هادئ ورزين يعرف تماماً، ماذا يريد، وأين توجد مكامن قوته وضعفه. يسرق انتباهك الممثل السوري خالد شباط. يطبعك بشخصيته القوية والمطواعة في نفس الوقت، فتكتشف معه نبض الشباب في الدراما المختلطة. كاسراً النمطية الكلاسيكية بالحوار والأداء والحضور، ينفخ فيك الأمل بغدٍ مشرق لأعمال دراما يتوق إليها المشاهد العربي.
في شخصية «باسل» التي يجسدها في مسلسل «كريستال»، استطاع خالد أن يحظى بإعجاب مشاهديه. فهم يُجمعون اليوم على أنه يبدع في تقمص شخصية خطيرة بخطوطها وحبكتها. لا يبالغ بأدائه ولا يستخفّ في كيفية تقديمها، فتحولت الأنظار إلى شخصية «باسل» النافرة في «كريستال» وصارت حديث الناس.
ألم تَخَفْ من القيام بهذا الدور؟ يردّ لـ«الشرق الأوسط»: «أي تجربة تمثيلية تفرز الخوف لدى صاحبها، لأنه يضع فيها كل أحاسيسه وأفكاره ولغة جسده وعيونه. وعندما تضعين كل طاقتك في دور معين يصبح الأمر مخيفاً».
لا يعلم حتى اليوم خالد شباط، لماذا اختاروه لهذا الدور. ومع «كريستال» دخل تجربة لا تشبه سابقاتها. صحيح أنه لمع نجمه في أعمال سورية مثل «كندوش» في جزئيه الأول والثاني، وفي «على قيد الحب» و«بقعة ضوء» وغيرها، ولكنه في «كريستال» حظي بفرصة العمر من حيث مساحة الدور والانتشار عربياً.
«تساءلتُ حقيقةً: لماذا اختاروني؟ ولماذا هذه الشخصية بالذات سأدخل منها باب دراما واسعاً؟ وقلت لنفسي ربما يلزمني خبرة أكبر للقيام بها. ولكنني قبلت التحدي ومشيت مع التيار. وعندما صرخ المخرج: أكشن، علمت أنْ لا مفر من هذه التجربة ونسيت كل شيء».
تعاني شخصية «باسل» التي يؤديها من متلازمة أسبرجر، أحد اضطرابات طيف التوحد. ويُظهر المصابون بها صعوبة في تفاعلهم الاجتماعي مع الآخرين. ويرتكز تشخيصها على إعاقة في التواصل، وتأخر في النمو الإدراكي. «لقد سكنتني هذه الشخصية، بحثت كثيراً عن المتلازمة المذكورة، والتقيت أحد المصابين بها، وهو طفل في السابعة من عمره. تعرفت عن قرب إليه وإلى معاناته كي أكون صورة واقعية لأدائي». هكذا اجتهد خالد شباط من أجل إنجاح هذا الدور. «وفي اليوم الذي لم يكن مندرجاً على لائحة التصوير، كنت أشعر بفراغ. وأنتظر بفارغ الصبر الوقوف أمام الكاميرا».
هناك مشاهد من المسلسل انتظر شباط عرضها، لأنه كان يريد جس نبض المشاهد حولها. «هل ستصل إلى المشاهد كما رغبت؟ هل نجحت في تقمصها؟ وغيرها من الأسئلة كانت تراودني بشكل مستمر قبل وبعد التصوير، وفي أثناء عرض العمل».
طلب من خالد شباط إتقان اللبنانية لأنه في العمل يجسد دور فرد من أفراد عائلة لبنانية. «استصعبت الأمر بدايةً، وعندما كنت أسمع نفسي أتحدث بها أقلق. وخلال التصوير اجتهدت كي لا أزعج الفريق اللبناني بلهجتي فتصبح عائقاً بيننا. هناك سؤال بدهي سيطرحونه على أنفسهم: «لماذا تم اختيار ممثل سوري للعب هذا الدور، وهناك ممثلون لبنانيون عدة في المقابل يستطيعون ذلك؟ ولكن منذ المشهد الأول بيني وبين ستيفاني عطا الله وكذلك مع باميلا الكيك سَرَت كيمياء جميلة، وانسجمنا في هذا التعاون. ولا بد هنا من ذكر مدرب التمثيل معن حمزة، ومدربة اللهجات جوانا طوبيا اللذين ساعداني وكانا حريصين على نجاح العمل».
