مركبات الأجرة الطائرة بدأت الإقلاع مع تنامي الطلب عليها حول العالم

طائرة أجرة مسيرة من نوع «فولوكوبتر» (Volocopter 2X) تحلق في مطار بونتواز بالقرب من باريس بفرنسا في 10 نوفمبر 2022 (رويترز)
طائرة أجرة مسيرة من نوع «فولوكوبتر» (Volocopter 2X) تحلق في مطار بونتواز بالقرب من باريس بفرنسا في 10 نوفمبر 2022 (رويترز)
TT

مركبات الأجرة الطائرة بدأت الإقلاع مع تنامي الطلب عليها حول العالم

طائرة أجرة مسيرة من نوع «فولوكوبتر» (Volocopter 2X) تحلق في مطار بونتواز بالقرب من باريس بفرنسا في 10 نوفمبر 2022 (رويترز)
طائرة أجرة مسيرة من نوع «فولوكوبتر» (Volocopter 2X) تحلق في مطار بونتواز بالقرب من باريس بفرنسا في 10 نوفمبر 2022 (رويترز)

بعد طول انتظار، بدأت طلائع مركبات الأجرة الكهربائية الطائرة تخرج من مراكز البحوث إلى المدرجات، ومن بينها مركبة مصنوعة من شركة «فولوكوبتر» يُتوقع إدخالها رسمياً في الخدمة لمناسبة دورة الألعاب الأولمبية في باريس العام المقبل، حسبما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية.

فوق مدارج مطار لو بورجيه، في ضواحي باريس، تهبط مركبة «فولوسيتي» المصنوعة من الشركة الألمانية بهدوء، بعد عرض استمر خمس عشرة دقيقة خلال النسخة 54 من المعرض الدولي للطيران والفضاء.

الطائرة التي تضم مقعدين، للطيار وراكب بجانبه، تعمل بالبطاريات الكهربائية، من دون إحداث أي ضوضاء تقريباً، على عكس الطائرات المقاتلة التي تتعاقب الواحدة تلو الأخرى في السماء. على متن الطائرة، يتحكم بول ستون، وهو بريطاني يبلغ 56 عاماً، بزمام القيادة «البسيطة» نسبياً، بحسب العنصر السابق في البحرية الملكية الذي كان يقود سابقاً طائرات مقاتلة ثم طائرات هليكوبتر.

مع هذه المركبة من نوع eVTOL (طائرات الإقلاع والهبوط العمودي الكهربائية)، «سيُضطر طيارو المروحيات إلى تناسي مهارات متقدمة»، على قوله.

وبحسب بول ستون، في هذه الطائرة البيضاء الشبيهة بالمروحية، «هناك فرق مهم يتمثل في وجود نظام رقمي للتحكم في الطيران»، ما يجعل الملاحة أسهل بكثير. ويقول: «إجراء هذا الاختبار أمر مثير حقاً، إذ يتيح ذلك تطبيق المهارات المكتسبة من قيادة الطائرات الحالية، لتطبيقها في هذا العالم الجديد».

تستعد شركة «فولوكوبتر» للألعاب الأولمبية الصيفية في باريس، ولهذا الغرض تختبر أجهزتها في منطقة باريس منذ أكثر من عام ونصف عام مع الشركة المسؤولة عن إدارة مطارات باريس والهيئة المستقلة للنقل في باريس ومنطقة إيل دو فرانس (باريس وضواحيها).

ويأتي ذلك إثر استثمارات قاربت 600 مليون دولار. ويقر المدير التجاري والمالي لشركة «فولوكوبتر» كريستيان باور بأنّ «هذه السوق ليست سهلة»، قائلاً: «نحن أمام تحدّ، لكننا قريبون جداً من مرحلة التسويق التجاري» لمركبات الأجرة الطائرة.

في الأفق، ستبيع الشركة أجهزتها ولكنها ستدير أيضاً الرحلات، من خلال تطبيق يسمح بالحجز عبر الإنترنت، كما الحال مع تطبيقات سيارات الأجرة. وقد تلقت بالفعل 300 طلب مسبق من شركات خاصة لتشغيل مركبات الأجرة الطائرة بشكل مشترك.

