كفاءة «ملاحظات المجتمع» على منصات التواصل تُثير تساؤلات بشأن مواجهة «التضليل»

شعار "ميتا" (أ ف ب)
شعار "ميتا" (أ ف ب)
TT
20

كفاءة «ملاحظات المجتمع» على منصات التواصل تُثير تساؤلات بشأن مواجهة «التضليل»

شعار "ميتا" (أ ف ب)
شعار "ميتا" (أ ف ب)

أثار إعلان شركة «ميتا»، مالكة منصات «فيسبوك» و«إنستغرام» و«واتساب»، عن بدء اختبار «ملاحظات المجتمع» في الولايات المتحدة، تساؤلات بشأن كفاءة هذه الخدمة في الحد من «المعلومات المضللة»، لا سيما مع إشارة دراسة حديثة إلى أنها «لم تحقق المطلوب»، بعد سنوات من تفعيلها على منصة «إكس». وجاء هذا التطور عقب إلغاء الشركة برنامجها لتقصي الحقائق.

تتيح تقنية «ملاحظات المجتمع» التي طوّرتها منصة «إكس» - التي يملكها إيلون ماسك - للمستخدمين، إمكانية كتابة وتقييم دقة المحتوى المنشور، وكتابة ملاحظاتهم عليه، في إطار مكافحة انتشار «المعلومات المضلّلة» وجعل المُستخدم شريكاً في التقصّي والتحقق.

ووفق «ميتا»، فإن «نحو 200 ألف مستخدم أميركي سجّلوا ليصبحوا مساهمين محتملين في كتابة ملاحظات المجتمع». وتابعت أنه «يشترط في المساهمين أن يكونوا فوق سن 18 سنة، وأن يدعموا ملاحظاتهم بروابط معلوماتية». وعدّت هذه الطريقة «أقل تحيّزاً من برامج تقصي الحقائق الأخرى التابعة لجهات خارجية».

من جهة ثانية، تزامناً مع إطلاق «ميتا» خدمة «ملاحظات المجتمع» في الولايات المتحدة، بديلاً لمدقّقي الحقائق التابعين لجهات خارجية، ذكرت دراسة جديدة أجرتها «بلومبرغ» على أكثر من مليون «ملاحظة مجتمعية»، عبر منصة «إكس»، أن «غالبية تلك الملاحظات، رغم دقّتها، لا تعرض للمستخدمين على المنصة، وذلك لأن نشرها يتطلب توافقاً في الآراء من أشخاص ذوي توجّهات مختلفة». وأضافت الدراسة أن «نظام (إكس) لـ(ملاحظات المجتمع) الذي اعتمدته (ميتا) لم ينجح في الحد من المعلومات المضللة».

الدكتورة مي عبد الغني، أستاذة الإعلام بجامعة بنغازي والباحثة في الإعلام الرقمي، أوضحت لـ«الشرق الأوسط»، أن «ملاحظات المجتمع ميزة ليست جديدة، إذ ظهرت للمرة الأولى على منصة (إكس) عام 2021، عندما كانت المنصة تحمل اسم (تويتر)، وحققت انتشاراً أوسع في عام 2023».

وأشارت إلى أن «عمل هذه الخوارزمية يعتمد على مشاركة المستخدمين من خلال تعليقاتهم وتوضيحاتهم المدعومة بالظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي يتعايشون معها، وهو ما يعرف بـ(السياق) حول المنشور، الذي يرون فيه اختلافاً، أو يحتوي على معلومات غير دقيقة أو زائفة».

وقالت إن إقدام شركة «ميتا» على تطبيق هذه الميزة، «يأتي في إطار الحد من الانتقادات الموجهة إليها في أعقاب الإجراءات الأخيرة، وسياسات تخفيف التحقق من المحتوى التي بدأتها (ميتا) في عام 2017، عندما أزالت التحذير الأحمر الذي كان يرافق الأخبار الزائفة، وصولاً إلى حزمة من الإجراءات المعلنة التي أقرّت في مطلع 2025، الهادفة إلى ألا تكون لمحاربة المعلومات الزائفة أولوية في السياسات التنفيذية الخاصة بالمنشورات على المنصات التابعة للشركة».

وبحسب الباحثة، فإنه «من المُبكر التنبؤ بمدى نجاح إطلاق وتفعيل ميزة ملاحظات المجتمع على منصات (ميتا) في محاربة المعلومات الزائفة أو الحد منها... ثم إنه يوجد خطر من استغلال المجموعات المنظمة لهذه الميزة للتأثير في المحتوى».

ومن ثم، رهنت نجاح «ملاحظات المجتمع» في الحد من «المعلومات المضللة»، بـ«وجود مجتمعات تتمتع بمستوى عالٍ من الثقافة والتربية الإعلامية، إضافة إلى وجود قدر من الشفافية والثقة بين كل من المستخدم والقائمين على سياسات الإشراف على المحتوى».

