يترك الممثل الكوميدي جوزيف زيتوني، وفي كل مرة يطل فيها بعمل سينمائي، ابتسامة عريضة لدى مشاهده. سطع نجمه في عالم الضحكة على الرغم من تجسيده أدواراً أخرى في أعمال درامية. ويعد من الممثلين الذين حبكوا لأنفسهم قالباً كوميدياً لا يشبه غيره، يرتكز فيه على خطوط شخصية يبنيها بتأنٍ، بحيث لا تشبه غيرها، فيتخيلها مرات أو يستوحيها مرات أخرى من شخصيات تحيط به.
أخيراً أطل زيتوني في عملين سينمائيين طرحاه كممثل كوميدي بامتياز. ففي فيلم «ويك إند» لوّن أحداث العمل بعفويته، وفي «ضيوف شرف» تحولت إطلالته إلى نجومية. فكان الأبرز بين الممثلين زملائه في الفيلم من ناحية إضحاك الحضور.
ويقول في هذا الإطار بأنه يتلقى خطوط الدور الذي يلعبه من الكاتب، ولكنه يعيد قولبته على طريقته ويحيكه بأسلوبه كي يصل إلى الناس كما يرغب تماماً. فهو لم يتأثر بكوميديين عرب ولكنه يشاهد أعمالاً أجنبية كثيرة من هذا النوع. ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «لا أعتمد بأسلوبي الكوميدي على النكتة بل على كركتير الشخصية نفسها. فأفكر بطريقة منطقية غير مبالغ بها. ومرات أستوحيها من رجل أو امرأة من قريتي أو من جيراني أو من أي شخص ألتقي به ويلفتني. فالكوميديا عالم واسع بينها ما يعرف بـ(اللايت) و(السوداء)، وما يرتكز على الحركة والتصرفات، وصولاً إلى الكلام».
وبالفعل لا يبذل جوزيف زيتوني الجهد كي يثير الضحك عند مشاهده. فهو حتى لو قرأ قصيدة شعر عادية كما حصل في «ضيوف شرف» يحث متابعه على الضحك.
«أعلم تماماً أن الكوميدي الناجح يمكن أن يرسم الابتسامة عند الناس لمجرد أن يروه. كما أن موقفاً معيناً يعزز لحظات الضحك مما يستوجب على الممثل الكوميدي الاستفادة منه».
زيتوني وهو خريج معهد الفنون والمسرح في الجامعة اللبنانية دخل عالم التمثيل منذ نحو 10 سنوات. وكان له محطات بارزة في أفلام سينمائية عديدة كـ«مهراجا» و«كاش فلو» و«بلا هيبة» وغيرها. كما تمرس في العمل المسرحي مع كارلوس شاهين ولينا خوري وروجيه عساف. وقدم أدواراً درامية كـ«دور العمر» مع سعيد الماروق، وفي فيلم «هردبشت» مع محمد الدايخ.
يقول إنه تربى في بيت سعيد تسوده الأجواء الإيجابية، «جميعنا في العائلة لدينا الحس الكوميدي، وهو ما أسهم في تشرّبي هذا الفن بسرعة». كما يرى أن الكوميديا هي بمثابة طبقات متراكمة يفتحها الممثل على التوالي. ويعلق: «هنا اعتادوا على الكوميديا المباشرة، ولكن الأنسب هي تلك المرتكزة على بنية الشخصية».
يقال إنه بين الكوميديا و«ثقل الدم» شعرة رفيعة قد يقع في مطباتها من لا يعرف دوزنة أسلوبه الساخر. ولكن زيتوني لديه رأي آخر: «أنا لا أفكر بهذه الطريقة لأني أدرك بسرعة أن ما يضحكني سيضحك الآخر. وأهرب من الكوميديا التي قد تسبب إحراجاً أو إزعاجاً لغيري. وهكذا تبدأ المواقف الكوميدية تتوالد معي، فإذا استمتعت بها فإنني أؤديها على الشكل المطلوب. وأبتعد كل البعد عما يمكن أن يتم فهمه بطريقة غير لائقة».
بالنسبة له فإن الكوميديا تشهد تراجعاً في لبنان: «أعتقد أنه نسبة للظروف التي مررنا بها في لبنان تأثر الحس الكوميدي عندنا. وبتنا بدل أن نهتم بالابتسامة نفتش عن كيفية مقاومتنا الجوع والفساد وانقطاع التيار الكهربائي وغيرها من مشاكلنا اليومية. فالهموم تقتل الحس الكوميدي عند الناس وتسرق روح الفكاهة منهم. وبرأيي حتى المسرح تأثر بأزماتنا المتراكمة، وما عادت الخشبة تتزين بأعمال على المستوى المطلوب. وإذا ما ألقيت نظرة سريعة على اللبنانيين الذين تلتقيهم في الشوارع وعلى الطرقات يلفتك عندهم (التكشيرة) والملامح القلقة والحزينة. وهي أسباب تسهم مباشرة في تراجع الحس الكوميدي عند الناس فتقلل من جرعات الإبداع في عالم الفن».
