كفاءة «ملاحظات المجتمع» على منصات التواصل تُثير تساؤلات بشأن مواجهة «التضليل»

شعار "ميتا" (أ ف ب)
شعار "ميتا" (أ ف ب)
TT

كفاءة «ملاحظات المجتمع» على منصات التواصل تُثير تساؤلات بشأن مواجهة «التضليل»

شعار "ميتا" (أ ف ب)
شعار "ميتا" (أ ف ب)

أثار إعلان شركة «ميتا»، مالكة منصات «فيسبوك» و«إنستغرام» و«واتساب»، عن بدء اختبار «ملاحظات المجتمع» في الولايات المتحدة، تساؤلات بشأن كفاءة هذه الخدمة في الحد من «المعلومات المضللة»، لا سيما مع إشارة دراسة حديثة إلى أنها «لم تحقق المطلوب»، بعد سنوات من تفعيلها على منصة «إكس». وجاء هذا التطور عقب إلغاء الشركة برنامجها لتقصي الحقائق.

تتيح تقنية «ملاحظات المجتمع» التي طوّرتها منصة «إكس» - التي يملكها إيلون ماسك - للمستخدمين، إمكانية كتابة وتقييم دقة المحتوى المنشور، وكتابة ملاحظاتهم عليه، في إطار مكافحة انتشار «المعلومات المضلّلة» وجعل المُستخدم شريكاً في التقصّي والتحقق.

ووفق «ميتا»، فإن «نحو 200 ألف مستخدم أميركي سجّلوا ليصبحوا مساهمين محتملين في كتابة ملاحظات المجتمع». وتابعت أنه «يشترط في المساهمين أن يكونوا فوق سن 18 سنة، وأن يدعموا ملاحظاتهم بروابط معلوماتية». وعدّت هذه الطريقة «أقل تحيّزاً من برامج تقصي الحقائق الأخرى التابعة لجهات خارجية».

من جهة ثانية، تزامناً مع إطلاق «ميتا» خدمة «ملاحظات المجتمع» في الولايات المتحدة، بديلاً لمدقّقي الحقائق التابعين لجهات خارجية، ذكرت دراسة جديدة أجرتها «بلومبرغ» على أكثر من مليون «ملاحظة مجتمعية»، عبر منصة «إكس»، أن «غالبية تلك الملاحظات، رغم دقّتها، لا تعرض للمستخدمين على المنصة، وذلك لأن نشرها يتطلب توافقاً في الآراء من أشخاص ذوي توجّهات مختلفة». وأضافت الدراسة أن «نظام (إكس) لـ(ملاحظات المجتمع) الذي اعتمدته (ميتا) لم ينجح في الحد من المعلومات المضللة».

الدكتورة مي عبد الغني، أستاذة الإعلام بجامعة بنغازي والباحثة في الإعلام الرقمي، أوضحت لـ«الشرق الأوسط»، أن «ملاحظات المجتمع ميزة ليست جديدة، إذ ظهرت للمرة الأولى على منصة (إكس) عام 2021، عندما كانت المنصة تحمل اسم (تويتر)، وحققت انتشاراً أوسع في عام 2023».

وأشارت إلى أن «عمل هذه الخوارزمية يعتمد على مشاركة المستخدمين من خلال تعليقاتهم وتوضيحاتهم المدعومة بالظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي يتعايشون معها، وهو ما يعرف بـ(السياق) حول المنشور، الذي يرون فيه اختلافاً، أو يحتوي على معلومات غير دقيقة أو زائفة».

وقالت إن إقدام شركة «ميتا» على تطبيق هذه الميزة، «يأتي في إطار الحد من الانتقادات الموجهة إليها في أعقاب الإجراءات الأخيرة، وسياسات تخفيف التحقق من المحتوى التي بدأتها (ميتا) في عام 2017، عندما أزالت التحذير الأحمر الذي كان يرافق الأخبار الزائفة، وصولاً إلى حزمة من الإجراءات المعلنة التي أقرّت في مطلع 2025، الهادفة إلى ألا تكون لمحاربة المعلومات الزائفة أولوية في السياسات التنفيذية الخاصة بالمنشورات على المنصات التابعة للشركة».

وبحسب الباحثة، فإنه «من المُبكر التنبؤ بمدى نجاح إطلاق وتفعيل ميزة ملاحظات المجتمع على منصات (ميتا) في محاربة المعلومات الزائفة أو الحد منها... ثم إنه يوجد خطر من استغلال المجموعات المنظمة لهذه الميزة للتأثير في المحتوى».

