بسبب وعكات صحية نفسية متلاحقة، كان آخرها إصابته بـ«الاحتراق الوظيفي»، غاب الممثل والكاتب طارق سويد نحو 4 سنوات عن الساحة. والمعروف عن سويد مجاهرته بموضوع صحته النفسية علناً، في إطلالاته الإعلامية. فهو يمارس بذلك رسالة اجتماعية يعتز بها، ويشجع كل من يعاني من مشكلات مشابهة أن يتحدث بها، فلا يخنقها في داخله وتتسبب له بانعكاسات سلبية.
ويعلق لـ«الشرق الأوسط»: «أتلقى دائماً رسائل واتصالات إلكترونية من أشخاص يعانون من أمراض نفسية كانوا قبل تناولي لها يكبتونها في أعماقهم. تخيلي أن هناك أمهات وشباناً وأشخاصاً من مختلف الشرائح الاجتماعية، تشكرني لقيامي بالتوعية على الصحة النفسية، بعضهم لم يكن يدرك أنه في وسط معمعة نفسية، وآخرون كانوا يسخرون من هذا الموضوع برمته. ولا أنسى إحدى الأمهات التي اتصلت بي تشكرني لمساهمتي في علاج ابنها، وهو اليوم بأفضل حالاته. كما أن حالات أخرى تركت عندي أثرها الكبير. أحدهم أقدم على الانتحار على الرغم من تكلّمي معه باستمرار، فقررت أن أتمسك أكثر فأكثر بهذه المهمة وأعطيها من وقتي».
اليوم ما عاد سويد يحكي في هذا الموضوع من باب معاناته الشخصية، ولكنه يرى فيه أسلوب توعية مفيداً يهمّ الناس.
رغم غيابه عن الساحة طيلة هذه الفترة، فإن سويد جرى استقباله بحفاوة من قبل محبيه. فهم لم ينسوه، لا بل أبدوا اشتياقهم الكبير له، فما هو سرّه؟ يرد: «هي تركيبة يتمتع بها الشخص، فناناً كان أو غيره. وهذا الأمر، لا يعود لشهرتي أبداً. فالغالبية تعدّني فرداً من عائلتها، لما أكنّ للناس من مودة. فأنا شخص حقيقي لا أخبئ آرائي ولا أوجاعي».
من الصعب أن يعود الفنان إلى الساحة بعد غياب؛ إذ عليه أن ينطلق من الصفر مرة أخرى. ولكن الممثل اللبناني كسر هذه القاعدة، وأكمل مشواره من حيث توقف. ويعلق لـ«الشرق الأوسط»: «لم أتوقع أن تكون عودتي بهذه السهولة. فهاتفي لم يتوقف عن الرنين، وأنا سعيد بذلك. السنوات التي غبت فيها كانت قاسية، ولكنها زودتني بالنضج. شعرت بأني صرت أقوى وقادراً على أن أحلم من جديد. فـ«الاحتراق الوظيفي» الذي أصبت به جعلني أكره عملي، في حالة اكتئاب لا أتمناها لأحد. لم أكن أدرك أن كل هذه العلامات متأتية من المرض النفسي. اليوم تغيرت الأمور وعدت أكثر صلابة وقوة، وأنكب على عملي كما أحب».
وتسأل «الشرق الأوسط» طارق سويد عما إذا كان هناك فنانون كثر مصابون بأمراض نفسية. يرد: «لا أحكم على أحد، ولكنني أستطيع أن ألمس الوجع النفسي بسرعة. قد يكون هناك فنانون كثر يعانون من مرض نفسي ما، ولكنهم لا يحبون التحدث فيه. فما ينقصنا هو المصالحة مع صحتنا النفسية، والأمر يتطلب منا وعياً كبيراً. هناك من يفصل بينها وبين صحتنا الجسدية، وهو اعتقاد خاطئ. فالاثنتان يجب أن تكونا سليمتَين؛ كي نكون أشخاصاً متوازنين».
اشتهر طارق سويد ممثلاً وكاتباً، قدم أدواراً حفرت في ذاكرة اللبناني. وكتب نصوصاً درامية لمسلسلات محلية وعربية مختلطة كـ«عروس بيروت 2»، أحرزت الفرق على الساحة. ولكنه فور عودته من غيابه القسري تفاجأ بأن الدراما المحلية غائبة تماماً عن الشاشة. ويقول في هذا الصدد: «حزنت لغيابها، سيما وأن آخر أعمالي فيها (بالقلب) حقق نجاحاً كبيراً. لم أتوقع أن أعود ولا أجدها. فخلال معاناتي لم أكن أتابع أي شيء يتعلق بالفن. لم أكن قادراً على مشاهدة أو سماع الأخبار الفنية. أعرف أن هذا التراجع لا يرتبط بسبب واحد. هناك أمور كثيرة حصلت في السنوات الأخيرة أسهمت في ذلك. لست أبداً ضد الدراما المختلطة لا بل إنها فتحت آفاقاً واسعة لممثلين ومخرجين لبنانيين. ولكن للدراما المحلية معزّة خاصة عند اللبنانيين ككل. لقد استطعنا الوصول إلى مكانة جيدة فيها، وعلينا أن نستعيدها بأقرب وقت».
