شاشة الناقد: رحيل نورمان جويسون... المخرج الأميركي صاحب الأفكار الانتقادية

نورمان جويسون (يونيفرسال)
نورمان جويسون (يونيفرسال)
TT

شاشة الناقد: رحيل نورمان جويسون... المخرج الأميركي صاحب الأفكار الانتقادية

نورمان جويسون (يونيفرسال)
نورمان جويسون (يونيفرسال)

توفي قبل أيام المخرج الأميركي نورمان جويسون (Jewison) صاحب عدد كبير من الأفلام التي حرّكت بعض السائد خصوصاً فيلمه الممتاز «في دفء الليل» (In the Heat of the Night)، بطولة سيدني بواتييه ورود شتايغر.

انتمى جويسون إلى نخبة من المخرجين ذوي الأفكار الانتقادية التي تميل إلى عرض القضايا المطروحة من وجهة نظر تقع على يسار الوسط (وليس من وجهة نظر يسارية بالمطلق). جويسون في الواقع كان الأقرب إلى الوسطية في منظوره السياسي من الآخرين وفي هذا السياق قدّم بعض تلك الأفلام التي كان لها أثر إيجابي جيد في نطاق التعامل مع الموضوعات المطروحة. موضوعات اجتماعية في قوالب بوليسية أو درامية بحتة تحمل العصا من الوسط بهدف أن تكون شاملة وعادلة.

بعد 16 سنة على «في دفء الليل» عاد للموضوع العنصري (الذي حفل به ذلك الفيلم) وقدّم (A Soldier Story) وتحكي قصته عن عملية تحقيق في مقتل ضابط أميركي أسود، تكشف عن مشكلات في البيئة العسكرية والشخصية في آن واحد.

على ذلك، من الخطأ الاعتقاد أن المخرج كان مخرج قضايا عنصرية فقط؛ فلديه مخزون من الأفلام الجيدة والمختلفة التي تتناول مسائل أخرى بعضها، مثل The Thomas Crown Affair بعيدة عن تناول مسائل معقّدة. أسلوبه الفني كان سهلاً ومعتمداً على سرد الحكاية بتتابع سليم خالٍ من الاستعراضات المباشرة معتمداً، بوصفه بديلاً، على قوّة أداء ممثليه مثل آل باتشينو في «And Justice for All»، وستيف ماكوين في «The Cincinnati Kid»، وسِيدني بواتييه ورود ستايغر في «في دفء الليل».

أفلامه المنتخبة في هذا التقديم، ليست كلها على مستوى واحد، وهذا قُصد به التعرّف على أفضل ما لديه وما دون ذلك.

‪...‬And Justice for All

★★

1985

‫ ‬واحد من أفلام المحاكم الذي يتعرّض لنظام القضاء من خلال قضية معيّنة تفتح المجال على حيثيات القضاء والممارسات التي تحيط بالكيفية التي يتم فيها الدفاع والإدانة مع التركيز على اللاعبين الأساسيين.

آل باتشينو في واحد من تلك الأدوار التي يؤديها بسلوكياته الجذّابة رغم تكرار حركاتها. إنه المحامي «كيرك» الذي يترافع في قضية اغتصاب. سيناريو مكتوب بنسبة كبيرة من الكلمات والمواقف التي تقع ليس تبعاً للواقع بالضرورة، بل بسبب خلفية الكاتبين فاليري كورتِين (كانت وزوجها المخرج باري ليفنسون قد وضعا سيناريو الفيلم السابق لجويسون «Best Friends»). شخصية «كيرك» ليبرالي متطرف الآراء والممارسات في مواجهة قاضٍ اعتاد حمل سلاحه إلى داخل المحكمة (جاك ووردن). كلاهما مكتوب بتلك الشحنة من الافتعال.

هذا فيلم من تلك الأفلام التي تخلق التوتر لإثبات ما تريد قوله وبذلك تبتعد عن الواقع كضفتَي نهر كبير. يفعل جويسون ما باستطاعته فعله لكي يُحيل الدراما إلى كوميديا بديلاً للمناطق الجادّة التي لا سبيل لإقناع المشاهدين بأنها قد تقع. يبقى للفيلم جودة تنفيذه وحماسه النقدي. يحتوي السيناريو على خط متكرر في أكثر من فيلم: الشخصيات المنتقدة من دين، وتلك الإيجابية من دين آخر.