طائرات كهربائية من دون طيار؟

هل سنستقل مركبات الأجرة الطائرة بالسهولة نفسها لاستخدام سيارات الأجرة في المستقبل؟ على أي حال، يخصص معرض باريس الجوي مساحة كاملة لهذه المركبات لأول مرة، تتركز فيه أجهزة ذات تصميم فائق.

ومن الأسباب الرئيسية لذلك تدفق الاستثمارات في هذا القطاع. وبحسب دراسة حديثة أجرتها شركة الأبحاث «ديلويت»، جذبت طائرات الإقلاع والهبوط العمودي الكهربائية استثمارات بقيمة 6 مليارات يورو على مستوى العالم في عام 2021، و2,7 مليار يورو في عام 2022.

ويقول مدير الطيران والدفاع في شركة «ديلويت» جان لوي راسينو: «قبل أربع سنوات، كان هذا قطاعاً استكشافياً للغاية. لقد تعزز وضع السوق قليلاً، واليوم لدينا نماذج أولية حقيقية، وأصبحنا أمام واقع ملموس».

الحماس موجود فعلاً، ويتجلى ذلك في ازدياد الطلبيات على هذه المركبات. فقد أعلنت شركة الشركة الفرنسية الناشئة «أسندانس فلايت تكنولوجيز» (Ascendance Flight Technologies) عن 110 طلبات شراء جديد لمركبة eVTOL المسماة «أتيا» الاثنين، ليصل إجمالي الطلبات الإجمالية إلى 505. من جانبها، تلقت شركة «آرتشر» الأميركية مائة طلب لطائرات إقلاع وهبوط عمودي كهربائية لحساب شركة «يونايتد ايرلاينز»، بأكثر من مليار دولار.

ويمكن أن تحمل طائرتها الكهربائية فائقة التصميم، واسمها «ميدنايت»، أربعة ركاب بالإضافة إلى الطيار.

ويقول مؤسس ورئيس شركة «آرتشر» آدم غولدشتاين لوكالة الصحافة الفرنسية: «يمكننا أن ننقل ركاباً من المطار إلى وسط المدن بتكلفة مماثلة لتلك الخاصة بسيارات نقل الركاب، واستبدال رحلة مدتها 90 دقيقة بالسيارة بأخرى مدتها خمس دقائق».

ويشير إلى أن استخدام الطاقة الكهربائية يقلل تكلفة الصيانة بدرجة كبيرة مقارنة مع طائرات الهليكوبتر، رافضاً اعتبار هذه المركبات مخصصة للأثرياء، وهو انتقاد غالباً ما يوجَّه إلى طائرات الجيل الجديد هذه.

ويقول: «يمكن مشاركة التكلفة مع قاعدة مستخدمين أكبر بكثير، من خلال تسيير الطائرات بوتيرة أعلى».

ولا ترغب الشركات التقليدية الرئيسية في مجال تصنيع الطائرات، التي اجتذبتها هذه السوق المحتملة الجديدة، في تفويت الفرصة. من هنا، استثمرت شركة بوينغ الأميركية بكثافة في الشركة الأميركية الناشئة «ويسك ايرو»، التي طورت طائرة إقلاع وهبوط عمودي كهربائية من دون طيار، جرى تقديمها في معرض لو بورجيه.

ويقول رئيس «ويسك» براين يوتكو: «ليست لدينا خطة بديلة تتضمن الاعتماد على طيّار اختياري. لدينا تصميم تامّ على الاستحصال على ترخيص لأول طائرة مستقلة بالكامل».


مقالات ذات صلة

ماذا تفعل الدول لإجلاء رعاياها من لبنان؟

المشرق العربي من داخل مطار رفيق الحريري الدولي ببيروت (أرشيفية - رويترز)

ماذا تفعل الدول لإجلاء رعاياها من لبنان؟

دفع احتدام الحرب بين إسرائيل و«حزب الله» في لبنان الدول الغربية إلى الإسراع بتحديث خطط الطوارئ لعمليات الإجلاء من المنطقة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
يوميات الشرق الطائرة كانت في طريقها من بورغاس إلى ليفربول عندما تم إعلان حالة الطوارئ (رويترز)

هبطت اضطرارياً... وفاة رجل على متن طائرة بسبب نوبة قلبية

توفي أحد الركاب على متن رحلة جوية من بلغاريا إلى المملكة المتحدة، ما أجبر الطائرة على تحويل مسارها، حسبما أفادت التقارير.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم شركات طيران عالمية تعلق رحلاتها إلى منطقة الشرق الأوسط (د.ب.أ)

