«سناب شات» تؤسس مرافق مخصّصة لصنّاع المحتوى في السعودية

المدير الإقليمي للشركة قال إن مستخدميها هم الأقل تعرّضاً عالمياً لمواد مزيّفة أو مريبة

حسين فريجه (الشرق الأوسط)
حسين فريجه (الشرق الأوسط)
TT

«سناب شات» تؤسس مرافق مخصّصة لصنّاع المحتوى في السعودية

حسين فريجه (الشرق الأوسط)
حسين فريجه (الشرق الأوسط)

حرصت «سناب شات» منذ انطلاقها على أن تكون لديها رؤية واضحة بإنشاء تطبيق يعنى ويهتم بالعلاقات الاجتماعية قبل أي شيء

قال حسين فريجة، المدير العام لشركة «سناب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» إن تنامي مستخدمي تطبيق التواصل الاجتماعي «سناب شات» في منطقة الخليج يعود إلى أن الثقافة الخليجية تولي العائلة والمجتمع اهتماماً كبيراً، ذلك أن الفرد جزء من العائلة ودائرة الأصدقاء والمجتمع، وهذا يُعزز إحساسه بالارتباط والانتماء.

فريجة ذكر خلال حوار مع «الشرق الأوسط» أنه بحكم طبيعة منصة «سناب شات» وتصميمها الذي يركّز على بناء العلاقات الحقيقية، فإنها «تشكل امتداداً لهذا التواصل الاجتماعي ومكاناً يجتمع فيه مستخدمو المنصة التي أصبحت بمثابة مجلس رقمي تقريباً، لتعزيز تفاعلهم وتطوير علاقاتهم والاستمتاع بمنصة توفر لمستخدميها أجواء تجسد بشكل كبير حياتهم الواقعية وتعكس تفاصيلها».

شعار "سناب تشات" (رويترز)

عقد من الزمان

بيّن فريجة أن منصة «سناب شات» منذ انطلاقها حرصت على أن تكون لديها رؤية واضحة بإنشاء تطبيق يعنى ويهتم بالعلاقات الاجتماعية قبل أي شيء، وقال «بحكم ريادتنا في مجال تقنية الواقع المعزز، فقد حرصنا على أن يكون استخدام (سناب شات) يجعلنا أقرب وأكثر تواصلا مع العائلة والأصدقاء والمجتمع من حولنا. ولهذا السبب قدمنا طريقة جديدة ومرئية وسريعة للتواصل. وحقاً، أتاح (سناب شات) للمستخدمين الفرصة للتعبير بشكل عفوي وغير متكلف، ولهذا السبب ينطلق التطبيق دائماً بواجهة كاميرا جاهزة لتسجيل وتصوير تفاعلهم المباشر ووجهات نظرهم».

تصنيف المحتوى ورقابته

وحول تصنيف المحتوى ورقابته، أكد حسين فريجة أنه من أجل الحضور على منصة «سناب شات» يجب ألا يقل عمر المستخدم عن 13 سنة، وأردف «نحن لا نسوّق منصتنا لدى الأطفال بتاتاً، ولا يتوافر التطبيق في قسمي (الأطفال) أو (العائلة) في أي متجر تطبيقات. وفي المقابل يُصنف تطبيقنا للفئة العمرية 12 أو للمراهقين في متجري التطبيقات (أبل) و(أندرويد)...»... واستطرد شارحاً «تولي (سناب شات) الخصوصية والأمان أهمية قصوى، وهما محل اعتبار في جميع أعمالنا. وهذا الاهتمام يحظى بتقدير واسع من قبل جمهورنا في المنطقة. وفي هذا الإطار، أطلقنا أخيراً ميزة (مركز العائلة) في السعودية، بالتعاون مع (الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع) كي يتاح المجال أمام الآباء للاطلاع على حياة أبنائهم المراهقين على الإنترنت... ومعرفة من يتكلم معهم على (سناب شات)، من دون انتهاك خصوصيتهم وسلامتهم».

ثم أوضح: «يخضع محتوى الفيديو على منصتنا للإشراف المسبق، ويُبث وفق توجيهات معينة، إذ تختار المنصة العروض التي يصار إلى تشغيلها في خاصية (القصص)، ما يوفر لمجتمعنا معلومات آمنة وموثوقة ودقيقة من شركاء مختارين. وهنا نشير إلى أنه لا توجد لدينا واجهة عرض أخبار أو محتوى مفتوحة تُوصي بمحتوى غير مرغوب فيه أو مثير أو ضار، بينما تتوافر إرشادات جديدة متعلقة بالمحتوى والأهلية من (سناب شات)، كلها تهدف إلى جعل المنصة مكاناً أفضل وأكثر أماناً لمستخدميها».