من الفنانين اللبنانيين الذين يضحكونه كما يقول الممثل فادي رعيدي. «يعد رعيدي من الممثلين الكوميديين البارعين، والذي يجيد تقديم المحتوى النظيف. فيركب أشياء بسيطة من الحياة في قوالب كوميدية حلوة يستهويها الناس بعيداً عن المادة المستهلكة عند غيره. وكذلك الأمر بالنسبة لفؤاد يمين فهو يعرف متى وكيف يلون الموقف بنكتة في مكانها المناسب».
لم يأخذ حقه بعد كما يجب في عالم التمثيل كما يقول، وربما الأزمات المتلاحقة لعبت دورها في هذا الصدد. «لقد تأخر إطلاق أعمال كثيرة شاركت بها فأخرت بالتالي تعريف الناس عليّ في الوقت اللازم. فلو طرحت في الأسواق ضمن الأوقات المحددة لها من دون مسافات واسعة بينها، لكنت اليوم حققت انتشاراً أكبر. ولكن في حال أبقت الصناعة السينمائية على وتيرتها الديناميكية التي نشهدها اليوم فالأمور قد تتغير».
نشأت في بيت سعيد تسوده الأجواء الإيجابية... والكوميديا تشهد تراجعاً في لبنان
يركز جوزيف زيتوني على متابعة الأعمال الغربية أكثر من العربية. «في الحقيقة الإنتاجات العربية لا تشدني، وتفتقد إلى النصوص الجيدة، فهي تعاني من الرداءة بشكل ملحوظ ويلزمها الكثير من العمل والجهد كي تحقق أهدافها. الأمر ليس سهلاً بتاتاً لأن الكتابة بنظري هي العنصر الأهم والأبرز في أي مشروع درامي. فإذا حضر النص الجيد تحضر معه جميع العناصر الفنية المطلوبة من ممثل ومخرج ومنتج. كما أن الـ«تراندات» الرائجة اليوم تتسبب في تصدع الدراما وتقييدها في إطار واحد. وهو عكس ما كان يحصل في الماضي تماماً، إذ كان التنوع بالموضوعات سيد الساحة. ولعل الصناعات السريعة للدراما من دون أخذ الوقت الكافي لطبخها على نار هادئة تسهم في زيادة سيئاتها».
بشهادة زملائه في فيلم «ضيوف شرف»، نجح جوزيف زيتوني في إرساء الضحكة عند المشاهد. حتى إنهم أنفسهم وفي كواليس العمل كما ذكرت غالبيتهم أضحكهم صاحب شخصية «زوزو» طيلة الوقت. «الأجواء كانت رائعة وضحكنا كثيراً حتى صار البعض يضحك ما إن يراني من دون أن أقوم بأي حركة».
وكما في الكوميديا كذلك في أدوار الدراما، ترك زيتوني بأثره الطيب عند المشاهد. وأكبر دليل على ذلك الشخصية التي قدمها في فيلم «هردبشت» مع المخرج محمد الدايخ. ويقول إنه بنى لها الخلفية المطلوبة لأنها شخصية شريرة إلى حد ما. «ولكن ليس هناك من أشخاص أشرار بالمطلق. ولذلك خففنا من نسبة القساوة التي يمارسها كرجل شرطة سقفه القانون. وأرفقناها بخط آخر من شخصيته تنم عن حنان وإخلاص كبيرين يكنّهما لوالدته المريضة. فتحت ضغط التفكير بإمكانية خسارته لوالدته كان يمارس القساوة. فلعبت بالتوازي على هذين الخطين كي أبرز خلفية الشخصية كما يجب».
حالياً جوزيف زيتوني بصدد كتابة مسلسل جديد من بطولة فؤاد يمين وسيرينا الشامي ومحمد عطية. ويختم لـ«الشرق الأوسط»: «لقد أصبحنا معاً كفريق حقيقي نفكر مع بعضنا البعض ونتشارك في أعمال مختلفة. وسترونني قريباً في فيلم «الفيل» (elephant) وهو من إنتاج شركة فالكون برودكشن لرائد سنان».