هل يمكن إعادة تدوير الخرسانة المستعملة في البناء لتقليل انبعاثات الكربون؟

علماء في جامعة كمبريدج يجيبون...

كان الدافع وراء البحث هو الحاجة الماسة لتقليل الانبعاثات الناتجة عن الإسمنت الذي يشكل نحو 90 % من انبعاثات الخرسانة (شاترستوك)
كان الدافع وراء البحث هو الحاجة الماسة لتقليل الانبعاثات الناتجة عن الإسمنت الذي يشكل نحو 90 % من انبعاثات الخرسانة (شاترستوك)
TT

هل يمكن إعادة تدوير الخرسانة المستعملة في البناء لتقليل انبعاثات الكربون؟

كان الدافع وراء البحث هو الحاجة الماسة لتقليل الانبعاثات الناتجة عن الإسمنت الذي يشكل نحو 90 % من انبعاثات الخرسانة (شاترستوك)
كان الدافع وراء البحث هو الحاجة الماسة لتقليل الانبعاثات الناتجة عن الإسمنت الذي يشكل نحو 90 % من انبعاثات الخرسانة (شاترستوك)

في خطوة تهدف إلى تطوير البناء المستدام، كشف باحثون من جامعة كمبريدج في بريطانيا عن طريقة لإنتاج خرسانة منخفضة الانبعاثات الكربونية. يحمل هذا الابتكار القدرة على تحقيق تقدم كبير في التحول العالمي إلى صافي الانبعاثات الصفرية. ومن خلال الاستفادة من الأفران التي تعمل بالكهرباء لإعادة تدوير الفولاذ (تسمى «أفران القوس»)، اكتشف الباحثون طريقة جديدة لإعادة تدوير الإسمنت، وهو المكوّن الأساسي للخرسانة المعروف ببصمته الكربونية العالية.

أفران تعمل بالطاقة الكهربائية لإعادة تدوير الإسمنت (نايتشور)

حقائق

7.5 %

هو ما تمثله الخرسانة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون البشرية المنشأ على مستوى العالم.

والخرسانة هي ثانية أكثر المواد استخداماً على وجه الأرض بعد الماء.

توصل فريق البحث بقيادة البروفسور جوليان ألوود والدكتور سيريل دونانت، من قسم الهندسة بجامعة كمبريدج، إلى طريقة لإعادة تدوير الإسمنت المستخدم عن طريق استبدال تدفق الجير في عمليات إعادة تدوير الفولاذ. يُستخدم تدفق الجير تقليدياً لإزالة الشوائب خلال إنتاج الصلب، وعادة ما يصبح نفايات. ومن خلال استبدال الإسمنت المستعمل بالجير، يكون المنتج النهائي عبارة عن إسمنت معاد تدويره، الذي يمكن استخدامه بعد ذلك لإنشاء خرسانة جديدة.

هذه الطريقة المبتكرة، المفصلة في دراسة منشورة في «نايتشور»، لا تزيد بشكل كبير من تكاليف إنتاج الخرسانة أو الفولاذ؛ بل تقلل من الانبعاثات من كلتا الصناعتين عن طريق تقليل الحاجة إلى تدفق الجير. وقد أثبتت الاختبارات الأولية التي أجراها «معهد معالجة المواد»؛ الشريك في المشروع، نجاح إنتاج الإسمنت المعاد تدويره على نطاق واسع في أفران الكهرباء.

وأشار  البروفسور ألوود إلى الدور الحاسم للإسمنت في البناء قائلاً: «إنه لا يمكن لأحد أن يتصور عالماً دون أسمنت». ويتابع أنه على الرغم من وجود نسبة صغيرة من الخرسانة، فإن الإسمنت يبقى المسؤول عن نحو 90 في المائة من انبعاثاته، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى درجات الحرارة المرتفعة والعمليات الكيميائية المشاركة في إنتاجه.

حقائق

1450 درجة مئوية

هي ما تتطلبه عملية تسخين الحجر الجيري والمواد الأخرى داخل الأفران لإنتاج الإسمنت التقليدي، وهي عملية تنبعث منها كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون.