شركات طيران تعلق رحلاتها إلى الشرق الأوسط مع زيادة التوتر

دفعت المخاوف من اتساع رقعة الصراع في الشرق الأوسط شركات طيران عالمية إلى تعليق رحلاتها إلى المنطقة أو تجنب المجالات الجوية المتأثرة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا شركة طيران «لوفتهانزا» (أ.ف.ب)

شركات طيران تعلق رحلاتها من وإلى تل أبيب وبيروت

قالت مجموعة «لوفتهانزا» اليوم الاثنين إنها ألغت رحلاتها إلى تل أبيب حتى 14 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل بينما ستظل الرحلات إلى بيروت معلقة حتى 26 من الشهر نفسه.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الاقتصاد طائرة تابعة لشركة «إير فرانس» (رويترز)

«توتال» توقّع اتفاقية مدتها 10 سنوات لإمداد طائرات «إير فرانس» بالوقود المستدام

أعلنت «توتال إنرجيز» الفرنسية أنها وقّعت اتفاقية مدتها 10 سنوات مع «إير فرانس - كيه إل إم» لتزويد شركات الطيران بنحو 1.5 مليون طن متري من وقود الطيران المستدام.

«الشرق الأوسط» (باريس)

الذكاء الاصطناعي التوليدي... فقاعة أم ثورة؟

شعارا «أوبن إيه آي» و«تشات جي بي تي» في هذه الصورة التوضيحية (رويترز)
شعارا «أوبن إيه آي» و«تشات جي بي تي» في هذه الصورة التوضيحية (رويترز)
TT

الذكاء الاصطناعي التوليدي... فقاعة أم ثورة؟

شعارا «أوبن إيه آي» و«تشات جي بي تي» في هذه الصورة التوضيحية (رويترز)
شعارا «أوبن إيه آي» و«تشات جي بي تي» في هذه الصورة التوضيحية (رويترز)

يستقطب الذكاء الاصطناعي التوليدي استثمارات مالية طائلة، إلى حد إثارة مخاوف من ظهور فقاعة جديدة... لكن معظم الخبراء يعتقدون أن هذه التكنولوجيا الجديدة ستؤتي ثمارها في نهاية المطاف، على الأقل بالنسبة إلى بعض الشركات.

باتت قيمة «أوبن إيه آي»، الشركة الناشئة في سان فرنسيسكو التي أطلقت طفرة الذكاء الاصطناعي التوليدي مع برنامجها «تشات جي بي تي (ChatGPT)» في نهاية عام 2022، تبلغ 157 مليار دولار، بعد جمع 6.6 مليار دولار من التمويل.

وبعدما كانت غير معروفة لعامة الناس قبل عامين فقط، تعزز الشركة تالياً مكانتها لاعباً أساسياً في قطاع التكنولوجيا، رغم مغادرة عدد كبير من المديرين مناصبهم فيها أخيراً، وسلسلة فضائح هزتها، والمنافسة الشرسة مع شركات أخرى في القطاع، والأهم من ذلك كله، غياب أي احتمال فوري لتحقيق الربحية.

لكن ذلك كله لا يكفي لتثبيط حماسة المحللين الذين ينظرون إلى الذكاء الاصطناعي على أنه «ثورة» حقيقية.

يؤكد دان آيفز وزملاؤه في شركة «ويدبوش (Wedbush)» الاستشارية أن «الثورة الصناعية الرابعة ستصل إلى أشباه الموصلات والبرمجيات والبنية التحتية والإنترنت والهواتف الذكية خلال الأشهر الـ12 إلى 18 المقبلة».

ويضيف هؤلاء: «لقد كانت (تشات جي بي تي) بالنسبة للذكاء الاصطناعي التوليدي، كما كان آيفون بالنسبة للهواتف الذكية»، إذ «فتحت أوبن إيه آي المجال أمام نجاح الذكاء الاصطناعي واعتماده من جانب (نفيديا) و(مايكروسوفت) و(غوغل) وعالم التكنولوجيا بأكمله».

ويشير المحللون في تقديراتهم إلى أن جميع هذه الشركات ستنفق 1000 مليار دولار على الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الثلاث المقبلة.

