الحرب الحديثة؟ أيُّ حرب؟

وحدة أوكرانية للدفاع بواسطة المسيّرات تتدرب على إسقاط مُسيرات روسية (أرشيفية - د.ب.أ)
وحدة أوكرانية للدفاع بواسطة المسيّرات تتدرب على إسقاط مُسيرات روسية (أرشيفية - د.ب.أ)
TT

الحرب الحديثة؟ أيُّ حرب؟

وحدة أوكرانية للدفاع بواسطة المسيّرات تتدرب على إسقاط مُسيرات روسية (أرشيفية - د.ب.أ)
وحدة أوكرانية للدفاع بواسطة المسيّرات تتدرب على إسقاط مُسيرات روسية (أرشيفية - د.ب.أ)

من المعروف أن طبيعة الحرب لا تتغيّر. فهي ثابتة ثبات الطبيعة البشريّة. لكن المُتغيّر في الحرب هي خصائصها، التي تتمثّل في الأبعاد التالية: السياسة، والاجتماع، والاقتصاد. لكنَّ الحرب بحاجة إلى مثلّث ماسّي لا يمكن الاستغناء عنه، هو:

1- العقيدة العسكريّة، أي أفضل طريقة لقتال العدو والانتصار عليه. وهي بدورها تنقسم إلى ثلاثة أقسام: تنظيم القوى، وتسلح القوى، وتدريبها. هذه الأقسام الثلاثة ليست منفصلة بعضها عن بعض. لا، بل هي تشكّل بوتقة واحدة يتفاعل بعضها مع بعض لكسب الحرب.

2- التكنولوجيا المتوافرة. وهي التي تتفاعل مع الاستراتيجية والتكتيك لتعطي أفضلية فريق على آخر. فعلى سبيل المثال، غيّر الرُّكّاب (Stirrup) في سرج الحصان طريقة قتال الفارس. فهو أعطاه الثبات، حريّة الحركة والقدرة على القتال بسهولة ومن على ظهر الحصان، إذ كان يُشكّل الحصان وقبل قدوم الدبابة قوّة الصدم في حقل المعركة.

3- القيادة (Leadership). بعد قدوم الموجة - الثورة التكنولوجيّة، ودخولها المجال العسكريّ. وبعد حرب الخليج الأولى التي شكّلت بوصلة الحرب الحديثة، بدأت قيادات جيوش العالم التحضير لحرب عن بُعد، حرب من ضمن الشبكة العنكبوتيّة التي تدمج أبعاد الحرب من التكتيكي إلى الاستراتيجي مروراً بالعملانيّ. تمّ العمل على الأسلحة الذكيّة للتقليل من الخسائر البشريّة الجانبيّة، كما لتقليص التكلفة في الذخيرة. ولأن دورة (cycle) الابتكار التكنولوجي قصيرة جدّاً، ولأن تمويلها أسهل في القطاع الخاص منه في القطاع العام، ولأن بيروقراطيّة الدولة بشكل عام هي بيروقراطيّة جامدة، ثقيلة... بدأ القطاع الخاص بمنافسة القطاع العام للهيمنة على الثورة التكنولوجيّة. حتى إن الشركات في القطاع الخاص، أصحبت من أهم اللاعبين الجيوسياسيين في العالم. وإلا كيف يُفسّر تأثير شركة «ستارلينك» التي يملكها إيلون ماسك على مسار الحرب الأوكرانيّة؟ فلولا الأقمار الاصطناعيّة لهذه الشركة التي أمَّنت القيادة والسيطرة للجيش الأوكرانيّ، لَمَا كانت أوكرانيا قد صمدت هذه المدّة أمام الهجوم الروسيّ، ولَكَان العالم تغيّر جذريّاً نتيجة للسيطرة الروسيّة على كلّ أوكرانيا.

إطلاق صاروخ نووي باليستي روسي (أرشيفية - رويترز)

بعض العقائد العسكريّة

نُسب في عام 2014 إلى الجنرال الروسي فاليري غيراسيموف، عقيدة سُمّيت باسمه «عقيدة غيراسيموف». تبرّأ من هذه التسمية بعدها الكاتب مارك غاليوتي، لأنه كان مصدر هذه التسمية. تعتمد هذه العقيدة على استعمال وسائل قوّة الدولة باعتماد النسبة 14 (Ratio)، أي الاعتماد على القوّة العسكريّة بنسبة 25 في المائة مقابل 75 في المائة للوسائل غير العُنفيّة، كالاقتصاد مثلاً، والإعلام، وغيرها من الوسائل.

