«الناتو» يوافق على «أكبر برنامج تسليح» منذ عقود

واشنطن تضغط على دول الحلف لرفع إنفاقها إلى 5 في المائة... وتعدّ منطقة المحيط الهادئ «أولوية»

بيت هيغسيث ينضمّ إلى صورة جماعية لوزراء دفاع «الناتو» ببروكسل يوم 5 يونيو (رويترز)
بيت هيغسيث ينضمّ إلى صورة جماعية لوزراء دفاع «الناتو» ببروكسل يوم 5 يونيو (رويترز)
TT

«الناتو» يوافق على «أكبر برنامج تسليح» منذ عقود

بيت هيغسيث ينضمّ إلى صورة جماعية لوزراء دفاع «الناتو» ببروكسل يوم 5 يونيو (رويترز)
بيت هيغسيث ينضمّ إلى صورة جماعية لوزراء دفاع «الناتو» ببروكسل يوم 5 يونيو (رويترز)

وافق حلف شمال الأطلسي «الناتو»، الخميس، على أكبر برنامج لإعادة التسليح منذ الحرب الباردة، بحسب «وكالة الأنباء الألمانية». فيما أفاد وزير الدفاع الأميركي، بيت هيغسيث، بأن الدول الأعضاء في الحلف باتت «قريبة جداً» من التوصل إلى اتفاق بشأن الإنفاق الدفاعي، قبيل قمة مقررة في وقت لاحق هذا الشهر، في مسعى للإيفاء بمطلب الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأن تنفق كل دولة خمسة في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي.

برنامج إعادة التسلح

ينصّ برنامج إعادة التسلّح الأكبر في تاريخ الحلف، الذي نقلت تفاصيله «وكالة الأنباء الألمانية»، على توسيع هائل لقدرات الرّدع والدفاع خلال الأعوام المقبلة، في الوقت الذي تستمر فيه روسيا في تشكيل «خطر كبير» على التحالف العسكري الغربي.

وقال الأمين العام للحلف، مارك روته، إن الأولويات الرئيسية للبرنامج هي أنظمة الأسلحة البعيدة المدى والدفاع الجوي والقوات البرية المتنقلة. ويشمل برنامج إعادة التسلح أهدافاً مُحدّدة لقدرات عسكرية مختلفة، ويتمّ إعطاء كل دولة عضو تعليمات دقيقة بشأن ما يتعيّن عليها المساهمة به في أعمال الردع والدفاع المشتركة في المستقبل القريب. وتمّ وضع القدرات المطلوبة بناءً على خطط دفاعية جديدة. كما يؤخذ في الاعتبار تقييمات أجهزة الاستخبارات التي تشير إلى احتمالية أن تكون روسيا مستعدة لمهاجمة حليف في الناتو خلال أعوام قليلة، رغم حرب موسكو المستمرة ضد أوكرانيا.

تسوية حول مستويات الإنفاق

أكّد وزير الدفاع الأميركي، الخميس، لدول حلف شمال الأطلسي أنه «لا يمكنها الاعتماد على واشنطن» من أجل الدفاع، مطالباً إياها بالاتفاق على إنفاق 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع. وقال هيغسيث لنظرائه في الناتو: «رسالتنا ستبقى واضحة. الرّدع والسلام من خلال القوة، لكن لا يمكن أن تكون هناك حالة اعتماد. لا يمكن، ولن يكون هناك اعتماد على أميركا في عالم مليء بالتهديدات».

