أحد هذه الأفلام الواردة هنا أخطأ التقدير واعتقد أن موضوعه مهمّ وكاف لتحقيق نجاح كبير
زينات، الجزائر، سعادة ★★★
إخراج: محمد الأطرش | الجزائر | 2023
«من يتذكر محمد زينات؟» يسأل الفيلم في مطلعه. والجواب لا أحد. بل هناك غالبية لم تسمع به من قبل.
ومن سمع به فقد نسيه مع رحيل هذا المخرج - الممثل الذي حاول إنجاز شيء خاص به في السينما الجزائية.
محمد زينات، كان قد هاجر إلى فرنسا بعد التحرير، وحاول الانخراط في العمل السينمائي ممثلاً. وهو ظهر بالفعل في دور قصير في فيلم إيف بواسيه «الاغتيال»، وفي فيلم لكلود ليلوش، من المعتقد أنه «رجل وامرأة». عندما وجد نفسه غير قادر على تحقيق النجاح الذي كان يتوقعه، عاد إلى الجزائر وحاول تحقيق آماله هناك متسلّحاً بمشروع فيلم بعنوان «تحيا يا ديدو».
يحكي المخرج محمد الأطرش في فيلمه التسجيلي، حكاية هذا السعي الذي نتج عنه تصوير الفيلم بطلوع الروح. المشاكل كانت كثيرة وفي مقدّمتها إنتاجية. لكن الأطرش لا يسرد جهود زينات بمنأى عن أولئك الذين حاولوا مساعدته أو الذين ظهروا في الفيلم وكانوا أولاداً في ذلك الحين بينهم من رفض طويلاً الظهور في الفيلم الجديد، لكن لاحقاً نجح الأطرش في استمالته للمشروع فطفق يحكي ذكرياته ويلقي الضوء على شخصية زينات.
«زينات، الجزائر، سعادة» كان يمكن أن يأتي أفضل ممّا جاء عليه لو نفض عن نفسه الجانب الشخصي حين يتحدث الأطرش عن نفسه وعرض المزيد من المعلومات عن شخصية زينات. هذا ظهر في أفلام جزائرية أخرجها سواه، لكن الأطرش لا يكترث لها كثيراً. على ذلك، الفيلم هو اكتشاف يحتاج إليه الراغبون في تقليب صفحات الماضي الفنية والتعرّف على الذين عملوا وساهموا وغابوا من دون ذكر.
* عروض: مهرجان الجونة.
Animal ★
إخراج: سانديب ريدي فانغا | الهند | 2024
تَعِد البداية بأن الفيلم سيئ. وبعد ذلك أكثر سوءاً من المتوقع. يود الفيلم في تلك البداية وضع المُشاهد في جو حميمي. بطل الفيلم فيغاي ولد صغير متيّم بأبيه. وتريد الكاميرا أن تثبت ذلك بمشهد نرى فيه الصبي وهو يركض بنظام «السلوموشن» مسافة طويلة ما يذكّر ببعض تلك الإعلانات التي تستخدم عدّائين رياضيين لتبيع مشروبات مثلجة. حين يصل الصبي إلى سيارة العائلة (مرسيدس 2022) يجلس إلى جانب السائق، تلحق به شقيقتاه (تركضان على نحو عادي، ربما لأنهما تحبّان والدهما أقل؟) وتنطلق السيارة إلى البيت. يركض الولد نحو أمه ويسألها عن أبيه. في ظروف كهذه إما أن الصبي لا يعرف أن والده يعمل بعيداً عن البيت، أو أنه حط للتو في مطار دلهي آتياً من جنوب أفريقيا، مثلاً، متوقعاً أن يجد والده في البيت.
هذه ليست ملاحظات عن أخطاء صغيرة. كل تركيبة الفيلم تعاني من الخلل والمقدّمة كذلك.
سيكبر الصبي ويصبح الممثل رانبير كابور وسيعود من سفر فعلي ليجد أن أعداء والده على وشك الفتك به وبثروته. يخبره والده أن يغفر ويسامح، لكن لا بد أن الأب لم يقرأ السيناريو كاملاً، فلو سمع ابنه النصيحة لما كان هناك هذه الأوبرا العنيفة عن الانتقام والقتل.
لدى ذكر القتل، يداهمك مشهد 3 رشاشات فوق دراجة نارية. رشاش ضخم وعلى جانبيه رشاشان أصغر حجماً والثلاثة تطلق الرصاص بلا انقطاع. هذا فيغاي يركب تلك الدراجة ويداه على القيادة لكن الرشاشات تعمل آلياً.
يقتل بطل الفيلم، في مشهد آخر مئات الناس. وتريد أن تسأل نفسك هنا لا عن المعقولية، (فهذه خرجت من نافذة مفتوحة)، بل عن كيف يمكن لفيلم غير علمي وغير فضائي ولا يمتّ إلى فن الغرائبيات بصلة أن يصوّر مشهداً مغالياً في حجمه ومفاده إلى هذه الدرجة.