وبالتوازي، خلال يناير (كانون الثاني) الماضي، أعلنت «ميتا» إلغاء شراكاتها في برنامج تدقيق الحقائق، ما عُدّ «تحولاً جذرياً» في سياستها لإدارة المحتوى. وقال مارك زوكربيرغ إن «عملاء تدقيق الحقائق الخارجيين كانوا متحيّزين سياسياً للغاية، ودمّروا الثقة أكثر مما كسبوها، لا سيما في الولايات المتحدة». وأردف: «لقد وصلنا إلى مرحلة فيها كثير من الأخطاء وكثير من الرقابة... وحان الوقت للعودة إلى جذورنا بشأن حرية التعبير».

خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، أكد أن «ميزة ملاحظات المجتمع واحدة من الأدوات التي يمكن استخدامها لمواجهة المعلومات المضللة، إلا أن الاعتماد عليها حلّاً وحيداً فعّالاً أمر غير منطقي وغير واقعي».

وشرح البرماوي أن «هناك نوعاً من الجمهور تكون لديه الرغبة في المساهمة لتوضيح سياق معلومات، أو وضع ملاحظات بشأنها لتحسين مستوى الوعي والإدراك... لكن هذه الرغبة من جانب المستخدمين تتطلب مزيداً من العمل من جانب المنصّات في الترويج لميزة ملاحظات المجتمع، ومنح المستخدمين مزايا تحفّزهم على زيادة المشاركة بفاعلية أكبر».


مقالات ذات صلة

ارتفاع عدد مستخدمي «بلوسكاي» إلى 30 مليوناً

إعلام جاي غرابر (غيتي)

ارتفاع عدد مستخدمي «بلوسكاي» إلى 30 مليوناً

الانتقادات الكثيرة التي تطول راهناً منصّة «إكس» بسبب تحوّلها -في نظر البعض- إلى فضاء نقاش ملوّث بالنظريات التآمرية العنصرية، بعد وصول إيلون ماسك

أنيسة مخالدي (باريس)
إعلام إيرادات الأخبار من «غوغل» تُثير خلافاً مع ناشرين

إيرادات الأخبار من «غوغل» تُثير خلافاً مع ناشرين

أثارت شركة «غوغل» جدلاً بين ناشرين بعدما أجرت «تجربة» خلصت إلى أنه ليس للأخبار أي تأثير ملموس على إيراداتها الإعلانية، الأمر الذي عدَّه ناشرون نتيجة «غير دقيقة»

إيمان مبروك (القاهرة)
إعلام بايت دانس... الشركة الأم لـ"تيك توك" (أ ف ب / غيتي)

الصين تعيد رسم ملامح المستقبل التقني والتواصلي والإعلامي

في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بالتحولات الجيوسياسية والاقتصادية، تمضي الصين بخطوات ثابتة نحو إعادة تشكيل المستقبل التكنولوجي والتواصلي والمعلوماتي والاقتصادي.

وارف قميحة (بيروت)
إعلام سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي يتحدث لبرنامج «الليوان» (روتانا خليجية)

وزير الإعلام السعودي: لدينا حرية منضبطة وإعلامنا الأقوى عربياً

عدَّ سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي، إعلام بلاده الأقوى والأكثر تأثيراً وانتشاراً عربياً، ومشاريع «رؤية 2030» أهم أذرعه لمخاطبة العالم.

جبير الأنصاري (الرياض)
إعلام فلسطينيون يتجمعون في موقع غارة إسرائيلية على منزل (رويترز)

كيف أظهرت حرب غزة مصطلحات «ملتبسة»؟

على امتداد أكثر من 16 شهراً منذ بدء حرب غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، برزت مصطلحات عدة على السطح مثل «الجحيم» و«التطهير» و«خط أحمر» استخدمها سياسيون،

فتحية الدخاخني (القاهرة)

إيرادات الأخبار من «غوغل» تُثير خلافاً مع ناشرين

إيرادات الأخبار من «غوغل» تُثير خلافاً مع ناشرين
TT
20

إيرادات الأخبار من «غوغل» تُثير خلافاً مع ناشرين

إيرادات الأخبار من «غوغل» تُثير خلافاً مع ناشرين

أثارت شركة «غوغل» جدلاً بين ناشرين بعدما أجرت «تجربة» خلصت إلى أنه ليس للأخبار أي تأثير ملموس على إيراداتها الإعلانية، الأمر الذي عدَّه ناشرون نتيجة «غير دقيقة» هدفها تعزيز موقف الشركة في الخلاف القضائي المثار حول أحقية منصات الأخبار في الحصول على قيمة منصفة مقابل استغلال «غوغل» للمحتوى الإخباري.