وفي حين أن البدائل، مثل الرماد المتطاير، من الممكن أن تحل محل ما يصل إلى نصف الإسمنت في الخرسانة، فإنها تتطلب التنشيط بواسطة الإسمنت المتبقي حتى يتصلب، والمعروض من مثل هذه البدائل غير كاف لتلبية الطلب العالمي، الذي يبلغ نحو 4 مليارات طن سنوياً.

ومن خلال اختبارات صارمة، وجد الفريق أن الإسمنت المستخدم، عند دمجه مع أكسيد الحديد في خَبَث صناعة الصلب، ينتج مادة فعالة للغاية. أدى التبريد السريع لهذا الخَبَث إلى إعادة تنشيط الإسمنت دون إضافة تكاليف إنتاج الصلب. على الرغم من أن الإسمنت المعاد تدويره يحتوي مستويات أعلى من أكسيد الحديد مقارنة بالإسمنت التقليدي، فإن هذا لا يؤثر بشكل كبير على أدائه.

أثبتت الاختبارات الأولية جدوى إنتاج الإسمنت المعاد تدويره على نطاق واسع دون أي انبعاثات إذا جرى تشغيله بالطاقة المتجددة (شاترستوك)

تتوسع عملية تصنيع الإسمنت بهذه الطريقة الكهربائية في كمبريدج بسرعة، مع توقعات بإنتاج ما يصل إلى مليار طن سنوياً بحلول عام 2050؛ أي نحو ربع إنتاج الإسمنت العالمي الحالي. و أكد ألوود على أن تقليل الاستخدام الإجمالي للإسمنت والخرسانة أمر بالغ الأهمية أيضاً. وأوضح أن «الخرسانة رخيصة وقوية ومتوفرة على نطاق واسع، ولكننا نستخدم كثيراً منها». وعدّ أنه «يمكن تقليل الاستخدام بشكل كبير دون المساس بالسلامة، لكن ذلك يتطلب إرادة سياسية».

ويأمل الباحثون ألا يؤدي هذا الاختراق إلى تحويل صناعة البناء والتشييد فحسب؛ بل أن يشير أيضاً على صناع السياسات بالفرص الهائلة للابتكار في السعي لتحقيق انبعاثات صفرية. وقد قدم الفريق براءة اختراع لدعم تسويق عمليتهم، بتمويل من «Innovate UK» و«مجلس أبحاث العلوم الهندسية والفيزيائية»، وهو جزء من «المملكة المتحدة للأبحاث والابتكار».

في الوقت الذي يواجه فيه قطاع البناء ضغوطاً متزايدة لتقليل بصمته الكربونية، يمثل «مشروع كمبريدج للإسمنت الكهربائي» قفزة واعدة إلى الأمام في مجال مواد البناء المستدامة، مما يمهد الطريق لمستقبل أكثر صداقة للبيئة.


مقالات ذات صلة

«ضربة مزدوجة» للصحة: الحرارة الشديدة تُفاقم تلوث الهواء

صحتك «ضربة مزدوجة» للصحة: الحرارة الشديدة تُفاقم تلوث الهواء

«ضربة مزدوجة» للصحة: الحرارة الشديدة تُفاقم تلوث الهواء

الإرهاق الحراري يزيد خطر إجهاد القلب بينما يؤدي الهواء الملوث إلى تفاقم أمراض الجهاز التنفسي

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الخليج محطات تحلية المياه (شركة المياه الوطنية)

السعودية: تقنيات جديدة لنزع العناصر المشعة من مصادر المياه

أكد مسؤول سعودي، أن المملكة لديها تقنيات متقدمة تساعد في نزع العناصر المشعة من مصادر المياه.

