النقاد مع ممثلين جدد (مونيكا بيلوتشي، وويليم دافو، وجينا أورتيغا، داني ديفيتو)، وقدامى لعبوا أدوارهم في الفيلم السابق (مايكل كيتُن، كاثرين أوهارا، ووينونا رايدر).

فيلم الختام إيطالي للمخرج بوبي أڤاتي بعنوان «الحديقة الأميركية» (L‪’‬orto americano) مع ثلاثة ممثلين في القيادة ينتمون إلى الجيل الجديد، هم كيارا كازيللي، وفيليبو سكوتي، وأندريا رونكاتو. كلا الفيلمان يعرضان خارج المسابقة.

بين الافتتاح والختام 21 فيلماً في المسابقة الرسمية من بينها فيلم جديد للإسباني بيدرو ألمودوڤار بعنوان «الغرفة المجاورة» (The Room Next Door) مع تيلدا سوينتون، وجوليان مور.

في «ساحة المعركة» (Campo di Battaglia) للإيطالي جياني أميليو سنجد الإنفلونزا الإسبانية اجتاحت المدينة التي تقع فيها الأحداث خلال الحرب العالمية الأولى وتنافُس طبيبين على حب ممرضة.

المخرج التشيلي بابلو لاران (الذي استعرضنا له قبل أسابيع قليلة فيلمه الجديد الآخر «الكونت») لديه جديد بعنوان «ماريا» عن المغنية الشهيرة ماريا كالاس (تؤديها أنجيلينا جولي) وهو، حسب ما صرّح به المدير العام للمهرجان ألبرتو باربيرا، قد يكون آخر أعمال المخرج المستندة إلى شخصيات حقيقية التي بدأت سنة 2016 بفيلم «نيرودا».

من فيلم وولتر ساليس «لا زلت هنا» (فيديوفيلمز)

عودة ثنائية

هناك عودة من مخرج لاتيني آخر غاب طويلاً اسمه وولتر ساليس عبر فيلم «أنا لا زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) الفيلم يلعب على معنيين: الأول مشتق من ذكريات امرأة اختفى زوجها خلال حكم العسكر في البرازيل سنة 1964. والثاني حقيقة أن المخرج غاب لعشر سنوات كاملة تفصل ما بين هذا الفيلم وآخر أفلامه السابقة «جيا جانكي: رجل من فنيانغ». آخر مرّة شارك ساليس في هذا المهرجان كانت قبل 23 سنة عندما عرض - في المسابقة - «وراء الشمس» عن أحداث وقعت سنة 1910.

الإيطالي لوكا غوادانينو يوفر لمشاهديه فيلمه الجديد «غريب» (Queer) حول رجل يبحث عن آخر في مدينة نيو مكسيكو. البطولة لدانيال كريغ، ولسلي مانڤيل وجاسون شوارتزمان.

هناك فيلمان أميركيان قد يسرقان الضوء أولهما (The Order) «النظام»، والثاني (Joker‪:‬ Folie à deux) «جوكر، على حافة الجنون».

الأول للمخرج الأسترالي جوستين كورزل حول تحري في مدينة أميركية صغيرة تعاني من جرائم رهيبة. هو الوحيد الذي يؤمن بأن هذه الجرائم من ارتكاب عصابة إرهابية محلية. البطولة هنا لجود لو، ونيكولاس هولت.

أما «جوكر، على حافة الجنون» فهو الجزء الثاني من «جوكر»، الذي كان حصد الجائزة الأولى سنة 2019. المخرج تود فيليبس والبطولة ما زالت لواكيم فينكس، الذي يجسّد الدور كما لم يفعل «جوكر» آخر في أفلام «باتمان» السابقة. معه في الدور الرئيسي لايدي غاغا.

فيلم ثالث من أميركا يبدو أقل إثارة للاهتمام حالياً عنوانه «بايبي غيرل» من بطولة نيكول كيدمان، وهاريس ديكنسون، وأنطونيو بانديراس.

الاشتراك الأميركي موجود خارج المسابقة أيضاً. في هذا القسم، وإلى جانب «بيتلجوس، بيتلجوس» سنستقبل الفيلم التسجيلي الجديد «منفصلان» (Separated) الذي كان عرض سنة 2013؛ فيلمه الأسبق (The Unknown Known) «المعلوم المجهول» حول حرب العراق ودور وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد فيها.

هناك أيضاً «وولفز» (Wolfs)، الذي يجمع بين براد بِت وجورج كلوني في تشويق معاصر (العنوان الإنجليزي الوارد هنا هو المستخدم للفيلم عوض Wolves).

جبهتان ساخنتان

طبعاً لا يوجد مهرجان بهذا الحجم من دون سياسة. هناك حربان دائرتان في العالم حالياً؛ واحدة في فلسطين، والأخرى في أوكرانيا.

يعالج الأولى المخرج الإسرائيلي أمور غيتاي عبر فيلمه «Why War» (من دون إشارة السؤال)، ويطرح الثانية الفيلم التسجيلي الروسي «روسيا في الحرب» لأناستاسيا تروفيموڤا. فيلم آخر عن الموضوع الفلسطيني نجده في فيلم تسجيلي آخر «إسرائيل فلسطين على التلفزيون السويدي: 1958 - 1989» كما يكشف عنوانه.

حقيبة المهرجان العام الحالي مزدحمة بأنواع الموضوعات المطروحة، وبالفنانين الواقفين وراء كاميراتها. وإلى جانب من ذكرناهم، اليابانيان تاكيشي كيتانو، وكيوشي كوروساوا، والصيني وانغ بينغ، والفرنسيان إيمانويل موريه، وكلود ليلوش، والبريطاني عاصف قبضايا، الذي يوفر فيلماً وثائقياً عن المخرج كريس ماركر وفيلمه «المرفأ» (La Jetée) المُنتج سنة 1962 حول مصير العالم كما تخيّله ماركر آنذاك.