أنهى خالد تصوير «كريستال» ويتم عرضه على «إم بي سي» ومنصة «شاهد». ودخل تجربة درامية أخرى هي «الخائن»، إلا أنه لا يزال يشتاق لشخصية «باسل»، لماذا؟ «عشت الشخصية وتطورها في رحلة 90 حلقة، ووُلد بيني وبينها (لينك) قوي جداً. تخلصت من الارتباك الجسدي في حركات باسل بصعوبة. حتى إنني أشعر مرّات بأنني لا أزال حتى اليوم أهزّ بيدي مثله فأشتاق إليه. لقد سبق وأحسست بمشاعر مشابهة لأدوار أخرى قدمتها. ولكن مع شخصية (باسل) الشوق بقي كبيراً. فهو لا يشبهني في شيء ولكنني أفرح بردود فعل الناس تجاهه. ليس بسبب الثناء على أدائي بل لأنهم أحبوا (باسل) وتقبلوه. رسالتي أراها وصلت وبعض الناس ممن ألتقيهم يتمنون التعرف على أحد مثله. فـ(باسل) ومن يشبهه أشخاص صادقون، ومن يبادر ويلتقيهم سيكتشف أنهم أفضل منّا بكثير».
وعن تجربته مع «كريستال» يقول: «لم أكن من قبل أتابع هذا النوع من الأعمال، فأكتفي ببعض المشاهد الرائجة على السوشيال ميديا. ولكن ما أغراني أولاً لدخولها هي شخصية (باسل). لم يسبق أن مرّت شخصية تشبهه في أعمال مماثلة. شعرت بأنني أبني مملكة خاصة بي ستسجلها الدراما العربية. نحن كممثلين نرتبط بالظرف والمناخ الدرامي الحاضر على أرض الواقع. وهذا النوع من الأعمال يسجّل أعلى نسبة مشاهدة اليوم في عالمنا العربي. وكممثل أقوم بخطوات هادئة، وهذا المسلسل شكَّل فرصة جيدة لي في الوطن العربي».
في «الخائن»، وهو أيضاً مسلسل تركي تم تحويله إلى نسخة عربية، يقدم خالد شباط دوراً مختلفاً تماماً عن الذي جسّده في «كريستال»؛ «خائف أيضاً من هذه الشخصية، وأنتظر ردود فعل الناس حولها. إنها تدور في واقع وبيئة مختلفين تماماً عن الذي قدمته في (كريستال). أقدّم شخصية عانت في طفولتها من فقر وقهر». ولماذا أنت خائف منها؟ يرد بعفويته اللافتة: «لأني أحب أن أخاف».
يلاحظ مؤخراً بريقاً تسجله أسماء ممثلين شباب سوريين كأنس طيارة ونانسي خوري وفادي حواش ولين غرة وغيرهم. فهل برأي خالد شباط، آن الأوان لولادات جديدة بعيداً عن أسماء مستهلكة؟ «بالتأكيد ليس هناك من أسماء استُهلكت بل إنه قانون الطبيعة والحياة. وهناك دائماً تجدد في عالم الدراما، وربما الجيل المقبل من بعدنا سيترك أثره أيضاً في الدراما».
ويستشهد شباط بحِرفية زملاء من أبناء جيله: «أحببت كثيراً أنس طيارة في مسلسل (الزند). وقد شكّل ثنائياً رائعاً مع تيم حسن فانصهرا بأدوارهما بشكل لافت. وكذلك الأمر بالنسبة لنانسي خوري، وشهادتي بها مجروحة لأنها صديقة».