أسماء الغابري (جدة)
صحتك دواء ريفامبين فعّال ضد البكتيريا المسببة لحمى التيفوئيد (جامعة كورنيل)

دواء يقضي على حمى التيفوئيد بنسبة 99.9 %

كشفت دراسة أميركية أن مضاداً حيوياً شائع الاستخدام يُعرف باسم «ريفامبين» (Rifampin) أثبت فاعلية بنسبة 99.9 % ضد البكتيريا المسببة لحمى التيفوئيد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد خلال مؤتمر المحيطات بمدينة نيس الفرنسية (رئاسة الجمهورية)

الرئيس العراقي: نواجه تحدياً كبيراً بانحسار المياه في نهري دجلة والفرات

حذر الرئيس العراقي، عبد اللطيف جمال رشيد، من أن بلاده تواجه تحديات خطيرة جراء التراجع الحاد في منسوب مياه نهري دجلة والفرات المصدرين الأساسيين للمياه في العراق.

فاضل النشمي (بغداد)
يوميات الشرق ضياع الهيمالايا في زمن الضباب (غيتي)

الهيمالايا تختفي خلف الضباب... رحلة في قلب التلوّث الصامت

نشأ نافين سينغ خادكا في عاصمة نيبال وهو يشاهد جبال الهيمالايا، ومنذ غادرها، افتقد الاستمتاع بالمَشاهد الخلّابة لبعضٍ من أعلى القمم الجبلية على وجه الأرض.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«جنسبارك» تطلق أول نظام ذكي في العالم قائم على تعاون وكلاء الذكاء الاصطناعي

«جنسبارك» منصة ذكاء اصطناعي توفّر أدوات ذكية للمستندات والجداول والعروض يديرها وكلاء مستقلون ينفذون المهام تلقائياً بدقة (جنسبارك)
«جنسبارك» منصة ذكاء اصطناعي توفّر أدوات ذكية للمستندات والجداول والعروض يديرها وكلاء مستقلون ينفذون المهام تلقائياً بدقة (جنسبارك)
TT

«جنسبارك» تطلق أول نظام ذكي في العالم قائم على تعاون وكلاء الذكاء الاصطناعي

«جنسبارك» منصة ذكاء اصطناعي توفّر أدوات ذكية للمستندات والجداول والعروض يديرها وكلاء مستقلون ينفذون المهام تلقائياً بدقة (جنسبارك)
«جنسبارك» منصة ذكاء اصطناعي توفّر أدوات ذكية للمستندات والجداول والعروض يديرها وكلاء مستقلون ينفذون المهام تلقائياً بدقة (جنسبارك)

أعلنت منصة «جنسبارك» Genspark، المتخصصة في تقديم حلول الذكاء الاصطناعي التفاعلي، عن توسيع نطاق خدماتها بإطلاق «مستندات Genspark الذكية»، أول منشئ مستندات ذكاء اصطناعي كامل الوكالة في العالم، يدعم كلاً من «النص المنسق» ولغة «ماركداون» في آنٍ واحد، في خطوة تهدف إلى إعادة تعريف تجربة المستخدم مع أدوات الكتابة الذكية.

ويأتي هذا الإطلاق ضمن رؤية «جنسبارك» للتحوّل إلى نظام تشغيلي متكامل قائم على ما يُعرف بـ«مزيج من الوكلاء»، حيث تتعاون مجموعة من الوكلاء الذكيين لتنفيذ المهام المعقدة بشكل متناغم وذاتي.

أبرز الأدوات الذكية الجديدة من Genspark

1. الوكيل الفائق Genspark

وكيل افتراضي مستقل قادر على تحليل الأوامر المعقدة وتنفيذها بشكل تسلسلي دون تدخل بشري متكرر.

مثلاً، عند طلب «إنشاء خطة تسويق لمنتج إلكتروني»، يقوم الوكيل بتحليل السوق وجمع البيانات ووضع الاستراتيجية وتنظيمها في مستند شامل.

2. شرائح العرض الذكية «AI Slides»

أداة متقدمة لتوليد عروض تقديمية كاملة بناءً على فكرة أو عنوان رئيسي.

على سبيل المثال، عند إدخال عبارة مثل «مستقبل التعليم بالذكاء الاصطناعي» يُنتج عرضاً يحتوي على مقدمة ومزايا وتحديات وحلول، مع تصميم متكامل وجاهز للعرض.

3. الجداول الذكية «AI Sheets»

خدمة لتوليد جداول البيانات وتحليلها باستخدام أوامر نصية بسيطة دون الحاجة لخبرة في برامج مثل «إكسل» (Excel).

