«غولدمان ساكس»: الذكاء الاصطناعي لن ينقذ اقتصاد بريطانيا
عوائده الاقتصادية محدودة
لندن:«الشرق الأوسط»
TT
لندن:«الشرق الأوسط»
TT
«غولدمان ساكس»: الذكاء الاصطناعي لن ينقذ اقتصاد بريطانيا
غيّر بنك غولدمان ساكس، الذي كان في يوم من الأيام داعماً قوياً للذكاء الاصطناعي موقفه بشأن الفوائد المحتملة لهذه التكنولوجيا، مشيراً بدلاً من ذلك إلى أنه من غير المتوقع أن يقدم الذكاء الاصطناعي أي دفعة ملموسة للكفاءة الإنتاجية للاقتصاد.
عوائد الذكاء الاصطناعي محدودة
وأفاد تقرير في صحيفة «سيتي إيه إم» المتخصصة بأخبار المال والأعمال في لندن، بأن البنك نشر ورقة بحثية تفيد بأن فوائد الإنتاجية والعوائد التي تقدمها نظم الذكاء الاصطناعي ستكون على الأغلب محدودة أكثر من المتوقع.
ومقابل ذلك ستكون الطاقة المطلوبة لتشغيل تلك النظم أكبر بكثير مما كان متوقعاً، مما سيؤدي الى طلب كبير عليها إلى الحد الذي سيضطر الشركات المنتجة للطاقة إلى إنفاق ما يقرب من 40 في المائة أكثر في السنوات الثلاث المقبلة لمواكبة الطلب.
تصاميم لا تحل المشكلات المعقدة
وقال جيم كوفيلو، رئيس أبحاث الأسهم العالمية في بنك غولدمان ساكس: «إن التكنولوجيا باهظة الثمن بشكل استثنائي، ولتبرير هذه التكاليف، يجب أن تكون التكنولوجيا قادرة على حل المشكلات المعقدة، التي لم تصمم نظم الذكاء الاصطناعي لحلها حتى الآن. وفي غضون ذلك، سوف تحصل شركات التكنولوجيا الضخمة على إيرادات إضافية من الذكاء الاصطناعي». ويأتي التقرير في الوقت الذي انطلقت فيه دعوات تحث حكومة حزب العمال البريطانية الجديدة على تسخير الإمكانات الثورية الحقيقية للذكاء الاصطناعي للمساعدة في تعزيز النمو والإنتاجية في القطاع العام.
وبنك غولدمان ساكس هو مؤسّسة خدمات ماليَّة واستثماريَّة أميركية متعددة الجنسيَّات، وتُعدّ من أشهر المؤسسات المصرفيَّة في الولايات المتَّحدة والعالم، ولديها أكثر من 850 مليار دولار أميركي من إجمالي الأصول.
الذكاء الاصطناعي: الشكوك تحوم حول فاعليته الاقتصادية
على الرغم من ظهور أجهزة الكومبيوتر الشخصية، والإنترنت، وغير ذلك من الابتكارات التكنولوجية العالية، فإن الكثير من العالم الصناعي عالق في ركود النمو الاقتصادي، حيث من المتوقع أن تتوسع بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في الإجمال بنسبة 1.7 في المائة فقط هذا العام.
تحسين متواضع
يطلق خبراء الاقتصاد أحياناً على هذه الظاهرة مفارقة الإنتاجية productivity paradox. وكتب برنهارد وارنر (*) أن الأمل الجديد الكبير هو أن يكسر الذكاء الاصطناعي هذا الرتابة - لكن الشكوك تحوم حول ذلك.
وقد أثارت ورقة بحثية متشككة بشكل خاص كتبها دارون أسيموغلو Daron Acemoglu، خبير اقتصاد العمل في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، نقاشاً ساخناً. وخلص أسيموغلو إلى أن الذكاء الاصطناعي لن يساهم إلا في إحداث تحسين «متواضع» لإنتاجية العامل الفرد الواحد، وأنه لن يضيف أكثر من 1 في المائة إلى الناتج الاقتصادي الأميركي على مدى العقد المقبل.
وهذا الرقم يتضاءل، مقارنة بتقديرات خبراء اقتصاد بنك غولدمان ساكس، الذين توقعوا العام الماضي أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكن أن يرفع الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 7 في المائة خلال الفترة نفسها.
آمال المعسكر المتفائل
وقد علق المعسكر المتفائل آمالاً كبيرة على الذكاء الاصطناعي، إذ يرى سام ألتمان من شركة «أوبن إيه آي OpenAI» المصنعة لـ«تشات جي بي تي» ChatGPT أن الذكاء الاصطناعي سيقضي على الفقر.
وقال جينسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة «نيفيديا»، المهيمنة على صناعة الرقائق المستخدمة لتشغيل الذكاء الاصطناعي، إن التكنولوجيا بشرت بـ«الثورة الصناعية القادمة».