وزير الدفاع الأميركي (يسار) والأمين العام للناتو يخاطبان الإعلام في بروكسل يوم 5 يونيو (د.ب.أ)

ويضغط الرئيس الأميركي على أعضاء الحلف للإعلان عن زيادة كبيرة في هدف موازناتها العسكرية خلال الاجتماع المقرر في 24 و25 يونيو (حزيران) في هولندا. وقال هيغسيث بعد اجتماع مع نظرائه في الناتو في بروكسل: «تتجاوز البلدان هنا نسبة 2 في المائة بكثير ونعتقد أنها قريبة جداً، وتقترب من التوافق، على التزام بشأن نسبة 5 في المائة للناتو في لاهاي في وقت لاحق هذا الشهر». وعرض الأمين العام للناتو مارك روته اتفاق تسوية، ينصّ على أن يُشكّل الإنفاق الدفاعي الأساسي 3.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2032، وأن تشكّل مجالات أوسع مرتبطة بالأمن، مثل البنى التحتية، 1.5 في المائة. وأضاف هيغسيث: «نعتقد في هذا الحلف أنه في غضون أسابيع، سنتعهّد بخمسة في المائة (...). 3.5 في المائة في القدرات العسكرية الصلبة، و1.5 في المائة للبنى التحتية والأنشطة المرتبطة بالدفاع». وتابع أن «هذا المزيج يمثّل التزاماً حقيقياً، ونعتقد أن بإمكان كل بلد زيادة الإنفاق».

ويدفع التهديد من روسيا، بعد أكثر من ثلاث سنوات على اندلاع حرب أوكرانيا والمخاوف حيال مدى التزام الولايات المتحدة بأمن أوروبا في عهد ترمب، الدول الأوروبية لزيادة ميزانياتها الدفاعية. ولفت عدد من الدبلوماسيين إلى أن روته يبدو في طريقه لضمان التوصل إلى اتفاق بالتزامن مع قمة لاهاي، لكن بعض الحلفاء ما زالوا مترددين حيال الالتزام بمستويات إنفاق كهذه.

اختلاف الأولويات

تغيّب هيغسيث عن اجتماع الأربعاء مع وزراء الدفاع الأوروبيين بشأن تنسيق المساعدات العسكرية لأوكرانيا، حيث خصص اليوم الأول من اجتماع الناتو لمساعدة كييف في حربها مع روسيا. وعدّ البعض غيابه عن الاجتماع رسالة واضحة عن المسافة التي باتت تفصل بين واشنطن وكييف، في الوقت الذي صرّح فيه الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوم الأربعاء بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبلغه في مكالمة هاتفية بأن موسكو ستضطر إلى الرد بقوة على الهجمات الأوكرانية الأخيرة، مما يُضعف احتمالات وقف الحرب التي بدأت في أوائل عام 2022.

شدّد وزير الدفاع الأميركي على ضرورة رفع الدول الأعضاء إنفاقها الدفاعي إلى 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي يوم 5 يونيو (رويترز)

وحذّر هيغسيث من أن الحلفاء الأوروبيين يجب أن يُقدّموا الحصة الكبرى من المساعدات العسكرية المستقبلية لكييف، عاداً غرب منطقة المحيط الهادئ «مسرح العمليات ذات الأولوية» للبنتاغون. وكان هيغسيث قد أحدث هزّة في الناتو خلال زيارته الأخيرة، في فبراير (شباط)، عندما حذّر من أن واشنطن قد تسعى لخفض عدد قواتها في أوروبا للتركيز على التهديد الصيني. وهذه المرة، أشار هيغسيث إلى أنه «لن يستبق» أي قرارات لترمب في وقت تجري الولايات المتحدة مراجعة لانتشار قواتها حول العالم، كما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية». وقال: «سنضمن تحوّلنا بشكل مناسب إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ وإعادة تأسيس ردع هناك. ومن ثم، سنزيد مشاركة العبء عبر العالم». وأضاف: «لا يمكن لأميركا أن تكون في كل مكان في الوقت نفسه، وينبغي ألا نكون كذلك».

سحب أسلحة دفاعية من كييف

كشفت تقارير إعلامية عن إرسال وزير الدفاع الأميركي مذكرة سرية، الشهر الماضي، إلى الكونغرس، يطلب فيها الإذن من خلية الاستحواذ السريع المشتركة، وهي مكتب تابع للبنتاغون يضمن تلبية احتياجات القادة من الأسلحة، لاستعادة الصمامات الخاصة بالصواريخ التي قدمتها الولايات المتحدة لأوكرانيا.

رجال إنقاذ أوكرانيون يعملون على إخماد حريق اندلع في مبنى إثر غارة جوية على خاركيف في 4 يونيو (أ.ف.ب)

وهذه الصمامات مخصصة لنظام أسلحة الاستهداف الدقيق المتقدم. وقد زودت الولايات المتحدة أوكرانيا بهذه التكنولوجيا لبضع سنوات، واستخدمها الأوكرانيون في نظام صواريخ أرض - جو للدفاع ضد الطائرات الروسية دون طيار.

وأبلغ البنتاغون لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، في رسالة لم يُكشف عنها سابقاً، أن حاجة الجيش الأميركي إلى الصمامات كانت «مسألة عاجلة حدّدها وزير الدفاع»، حيث تستعد وحدات القوات الجوية الأميركية في الشرق الأوسط لصراع محتمل مع إيران أو تجدّد القتال مع الحوثيين في اليمن. ويقول مؤيدو هذه الخطوة إن البنتاغون يتمتع بالمرونة اللازمة لاتخاذ مثل هذا الإجراء بموجب مشروع قانون الإنفاق العسكري الطارئ الذي تم إقراره العام الماضي. لكنها في المقابل أثارت مخاوف مؤيدي أوكرانيا في الكونغرس، الذين يقولون إن البنتاغون لم يوضح تأثير هذه الخطوة على الدفاعات الأوكرانية، وما إذا كانت حاجة القوات الجوية الأميركية إليها ملحة.

ونقل موقع «أكسيوس»، الخميس، عن مصدر مطلع قوله إن الرئيس ترمب وصف الهجوم الجريء بالطائرات المسيّرة الذي نفذته أوكرانيا على قواعد عسكرية روسية ليل السبت - الأحد الماضي، بأنه كان «قوياً» و«مذهلاً» لكنه قلق بشأن العواقب. وأضاف المصدر أن ترمب يعتقد أن الهجوم الأوكراني قد يدفع بوتين للرد بقوة مما قد يعطل مبادرته الدبلوماسية لوقف الحرب. وأشار المصدر إلى أن أحد أسباب قلق البيت الأبيض من هجوم أوكرانيا هو استهدافه لقاذفات استراتيجية بعيدة المدى قادرة على حمل أسلحة نووية، وهي جزء أساسي من الردع النووي الروسي، عادّاً أن «هذه نقطة بالغة الخطورة».

الاستعداد للتفوق على روسيا

وكان سفير الولايات المتحدة الأميركية لدى «الناتو» ماثيو ويتاكر، قد أعلن الأربعاء، أنه يتعين على حلف شمال الأطلسي أن يتفوق عسكرياً على روسيا التي تستعد فعلياً لصراع جديد محتمل. وأوضح خلال مؤتمر صحافي: «نرى بالفعل أن الكرملين يسعى لإعادة بناء جيشه. يجب أن يتجاوز الحلفاء روسيا».

جانب من اجتماع وزراء دفاع الناتو في بروكسل يوم 5 يونيو (د.ب.أ)

وأضاف: «تستعد موسكو بالفعل لخطوتها التالية»، مشدداً على أنه، في مواجهة هذه التهديدات الروسية، لم يكن أمام دول حلف الناتو «أي خيار». وتابع: «لنكن واضحين، لقد حان الوقت» لزيادة النفقات العسكرية.

ومن جانبه، أكد الأمين العام للحلف مارك روته أن «التهديد الروسي موجود. وسيستمر لفترة طويلة، والروس في الوقت الحالي يعيدون تجهيز قواتهم بوتيرة متسارعة... ينتجون في ثلاثة أشهر ما ينتجه حلف الناتو بأكمله في عام واحد».

وتكشف تقارير وكالات استخبارات غربية عدة، عن أن روسيا ستعيد تشكيل قواتها العسكرية خلال خمس أو سبع سنوات لتكون قادرة على مهاجمة دولة من دول الحلف. وذكّر السفير الأميركي بالطلب الذي قدمه الرئيس دونالد ترمب مراراً وتكراراً، وهو التزام الدول الـ32 الأعضاء في الناتو بتخصيص ما لا يقل عن 5 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي للدفاع. وأضاف ويتاكر: «نحتاج إلى حلف مبني لمواجهة تهديدات عام 2025 وما بعده، وليس لساحات معارك الأمس».