• متوفر على أسطوانات

In the Heat of the Night

★★★★

1967

‫ ‬لم يسبق لفيلم أميركي أن قدّم مشهداً لرجل أسود يصفع رجلاً أبيض من قبل. لكنّ نورمان جويسون أصرّ عليه، وكان له ما أراد. المشهد المذكور يَرِد عندما يتوجه المحقق الأسود فرجيل تيبس (سِيدني بواتييه) مع شريف البلدة الأبيض (رود ستايغر) إلى بيت الثري السياسي المحافظ إنديكوت (لاري غيتس) عندما يرفض إنديكوت أن يستجوبه فرجيل فيتقدم منه ويصفعه صفعة خفيفة يردّ عليها المحقق بصفعة قوية. يصيب الذهول إنديكوت ويقول على أثرها إنه يتندّم على زمن كان يمكن له أن يقتله على فعلته.

رود ستايغر وسيدني بواتييه: «في دفء الليل» (يونايتد آرتستس)

إنديكوت لم يكن الوحيد المذهول من الصفعة بل الكثير من المشاهدين بمختلف توجّهاتم ولاحقاً ما تبلورت الصفعة إلى أهم مشهد في الفيلم رغم أن الفيلم بأسره بالغ الأهمية.

التحري تيبس قادم من المدينة لزيارة والدته في بلدة ما زالت قابعة في البيئة العنصرية التي اعتادت عليها منذ قرون. يلتقطه الشرطي (وورن أوتس) لأنه أسود البشرة قبل أن يكتشف متعجباً أنه من أمهر تحريّي المدينة. رئيس البوليس غيلسبي (ستايغر) يفاجأ به أولاً ثم يطلب مساعدته في حل قضية جريمة. المتهم رجل أسود. الضحية بيضاء كذلك القاتل الحقيقي. يرصد جويسون البيئة العنصرية بالقدر الصحيح (وغير المفتعل) من العلاقة بين السود والبيض. نرى السود يعملون في حقول القطن، وحين يتم البحث عن قاتل فإن أحد أبناء البلدة السود هو المتهم الجاهز رغم براءته. يكشف تيبس الحقيقة وينقذ حياة رجل ويضع آخر مكانه في الزنزانة قبل انصرافه.

الفيلم مقتبس من أحد أعمال الكاتب (الأبيض) جون بول (1911 - 1988). والسينما اشترت هذه الرواية (الأولى في السلسلة) ثم تبعتها بـ«ينادونني مستر تيبس» They Call Me Mister Tibbs‪!‬ (غوردون دوغلاس، 1970)، ثم تبعته بفيلم «المنظّـمة» The Organisation (دون مدفورد، 1971). لكن «في دفء الليل» هو الوحيد بين هذه الأفلام الذي تعامل مع العنصرية على نحو بيّن ومُدين.

يوخز الفيلم في الخاصرة مع حرص على الابتعاد عن الاستهلاك والعاطفية، وهو خرج بخمس أوسكارات: أفضل فيلم، أفضل ممثل أول (ستايغر)، أفضل سيناريو مقتبس (سترلينغ سيليفانت)، أفضل صوت، (سامويل غولدين) أفضل توليف (هال أشبي). رُشح المخرج لأوسكار لكنه خسره لصالح مايك نيكولز عن فيلم للهو عنوانه «The Graduate» بينما لم يظهر اسم مَن كان يستحق سِيدني بواتييه.

• متوفر على أسطوانات

A Soldier‪’‬s Story

★★★

1984

العناصر التي ألّفت الدراما العنصرية التي وردت في «في دفء الليل» تتكرر هنا لكن مع تغييرات أساسية. بطل الفيلم، كابتن دفنبورت (هوارد رولينز) هو محقق أفرو-أميركي جيء به للتحري عن الفاعل في جريمة قتل رقيب. الاعتقاد السائد أن الجريمة هي عنصرية ارتكبها بعض البيض في البلدة التي يقع فيها المعسكر، لكنّ تحقيقاته تنبش وقائع مختلفة تقود إلى أن التهمة تتجه لإدانة واحد من الجنود السود في هذه الأحداث التي تقع في عام 1944.

