قال المايسترو سليم سحاب إنه يعتز بكل الأصوات الغنائية التي تخرجت من كورال أطفال الأوبرا المصرية وصاروا من أهم المطربين على الساحة العربية حالياً، ومن بينهم شيرين عبد الوهاب، وتامر حسني، ومي فاروق، وأحمد سعد وريهام عبد الحكيم، مؤكداً في حواره لـ«الشرق الأوسط» أن الموهبة منحة إلهية، وأن أكثر لحظات يشعر فيها بالقرب من الله وقت قيادته الأوركسترا، مثمناً تجربته مع «كورال مصر» التي اختار لها أطفالاً من دور الرعاية الاجتماعية ليزرع فيهم حب الحياة عبر الموسيقى.
وحاز الموسيقار اللبناني المصري لقب «عالم موسيقي»، حيث جمع بين كونه باحثاً ومؤرخاً ومحللاً ومُنظراً موسيقياً وموزعاً للأوركسترا السيمفوني، ولا يزال سحاب يجد سعادته القصوى وهو ممسك بعصا المايسترو وعينه على المطرب وعازفي الأوركسترا.
يؤمن المايسترو الكبير بمقولة أفلاطون: «علموا أولادكم الموسيقى ثم أغلقوا السجون»، مؤكداً أنها صحيحة مائة في المائة، ومن منطلق إيمانه بها كوّن فريق «كورال مصر» لثقته بأن الموسيقى تعمل على الارتقاء بالنفس البشرية، قائلاً عن تجربته الشخصية: «إن أكثر الأوقات التي أجد فيها نفسي قريباً من الله سبحانه وتعالى عندما أقف على المسرح، وقد كان عبد الوهاب يقول إن أعظم أوقاته في الحياة عندما يلحن وعندما يصلي».
ويلفت سحاب إلى أنه منذ بداية القرن الـ20 اكتشف العلماء استخدام الموسيقى في العلاج النفسي، وهو ما لجأ إليه في تجربته الكبيرة مع «كورال مصر»، فقد كانت الموسيقى وسيلته لإعادة بعض الأطفال إلى المجتمع، ويقول عن ذلك: «لم تكن الموسيقى بحد ذاتها هدفاً، بل وسيلة للارتقاء بنفس هؤلاء الأطفال».
منذ جاء سليم سحاب إلى مصر نهاية ثمانينات القرن الماضي أسس «كورال أطفال الأوبرا»؛ فهو يعترف بأنه محب للأطفال بشكل كبير، موضحاً أنها «صفة أوجدها الله في قلبه»، لافتاً إلى أن «البداية مع الصغار تكون أسهل كثيراً من الكبار».
يفخر سحاب بكل من تعلموا في كورال الأطفال وباتوا من أهم الأصوات على الساحة العربية الآن، قائلاً كلهم أولادي، ولا أفضّل ابناً على آخر، ويذكر منهم، على سبيل المثال، شيرين عبد الوهاب، وتامر حسني، ومي فاروق، وريهام عبد الحكيم وأحمد سعد وإلى جانبهم هناك عشرات من الأصوات لمطربين قالوا إن بدايتهم كانت من كورال الأطفال، وهناك أيضاً ممثلون بدأوا من كورال الأطفال، من بينهم دنيا وإيمي سمير غانم.
وعن طريقة اكتشافه هذه المواهب، يقول: «أختار من يكون صوته صحيحاً، والعلم يصقل الموهبة؛ لذا أقول دائماً إن بإمكان معهد موسيقي واحد أن يُخرج جيشاً من الموسيقيين، لكن كل معاهد العالم لا تستطيع أن تُخرج موهبة لمن لا يتمتع بهذه المنحة الإلهية».
ويبدي اهتماماً منذ بدايته بالمبدعين العرب الذي أسس لأجلهم مشروع «المبدع العربي»، مؤكداً أنه لن يتخلى عن مساندة كل مبدع عربي ومساعدته على بناء مستقبله الفني.
يشعر المايسترو بالفخر لقيادته الأوركسترا لكبار المطربين العرب، ولأصوات تاريخية، من بينهم، فيروز، ووديع الصافي وسعاد محمد من لبنان، ومن مصر سعاد مكاوي وشريفة فاضل، ومن سوريا المطرب الكبير صفوان بهلوان، ومن تونس لطفي بوشناق، كما يعتز بقيادته الحفلات الأولى في مصر لكل من المطربات سمية قيصر، وأصالة وفؤاد زبادي الذي قاد جميع حفلاته بدار الأوبرا المصرية.
وُلد سليم سحاب في يافا رغم أنه لبناني «أباً عن جد»، لكنه بقي مع أسرته بفلسطين وعاش بها حتى عمر 5 سنوات، كما قضوا عامين بها، ثم اتجهوا لبلدهم لبنان، وكما يروي: «في لبنان ظهرت ميولي الموسيقية بتأثير شقيقي الأكبر الذي كان هاوياً ولا يزال، وهو أحد أهم المؤرخين الموسيقيين بلبنان، أحببت منه الموسيقى الكلاسيكية الأوروبية بعدما كنت مشغولاً بالموسيقى العربية لعبد الوهاب وأسمهان وليلى مراد التي كانت متاحة في الإذاعات العربية».
كما تأثر بعباقرة الموسيقى في لبنان التي كانت زاخرة بهم، ومن بينهم سامي السداوي، وخالد أبو النصر وفيلمون وهبي، والمدرسة الجديدة التي ضمت العباقرة الكبار أمثال زكي نصيف، والأخوين رحباني، وتوفيق الباشا وحليم الرومي.
التوقف معناه العودة للوراء... فلا بد أن نسير للأمام لأن الحياة تعلمنا أشياء لم نكن نتوقعها
سليم سحاب
ويلفت إلى أنه كان يستمع للموسيقى المصرية واللبنانية، والكلاسيكية الأوروبية لعشر ساعات يومياً، وكل ذلك قاده لدراسة الموسيقى بمعهد «كونسرفتوار تشاسيوفكي» وكان أعظم معاهد الموسيقى بالعالم.
وقد بدأ حياته الموسيقية في لبنان باحثاً وكاتباً في مجلات «الفكر العربي» وجريدة «السفير»، مثلما أسس عام 1980 الفرقة اللبنانية للموسيقى العربية.
معاهد الموسيقى لا تستطيع أن تُخرج موهبة لمن لا يتمتع بهذه المنحة الإلهية
سليم سحاب
وفي عام 1988 دعت وزارة الثقافة المصرية سحاب لإقامة حفلات بالقاهرة، ثم تلقى عرضاً للعمل أستاذاً بمعهد الموسيقى العربية، ويتذكر ذلك قائلاً: «لقد كان عرضاً فنياً مغرياً؛ لأن مصر معروفة بإمكاناتها الفنية التي لا تنتهي، فاتخذت قراراً إيجابياً وبقيت في مصر من وقتها وأسست الفرقة القومية العربية للموسيقى عام 1989 ثم كورال أطفال الأوبرا وكورال مصر».
وكان قد حاز المايسترو الكبير الجنسية المصرية عام 1994: «انطلاقتي الموسيقية الأولى في لبنان جلبت لي الشهرة داخل لبنان فقط، لكن عملي في مصر أطلق شهرتي في العالم العربي والدولي، فقد قدمت 25 حفلاً باليابان، وحفلات عدة في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا».
ابنتي قررت أن يكون لها أغانيها الخاصة رافعة شعار «لن أعيش في جلباب أبي»
سليم سحاب
ومثلما اكتشف أصواتاً واعدة فقد اكتشف موهبة ابنته سارة التي رباها على أصول الغناء العربي الكلاسيكي منذ طفولتها وترك لها حرية اختيار طريقها، وكانت بدأت أولى خطواتها بالفرقة القومية للموسيقى العربية، لكنها اتخذت قراراً أن يكون لها أغانيها الخاصة لكي تتوجه لشباب يماثلها رافعة شعار «لن أعيش في جلباب أبي» وهو يثق في اختياراتها. وفق تعبيره.
ويصف المايسترو سليم سحاب رحلته الموسيقية بأنها مرحلة «ناجحة»، ويتمنى أن يُضيف لها لأن «التوقف معناه العودة للوراء، فلا بد أن نسير للأمام لأن الحياة تعلمنا أشياء لم نكن نتوقعها».