وعمّا إذا كان يعد الدراما المختلطة فتحت أمام الممثلين الشباب آفاقاً لم تستطع الدراما السورية تأمينها لهم، يقول: «لا أعتقد ذلك لأن الدراما أيضاً تتأثر بالأزمات والحروب. وإذا ما تراجعت قليلاً فلأن كل شيء تأخر بفعل 12 سنة حرباً». وماذا تعلمت من هذه التجربة؟ «أدركت أن اكتساب المهارات والخبرة لا حدود له. واكتشفت ذلك من خلال تعاوني مع شركائي في العمل».
وكيف تصف تجربتك مع محمود نصر؟ «إنه ممثل يتمتع بخبرة كبيرة ويتميز بهدوئه وثقته بنفسه وبتقنيته التمثيلية عالية المستوى. وهو ممثل كريم لا يبخل على من يتعاون معه ويقدم له المساندة من منطق الشراكة».
تفوّق خالد شباط على الممثل التركي سيركان الذي أدى نفس الدور في «حرب الورود»، النسخة الأصلية من مسلسل «كريستال». واستطاع أن يغدق على مشاهده جرعات حب لا تنتهي يكتنزها بنظراته وصدق أدائه وتعبير ملامحه. فهل اطّلع على دوره في «كريستال» بنسخته الأصلية؟ «لقد تابعت مشهداً واحداً فقط كي لا أتأثر بأداء غيري».
يحدّثك خالد شباط عن عائلته لا سيما والده عبد القادر المتأثر به إلى حد كبير. «لقد كان يحلم بأن يصبح ممثلاً ولكنه صار شيف مطبخ. فكان أول من شجعني على دخول معهد الفنون والتمثيل. بالنسبة لي إنه مثلي الأعلى في الحياة. إخواني وأنا متأثرون به وبالجهد الذي يبذله في عمله كي يحقق النجاح». وهل تحب الطهي مثله؟ «بدايةً كنت أفكر أن أصير (شيفاً) خصوصاً أني أحب تناول الطعام كثيراً. ولكنني صرت ممثلاً ولديّ أهداف كثيرة أتمنى أن أحققها».
وماذا يستفزك على الساحة اليوم؟ يرد: «الاستهتار الذي يؤثر على نتائج العمل الدرامي. فالبعض يستسهل الأمور مع أننا نملك قدرات هائلة علينا الاستفادة منها». عندما يجلس مع نفسه يعترف بأنه ممتنّ وراضٍ لما يحصل معه. ويحب تحمل مسؤوليات أعماله ويغوص بها في العمق. ومؤخراً استطاع أن يحوز أدواراً ذات مساحات واسعة، مما أسهم في إبراز طاقته الإبداعية في التمثيل. ويعلق: «ما يهمني في الواقع ليست مساحة الدور بل الشخصية التي سأجسدها. فكلما صعبت، حفّزتني على تقديم الأفضل، إذ أحب أن أحيك الدور وأطرزه على طريقتي. فأبحث دائماً عن نماذج تستفزني وتطرح عندي سؤالاً واحداً: هل يمكن أن أكون مثلها في حياتي؟».
حذرٌ بخطواته وهادئ بقراراته، لا يهم خالد شباط الكمية بل الجودة. «أقوم بخطوات بطيئة ولكنها ثابتة. ولا شك أن خطوات كثيرة تنتظرني في المستقبل».
يأسرك خالد شباط بعفويته وبشخصيته الشفافة فتلمس عنده الصدق والطبيعية بعيداً عن التصنع والتبجج. فهل سيحافظ عليها في ظل الشهرة والنجومية؟ «الموضوع الذي تطرحينه مخيف، ولكنني أجتهد كي أبقى على ما أنا عليه. فالفنان يجب أن يتمسك بتواضعه جنباً إلى جنب مع أدواته التمثيلية في المهنة. في إحدى المرات قالت لي الكبيرة سلافة معمار: تذكر أنك إنسان ولا تختلف عن غيرك بشيء. وأنا مقتنع تماماً بكلامها. ولا أذيع سراً إذا قلت بأني أولي هذا الأمر اهتماماً كبيراً. فالغرور عدو الفنان».