«قصة جندي» (كولمبيا)

المحقق هو نقطة اللقاء، كذلك الخط العنصري، لكن كل شيء آخر يختلف حسب سيناريو جاد مأخوذ عن مسرحية جادة لرسل بويد، والفيلم لا يُميّع جديتها. يُضيف جويسون على النص المشاهد الاستعادية (فلاشباكس) التي نراها في الفيلم مستعيضاً عن الشرح بالحوار، كما في المسرحية. تبدو هذه الاستعادات ضرورية لأنه لم يكن أمراً صحيحاً أن يبدأ الفيلم من نقطة سابقة قبل وصول الكابتن المحقق. كان على السيناريو والفيلم البدء بوضع الأحداث في الحاضر تأميناً للقدر الضروري من التمهيد.

سيتبدى من خلال تلك الاستعادات أن القتيل كان قاسياً وعنيفاً وهناك أكثر من شخص في فرقته السوداء لا يمانع في التخلص منه. الظلال المنتشرة هنا هي ما تشكل فيلماً جديداً في أن ما يرويه في الوقت الذي لا يتم توفير النقد لبعض الشخصيات البيضاء أيضاً. ما ينتهي الفيلم إليه هو أن البيئة العنصرية تلعب الدور الأكبر فيما حدث، فالرقيب وولترز (أدولف سيزار) كان يعاني عقدة نقص ويكره لون بشرته وبشرة محيطه تبعاً لذلك.

• متوفر على أسطوانات

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز


مقالات ذات صلة

فيلم «الجوكر2»... مزيد من الجنون يحبس أنفاس الجمهور

سينما يبدأ الجزء الثاني من سجن آرثر فليك.. الصورة من صالة سينما سعودية حيث يُعرض الفيلم حالياً (الشرق الأوسط)

فيلم «الجوكر2»... مزيد من الجنون يحبس أنفاس الجمهور

يخرج آرثر فليك (واكين فينيكس) من زنزانته، عاري الظهر، بعظام مقوّسه، يسحبه السجانون بشراسة وتهكّم...

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق يشجّع المهرجان الأطفال والشباب في مجال صناعة السينما (الشرق الأوسط)

الشيخة جواهر القاسمي لـ«الشرق الأوسط»: الأفلام الخليجية تنمو والطموح يكبُر

الأثر الأهم هو تشجيع الأطفال والشباب في مجال صناعة السينما، ليس فقط عن طريق الإخراج، وإنما أيضاً التصوير والسيناريو والتمثيل. 

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق صورة تذكارية لفريق عمل مهرجان «الجونة» (إدارة المهرجان)

فنانون ونقاد لا يرون تعارضاً بين الأنشطة الفنية ومتابعة الاضطرابات الإقليمية

في حين طالب بعضهم بإلغاء المهرجانات الفنية لإظهار الشعور القومي والإنساني، فإن فنانين ونقاد رأوا أهمية استمرار هذه الأنشطة وعدم توقفها كدليل على استمرار الحياة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق البرنامج يقدم هذا العام 20 فيلماً تمثل نخبة من إبداعات المواهب السعودية الواعدة (مهرجان البحر الأحمر)

«سينما السعودية الجديدة» يعكس ثقافة المجتمع

أطلق مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي برنامج «سينما السعودية الجديدة»؛ لتجسيد التنوع والابتكار في المشهد السينمائي، وتسليط الضوء على قصص محلية أصيلة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما ألفرد هيتشكوك (يونيڤرسال بيكتشرز)

ألفرد هيتشكوك... سيد التشويق وسينما الألغاز

تعرِض منصة «نتفليكس» الأسبوع الحالي فيلمين متميّزين من أفلام المخرج ألفرد هيتشكوك الذي لم يوازِه أحد بعد في مجال الرّعب والتشويق واللعب على الغموض.

محمد رُضا‬ (لندن)

فيلم «الجوكر2»... مزيد من الجنون يحبس أنفاس الجمهور

يبدأ الجزء الثاني من سجن آرثر فليك.. الصورة من صالة سينما سعودية حيث يُعرض الفيلم حالياً (الشرق الأوسط)
يبدأ الجزء الثاني من سجن آرثر فليك.. الصورة من صالة سينما سعودية حيث يُعرض الفيلم حالياً (الشرق الأوسط)
TT

فيلم «الجوكر2»... مزيد من الجنون يحبس أنفاس الجمهور

يبدأ الجزء الثاني من سجن آرثر فليك.. الصورة من صالة سينما سعودية حيث يُعرض الفيلم حالياً (الشرق الأوسط)
يبدأ الجزء الثاني من سجن آرثر فليك.. الصورة من صالة سينما سعودية حيث يُعرض الفيلم حالياً (الشرق الأوسط)

في أول 10 دقائق من الجزء الثاني من فيلم «الجوكر» (Joker: Folie à Deux)، يخرج آرثر فليك (واكين فينيكس) من زنزانته، عاري الظهر، بعظام مقوّسه، يسحبه السجانون بشراسة وتهكّم، والموسيقى التصويرية المعهودة للفيلم ترافق المشهد، ليرى الجمهور ما حدث له بعد القبض عليه في نهاية الجزء الأول من الفيلم الذي صدر عام 2019.. وتدريجياً، تتكشّف شخصية «الجوكر» الذي يتلبّس المُحطّم آرثر فليك.. فهل اختار هذا القناع العبثي بإرادته أم كان ذلك رغماً عنه نتيجة إصابته بالذهان النفسي؟

هذا السؤال هو ما يقوم عليه الفيلم الذي صدر في صالات السينما مساء الأربعاء، وأشعل حالة من الجدل المبكّر وسط الجمهور الذي انتظر نحو 5 سنوات صدور الجزء الثاني، وحملت الانطباعات الأوّلية مزيجاً من الامتعاض وخيبة الأمل بدت واضحة في الكم الكبير من التقييمات السلبية، مقارنة بما حصده الجزء الأول من استحسان جماهيري بالغ، لم يكن يتوقعه حينها المخرج تود فيليبس، خصوصاً أن الفيلم الجديد تضمن نحو 14 أغنية، ليكون فيلماً موسيقياً اقتسمت الغناء فيه ليدي غاغا مع واكين فينيكس، في مغامرة اختارها صُناع الفيلم لتجعله مختلفاً عن الجزء الأول بشكل كبير.

يُعيد الجزء الثاني إلى ذاكرة المشاهد الجرائم التي اقترفها آرثر فليك في قتله خمسة أشخاص، كان من أهمهم المذيع الشهير موراي فرانكلين (روبرت دي نيرو)، الذي ظهر معه في لقاء تلفزيوني مباشر، ما جعلها جريمة حيّة شاهدها الجمهور من سكان غوثام (مدينة خيالية أميركية) على البث التلفزيوني، ومن هنا تزداد قيمة المحاكمة التي تسيطر على أجواء الجزء الثاني، ويُسميها الفيلم «محاكمة القرن».

ولأنه في الجزء الأول من «الجوكر» تحولت شخصية آرثر فليك من رجل بائس ومكتئب إلى رمز للفوضى والشغب، جاء الجزء الثاني مختلفاً، إذ لا توجد تحولات جديدة في الشخصية، وكأن المخرج تود فليبيس أراد إدخال الجمهور وسط جمجمة هذا المضطرب، ما بين الألم والرقص والغناء والنظرات الصامتة والخيال الجامح، ليعود لفتح الملفات القديمة داخل المحكمة، مع استرجاع ما حدث واستجواب الشهود، للبت في الحكم، فإما أن يُعدم آرثر فليك وإما أن تتأكد إصابته بالمرض النفسي بما يخفف من الحكم عليه.

مشاهد المحاكمة تسيطر على معظم أجواء الجزء الثاني (إنستغرام الفيلم)

حب مشوّش

جاء الفيلم الجديد مليئاً بالأفكار غير المكتملة، من ذلك قصة حب آرثر فليك والشقراء لِي (ليدي غاغا)، فمنذ التقيا في حصة العلاج بالموسيقى لم يكن مفهوماً سر هذا الانجذاب السريع بينهما، وحين تتبيّن حقيقة «لي» يتجه الفيلم إلى مزيد من الألغاز، حيث لم تتضح دوافعها الحقيقية من ملاحقة آرثر، ولم يتأكد المشاهد هل كانت هي الأخرى مجنونة مثله أم كانت تستغله لأمر ما، أو ربما كان معظم المشاهد التي جمعتهما مجرد خيالات في رأس آرثر فليك.