نجحت هذه العقيدة في ضم شبه جزيرة القرم، لكنها فشلت فشلاً ذريعاً في الحرب على أوكرانيا. ففي الحرب الأوكرانيّة، انقلبت النسبة بين القوّة الطريّة والقوّة الصلبة.

في حرب الخليج الأولى، اعتمدت أميركا عقيدة القتال «جو - برّ»، أو «Airland Battle»، التي كانت مُخصّصة لقتال الاتحاد السوفياتي في أوروبا. نجحت هذه العقيدة نجاحاً باهراً في تحرير الكويت، لكنها غرقت في رمال صحراء العراق بعد اجتياح عام 2003.

في عام 2023 كتب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الحالي عقيدة تحت مُسمّى «Maalot» أو «الصعود» بالعربيّة. ترتكز هذه العقيدة على تدريب الجيش على الحرب الهجينة «Hybrid»، من ضمن قتال مشترك لقوى البرّ، والوحدات الخاصة، والمدرّعات، والهندسة، والدعم الجوّي. كان أول وأصعب اختبار لهذه العقيدة في الحرب على غزة.

صراع القوى العظمى

يوجد في عالم اليوم نحو 12512 رأساً نوويّاً، لكن لا يزال النادي النووي محصوراً في القوى الكبرى، مع بدء دخول القوى العظمى الإقليميّة إليه. فماذا يعني هذا الأمر؟

يقول المفكّر الأميركي الراحل كينيث والتز: «أكثر يعني أفضل». ويَقصد من هذه المقولة أنه كلما كانت هناك أسلحة نوويّة أكثر كان ذلك أفضل للعالم. بمعنى أن القوى العظمى لن تذهب إلى حرب مباشرة بعضها مع بعض بسبب الرادع النوويّ. إذاً إلى أين من هنا؟

الحرب بالواسطة

كانت الحرب بالواسطة، وهي الآن وستبقى إلى أجلٍ غير مُسمّى. في القرن الخامس (ق.م)، قاتلت إسبرطة أثينا بالواسطة في جزيرة صقليّة. خلال الحرب الباردة قاتل الاتحاد السوفياتي أميركا في كلٍّ من كوريا وفيتنام. كما قاتلت أميركا الاتحاد السوفياتي في أفغانستان.

حالياً تقاتل أميركا «روسيا - بوتين» بالواسطة في أوكرانيا.

داود vs جوليات

لن يختلف القرن الحادي والعشرين عن القرن الذي سبقه. فالحروب بالواسطة سوف تكون النمط الأكثر حضوراً. لكن لماذا؟

لأنها قد تكون في المناطق المأهولة، أو ما تُسمّى حرب المدن. تُشكّل حرب المدن عامل التوازن بين الأقوى والأضعف. فهي تحرم القويّ من استعمال كلّ ما يملك. وتعطي الضعيف فرصة استعمال كلّ ما يملك (Equalizer).

في عام 2050، وحسب الأمم المتحدة، فإن 68 في المائة من سكان العالم سيكونون في المدن. يوجد في العالم حالياً 32 ميغا – مدينة، أي المدينة التي يصل عدد سكانها إلى أكثر من 10 ملايين نسمة. لكن بحلول عام 2030، سيرتفع هذا العدد إلى 43 ميغا – مدينة. في العالم حالياً هناك 578 مدينة تحوي أكثر من مليون نسمة. لكن بحلول عام 2030، سيصبح العدد 662 مدينة. فهل يمكن ابتكار عقائد عسكريّة لعالم فوضويّ؟ هذا هو التحدّي الأكبر للقوى العظمى والكبرى، خصوصاً أن ابتكار العقيدة العسكريّة، لا يعني بالطبع نجاح هذه العقيدة. فالعقيدة توضع عادةً ردّاً على تجربة سابقة. فمَن يضمن أن تتكرّر التجربة السابقة في المستقبل؟


مقالات ذات صلة

تركيا تحذر من خروج حرب روسيا وأوكرانيا عن السيطرة

شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال حديثه في منتدى إعلامي في إسطنبول السبت (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من خروج حرب روسيا وأوكرانيا عن السيطرة