طبعاً هي رغبة المخرج في تتويج الفيلم بأعلى مستوى ممكن من العنف تأميناً لنجاحه بين العامّة، وهذا تحقّق له إذ تربع في الشهر الماضي على قائمة أعلى الإيرادات. لكن دوماً هناك اختيارات بعضها يستطيع الدّمج بين ما هو فن وما هو تجارة. الواضح أن المخرج يعلم ذلك، لكنه يفسّر الفن على أنه مهارة استخدام التقنيات فقط. وهو ليس الوحيد في ذلك.
* عروض خليجية ودولية.
Ferrari ★★★
إخراج: مايكل مان | الولايات المتحدة | 2023
كان أمل المعجبين بفيلم مايكل مان الجديد «فيراري» أن يدخل مسابقات موسم الجوائز بقوّة وفاعلية. لكن هذا لم يحدث، و«فيراري» لم يصل إلى خط النهاية لا في ترشيحات «غولدن غلوب» ولا في ترشيحات «الأوسكار» الأساسية، وعملياً ليس في أي ترشيح آخر لجائزة ذات قيمة.
التوقعات كانت كبيرة. هذا أول فيلم لمايكل مان منذ 8 سنوات. في سنة 2015 أخرج فيلم «أكشن» من بطولة كريس همسوورث بعنوان من كلمة واحدة (Blackhat) كان في عمومه أكثر إثارة من «فيراري»، ويدور حول صانع سيارات فيراري للسباق إنزو فيراري (آدم درايفر على الشاشة). في المبدأ، من يهتم لمشاهدة فيلم عن صانع سيارات؟ قبل هذا الفيلم بثلاث سنوات حقّق جيمس مانغولد فيلماً آخر عن السيارة نفسها هو، «فورد ضد فيراري»، وعالج التاريخ نفسه (الستينات)، إنما من زاوية المنافسة بين السيارة الأميركية وتلك الإيطالية وبين قائديها كريستيان بيل ومات ديمون. أنجز الفيلم بعض النجاح، لكن ليس بالحجم المطلوب. ذلك الفيلم لم يصل بدوره إلى خط النهاية لا نقدياً ولا تجارياً.
بيد أن خطّة مايكل مان لهذا الفيلم غيرت تلك التي كانت في بال جيمس ماغنولد. هذا أراد فيلم سباق. مايكل مان أراد دراما عائلية وسيرة حياة عن شخصية تعمل في ميدان السباق. ليس أن الفيلم يخلو من مشهد أو اثنين جيدين في هذا السياق، لكن ما يود ّ«فيراري» سرده هو قصّة بيوغرافية محدّدة زمنياً (سنة 1957) لصانع تلك السيارات وأزماته. وربما أزماته وليس سياراته. يقابلنا الفيلم في مطلعه بإنزو يتسلل من فراش عشيقته لينا (شايلين وودلي)؛ ولسبب ما يتسلل من المنزل بهدوء يثير الريبة وحين يركب سيارته يدفعها بعيداً عن البيت حتى لا تستيقظ من نومها وتعلم بمغادرته. يعود إلى بيته ليواجه زوجة ثائرة (بينيلوبي كروز) تهدّده بمسدس. هذه هي بداية فيلم يريد أن يبدأ بعرض المشاكل الخلفية للشخصية التي يتبناها. المشاكل الأخرى هي تراجيدية، فهو حزين على ابنه الذي مات قبل عام. ومشكلة مادية، إذ صنع سيارة باع منها نحو مائة فقط ويحتاج إلى أن يُشركها في سباق بحيث يرفع من معدل بيعها ويتغلّب على أزماته.
ليس سهلاً الحديث عن جوانب لرجل لا تهتم أساساً بحياته. لنكن صريحين: ما الذي يعنيه إنزو فيراري للمشاهدين؟ هو ليس الأميرة ديانا، ولا نيلسون مانديلا، أو جون ف. كندي، أو أيّا من الشخصيات التي صنعت بعض التاريخ الذي لا نزال نعيشه. ربما الطريقة الوحيدة لتقريب فيراري - الرجل للجمهور السائد هو، أن يكون سائق السيارة التي صنعها. لكن حتى هذا لا يضمن النجاح إلّا إذا وجد المخرج تفعيلة سحرية خاصّة.
ما لم يرغب المخرج مان في تحقيقه هو، فيلم عن سائق سيارات سباق، ولم يكن يستطيع أن يغيّر من التاريخ لدرجة زجّ فيراري في واحدة من سياراته المتسابقة. ولا أن يحوّل الدفّة إلى سائق آخر على نحو كامل (هناك سائق آخر لكنه ليس الشخصية المحوريّة).
«فيراري» مشغول بتقديم شخصيّة تمرّ بمآزق من موديل السنة نفسها. يعمد إلى بعض مشاهد السباق، وتنجح لأنها تخضع لتصوير وتوليف فاعلين، لكن الفيلم ليس عن السباقات بل عن «رجل أعمال» يؤديه آدم درايفر مضخّماً، ما يجعلنا نتساءل عما إذا كان فيراري الأصلي على هذا النحو. ربما الحكاية صحيحة، والشخصية غير ذلك. لكن في كل الأحوال لم يكن الفيلم لينجز نجاحاً يُذكر في أيّ من هذه الأحوال.
* سيُعرض قريباً «أونلاين».
★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز