تنتمي المايسترو أمل القرمازي إلى عائلة تهوى الفنّ. تلقّت دروسها في المعهد الوطني التونسي للموسيقى، ومن ثم حصلت على شهادة الدكتوراه في الموسيقى من جامعة السوربون الفرنسية.
حالياً تعتلي أمل القرمازي أهم المسارح العالمية، كقائدة أوركسترا متمكنة ومحترفة.
فهي بعد تعلّمها العزف على آلة الكمان وسّعت خلفيتها الموسيقية، لتنخرط في العزف على البيانو. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «هو امتداد طبيعي للموسيقي المجتهد الشغوف بعمله. وأول مرة وقفت فيها على المسرح لقيادة فريق من الموسيقيين، كان في معهد حيث درست. كنت يومها في السابعة عشرة من عمري».
أمل التونسية الأصل والأميركية الجنسية، تعدّ الكفاءة مهمّة كي تصل المرأة إلى هذا المركز الفني. «عليها أن تكون صادقة في عملها إلى أبعد حدّ. كما أن المطلوب منها الوثوق بنفسها. للأسف تبوء مهامٍ من هذا النوع ليس بالأمر السهل. فمجال الموسيقى في العالم العربي يهيمن عليه العنصر الذكوري. وهم لا يأخذون المرأة على محمل الجدّ، إذا ما أظهرت موهبة أو تميزاً موسيقياً. ولكن بالإيمان بالنفس والجهد والصدق، يمكنها أن تحارب للوصول إلى هدفها».
ترفض أمل أن تتحدث بسلبية عن صعوبات واجهتها في هذا المجال. ولكنها تؤكّد أنها لمست من الرجال زملائها التشكيك بقدراتها. «إنهم لا يستوعبون إمكانات المرأة ولا آراءها فيما يخص رؤيتها الموسيقية. اشتغلت على معرفة أدقّ التفاصيل في عالم الموسيقى، فكان المسار طويلاً وشاقاً».
إنها الحياة التي تقسو علينا أحياناً كما تذكر لـ«الشرق الأوسط»، وتتابع: «ولكننا في النهاية نناضل لتحقيق أحلامنا».
وقفت أمل القرمازي على أهم المسارح العالمية والعربية. أسهمت في إحياء التراث الفني العربي في حفل «أساطير العرب» في باريس، وأقامت حفلات في قرطاج وألمانيا وأميركا. وهي قائدة الأوركسترا لفرقة «مزيكا» اللبنانية. ومن أحدث حفلاتها واحدة أحياها الفنان رامي عيّاش في فرنسا.
بدأت مهمتي كقائدة أوركسترا من دون أن أحمل العصا وغمرتني مشاعر الإبهار عندما لمستها بأناملي للمرة الأولى
المايسترو أمل القرمازي
وفي العام المقبل ستحيي حفلاً موسيقياً في إحدى الجامعات الأميركية. تحمل عصا القيادة بيدها مشيرة للفريق العازف بالسلّم والنوتات الموسيقية التي عليهم اتباعها، فلماذا تأخرت في حمل هذه العصا؟ تردّ: «بدأت مهمتي كقائدة أوركسترا من دون أن أحمل العصا. شعرت وكأن الوقت لا يزال باكراً كي أتوّج خبراتي بها. فهي بنظري علامة فارقة تحمل قدسية معينة ومسؤولية كبرى. صحيح أنني متعمّقة في علوم الموسيقى، ودرست نحو 20 عاماً، كي أكون على المستوى المطلوب فيها، ولكنني في الوقت نفسه ترددت في حملها، وغمرتني مشاعر الإبهار عندما لمستها بأناملي للمرة الأولى».
أستخدم نوعية وموديلات الأزياء التي أرتديها على المسرح كسلاح أدافع به عن أنوثة المرأة المايسترو
المايسترو أمل القرمازي
قصة العصا مع أمل القرمازي لها حكايتها. فقد تلقتها كهدية من إحدى صديقاتها. وهي بيضاء ومصنوعة من الخشب ولها قبضة دائرية باللون نفسه. «الناس في منطقتنا لا يعيرون العصا الموسيقية الأهمية الكبرى. ولكنها في الواقع تحمل معاني كثيرة لقائد الأوركسترا. ما أعنيه هنا لا يتعلّق بمشاعر الغرور والفخامة، ولكنه يرافق مهمة قائد الأوركسترا كأداة تشير إلى موقعه أولاً. كما أنها تسهّل عملية إدارة الأوركسترا، بحيث كل عازف يدرك ما هي مهمته بالتحديد من خلال كيفية تحريكها».
في لحظات قيادتي للأوركسترا تختلط المشاعر التي تصيبني فيرتفع منسوب الأدرينالين عندي لأشعر بأجمل لحظات حياتي المهنية
المايسترو أمل القرمازي
بالنسبة للعصا البيضاء بالتحديد، تقول: «تعكس أضواء المسرح فتلمع في العتمة والإضاءة الخافتة على الخشبة».
قبيل اعتلائها المسرح تنتابها مشاعر المسؤولية. «هناك تحضيرات جمّة تسبق هذه الوقفة. أدرس وأكتب كل شاردة وواردة تتألف منها مقاطع الموسيقى المعزوفة. فتقديم موسيقى راقية على المستوى المطلوب يتطلّب مني كل ذلك. فالناس تأتي الحفل كي تستمتع بالموسيقى وتسافر معها إلى عالم الأحلام. ومن واجبي أن أقدّم لهم ما يحقق لهم رغبتهم هذه. والمطلوب مني تقديم المنتج المميز ليروق لهم».
لمست من زملائي الرجال التشكيك بقدراتي... إنهم لا يستوعبون إمكانات المرأة ولا آراءها فيما يخص رؤيتها الموسيقية
المايسترو أمل القرمازي
تبدي أمل القرمازي إعجابها بموسيقيين لبنانيين كثر ومن بينهم المايسترو هاروت فازليان. وكذلك تتابع بحماس قائد الأوركسترا لبنان بعلبكي. ولا تنسى ذكر الرحابنة وموسيقاهم المميزة التي طالت شهرتها الشرق والغرب. وتضيف: «موسيقاهم رائعة، وأعتبر الرحابنة مدرسة موسيقية. فيما زياد الرحباني هو عبقري موسيقى بنظري. أعماله تدخل القلب ببساطة، وتنبع من أفكار مبهرة ورائعة».
حتى الأزياء تعيرها أمل القرمازي على المسرح الأهمية. وتختم: «أستخدم نوعية وموديلات الأزياء التي أرتديها على المسرح كسلاح أدافع به عن أنوثة المرأة المايسترو. وأتمسّك بارتداء الأزرق في غالبية الوقت. فهو من الألوان الأنيقة التي تنشر الهدوء والسكينة على الخشبة. ففي لحظات قيادتي للأوركسترا تختلط المشاعر التي تصيبني. ويمتزج الحب والشوق والخوف والعلم، فيرتفع منسوب الأدرينالين عندي لأشعر بأجمل لحظات حياتي المهنية».