ولكن إذا كانت المحركات الذكية مخطئة، فقد يسبب ذلك مشكلة للعالم المتقدم، الذي يحتاج بشدة إلى اختراق في الإنتاجية مع تقدم قوة العمل في السن، وانحدارها.
الذكاء الاصطناعي لن يعكس الركود
هذا ما قاله أسيموغلو لصحيفة «نيويورك تايمز». وأحد أسباب لك، هو أن التكنولوجيا الجديدة هذه يمكنها أتمتة نحو 5 في المائة فقط من مهام موظف المكتب. وأضاف «الذكاء الاصطناعي لديه الكثير ليقدمه للمساعدة في مشكلة الإنتاجية. لكنه لن يفعل ذلك على مساره الحالي؛ ولهذا السبب أنا منزعج للغاية من الضجيج المثار حوله».
دارون أسيموغلو
يرى أسيموغلو الذكاء الاصطناعي كأداة يمكنها أتمتة المهام الروتينية - على سبيل المثال، تسريع كتابة رسائل البريد الإلكتروني أو عروض المبيعات أو وضع رموز الكومبيوتر الأساسية. ولكن هل من الممكن أن يساعد ذلك العمال على مواجهة تحديات أكثر تعقيداً مثل تطوير استراتيجية عمل لإطلاق منتج جديد؟
وتساءل عما إذا كانت التكنولوجيا وحدها قادرة على مساعدة العمال «على أن يكونوا أفضل في حل المشكلات أو القيام بمهام أكثر تعقيداً». وأضاف أن تحقيق ذلك سيعني أن الشركات سوف تشهد ارتفاع إنتاجية العمال.
فقاعة مضاربات مالية
ربما لا تكون وجهة نظر أسيموغلو المتشائمة مفاجئة. فقد كان يكتب لعقود من الزمان عن التأثيرات الإيجابية والسلبية لتأثير التكنولوجيا على سوق العمل والاقتصاد. وحذر من أن سباق التسلح بين شركات التكنولوجيا الكبرى للهيمنة على الذكاء الاصطناعي قد يكون له تأثير مزعزع للاستقرار على المجتمع.
وهو ليس الوحيد الذي يشكك في ضجة الذكاء الاصطناعي. فقد حذر ديفيد كاهن، الشريك في شركة رأس المال الاستثماري العملاقة «سيكويا»، والمحللون في باركليز وغولدمان ساكس أخيراً من أن المليارات من الدولارات التي تصبها الشركات في الذكاء الاصطناعي قد تخلق فقاعة مضاربات. (ومع ذلك، قادت سيكويا للتو جولة تمويلية لشركة فايرووركس إيه آي الناشئة).
نظم ذكية لخفض التكاليف وعدم الكفاءة
ويقول المنتقدون إن أسيموغلو يقلل من أهمية إمكانات الذكاء الاصطناعي في تحفيز التقدم العلمي وتأثيره على عالم الأعمال. ويقول تايلر كاون، الخبير الاقتصادي الذي قال إن النموذج وراء دراسة أسيموغلو خاطئ: «ستأتي الكثير من فوائد الذكاء الاصطناعي من التخلص من الشركات الأقل إنتاجية».
وتبدو ليندا غراتون، أستاذة ممارسات الإدارة في كلية لندن للأعمال التي تقدم المشورة للشركات بشأن تبني الذكاء الاصطناعي، متفائلة. لكنها تعتقد أنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت التكنولوجيا ستكون تطبيقاً قوياً جداً لتعزيز الإنتاجية حتى يتم اختبارها في مكان العمل على مدى السنوات القليلة المقبلة.
تحفيز الابتكار
وقالت غراتون إن الشركات تجري بالفعل تجارب ذكاء اصطناعي نابضة بالحياة. وأضافت أن بعض الشركات ستنظر إلى الذكاء الاصطناعي «كأداة لخفض التكاليف وعدم الكفاءة. ولكن إذا كانت الشركة تريد البناء من أجل النمو، فستحتاج إلى أدوات للابتكار».
ويشير أسيموغلو أيضاً إلى أهمية تحفيز الابتكار لتعزيز كفاءة مكان العمل، وبالتالي جعل البلدان المتقدمة في السن أكثر قدرة على المنافسة.
ولكن هل الذكاء الاصطناعي هو الأداة اللازمة لتحقيق ذلك؟ أجاب على هذا السؤال برقم: 40 في المائة... أي أنه إذا كانت أدوات الذكاء الاصطناعي قادرة على أتمتة هذه النسبة تقريباً من عبء المهام الذي ينجزه العامل النموذجي، فإنه سيعيد النظر في موقفه من التكنولوجيا. وأضاف: «أنا لست متشائماً تماماً».