خرائط ثلاثية الأبعاد للشعاب المرجانية عبر الذكاء الاصطناعي... في وقت قياسي

يقوم التركيب الكلسي لمستعمرات الشعاب المرجانية بتزويد السواحل بالأتربة عند تكسره (شاترستوك)
يقوم التركيب الكلسي لمستعمرات الشعاب المرجانية بتزويد السواحل بالأتربة عند تكسره (شاترستوك)
TT

خرائط ثلاثية الأبعاد للشعاب المرجانية عبر الذكاء الاصطناعي... في وقت قياسي

يقوم التركيب الكلسي لمستعمرات الشعاب المرجانية بتزويد السواحل بالأتربة عند تكسره (شاترستوك)
يقوم التركيب الكلسي لمستعمرات الشعاب المرجانية بتزويد السواحل بالأتربة عند تكسره (شاترستوك)

تتأثر الأنظمة البيئية البحرية بشكل واضح نتيجة التغير المناخي وتلوث المياه ما يحوّل انتباه العلماء والباحثين إلى أحد أكثر مكونات المحيط حيوية، وهي الشعاب المرجانية.

وتلعب هذه اللافقاريات البحرية المعقدة، التي تشكل الهياكل الخارجية لكربونات الكالسيوم، دوراً حاسماً في التنوع البيولوجي البحري.

وعلى الرغم من أنها تحتل أقل من 0.1 في المائة من قاع المحيط، فإن الشعاب المرجانية تعد موطناً لما يقرب من ثلث جميع الأنواع البحرية، وتوفر الموئل والمأوى لمجموعة واسعة من الحياة البحرية. وإلى جانب أهميتها البيئية، فإن للشعاب المرجانية تأثيراً مباشراً على المجتمعات البشرية، حيث توفر مصادر مهمة للأمن الغذائي والدخل من خلال السياحة لما يصل إلى نصف مليار شخص على مستوى العالم، كما هو موضح في بحث أجرته الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في الولايات المتحدة.

ديفيس تويا الأستاذ في مختبر «ECEO» أثناء غوصه في جيبوتي (LWimages)

صمود بعض أنواع شعاب المرجان

يؤدي تعرض النظم البيئية الحيوية للخطر نتيجة التهديدات المزدوجة المتمثلة في ارتفاع درجات حرارة البحر والتلوث الناجم عن الأنشطة البشرية، إلى تحول لونها إلى الأبيض، أو ما يعرف بابيضاض الشعاب المرجانية على نطاق واسع.

واستجابة لهذه القضية الملحة، تتعمق مبادرات مثل تلك التي يقودها «مركز البحر الأحمر العابر للحدود الوطنية» (TRSC) في قدرة بعض أنواع المرجان الموجودة في البحر الأحمر على الصمود. وقد أظهرت هذه الشعاب المرجانية مقاومة مثيرة للاهتمام للضغوط الناجمة عن تغير المناخ، ما أثار اهتماماً علمياً كبيراً وجهوداً بحثية تهدف إلى الكشف عن أسرارها لتطبيقها على نطاق أوسع.

لقد ظهر تطور رائد في هذا البحث من «مختبر العلوم الحسابية البيئية ومراقبة الأرض» (ECEO) في كلية الهندسة المعمارية والهندسة المدنية والبيئية (ENAC) بجامعة «EPFL» السويسرية.

قدّم الفريق نظام «ديب ريف ماب» (DeepReefMap) وهو نظام مبتكر يعمل بالذكاء الاصطناعي قادر على إنشاء خرائط تفصيلية ثلاثية الأبعاد للشعاب المرجانية من الصور تحت الماء التي تم التقاطها بواسطة الكاميرات التجارية القياسية.

لا تقوم هذه الأداة برسم الخرائط فحسب، بل تصنف أيضاً الشعاب المرجانية بناءً على ميزاتها الفريدة، ما يعزز بشكل كبير كفاءة أبحاث الشعاب المرجانية.

ويقول صامويل جارداز، منسق مشاريع «TRSC»، إن النظام يعمل على تبسيط منهجية البحث وتقليل التكاليف المرتبطة بالمعدات والخدمات اللوجستية وتكنولوجيا المعلومات.