يُذكر أن «غوغل» كانت قد أزالت المحتوى الإخباري من أكثر من 13 ألف موقع إلكتروني تابع للاتحاد الأوروبي من صفحات نتائج البحث، بالإضافة إلى منصتي «ديسكوفر» و«غوغل نيوز»، وذلك بنسبة 1 في المائة من المستخدمين في ثماني دول أوروبية، وذلك لمدة شهرين ونصف، أخيراً.

وخلصت التجربة إلى أن حذف الأخبار لم يؤثر على إيرادات الإعلانات. وصرّح بول ليو، مدير قسم الاقتصاد في «غوغل»، بأن الشركة قررت إجراء هذه التجربة رداً على عدد من التقارير وصفها بـ«غير الدقيقة»، ويرى أنها «تُبالغ في تقدير قيمة المحتوى الإخباري بالنسبة إلى إيرادات (غوغل)».

ليو حدّد، في ضوء «التجربة»، أن إزالة الأخبار تسبّبت في انخفاض الاستخدام بنسبة 0.8 في المائة فقط، ومن ثم فتأثير الأخبار على إيرادات الإعلانات «محدود للغاية». لكن التجربة أشارت أيضاً إلى أن «غوغل ديسكوفر» شهد انخفاضاً في الإيرادات بنسبة 2 في المائة، وهذا انخفاض ذو دلالة إحصائية، غير أن الشركة عدت «هذه الخدمة تُسهم بمقدار محدود للغاية فيما يخص الإيرادات الكلية للإعلانات على (غوغل)».

إلى ذلك، تلقى ناشرون ومؤسّسات صحافية نتائج تجربة «غوغل» بتشكيك واسع، لا سيما أنها تأتي في سياق جدل عالمي تنظيمي بشأن ما إذا كان ينبغي إرغام شركات التكنولوجيا على دفع مقابل مالي للناشرين على المحتوى الإخباري الذي يعيدون توزيعه. ولقد وصف توماس هوپنر، المحامي في شركة «هاوس فيلد»، التي تقود دعوى جماعية ضد «غوغل» بالنيابة عن ناشرين بريطانيين، التجربة بأنها «افتقرت إلى الدلائل الإثباتية»، وأردف في منشور على «لينكد إن»، أن التجربة «تنطوي على أوجه قصور تجعل من الصعب الاعتداد بنتائجها».

تعليقاً على الموضوع، رأى الدكتور أنس النجداوي، مدير جامعة أبوظبي ومستشار التكنولوجيا لقناتي «العربية» و«الحدث»، التجربة التي أجرتها غوغل «غير منصفة»، ودلّل على ذلك بقوله لـ«الشرق الأوسط» إن «التجربة لم تشر إلى التأثير غير المباشر للأخبار، مثل بقاء المستخدمين، مما يعزّز قيمة العلامة التجارية، كما أن المحتوى الإخباري يعزّز ثقة المستخدم، مما يخلق علاقة مستدامة مع محرّك البحث، ومن ثم، فإن قيمة التأثير لا يمكن اختزالها في إيرادات الإعلانات». ثم لفت النجداوي إلى الدور الذي يجب أن يقوم به الناشرون للتحقق من القيمة الاقتصادية الحقيقية للأخبار، وحدد ذلك بالقول إن «منصات الأخبار يمكنها تحليل سلوك المستخدمين لإثبات الأثر المباشر وغير المباشر للمحتوى الإخباري في زيادة التفاعل والولاء».

من جانبه، وفي حوار مع «الشرق الأوسط»، قال محمد عاطف، الباحث المصري المتخصص في الإعلام الرقمي، إن بوسع الناشرين حل الأزمة من خلال عدة مسارات؛ «المسار الأول منها العمل على إثبات قيمة الأخبار وتأثيرها الحقيقي، من خلال رصد دقيق لما تحققه (غوغل) من مكاسب سواء مادية مباشرة أو مكتسبات تعزز قيمتها السوقية». وأضاف: «ولضمان حصول الناشرين على عوائد عادلة لمحتواهم الإخباري، هناك مسارات رئيسية أخرى، من بينها استحداث قوانين تنظيمية حديثة تتناسب مع الموضوع محل الخلاف، وهناك مثال واضح على ذلك وهو قانون (الحقوق المجاورة) - يشار إليه إعلامياً باسمPress Publishers’ Rights- وهو معمول به في أوروبا، ويُلزم المنصات الكبرى بدفع مقابل استخدام المحتوى الإخباري. كذلك يمكن تكوين تحالفات جماعية، هدفها إحداث تكتلات من المؤسسات الإخبارية للتفاوض جماعياً مع (غوغل) بشروط عادلة».