ما تأثير استخدام «غوغل» محتوى الناشرين في تدريب الذكاء الاصطناعي؟

شعار غوغل (أ. ف. ب.)
شعار غوغل (أ. ف. ب.)
TT

ما تأثير استخدام «غوغل» محتوى الناشرين في تدريب الذكاء الاصطناعي؟

شعار غوغل (أ. ف. ب.)
شعار غوغل (أ. ف. ب.)

ذكرت وثائق محكمة أميركية منوطة بالنظر في قضية احتكار «غوغل» لسوق البحث بالولايات المتحدة، في مايو (أيار) الحالي، أن الشركة رفضت منح الناشرين خيار عدم استخدام بياناتهم في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، مع الاستمرار في الظهور بنتائج البحث.

بل عدّت «غوغل» أن السماح للناشرين بالتحكم في استخدام بياناتهم قد يعيق جهودها في تحقيق الأرباح، ليصبح الناشرين أمام خيارين؛ إما إتاحة بياناتهم لتدريب روبوتات الذكاء الاصطناعي، أو الاختفاء من محركات البحث، ما دفع إلى تساؤلات عن تأثير استخدام «غوغل» محتوى الناشرين.

مدير السياسات العامة العالمية واستراتيجية المنصات في «فاينانشيال تايمز»، مات روجرسون، قال إن «خيار (غوغل) يعني أن ينسحب الناشر بالكامل من عمليات البحث، أو أن يسمح باستخدام محتواه من دون تعويض»، وأشار إلى أن هذا الاتجاه يضر بالسوق التي يجب أن تعتمد على محتوى عالي الجودة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي المستقبلية.

الدكتور السر علي سعد، الأستاذ المشارك في تخصّص الإعلام الجديد بجامعة أم القيوين في الإمارات العربية المتحدة، أوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «سياسة (غوغل) تُعمق الشكوك لدى الناشرين بأن الشركة تستغل هيمنتها على البحث لفرض شروط أحادية الجانب، ما يُضعف الشراكة التاريخية بين الطرفين». وأضاف أن «العلاقة تحولت من تعاون إلى صراع بدلاً من تبادل المنفعة، التي تضمن حرية الظهور في البحث مقابل المحتوى، لكن العلاقة بسياسة (غوغل) الجديدة أصبحت غير متوازنة، حيث تتحكم الشركة في الشروط دون تفاوض حقيقي».

وحذر سعد من تبعات هذا الاتجاه، قائلاً: «بعض الناشرين قد يقللون استثماراتهم في محتوى عميق، أو تحقيقات مكلفة إذا لم يُعوضوا عن استخدامه في تدريب الذكاء الاصطناعي، مما قد يُضعف التنوع الإعلامي».

وعن الخيارات المتاحة أمام الناشرين لدرء الخسائر، قال سعد إن «ثمة خيارات قانونية أمام الناشرين، تشمل رفع دعاوى قضائية بالاستناد إلى قوانين الملكية الفكرية (مثل DMCA في الولايات المتحدة أو تشريعات الاتحاد الأوروبي مثل DSM Directive)... وكذلك، الضغط التشريعي من خلال التحالف مع جهات حكومية لسن قوانين تُلزم (غوغل) بالتعويض، كما حدث في أستراليا وكندا». وأشار إلى خيارات تقنية من شأنها أن تعزز موقف الناشرين، شارحاً أنه يمكن للناشرين «حظر زحف الذكاء الاصطناعي عبر ملف (robots.txt)، ولكن (غوغل) قد تتجاهله أو تُعاقب الموقع بتخفيض ترتيبه. أيضاً يمكن الاعتماد على نماذج الاشتراك، لتقليل الاعتماد على الإعلانات عبر البحث والتحول لتمويل مباشر من الجمهور».

من جهة ثانية، كان قاضٍ أميركي قد أصدر في أغسطس (آب) الماضي، حكماً جاء فيه، أن «(غوغل) تحتكر البحث بشكل غير قانوني». كذلك أطلقت «هيئة المنافسة والأسواق البريطانية» (CMA) تحقيقاً مستقلاً في هيمنة «غوغل» على سوق البحث.

ومع أن «غوغل» توفر أداة تُدعى «Google-Extended» تتيح للناشرين منع روبوتات الذكاء الاصطناعي مثل «جيميناي» و«فيرتيكس» من استخدام محتواهم من دون إذن، فإن هذه الأداة لا تمنع استخدام المحتوى في ملخصات الذكاء الاصطناعي التي تظهر في نتائج البحث. وعليه، ولمنع ذلك، يتوجب على الناشرين حظر «غوغل بوت» بالكامل، ما يعني أنهم لن يظهروا في نتائج البحث على الإطلاق، بحسب مراقبين.