ومن ثم، رهنت نجاح «ملاحظات المجتمع» في الحد من «المعلومات المضللة»، بـ«وجود مجتمعات تتمتع بمستوى عالٍ من الثقافة والتربية الإعلامية، إضافة إلى وجود قدر من الشفافية والثقة بين كل من المستخدم والقائمين على سياسات الإشراف على المحتوى».

وبالتوازي، خلال يناير (كانون الثاني) الماضي، أعلنت «ميتا» إلغاء شراكاتها في برنامج تدقيق الحقائق، ما عُدّ «تحولاً جذرياً» في سياستها لإدارة المحتوى. وقال مارك زوكربيرغ إن «عملاء تدقيق الحقائق الخارجيين كانوا متحيّزين سياسياً للغاية، ودمّروا الثقة أكثر مما كسبوها، لا سيما في الولايات المتحدة». وأردف: «لقد وصلنا إلى مرحلة فيها كثير من الأخطاء وكثير من الرقابة... وحان الوقت للعودة إلى جذورنا بشأن حرية التعبير».

خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، أكد أن «ميزة ملاحظات المجتمع واحدة من الأدوات التي يمكن استخدامها لمواجهة المعلومات المضللة، إلا أن الاعتماد عليها حلّاً وحيداً فعّالاً أمر غير منطقي وغير واقعي».

وشرح البرماوي أن «هناك نوعاً من الجمهور تكون لديه الرغبة في المساهمة لتوضيح سياق معلومات، أو وضع ملاحظات بشأنها لتحسين مستوى الوعي والإدراك... لكن هذه الرغبة من جانب المستخدمين تتطلب مزيداً من العمل من جانب المنصّات في الترويج لميزة ملاحظات المجتمع، ومنح المستخدمين مزايا تحفّزهم على زيادة المشاركة بفاعلية أكبر».


مقالات ذات صلة

«عرب نيوز» تحتفي بنصف قرن على صدورها

يوميات الشرق «عرب نيوز» تحتفي بنصف قرن على صدورها

«عرب نيوز» تحتفي بنصف قرن على صدورها

تحتفي «عرب نيوز»، الصحيفة السعودية الدولية الرائدة باللغة الإنجليزية، بالذكرى الخمسين على تأسيسها، التي تصادف الأحد 20 أبريل (نيسان).

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق تتيح الشراكة التعاون مع ناشري «PMC» البارزين لإنشاء محتوى إبداعي وحملات مخصصة (SRMG)

«SRMG للحلول الإعلامية» تبرم شراكة استراتيجية مع «بنسكي ميديا»

أبرمت شركة SRMG للحلول الإعلامية (SMS) شراكة استراتيجية مع بنسكي ميديا (PMC)، تهدف إلى تعزيز حضور المعلنين في المنطقة على نطاق عالمي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الولايات المتحدة​ وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو متحدثاً إلى وسائل الإعلام في مطار شانون بآيرلندا يوم 12 مارس 2025 (رويترز)

إدارة ترمب تغلق وكالة التصدي للتضليل الإعلامي

حلّت الإدارة الأميركية، الأربعاء، وكالة حكومية كانت تعنى بالتصدّي للتضليل الإعلامي الأجنبي، معتبرة أن قرارها يصبّ في جهود صون «حرّية التعبير».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق صورة جماعية بعد توقيع الاتفاقية بين SRMG للحلول الإعلامية (SMS) وشركة «ثمانية» (الشرق الأوسط)

SRMG للحلول الإعلامية «SMS» توقع اتفاقية مع «ثمانية» لتعزيز مستقبل الإعلانات

أعلنت «SRMG للحلول الإعلامية» (SMS) عن توقيعها اتفاقية تمثيل إعلاني حصري مع شركة «ثمانية»، أكبر شبكة بودكاست وأكثرها تأثيراً في العالم العربي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد الرئيسة التنفيذية للمجموعة السعودية للأبحاث والإعلام جمانا الراشد تتحدث في إحدى جلسات مؤتمر مبادرة القدرات البشرية بالرياض (الشرق الأوسط) play-circle 01:18

جمانا الراشد: الذكاء الاصطناعي يغيّر قواعد اللعبة في صناعة المحتوى والسرد القصصي

أكدت جمانا الراشد، الرئيسة التنفيذية للمجموعة السعودية للأبحاث والإعلام، أن الذكاء الاصطناعي أصبح عاملاً محورياً في تشكيل مستقبل السرد القصصي وصناعة المحتوى.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