عند طلب «تحليل مبيعات 2023»، يُنتج جدولاً متكاملاً بالبيانات والنسب والرسوم البيانية تلقائياً.

4. مستندات الذكاء الاصطناعي «AI Docs»

أداة تحرير نصوص مدعومة بالذكاء الاصطناعي تتيح إنشاء مستندات احترافية عبر التعليمات النصية.

يتميز النظام بعدد من الخصائص التي تضمن تجربة سلسة واحترافية. فهو يدعم التنسيق المزدوج، سواء باستخدام «النص المنسق» أو «ماركداون»، مما يمنح المستخدم مرونة في إعداد المحتوى. كما يوفّر طباعة تلقائية ذات جودة احترافية دون الحاجة لتدخل يدوي.

ويحتوي النظام على مكتبة من القوالب الجاهزة التي صممها محترفون، مما يسهّل على المستخدمين اختيار التصاميم المناسبة لمحتواهم. إلى جانب ذلك، يتيح الدمج المرئي الذكي مواءمة تصميم المستند تلقائياً مع الصور المستخدمة، ما يعزز الجانب البصري ويضفي لمسة احترافية.

كما يمكن استيراد البيانات بسهولة من مصادر متعددة مثل «لينكد إن» والمواقع الإلكترونية والمستندات المختلفة، بفضل نظام الاستيراد الذكي المدمج.

على سبيل المثال، عند إدخال أمر مثل «أنشئ تقريراً عن نمو قطاع التقنية في الشرق الأوسط» يُنتج مستنداً تنسيقياً متكاملاً قابلاً للتعديل الفوري.

5. خدمة «حمّلها لي» «Download For Me»

وكيل ذكي لتحميل الملفات تلقائياً من الإنترنت.

لو تم إدخال «تحميل تقرير الذكاء الاصطناعي من منظمة الصحة العالمية» يفعّل عملية بحث وتحميل تلقائية للنسخة الأصلية من المصدر الرسمي بصيغة «بي دي إف» (PDF).

أطلقت «جنسبارك» أدوات ذكية مستقلة لإنشاء المستندات والجداول والعروض وتحميل الملفات تلقائياً (جنسبارك)

تحديثات إضافية حديثة

يشمل التحديث الجديد مجموعة من الميزات المتقدمة التي تعزز الأداء وتوسّع من إمكانيات المستخدمين.

أبرزها ميزة «مكالمات الأدوات المتوازية»، التي تتيح تنفيذ المهام بسرعة تتراوح بين 2 و10 أضعاف، ما يوفّر وقتاً ثميناً ويسرّع سير العمل بشكل ملحوظ. كما تم إطلاق «بودكاست الذكاء الاصطناعي للأخبار»، وهو بودكاست تفاعلي يستخدم صوتاً بشرياً طبيعياً، ليقدّم تجربة واقعية ومباشرة لمتابعة الأخبار.

أما على صعيد النماذج، فقد أصبحت «نماذج الذكاء الاصطناعي المجانية» مثل «O3-Pro» من OpenAI و«Claude Opus 4» متاحة الآن لمشتركي الباقات المدفوعة، مما يفتح آفاقاً جديدة لتجربة أدوات متعددة ومتقدمة.

وفي مجال إنشاء المحتوى المرئي، توسعت المنصة لتدعم 16 نموذجاً للفيديو، ما يتيح إنتاج أشكال متنوعة من الفيديوهات حسب الحاجة.

وأخيراً، يأتي «نمط العمل» كمفهوم مبتكر للعمل الذكي، حيث يمكن إنجاز مهام معقدة من خلال إرشاد واحد فقط، وذلك بفضل تكامل الوكلاء الذكي داخل المنصة.

ترى «جنسبارك» أن مستقبل العمل لا يقتصر على إنتاجية أعلى، بل على تجربة ممتعة وأكثر ذكاءً. ووصفت الشركة نظامها الجديد بأنه «أول نظام في العالم قائم على مزيج من الوكلاء»، مما يمثل نقلة نوعية في العلاقة بين الإنسان والذكاء الاصطناعي.