مقالات ذات صلة

«طالبان» تنفي توقيف أو مراقبة أفغان بعد تسريب البيانات البريطانية

آسيا الملا أخوند زاده حاكم «طالبان» (رويترز)

«طالبان» تنفي توقيف أو مراقبة أفغان بعد تسريب البيانات البريطانية

أعلنت حكومة «طالبان»، الخميس، أنها لم توقف أو تراقب أي أفغان على صلة بخطة بريطانية سرية لإعادة التوطين بعدما تم الكشف عن تسريب بيانات خاصة بها هذا الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (كابل)
أوروبا وزير الدفاع السويدي بال جونسون (رويترز)

السويد تعتزم المساهمة في خطط جديدة لإمداد أوكرانيا بالأسلحة

قال وزير الدفاع السويدي بال جونسون إن بلاده تعتزم المساهمة في الجهود الرامية إلى تعزيز إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (استوكهولم)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي خلال اجتماعه مع الأمين العام لحلف «الأطلسي» في البيت الأبيض الاثنين بحضور نائب الرئيس ووزير الخارجية (رويترز) play-circle 00:29

ترمب يعلن عن تزويد كييف بأسلحة ويهدد موسكو بعقوبات

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، والأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته، الاثنين، عن خطة لإعادة تسليح أوكرانيا بالصواريخ وأسلحة أخرى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن – كييف)
أوروبا ترمب يتحدث للصحافيين خلال اجتماع مع أمين حلف شمال الأطلسي مارك روته في المكتب البيضاوي 14 يوليو 2025 (أ.ف.ب)

ترمب: سنرسل صواريخ باتريوت إلى أوكرانيا عبر «الناتو»

قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته الاثنين إن أوكرانيا ستحصل على كميات «هائلة» من الأسلحة دعماً لمجهودها الحربي ضد روسيا بموجب اتفاق جديد

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب) play-circle

زيلينسكي: الولايات المتحدة استأنفت تقديم المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا

قال الرئيس الأوكراني، الجمعة، إن أميركا استأنفت تقديم المساعدات العسكرية إلى بلاده، وذلك بعد إعلان واشنطن أنها بصدد بيع أسلحة لـ«الناتو» لتسليمها إلى أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)

الفاتيكان: نتنياهو اتصل بالبابا ليو بعد الهجوم على كنيسة في غزة

البابا ليو الرابع عشر في بلدة كاستل غاندولفو الإيطالية - 13 يوليو 2025 (أ.ب)
البابا ليو الرابع عشر في بلدة كاستل غاندولفو الإيطالية - 13 يوليو 2025 (أ.ب)
TT

الفاتيكان: نتنياهو اتصل بالبابا ليو بعد الهجوم على كنيسة في غزة

البابا ليو الرابع عشر في بلدة كاستل غاندولفو الإيطالية - 13 يوليو 2025 (أ.ب)
البابا ليو الرابع عشر في بلدة كاستل غاندولفو الإيطالية - 13 يوليو 2025 (أ.ب)

قال الفاتيكان إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اتصل بالبابا ليو، اليوم (الجمعة)، وذلك بعد يوم من غارة إسرائيلية على الكنيسة الكاثوليكية الوحيدة في غزة، والتي أدت إلى مقتل 3 أشخاص وإصابة آخرين.

وذكر الفاتيكان في بيان، أن البابا كرر خلال المكالمة، نداءه لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب في غزة، وعبّر عن قلقه إزاء الوضع الإنساني «المأساوي» في القطاع الفلسطيني.

وجاء في البيان أن البابا ليو شدد أيضاً على ضرورة حماية أماكن العبادة وروادها، وجميع السكان في الأراضي الفلسطينية وإسرائيل، حسبما أفادت وكالة «رويترز» للأنباء.