تمثل الشعاب المرجانية بيئة لتوالد وتكاثر وتربية وتغذية كثير من الأسماك والأحياء المائية المختلفة (شاترستوك)

ما الجديد؟

تقليدياً، يتطلب الحصول على صور ثلاثية الأبعاد للشعاب المرجانية معرفة متخصصة، حيث كانت عبارة عن عملية تستخدم كثيراً من الموارد، ما يحدّ من تطبيقها ويجعل المراقبة الشاملة للشعاب المرجانية أمراً صعباً. ومع ذلك، فإن «DeepReefMap» يزود الغواصين الهواة بمعدات الغوص الأساسية وكاميرا للمساهمة في أبحاث المرجان من خلال التقاط لقطات واسعة النطاق تحت الماء. ويتم تسهيل هذا النهج من خلال هيكل «PVC» مبتكر، طوره باحثو معهد «EPFL »، وهو قادر على حمل كاميرات متعددة لتغطية مساحات أكبر من الشعاب المرجانية بتكلفة معقولة وبكفاءة.

التغلب على التحديات

تتعامل خوارزميات الذكاء الاصطناعي المتطورة في «DeepReefMap» ببراعة مع التحديات الفريدة للتصوير تحت الماء، مثل الإضاءة الضعيفة والحيود، لإنتاج عمليات إعادة بناء دقيقة وشاملة ثلاثية الأبعاد وتصنيفات المرجان.

كما تعد هذه الكفاءة أمراً بالغ الأهمية لتمكين الاستكشاف الشامل والمفصل للأنظمة البيئية للشعاب المرجانية دون الحاجة إلى معدات باهظة الثمن أو قوة معالجة.

ويؤكد جوناثان سودر، الذي ساهم في تطوير «DeepReefMap» خلال فترة دراسته الدكتوراه، على إمكانية اعتماد النظام على نطاق واسع، مسلطاً الضوء على التطبيق العملي له لمراقبة المناطق الساحلية الشاسعة، مثل ساحل جيبوتي الذي يبلغ طوله 400 كيلومتر مع الحد الأدنى من متطلبات الأجهزة.

تحدث ظاهرة ابيضاض الشعاب المرجانية لأسباب تتعلق بالتغيير في صبغياتها نتيجة تغير المناخ وارتفاع درجة حرارة البحار والمحيطات (شاترستوك)

آفاق نظام «DeepReefMap»

يمثل ظهور «DeepReefMap» خطوة مهمة نحو الحفظ الرقمي وفهم الشعاب المرجانية. من خلال توفير أداة قابلة للتطوير يمكن الوصول إليها لرصد صحة الشعاب المرجانية وديناميكياتها، يستطيع الباحثون تحديد المجالات ذات الأولوية للحفظ وجمع البيانات الأساسية عن وفرة المرجان والاتجاهات الصحية.

وتضع هذه التكنولوجيا الأساس لإنشاء توأم رقمي للأنظمة البيئية للشعاب المرجانية، ما يقدم تمثيلاً رقمياً شاملاً يمكن استخدامه لمختلف أغراض البحث والحفظ، بما في ذلك دراسة تنوع أنواع الشعاب المرجانية، والمجموعات الجينية، وتأثيرات التلوث.

ولا تقتصر قدرات «DeepReefMap» على دراسة الشعاب المرجانية، بل تمهد الطريق لتطبيقات أوسع في البحوث البحرية، لتشمل الموائل تحت الماء، مثل أشجار المانغروف. وتمثل أداة الذكاء الاصطناعي متعددة الاستخدامات هذه، بقدرتها على التكيف والتطبيق في بيئات جديدة، حدوداً واعدة في الجهود المستمرة لحماية وفهم النظم البيئية البحرية الثمينة على كوكبنا.


مقالات ذات صلة

نهاية الإنترنت... كما نعرفها

علوم نهاية الإنترنت... كما نعرفها

نهاية الإنترنت... كما نعرفها

يبدو أن الإنترنت ينهار... ولكن ليس حرفياً، أي من الناحية البنيوية؛ لأنها لا تزال شبكة سليمة؛ إذ إن هناك الكثير من كابلات الألياف الضوئية التي تبطن قاع المحيط،…

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي يمكنه اكتشاف سمات شخصيتك من مقطع صوتي لك (رويترز)

الذكاء الاصطناعي قد يكشف سمات شخصيتك من خلال صوتك

توصلت دراسة جديدة إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكنه اكتشاف سمات شخصيتك من مقطع صوتي لك مدته 90 ثانية فقط.