«الحرب التجارية» بين واشنطن وبكين تحت مجهر الإعلام الروسي

مبنى «ريا نوفوستي» في العاصمة الروسية موسكو (آذرنيوز)
مبنى «ريا نوفوستي» في العاصمة الروسية موسكو (آذرنيوز)
TT

«الحرب التجارية» بين واشنطن وبكين تحت مجهر الإعلام الروسي

مبنى «ريا نوفوستي» في العاصمة الروسية موسكو (آذرنيوز)
مبنى «ريا نوفوستي» في العاصمة الروسية موسكو (آذرنيوز)

تراقب موسكو بشكل حثيث تصاعد حدة السجالات الأميركية مع بكين، الحليف الاستراتيجي الأهم. وبات مصطلح «الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين» الأكثر تداولاً على صفحات وسائل الإعلام الروسية، ومنصات التواصل الاجتماعي. بيد أن اللافت في تغطيات وسائل الإعلام المقربة من الكرملين، حرصها على إقامة «توازن دقيق» بين رغبات تعزيز مسار التقارب مع واشنطن وإظهار دعم خطوات الرئيس دونالد ترمب في ملفات عدة من جهة، والحاجة إلى تأكيد التزام موسكو بالتحالف مع الصين والدفاع عن مصالح الأخيرة من الجهة الأخرى.

بعيداً عن الخطاب الإعلامي «الآيديولوجي» المستمد من الحقبة السوفياتية، مثل أن تضع وكالةُ أنباء «نوفوستي» المهمةُ، عنواناً صارخاً مثل «الأسلحة السرّية لروسيا منعت ترمب من توجيه حربه التجارية على روسيا» ركّزت الآلة الإعلامية للكرملين على تفادي المبالغة في وضع مقاربات أو ترديد تساؤلات تكرّرت كثيراً لدى وسائل الإعلام في الغرب، من نوع «لماذا يذهب ترمب باتجاه فرض رسوم جمركية على بلدان كثيرة بينما لا يفرضها على روسيا، التي ما زالت على الرغم من جولات التفاوض المكوكية تُصنَّف خصماً أو عدواً للولايات المتحدة؟».

قراءة «فيدوموستي»

في هذا الإطار، وضعت صحيفة «فيدوموستي» المرموقة، التي تركز على ملفات الاقتصاد والسياسة، تصوّراً أكثر وضوحاً، يُظهر أن موسكو لا تخشى فرض عقوبات، أو وضع قيود تجارية جديدة؛ لأن القيود المفروضة حالياً وصلت بالفعل إلى ذروتها في عهد الإدارة السابقة، ولأن الاقتصاد الروسي تمكَّن عملياً من التعايش معها.

هنا يمكن التوقُّف عند حجم التبادل التجاري بين روسيا والولايات المتحدة، الذي لا يكاد يذكر بالمقارنة مع المصالح التجارية الأميركية مع الصين، مثلاً، أو أوروبا أو تكتلات وبلدان أخرى. بالتالي، فإن فرض رسوم جمركية إضافية على موسكو لن يكون مجدياً حتى للإدارة الأميركية نفسها. وبالأرقام، وفقاً لمعطيات مكتب الممثل التجاري الأميركي التي نقلتها «فيدوموستي»، كان حجم التجارة بين الولايات المتحدة وروسيا في عام 2024 نحو 3.5 مليار دولار فقط، مقابل أكثر من نصف تريليون دولار مع الصين. كذلك بلغت واردات الولايات المتحدة السنوية من السلع من روسيا في العام الماضي 3 مليارات دولار، وهو ما يقل بنسبة 34.2 في المائة (1.6 مليار دولار) عن عام 2023. بينما انخفضت قيمة الصادرات الأميركية إلى روسيا إلى 526 مليون دولار (-12.3 في المائة أو 73.5 مليون دولار، مقارنة بعام 2023).

أكثر من ذلك، أشارت الصحيفة إلى أن إدارة ترمب تبدي اهتماماً واسعاً بمشاريع مستقبلية واعدة مع روسيا، لذلك لا ترغب حالياً في تخريب مسار التطبيع وإضاعة فرصة ثمينة لتنفيذ خطط واعدة كبرى. ومن هذه الخطط ما أشار إليه وفقاً للصحيفة، كيريل دميترييف رئيس صندوق الاستثمار المباشر ومبعوث الرئيس فلاديمير بوتين الشخصي لقضايا التجارة مع البلدان الأجنبية، حول رغبة ترمب في استعادة الخسائر المالية للشركات الأميركية؛ بسبب الخروج من روسيا، اعتباراً من عام 2022، والتي تتجاوز 300 مليار دولار.