 

المعلومات الكاذبة والحد من الشائعات

وحول التحكم في نشر المعلومات الكاذبة والحد من الشائعات، قال فريجة: «نبذل في (سناب شات) مجهوداً كبيراً في هذا الشأن، إذ نطوّر باستمرار خوارزميات الرصد للمحتوى قبل نشره على خاصية (سبوت لايت Spotlight)»، لافتا إلى أنه فيما يخصّ البرامج على «ديسكوفر Discover» فإنه يُراجَع بشرياً ورقمياً قبل اعتماده ونشره، الأمر الذي يسهم في الحد من المعلومات المضللة... وعلى فكرة، تحتل منصة «سناب شات» المرتبة الدنيا عالمياً لجهة تعرض مستخدميها لمحتوى مزيف أو مريب.

القيمة الإضافية

من ناحية أخرى، شدد المدير العام لـ«سناب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» على أن الشركة «تؤمن بأهمية الكاميرا ودورها في الارتقاء بأسلوب حياة الناس وطرق تواصلهم»، وتابع «هذا ما نقوم به من خلال مساعدتهم على التعبير عن أنفسهم والاستمتاع بكل لحظة في حياتهم واكتشاف العالم من حولهم، إذ تعمل (سناب شات) على بناء علاقات حقيقية وتسليط الضوء على اللحظات الممتعة التي نعيشها في عالمنا الواقعي، بدلاً من إبعاد الناس عنها».

ثم لفت إلى أن المنصة توفّر «طريقة سلسة وصادقة للتواصل مع الأصدقاء والعائلة بشكل بسيط وعفوي ومن دون تكلّف. وهذا هو السبب وراء اكتسابها هذه الشهرة الواسعة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وحول العالم، إذ جرى تصنيفها كأفضل منصة في السعودية، بعدما وصلت نسبة مستخدميها في المملكة إلى 90 في المائة من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و34 سنة». وما يستحق الإشارة أيضاً أن عدد المستخدمين النشطين على الصعيد الدولي يومياً وصل إلى 397 مليون في الربع الثاني من عام 2023، بزيادة قدرها 50 مليونا أو 14 في المائة على أساس سنوي.

 

مصادر الدخل

وحول مصادر الدخل الرئيسية لمنصة «سناب تشات» حالياً -في الوقت الذي أظهرت فيه النتائج المالية الأخيرة أن الإيرادات غير كافية لتغطية التكاليف، ما أدى إلى زيادة الضغط على المنصة-، قال فريجة «تنظر الشركات والعلامات التجارية إلى (سناب شات) أنها منصة زاخرة بالفرص ومكان لنسج علاقات حقيقية تستطيع من خلالها تحقيق نتائج إيجابية لأعمالها... وتشير تجاربنا إلى أن الشركاء يطمحون إلى إيجاد أماكن تتعزّز فيها المشاركة الإيجابية والسعيدة والآمنة للعلامة التجارية، والقصد أماكن يكون فيها الجمهور متقبلاً ومتفاعلاً».

وأضاف «نحن في (سناب شات) نعطي هذه القيم أولويتنا، وتُعد جزءاً أساسياً من مبدأ عمل منصتنا، وتنسجم مع الفرص القيّمة المُتاحة للوصول إلى جمهور محلي واسع». ثم لفت إلى أنهم يسعون دائماً للاستثمار في أدوات قياس ورصد البيانات، وسواءً أطلقت العلامات التجارية إعلانات فيديو، أو حملة قائمة على الواقع المعزز، أو كلتيهما، فإنها ستحقق على «سناب تشات» نتائج مثمرة تنسجم وأهدافها في زيادة المبيعات أو بناء علامتها التجارية. وزاد «تُدرك شركة (سناب) أهمية الإعلان كمصدر رئيسي للإيرادات، إلا أننا نعمل أيضاً على ابتكار نماذج جديدة لتوليد عائدات تحقق قيمة إضافية لشركائنا ومجتمعنا... وفي مثال آخر على تنويع مصادر الإيرادات، أطلقت الشركة خدمة الاشتراك في (سناب شات بلس)، التي تقدم خصائص حصرية وتجريبية ومزايا ما قبل الإصدار إلى أكثر من 4 ملايين مشترك في الربع الثاني من عام 2023، بعد عام واحد فقط من إطلاقها».

 

«الواقع المعزّز»

وحول تقنية «الواقع المعزّز»، شدد فريجة على أن «التقنية بدأت كأداة مسلّية وممتعة للتعبير عن الذات، غير أن تكنولوجيا اليوم يجري استثمارها على نحو فاعل لتعود بالنفع على حياة الناس... وشركاؤنا من العلامات التجارية يدركون أهمية الاستثمار في هذا المجال نظراً لما يزخر به من فرص». وأضاف «على سبيل المثال، لدى 80 في المائة من المستهلكين في كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة رغبة وتوقع باستخدام الواقع المعزز (كأداة) عملية في حياتهم اليومية، كذلك وجدنا أن تفاعل المستهلك مع منتجات لديها تجارب مع الواقع المعزز يؤدي إلى معدل تحويل أعلى (من زوار إلى مشترين) بنسبة 94 في المائة».

ثم واصل «كذلك أبدى ما يزيد على 80 في المائة من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع اهتمامهم باستخدام (الواقع المعزّز) للتفاعل مع أحد المنتجات قبل شرائه. ونجحت الكثير من الشركات العالمية والمحلية على اختلاف فئاتها في زيادة مبيعاتها وتعزيز مشاركتها من خلال معارض (الواقع المعزز) وتجريب المنتجات افتراضياً وتجارب أخرى قائمة على هذه التقنية».

 

«استوديو صناع المحتوى» في المملكة العربية السعودية

المدير العام لـ«سناب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» ذكر، من جهة ثانية، أن السعودية ستصبح المحطة الأولى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تفتتح استوديو تابعا للشركة لصناع المحتوى، مشيراً إلى أن هذه الخطوة تجسّد التزامهم بخدمة مجتمعات «سناب» الأكثر مشاركةً وتفاعلاً في عدد من كبرى أسواق الشركة في العالم. وأردف «اليوم صار لتقنياتنا ومنتجاتنا وخدماتنا دور تطويري فاعل في كيفية تعامل الناس في المملكة مع العالم من حولهم، سواءً عبر الإنترنت أو في العالم المادي المحسوس، الأمر الذي أسهم في ازدهار مجتمع مبدعي المحتوى في البلاد، وأثرى منصة (سناب شات) بتجارب جديدة. وسيعمل (استوديو صُناع المحتوى) الجديد لدينا على دعم منظومة صنّاع المحتوى المتنامية في المملكة وتمكينهم من خدمة المجتمع على نحو أفضل».

وتابع «سيسمح لنا (استوديو صُناع المحتوى المعزز) تقديم الدعم للجيل القادم من المبدعين والارتقاء بثقافتهم وتحفيزهم على استخدام إمكانيات كاميرا (سناب) عبر قطاعات متنوعة مثل الفنون، والتعليم، والإعلام، والثقافة».

واختتم «نحن على ثقة بأن (استوديو صُناع المحتوى) سيعود بالنفع الكبير على مجتمع (سناب شات) بأكمله في السعودية، بدءاً من مُبدعي (الواقع المعزز) إلى (نجوم سناب) وشركاء الإعلام المحليين وكذلك جميع مستخدمي المنصة. وسيسهم الاستوديو أيضاً في تنمية الاقتصاد الرقمي في السعودية اتساقا مع (رؤية 2030)...».

 


مقالات ذات صلة

عبد الله بن زايد: الإمارات غير مستعدة لدعم اليوم التالي من حرب غزة دون قيام دولة فلسطينية

الخليج الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية الإماراتي (وام)

عبد الله بن زايد: الإمارات غير مستعدة لدعم اليوم التالي من حرب غزة دون قيام دولة فلسطينية

قال الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية في الإمارات، إن بلاده غير مستعدة لدعم اليوم التالي من الحرب في غزة دون قيام دولة…

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
الخليج علم الإمارات (رويترز)

الإمارات تنجح في وساطة ثامنة بين روسيا وأوكرانيا لإطلاق 206 أسرى

قالت الإمارات إن جهودها نجحت في وساطة قامت بها بين روسيا وأوكرانيا، عبر إنجاز عملية تبادل أسرى حرب جديدة، شملت 206 أسرى، مناصفة من الجانبين، ليصل العدد…

«الشرق الأوسط»
شمال افريقيا مصطفى مدبولي خلال زيارته لـ«رأس الحكمة» الشهر الماضي (مجلس الوزراء المصري)

الحكومة المصرية تتابع مستجدات «رأس الحكمة»