وحول هذه النقطة قال مستشار الإعلام الرقمي والمحاضر بالجامعة الأميركية في القاهرة، فادي رمزي، إن الأزمة بين «غوغل» والناشرين تعود في جوهرها إلى نموذج الهيمنة والاحتكار، الذي يمنح عملاق التكنولوجيا القدرة على فرض ضغوط على صناع المحتوى. وتابع رمزي لـ«الشرق الأوسط»، أن «الخيارات أمام الناشرين شديدة التقييد، لأن الواقع يؤكد أن اليد العليا لـ(غوغل)». وعدّ إصدار تشريعات ملزمة بات ضرورة قانونية، مشدداً على أن الناشرين، أفراداً أو مؤسسات، لا يمكنهم بمفردهم الوقوف في وجه «غوغل».


مقالات ذات صلة

«SRMG Labs» تحصد جائزتين في مهرجان «كان ليونز»

يوميات الشرق تكريم «SRMG Labs» بجائزتين ضمن فئة الصوت والراديو في مهرجان كان ليونز الدولي للإبداع (SRMG)

«SRMG Labs» تحصد جائزتين في مهرجان «كان ليونز»

حصدت وكالة «SRMG Labs»، ذراع الابتكار في المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام «SRMG»، جائزتين ذهبية وفضية ضمن فعاليات مهرجان كان ليونز الدولي للإبداع.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
تحليل إخباري فلسطينيون يحملون جثث أقارب قُتلوا في ضربة إسرائيلية في خان يونس جنوب قطاع غزة الثلاثاء (أ.ب)

تحليل إخباري إلى أين وصلت المفاوضات بين إسرائيل و«حماس»؟

يزداد الحديث الإعلامي الإسرائيلي عن «تقدم كبير» في المفاوضات الرامية للتوصل إلى اتفاق لوقف النار في غزة، لكن مصادر من «حماس» أشارت إلى عدم حدوث «انفراجة» بعد.

«الشرق الأوسط» (غزة)
إعلام اطفال على المنصة

«تيك توك» منصة للإعلام أم «التسّول الافتراضي»؟

في زمن تحولت المنصّات الإعلامية الرقمية إلى نوافذ يطلّ منها العالم على قصص البشر، لم تعد المعاناة تُروى في الخفاء، بل أصبحت «محتوى» يعرض على ذوي القلوب الرحيمة

أنيسة مخالدي (باريس)
إعلام روبوت يعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

احتجاجات لوس أنجليس تُجدّد جدل «صدقية» الذكاء الاصطناعي

جدّدت الاحتجاجات الأخيرة في مدينة لوس أنجليس الأميركية الجدل حيال مساهمة تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الترويج لـ«معلومات مضللة»،

فتحية الدخاخني (القاهرة)
إعلام شعار  غوغل (رويترز)

ميزة جديدة من «غوغل ديسكوفر» تخيف ناشرين

قدَّم تطبيق «غوغل ديسكوفر» ميزة جديدة للقارئ تعتمد على عرض نقاط موجزة تلخِّص المقالات من دون الحاجة للنقر على الرابط وقراءة تفاصيل،

إيمان مبروك (القاهرة)

«تيك توك» منصة للإعلام أم «التسّول الافتراضي»؟

اطفال على المنصة
اطفال على المنصة
TT

«تيك توك» منصة للإعلام أم «التسّول الافتراضي»؟

اطفال على المنصة
اطفال على المنصة

في زمن تحولت المنصّات الإعلامية الرقمية إلى نوافذ يطلّ منها العالم على قصص البشر، لم تعد المعاناة تُروى في الخفاء، بل أصبحت «محتوى» يعرض على ذوي القلوب الرحيمة لإثارة التعاطف وجني الأرباح.

هذه ما تُتهم بعرضه اليوم منصّة «تيك توك» من ممارسات تسول مقنّعة، يقوم بها أفراد، وأحياناً عائلات بكاملها، من أجل الحصول على مساعدات مادية.

انتشار هذه الظاهرة، التي تُعرف بـ«التسّول الافتراضي»، أصبح يثير تساؤلات أخلاقية بشأن الحدود الفاصلة بين التضامن والانتهازية واستغلال الفئات الضعيفة، وخاصة الأطفال.

«المعاناة» كمحتوى

الظاهرة تبدأ غالباً ببث مباشر، يظهر فيه أفراد، ومعظمهم من الأطفال والمسنين، وهم يدّعون الفقر أو المرض في هيئة مثيرة للشفقة، ويستنجدون بالمشاهدين، مطالبين بما يسمى بالهدايا الرقمية التي تتحوّل لاحقاً إلى أرباح مالية.

لكن رغم وجود قصص معاناة حقيقية، فإن هذه المحتويات باتت يصفها البعض بالمسرحيات «المُتقنة» التي تُوظف فيها كل عناصر الدراما المؤثرة، من مشاهد البكاء والموسيقى الحزينة إلى الصوت المتهدج لاستدرار العواطف.

قناة «بي بي سي» البريطانية كانت أول من كشف عن تفشّي ظاهرة التسول الرقمي، عبر تحقيق مطول في مخيمات اللاجئين السوريين، بعنوان «كيف يحصل (تيك توك) على الأموال باستغلال أطفال سوريين فقراء؟». لكن تبين فيه أن العائلات الفقيرة، وبالأخص الأطفال، يتعرضون لاستغلال «وسطاء» يديرون حسابات متخصصة في هذه النوعية من المحتوى... تصل فيها المداخيل إلى ألف دولار في الساعة. ومن هذه الحسابات يأخذون نسبة تتراوح ما بين 20 إلى 27 في المائة، والعائلات الفقيرة تحصل على نسبة ضئيلة، تتراوح ما بين 1 إلى 3 في المائة، أما نصيب الأسد فيعود إلى المنصّة الصينية التي تستحوذ على 70 في المائة من هذه المبالغ.