وأشار دميترييف إلى احتمال بدء عودة الشركات الأميركية إلى روسيا في النصف الثاني من 2025. وتحديد هذا التاريخ مهم للغاية، لأنه يعني وفقاً للصحيفة أن الشركات الأميركية ستكون قادرةً على شغل مكان الشركات الأوروبية التي غادرت السوق الروسية بسبب الحرب في أوكرانيا.

معلق «نوفوستي» التجاري

في المقابل، حرصت التغطيات الإعلامية الروسية على إظهار التأييد للصين وهي تواجه «منعطفاً ثانياً أكثر حدة» في «الحرب التجارية» وفقاً للمعلق الاقتصادي لوكالة «نوفوستي».

محلل «نوفوستي» رأى أن «السبب الرسمي لاندلاع الحرب التجارية الأولى كان اختلال التوازن لصالح الصين، الذي بلغ في عام 2018 أكثر من 250 مليار دولار. في المرة الماضية، أعلن ترمب رسمياً أنه شخصياً والولايات المتحدة ككل هما الفائزان دون شك».

وزاد أن التجارة المتبادلة، خصوصاً الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة، أخذت في الانخفاض بقوة خلال إدارة الرئيس جو بايدن. وتحديداً، وبناء على نتائج عام 2023، أقدمت واشنطن على تقييد التجارة المتبادلة بنسبة 13 في المائة، ما أدى من الناحية النقدية إلى انخفاض إجمالي حجم المعاملات المتبادلة إلى أقل من 500 مليار دولار. ووفقاً للمحلل فإنه سيكون على واشنطن أن تبدأ بإحصاء خسائرها بسبب القيود المفروضة على التعاملات مع الصين. ومثال لذلك، فإن الولايات المتحدة «ليس لديها مكان لبيع ما قيمته 25 مليار دولار سنوياً من فول الصويا والقمح والذرة. ولا توجد أسواق مماثلة في العالم من حيث العمق، ولن تدفع أي دولة أخرى 25 مليار دولار مقابل هذه السلع».

وبحسب مكتب الإحصاء الأميركي، أرسلت الولايات المتحدة بضائع بقيمة 143 مليار دولار إلى الصين العام الماضي، أبرزها في قطاعات الإلكترونيات والدوائر المتكاملة، وشحنات النفط والغاز، والفحم.

تحليل ياكوفينكو

وفي الإطار ذاته، وضع الدبلوماسي الروسي المخضرم ألكسندر ياكوفينكو، المتخصص في مجال العلاقة مع الدوائر الغربية، تصوّراً قاتماً لمستقبل العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة سيتسبب - حسب رأيه - بأضرار واسعة على واشنطن. وكتب ياكوفينكو في مقالة صحافية تحليلية «من الواضح للغاية أن أميركا ترمب قد اتخذت مساراً نحو إعادة التصنيع، ودون ذلك لن يكون من الممكن حل المشكلات التي تراكمت في المجتمع الأميركي».

ورأى، من ثم، أن مهمة إعادة بناء قطاع التصنيع في بلد ظل لمدة قرن ونصف القرن على الأقل من بين القوى الصناعية الرائدة مهمة غير عادية. وأن الولايات المتحدة تواجه تهديداً حقيقياً بالركود، وهو تهديد هيكلي ونظامي - وربما أكبر من التهديد الذي واجهته في سبعينات القرن العشرين، عندما خرجت من الأزمة على مسار السياسات الاقتصادية النيوليبرالية والعولمة، التي استنفدت مواردها بوضوح.

وبعد شرح تبعات سياسة ترمب على الصين وبلدان أخرى، قال الدبلوماسي في مقالته الصحافية إن «العالم ربما يكون أكثر تعقيداً مما تتصوره واشنطن.

والمرحلة التالية هي رد فعل الدول المتضرّرة (...) في الوقت الحالي، فإن ما هو مهم أن ترمب أعلن الحرب الاقتصادية على الصين، متخلياً فعلياً عن فكرة الاحتواء، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى خيار غير مقبول للتصعيد النووي».