«الشرق الأوسط» (لندن)
تكنولوجيا العلامة التجارية لتطبيق «تشات جي بي تي» (أ.ف.ب)

«أوبن إيه آي» تتيح لجميع المستخدمين محرّكها المخصص للبحث

بات في إمكان منصة الذكاء الاصطناعي التوليدي الأكثر شهرة «تشات جي تي» أن تكون محرّك بحث مجانياً لمئات الآلاف من المستخدمين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
علوم توقعات «غوغل»: ما الذي ينتظر الذكاء الاصطناعي في عام 2025؟

توقعات «غوغل»: ما الذي ينتظر الذكاء الاصطناعي في عام 2025؟

تطوير وكلاء الذكاء الاصطناعي بهدف إكمال المهام المعقدة

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

تقرير: «إنستغرام» قد يدر أكثر من نصف إيرادات الإعلانات التي ستحققها «ميتا»

توقعات بأن يدر موقع «إنستغرام» أكثر من نصف إيرادات الإعلانات التي ستحققها «ميتا» بالولايات المتحدة في 2025 (د.ب.أ)
توقعات بأن يدر موقع «إنستغرام» أكثر من نصف إيرادات الإعلانات التي ستحققها «ميتا» بالولايات المتحدة في 2025 (د.ب.أ)
TT

تقرير: «إنستغرام» قد يدر أكثر من نصف إيرادات الإعلانات التي ستحققها «ميتا»

توقعات بأن يدر موقع «إنستغرام» أكثر من نصف إيرادات الإعلانات التي ستحققها «ميتا» بالولايات المتحدة في 2025 (د.ب.أ)
توقعات بأن يدر موقع «إنستغرام» أكثر من نصف إيرادات الإعلانات التي ستحققها «ميتا» بالولايات المتحدة في 2025 (د.ب.أ)

توقعت شركة «إيماركتر» للأبحاث أن يدر موقع «إنستغرام» أكثر من نصف إيرادات الإعلانات التي ستحققها منصات مملوكة لشركة «ميتا بلاتفورمز» في الولايات المتحدة، العام المقبل، إذ تعمل «ميتا» على تحقيق المزيد من الدخل من منتجاتها، وفقاً لـ«رويترز».

ما أهمية ذلك؟

تتنافس خاصية «ريلز» أو المقاطع القصيرة في «إنستغرام» مع الخاصية نفسها في تطبيق «تيك توك»، الذي تملكه شركة «بايت دانس» الصينية، وفي منصة «يوتيوب (شورتس)»؛ لأن المستخدمين يجدون مقاطع الفيديو القصيرة أكثر جاذبية، وهو ما يدفع المسوقين إلى اعتماد هذه الصيغة في وقت تتطلع فيه «ميتا» إلى تعزيز الإيرادات من الخاصية عبر وضع مزيد من الإعلانات.

ما السياق المرتبط بالأمر؟

إذا دخل حظر «تيك توك» حيز التنفيذ في الولايات المتحدة، فقد تصبح خاصيتا «ريلز» و«شورتس» بديلين جذابين للإعلانات، مما قد يعزز نمو «إنستغرام».

مقاطع الفيديو

قالت جاسمين إنبيرج، كبيرة المحللين لدى «إيماركتر»: «أصبح (إنستغرام) الآن منصة تولي أكبر قدر من الأهمية لمقاطع الفيديو، إذ يقضي المستخدمون ما يقرب من ثلثي وقتهم على (إنستغرام) في مشاهدة مقاطع الفيديو».

وأضافت: «إذا تم تطبيق حظر (تيك توك) في 2025، فقد يستحوذ (إنستغرام) على أكثر من خُمس الإيرادات الدولارية لإعلانات (تيك توك) المعاد تخصيصها (لمنصات أخرى) في الولايات المتحدة».

بالأرقام

في 2024، جاءت إيرادات الإعلانات على «إنستغرام» في الأساس من خاصيتي «فيد» (الموجز) و«ستوريز» (القصص)، إذ أسهمتا بنسبة 53.7 في المائة و24.6 في المائة على الترتيب.

لكن مع زيادة إيرادات خاصية «ريلز»، من المتوقع أن ترتفع حصة الإيرادات المجمعة من خاصيتي «إكسبلور» و«ريلز» إلى 9.6 في المائة عام 2025.