ولا بد من الإشارة إلى أن هذه التكنولوجيا مكلفة للغاية، إذ إن إنتاج النصوص والصور والمحتويات الأخرى بناءً على استعلام بسيط باللغة اليومية يحتاج إلى نماذج للذكاء الاصطناعي مثل «جي بي تي 4 (GPT-4)» لـ«تغذيتها» بكميات هائلة من البيانات.

وبالتالي، تتطلب نماذج التدريب والتشغيل بنية تحتية جديدة لتكنولوجيا المعلومات، والكثير من الطاقة، ومهندسين مؤهلين تأهيلاً عالياً، وما إلى ذلك.

وقد ضخت «مايكروسوفت» 13 مليار دولار في «أوبن إيه آي»، وأعلنت أكثر من 15 مليار دولار من الاستثمارات الخارجية في الذكاء الاصطناعي هذا العام، من ألمانيا إلى إندونيسيا.

وأفرجت «غوغل» عن أكثر من 13 مليار دولار على شكل «عقارات ومعدات» في الربع الثاني، أي ما يقرب من الضعف مقارنة بالمبالغ المرصودة قبل عام، وهي ميزانية تعكس احتياجاتها لمراكز البيانات الجديدة والرقائق المتطورة للغاية.

لكن هذا الإنفاق «بالكاد حقق نتائج حتى الآن، باستثناء المكاسب على صعيد الكفاءة للمطورين»، وفق ما أفاد مصرف «غولدمان ساكس» في يونيو (حزيران) الماضي في تقرير له.

يقول المحلل المستقل روب إنديرلي: «نشهد حالياً فقاعة ينادي فيها جميع الموردين بضرورة نشر (الذكاء الاصطناعي التوليدي) في جميع الاتجاهات»، في حين أن العملاء «ليسوا مستعدين بعد».

ووفق إنديرلي، فإن «أكثر من 80 في المائة من عمليات الطرح الأولى كانت فاشلة».

لكن كبار شركات التكنولوجيا لا تتطلع بعد إلى تحقيق الأرباح، كما توضح المحللة في «إي ماركتر» غريس هارمون.

وتشدد على أن هذه الشركات تخشى قبل كل شيء «التقصير في الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والخسارة (...) حتى لو لم تكن عوائد الاستثمارات مضمونة».

سواء كنا نشهد فقاعة أم لا، يدرك معظم المراقبين حجم الإمكانات المرتبطة بهذه التكنولوجيا الجديدة على المديين المتوسط أو البعيد.

يقول مدير معهد «سبسكرايبد إنستيتيوت» البحثي مايكل مانسارد: «هل هناك تقييمات مرتفعة للغاية؟ نعم، ولكن هل هناك قيمة وراء ذلك؟ نعم».

ووفق هذا الخبير في القطاع، فإن التحدي الذي يواجه الشركات يكمن في إيجاد نموذج اقتصادي يضمن بقاءها بعد انفجار محتمل للفقاعة.

ويوضح مانسارد: «بالنسبة إلى شركة مصنِّعة للبرمجيات، فإن الحصول على 200 عميل بدلاً من 100 لا يكلف ضعف التكلفة المرتبطة بتشغيل البنية التحتية، ولكن بالنسبة لشركة مزودة للذكاء الاصطناعي التوليدي، هذا الأمر ممكن».

على الرغم من نجاحها العالمي والاشتراكات المدفوعة للأفراد والشركات، فإنه من المتوقع أن تتكبد «أوبن إيه آي» خسائر تبلغ 5 مليارات دولار هذا العام، مقابل 3.7 مليار دولار من الإيرادات، وفق صحيفة «نيويورك تايمز».

ليس لدى المحللة المستقلة كارولينا ميلانيسي أدنى شك في أن الذكاء الاصطناعي التوليدي سيصبح قريباً جزءاً من الحياة اليومية، ولكن للبقاء في السباق، وفرض أدوات المساعدة العاملة بالذكاء الاصطناعي وسائر الأدوات، تُضطر الشركات إلى الاستثمار.

وتشير ميلانيسي إلى أنه «من الصعب تحديد نموذج العمل؛ لأنه كلما استخدمت النموذج أكثر، أنفقت أكثر»، مضيفة: «إنه موقف دارويني إلى حد ما: أي أن البقاء سيكون للأقوى فقط».