وفي تحقيق آخر، أشارت صحيفة «الغارديان» البريطانية إلى انتشار هذه الظاهرة في عدة دول أخرى، كأفغانستان وباكستان والهند وإندونيسيا وكينيا. وهذا بعد مراقبة عدة حسابات تحمل علامات تسول منظّم عبر الشبكة، واستشهدت الصحيفة بحساب في إندونيسيا يبّث مقاطع يومية لأطفال يتسولون هدايا افتراضية، وفي اليوم التالي يظهر أطفال مختلفون في الغرفة نفسها، مع الأشخاص البالغين أنفسهم، ولم يُحظر هذا الحساب إلا بعد نشر تقرير الصحيفة البريطانية.

المنظمات الإنسانية ندّدت بهذه الممارسات، واتهمت «تيك توك» باستغلال البؤس الإنساني لجني الأرباح. وفي حوار مع «الغارديان»، عدّ أوليفييه دي شوتير، المفوّض الخاص للأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع، النسب الكبيرة التي تفرضها المنصة على هذه التبرعات الافتراضية «افتراساً رقمياً». أما منظمة «هيومان رايتس واتش» فاتهمت «تيك توك» بانتهاك حقوق الأطفال لتقصيرها في حظر الحسابات التي تستغل الأطفال لساعات طويلة من العمل في مشاهد للتسول الافتراضي.

شعار "تيك توك" (رويترز)

مباريات البثّ المباشر

مداخيل الهدايا الافتراضية، التي يمنحها تطبيق البثّ المباشر، استقطبت أيضاً فئة من المؤثرين لا تعاني الفقر المدقع، لكنها تتعرض منذ فترة لتراجع في مداخيلها بسبب القوانين الجديدة التي تنظم ممارسات المؤثرين التجارية.

في فرنسا مثلاً، تلجأ هذه الفئة من «التيك توكرز» إلى نظام «المباريات» كأحد أبرز مصادر للدخل. وهنا الفكرة بسيطة، حيث يتواجه شخصان في مبارزة كلامية على الهواء، ويقوم الجمهور بمنح تبرعات للمؤثر المفضّل لديهم.

التقارير التي نشرت تشير إلى مبالغ ضخمة تبرع بها مستخدمون عبر البثّ المباشر للمنصة الصينية، بلغت في فرنسا، حسب تقرير لمكتب الدراسات «داتا آي»، نحو 81 مليون يورو عام 2023، مقابل مليونين ونصف مليون عام 2020.

وهنا تشرح أودري شييو، الصحافية الفرنسية المتخصصة في منصات التواصل: «المشكلة هي أن هؤلاء المؤثرين، ومعظمهم نجوم سابقون من تلفزيون الواقع، لا يكتفون بتنظيم هذه المباريات، بل يطلبون من الجمهور تشجيعهم بإرسال هدايا افتراضية كالوردة أو الأسد، التي قد تصل قيمتها إلى 400 يورو».

أيضاً يلجأ بعضهم إلى التلاعب النفسي عبر إنشاء روابط شخصية مع المتابعين من المراهقين من خلال الرسائل الخاصّة، أو ذكرهم بالأسماء لضمان استمرار تدفق الهدايا الرقمية، وهو ما تعدّه الإعلامية الفرنسية نوعاً من أنواع الاستغلال والتسول الرقمي المُلبّس بقناع البثّ الترفيهي.

بيد أن المخاطر لا تقتصر على الناحية المالية فحسب، ففي شهادة مؤلمة، نقلتها إذاعة «فرانس إنتير»، تروي أمّ كيف أن ابنها المراهق، البالغ من العمر 14 سنة، أنفق قرابة 4 آلاف يورو من مدّخرات العائلة على الهدايا في «تيك توك» لأنه كان يعدّ نفسه «صديقاً» لبعض المؤثرين.

من جانبها، لا تبدو المنصة الصينية مستعدة لتقييد نشاطات تدرّ عليها أرباحاً طائلة، لكنها رغم ذلك مطالبة اليوم باتخاذ عدد من التدابير الصارمة للقضاء على ظاهرة التسول الرقمي. أهمها؛ وضع قوانين داخلية صارمة تمنع المحتوى الذي يتضمن استجداء صريح أو مبطن للهدايا الافتراضية، وتعزيز الرقابة على البثّ الحيّ لرصد المخالفات.

هذا، وفي تقرير، طالب نائب أوروبي أيضاً «تيك توك» بوضع سقف شهري للأرباح الفردية، ومنع القاصرين من استخدام خاصية الهدايا الافتراضية من أجل حمايتهم والحفاظ على أخلاقيات المنصة.