يفرّق طارق سويد بين الشهرة والنجاح، ويقول: «خذوا كل شهرتي، فهي لا تهمني، لأن النجاح لا يمكن قياسه بها. فالشهرة يمكن أن تطول أسوأ شخص ومجرم ومحتال وسياسي فاسد وغيرهم. ولكن النجاح أمر آخر، والموهبة تتحكم بها. كما أن الشهرة يمكن أن تأخذ صاحبها إلى الأسوأ. بالنسبة لي تأذيت منها بسبب إصراري على المثالية في أعمالي. كنت أكتب النص أو الحلقة، ومن ثم أعيدها عشرات المرات. الاحتراق الوظيفي سببه الأول الإرهاق في العمل. ويمكن أن يصاب به الطبيب والممرض والمحامي وأي شخص آخر».
الكتابة سرقت قلبي ومشتاق للمسرح... ولن أكرر أدواراً نجحت فيها
يرى سويد أن التلفزيونات اللبنانية تمر في مرحلة دقيقة لا تخولها الترويج لمسلسلات محلية ولا المشاركة في إنتاجها. فإيراداتها المالية محدودة جداً، في ظل تراجع سوق الإعلانات التجارية فيها.
ولكن هل يتأمل بعودتها قريباً؟ يوضح لـ«الشرق الأوسط»: «لقد قمت بمحاولات كثيرة آلت إلى الفشل مع الأسف. كنت مستعداً للقيام بتنازلات كثيرة كي أعيدها إلى الساحة. وقمت باتصالات حثيثة مع زملاء لي يشاطرونني فكرتي. ولكننا لم نستطع الوصول إلى حل لهذه المشكلة. فنحن نملك كل مقومات الدراما الناجحة من ممثلين وكتاب ومخرجين. كما أن الإنتاجات المختلطة تثبت ما أقوله؛ لأنها استعانت بنا نحن اللبنانيين، واستفادت من إمكانياتنا الإبداعية هذه».
أنا شخص حقيقي لا أخبئ آرائي ولا أوجاعي
يعتمد سويد في كتاباته الدرامية على الواقع فتعكسه دائماً، وتكون المحور الأساسي فيها. ويؤكد أنه لا يستطيع كتابة قصة إذا كانت لا تنبع من يومياتنا وحياتنا. «لا أحب الوعظ والفلسفة في النص والحوارات. ولذلك ترينني أكتب ما يحمل رسالة إنسانية أو اجتماعية. أحب هذا الذوبان بين واقعنا ومشاكلنا والحلول الممكنة للحد منها».
القاعدة الذهبية التي يضعها لكتاباته -كما يقول - ترتكز على التقنية والمشاعر وعملية حسابية متقنة. «يجب أن نأخذها جميعها بعين الاعتبار ونحذف الـ(أنا) من قاموسنا. فما زلت حتى اليوم أتابع ورش عمل وصفوفاً خاصة بالكتابة؛ لأنني أحب أن أطور نفسي وأتعلم».
خذوا كل شهرتي فهي لا تهمني لأن النجاح لا يمكن قياسه بها
بالحديث عن ورش العمل، فإن سويد، ومنذ عودته إلى الساحة، ينشغل بإعطاء صفوف دراسية عن الكتابة. «أحببت دخول هذا المجال، وكنت من السبّاقين إليه. وهذا الأمر ساعدني كثيراً في عودتي إلى مهنتي. أحببت هؤلاء الناس المهتمين بورش الكتابة. وهم في المقابل يحفزونني على تحريك مخيلتي، سيما وأنني لا أبخل في إعطائهم أي معلومات وأسرار عن هذا المجال».
حالياً ينشغل سويد في أمور عدة، بينها نص مسرحي من نوع الكوميديا السوداء. «سيحبه الناس كثيراً، وأتناول فيه قصة ثنائي يصلح لأي مجتمع في العالم. ولكنني حتى الساعة، لا أعرف إذا ما سأمثل في هذه المسرحية أو لا».
وعما إذا ما كان متحمساً للعودة إلى التمثيل يقول: «أنشغل حالياً في الكتابة أكثر. كما أني لم أعد أرغب في تكرار أدوار نجحت فيها. فالكتابة سرقت قلبي وأنا مشتاق للمسرح».
وخلال موسم رمضان ينوي سويد مشاهدة مسلسلات معينة كـ«ولاد بديعة»، و«نظرة حب»، و«ع أمل». ويعلق: «متحمس لمتابعة هذا الأخير، وأعدّه لبناني الهوى، ويشارك فيه مجموعة من أصدقائي كماغي بو غصن وبديع أبو شقرا وطلال الجردي ومهيار خضور».