أكد وزير الإسكان المصري شريف الشربيني، السبت، أنه تم وضع خطة لتسليم أراضي «رأس الحكمة» بإجمالي 40 ألف فدان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الخليج الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات ولي تشيانغ رئيس مجلس الدولة في الصين (وام)

محمد بن زايد يبحث مع رئيس مجلس الدولة في الصين العلاقات الثنائية وقضايا إقليمية ودولية

بحث الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، ولي تشيانغ رئيس مجلس الدولة في الصين، اليوم، مختلف أوجه التعاون والعمل المشترك.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
الخليج الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان وناريندرا مودي رئيس الوزراء الهندي خلال اللقاء اليوم في نيودلهي (وام)

ولي عهد أبوظبي يجري محادثات رسمية في الهند حول العلاقات الثنائية

بحث ولي عهد أبوظبي الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان وناريندرا مودي، رئيس الوزراء الهندي، العلاقات الاستراتيجية بين الطرفين وسُبل تعزيزها.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)

الإعلام ووسائل التواصل تحاصر السلطات الثلاث في العراق

ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»
ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»
TT

الإعلام ووسائل التواصل تحاصر السلطات الثلاث في العراق

ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»
ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»

للمرة الأولى في العراق، منذ تغيير النظام عام 2003 بواسطة الدبابة الأميركية، تتمكّن وسائل الإعلام العادية ووسائل التواصل الاجتماعي من محاصرة السلطات الثلاث في البلاد، أي التشريعية والتنفيذية والقضائية.

إذ لا يكاد يمر يوم واحد من دون أن تتناول وسائل الإعلام إحدى السلطات الثلاث أو كلها مجتمعة، إلى الحد الذي دفع أحد أبرز قيادات النظام السياسي وأحد آبائه المؤسسين، وهو نوري المالكي - ثالث رئيس وزراء عراقي بعد التغيير - إلى التحذير في كلمة متلفزة من نقل كل ما يدور في أروقة هذه السلطات إلى الإعلام.

جاءت كلمة المالكي المتلفزة في خضم تفجر تبعات تضارب المصالح والسياسات وتراكم حالات الفساد التي وصلت إلى ما بات يُوصف في وسائل الإعلام بـ«سرقة القرن».

وسعى المالكي في كلمته، إلى دغدغة مشاعر الجماهير، وبالذات، جماهير الأحزاب السياسية التي هي في الوقت نفسها مادتها في الانتخابات. لكن، في حين يعترف المالكي بأنه ليس هناك شيء يهدد الدولة مثل «اضطراب العلاقة بين السلطات الثلاث»، حذّر من حصول سوء تفاهم، وقال بضرورة أن «تسير الأمور وفق الاتصالات والتفاهمات بينها حتى تستقر العملية السياسية». كذلك نبّه في الوقت نفسه إلى ضرورة منع نقل اختلال العلاقة واضطرابها والمشاكل المترتبة عليها إلى «وسائل الإعلام».

تخمة إعلامية

غير أن العراق اليوم حافل بوسائل الإعلام المختلفة والمتعددة، كون غالبية الأحزاب والقوى السياسية باتت تملك وسائل إعلامها الخاصة بها (من صحف وفضائيات وإذاعات بل حتى وكالات). وبالتالي، فإن «الحرب» التي تشنّها وسائل الإعلام ضد هذا الطرف أو ذاك من داخل الطبقة السياسية، وإن كانت تبقى محصورة في نطاق التنافس والابتزاز أحياناً عبر التهديد بالكشف عن ملفّات معينة، تكمن خطورتها أحياناً في أنها تخرج عن السيطرة وتتحول إلى أزمة تهدّد النظام السياسي بكامله.

أيضاً، يرى العراقيون أن المكسب الوحيد الذي حصلوا عليه بعد عام 2003 هو الديمقراطية، وهذا على الرغم من أن حرية التعبير المنصوص عليها في الدستور لم تُنظّم بقانون حتى الآن. فواقع الحال أن وسائل الإعلام، سواءً كانت «ميديا» أو «سوشيال ميديا»، لعبت خلال الفترة الأخيرة دوراً مهماً على صعيد الكشف والمحاسبة ومحاصرة السلطات في عديد من الملفات والقضايا، التي باتت ساحتها وسائل الإعلام، لتتحوّل من ثمّ إلى قضايا رأي عام.