وعلى الرغم من قلة مشاهد ليدي غاغا أو «لي» في الفيلم فإن دورها غيّر نسبياً من شخصية آرثر، حيث كانت تظهر بشكل عابر ومفاجئ في اللحظات الصعبة التي يعيشها، تحاكي جنونه وتمتدح اختلافه وتُظهر إعجابها به، لتصبح منطقة راحته الجديدة، التي يشعر معها بالأمان والثقة، مما سهّل عليه التخلي عن شخصية «الجوكر»، وهي الصدمة التي جعلت معجبيه يتحولون إلى أعداء، ليتجه الفيلم نحو نهاية معبرة جداً عن هذه المشاعر الثائرة ضده.

علاقة مضطربة تجمع في الفيلم بين واكين فينيكس وليدي غاغا (إنستغرام الفيلم)

السجّان والمحامية

شخصية السجّان السادي (بريندان جليسون)، والمشاهد التي جمعته مع آرثر فليك كانت هي الأقوى في الفيلم، ساعة يتهكم عليه، ثم يقدم له بعض اللطف العرضي، وبعدها يُهينه مباشرة، وكأنه يذكره بأن صلاحيات عمله -سجّاناً- تسمح له بأن يعطي ويأخذ دون اكتراث لما يشعر به الطرف الآخر، وهذا النمط من الشخصيات هي التي كان يخضع لها آرثر فليك دون أي مقاومة، لأنه قادر على التلاعب به بشكل مستمر.

على نقيض ذلك، قدمت كاثرين كينر دور المحامية بإتقان وتعاطف شديد، خصوصاً حين قبّلها آرثر بشكل سريع نتيجة نشوة لحظية شعر بها.. كانت الثواني الفاصلة بين ردة فعل المحامية وتصرفها محيّرة، وكأن ما حدث صدمها فعلاً.. هذا الذهول فسّر إيمانها التام بالازدواجية التي كانت تجمع بين الشخصيتين: المحطّم «أرثر فليك» والعبثي «الجوكر». وكأنها تذكرت أن الذي أمامها هو شخص مضطرب، فلا داعي لأخذ تصرفاته بجديّة.

الكثير من الأغنيات قدمها الجزء الثاني مع الأداء الراقص لبعضها (إنستغرام الفيلم)

ويبدو أن المخرج تود فليبيس تنبأ باكراً بأن شريحة كبيرة من الجمهور ستشعر بخيبة الأمل من شخصية آرثر فليك الانهزامية، حيث جسّد ذلك في مشهد نهاية المحاكمة، مع اعتراف الجوكر بفداحة ما فعل حين قتل خمسة أشخاص في الجزء الأول (سادسهم والدته التي كتمها بمخدة المشفى)، كان يعترف بانكسار وألم، مما جعل محبيه المكتظين داخل المحكمة ينسحبون بغضب، فلم يكن هذا الجوكر الذي أعجبوا به وبتمرده، بل شخص آخر خذلهم وخيّب أملهم، وبالتالي فقدوا تأييدهم له، وحتى «لي» التي كانت تدافع عنه، تخلّت عنه محتجة على تصرفه الانهزامي.

ورغم الجهد الكبير الذي بذله واكين فينكس في إنقاص وزنه والعودة إلى تقمّص شخصية المضطرب آرثر فليك، فإن غياب الكثير من عناصر شخصيته في الفيلم الجديد، منها اختفاء الضحك القهري الذي كان يعاني منه آرثر فليك، فبالكاد ضحك مرتين أو ثلاثاً في الجزء الثاني، بطريقة تبدو مؤلمة لكنها ليست متكررة كما هي شخصيته المعهودة. إلى جانب ميله للغناء في عدة مشاهد، فلم يترك المخرج هذه المهمة لليدي غاغا وحدها، بل شاركها فينيكس في الغناء، وهو الذي لم يغن نهائياً في الجزء الأول، مما جعل الأمر يبدو مربكاً لشخصية الجوكر التي عرفها الجمهور.

إلا أن هناك توقعات سينمائية مسبقة بأن يحقق الفيلم إيرادات جيدة في شباك التذاكر، خصوصاً بعد أن حقّق الجزء الأول منه أكثر من مليار دولار، ليصبح أول فيلم مصنف من فئة «أر» (R) -أي لا يصلح سوى للبالغين- الذي استطاع تحقيق هذا المبلغ الكبير.