من ناحية ثانية، على الرغم من امتلاك معظم القوى السياسية وسائل إعلامها الخاصة، فإن صراع الأقطاب السياسيين بشأن الملفات المطروحة وتصادمها وتناقضها، يجعل من الحرب الناجمة عن ذلك عرضة للتشظي السريع. وبالتالي، تتحوّل إلى مادة؛ إما يسخر منها الجمهور وإما يتفاعل معها بطرق في الغالب سلبية. ومعلومٌ أن القوى السياسية بدأت منذ الآن «اللعب على وتر» الشعبوية لاستثارة الجمهور العاطفي تمهيداً للانتخابات المبكرة. إذ إن قضايا، مثل قانون العفو العام، سرعان ما تتحول إلى مادة للسخرية والتهجّم على عديد من القيادات السنّية. والأمر نفسه ينطبق على محاولات تعديل قانون الأحوال الشخصية، الذي تتبنّاه قوى شيعية فاعلة، في محاولة منها لاستمالة أعلى نسبة من الجمهور الشيعي... الذي يعيش انقساماً بيّناً داخل المكون الشيعي.

ذكاء اصطناعي بالمقلوب

على صعيد آخر، تنشط وسائل الإعلام ووسائطه المختلفة، بما في ذلك ما يُسمى «الجيوش الإلكترونية». وهذه في الغالب اختصاص الأحزاب والقوى السياسية في متابعة الأحداث، وبخاصة قضايا الفساد، كونها المادة الأكثر إثارة عاطفية للجمهور العراقي.

إلا أن التحوّل الأخطر اليوم هو دخول الذكاء الاصطناعي على الخط. ففي حين يسعى كثير من الدول إلى الاستفادة من الذكاء الاصطناعي بكل ما هو إيجابي، فطبقاً لما جرى تداوله أخيراً في العراق على نطاق واسع، تسريبات صوتية تخصّ رئيس «هيئة النزاهة» حيدر حنون، وتتهمه بتلقي رشى لقاء تسهيلات معينة في «الهيئة».

الجديد في الأمر أن وسائل الإعلام حاولت اللعب على وتيرة ما قيل إن هذه التسريبات ليست حقيقية بل هي عملية مفبركة من خلال الذكاء الاصطناعي. ولكن بصرف النظر، عما إذا كانت التسريبات حقيقية أم لا - خصوصاً أن القضاء الذي يحقّق بالأمر لم يقل كلمته بعد - فإن الأحكام في الغالب بدأت تصدر من خلال التناول المكثّف لمثل هذه القضايا عبر وسائل الإعلام. وطبعاً، بقدر ما يؤثّر مثل هذا الضغط الإعلامي الواسع في تغيير وجهات نظر الناس، والتأثير فيهم، فإنه في النهاية يؤدي إلى مزيد من الإرباك وزيادة الغموض بين ما هو صحيح وما هو مفبرك.

تضارب الآراء هذا لا يعني أن قضية التسريب هي الأولى من نوعها في العراق، لكن الناس، في مطلق الأحوال، صاروا يشكّكون في التوقيت والسبب وراء نشر أمور كهذه أمام الجميع وتحت متناول وسائل الإعلام... كي تنتج منها ظاهرة خطيرة قد تُشعل الأجواء أو تغيّر النظام. وعلى الرغم من أن أزمات من هذا العيار قد تكون مدوّية وفاضحة للنظام السياسي، فإنها حتماً ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، ذلك أنه سبق أن انتشرت تسريبات صوتية لنوري المالكي، نفسه، قبل سنتين، وأحدثت ضجة كبيرة في الأوساط العراقية، لكن الأزمة سرعان ما انتهت من دون ترك أثر سياسي خطير يُذكر.

طبيعة النظام وأزمات الإعلام

في النهاية، يقول مراقبون إن طبيعة النظام السياسي في العراق أصبحت جزءاً من عملية «صنع الأزمة الإعلامية» والتلاعب عليها... سواءً كانت عبر التنافس بين القوى السياسية أو عبر التسقيط والابتزاز وفضح الآخرين. كذلك بات المواطن العراقي يفهم جيداً طريقة التلاعب والابتزاز في صفحات التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية. والحال، أن الخبر في العراق قد يمتد صداه إلى ثلاثة أيام فقط وبعدها ينتهي، والسبب أن المواطن اعتاد على أزمات سياسية بين القوى والأحزاب... على هذا المستوى أو حتى أعلى. وأيضاً، فإن وسائل «السوشيال ميديا» ساعدت في تسطيح الأزمات السياسية الخطيرة في العراق، إما عبر التهكّم بجعلها مادة للسخرية والتنمّر الاجتماعي، وإما عبر التذمّر والامتعاض الذي يؤدي إلى رفض كامل للواقع السياسي.