حذرت تركيا من مخاطر خروج الحرب بين روسيا وأوكرانيا عن السيطرة لتؤثر على المنطقة المحيطة والعالم في ظل التهديدات باستخدام أسلحة الدمار الشامل.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا جنازة جندي أوكراني قتل خلال المعارك في كورسك (أ.ب)

روسيا وأوكرانيا تتبادلان جثث مئات الجنود

سلمت موسكو جثث 502 من الجنود الأوكرانيين الذين لقوا حتفهم في المعارك ضد القوات الروسية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا مدير جهاز الاستخبارات البريطاني ريتشارد مور (رويترز - أرشيفية)

المخابرات البريطانية: روسيا تنفّذ حملة تخريب «متهورة» في أوروبا

قال مدير جهاز الاستخبارات البريطاني ريتشارد مور، إن روسيا تنفّذ حملة تخريب «متهورة» في أوروبا، وإن بوتين لن يتوقف عند حد تحويل أوكرانيا إلى دولة خاضعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا مواطنون يشترون فاكهة بأحد المتاجر الكبرى في موسكو (أ.ب)

هل تساعد أزمة الزبدة بـروسيا في جلب السلام إلى أوكرانيا؟

سلَّطت صحيفة «تلغراف» البريطانية الضوء على انتشار سرقة الزبدة في روسيا بسبب ارتفاع الأسعار جراء الحرب، وقالت إن بعض أصحاب المتاجر الكبرى لا يعرضون ألواح الزبدة

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا تظهر هذه الصورة غير المؤرخة التي أصدرها الجيش الأوكراني حطام طائرة مسيّرة إيرانية من طراز «شاهد» أطلقتها روسيا قيل إنها أسقطت بالقرب من كوبيانسك في أوكرانيا (أ.ب)

تقرير: أوكرانيا نجحت في إعادة توجيه طائرات من دون طيار انتحارية إيرانية الصنع إلى روسيا

قالت صحيفة «تلغراف» البريطانية إن أوكرانيا تعلمت كيفية اختراق الطائرات من دون طيار الانتحارية الإيرانية الصنع وإرسالها مرة أخرى إلى روسيا وبيلاروسيا.

«الشرق الأوسط» (لندن)

تركيا تُعلن استعدادها «لتقديم الدعم اللازم للبنان»

لبنانيون يسيرون بجانب السيارات في شوارع بيروت (رويترز)
لبنانيون يسيرون بجانب السيارات في شوارع بيروت (رويترز)
TT

تركيا تُعلن استعدادها «لتقديم الدعم اللازم للبنان»

لبنانيون يسيرون بجانب السيارات في شوارع بيروت (رويترز)
لبنانيون يسيرون بجانب السيارات في شوارع بيروت (رويترز)

أعلنت تركيا، الأربعاء، أنها «مستعدة لتقديم الدعم اللازم للبنان» بعد ساعات من دخول اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل حيّز التنفيذ.

وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان إنها «ترحب بالنتيجة الإيجابية للمفاوضات بشأن وقف إطلاق النار في لبنان، وتأمل أن يكون دائماً».

وأضافت: «على المجتمع الدولي أن يضغط على إسرائيل للاحترام الصارم لوقف إطلاق النار، والتعويض عن الأضرار التي سببتها في لبنان»، معربة عن «دعم» أنقرة لهذا المسار، من دون مزيد من التوضيحات، وفقاً لما ذكرته الـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وأشار بيان الخارجية: «بهذه المناسبة، نودُّ أن نذكر بأنه من أجل ضمان السلام والاستقرار في المنطقة، يجب إعلان وقف دائم وشامل لإطلاق النار في غزة في أسرع وقت ممكن، ويجب وضع حد لسياسات إسرائيل العدوانية».

دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وجماعة «حزب الله» حيّز التنفيذ في الساعة الرابعة فجر الأربعاء بالتوقيت المحلي للبنان. ووسّعت إسرائيل حربها التي تشنّها على قطاع غزة، لتشمل لبنان في الفترة الماضية، وقتلت عدداً من كبار قادة جماعة «حزب الله» التي تتبادل معها إطلاق النار منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد ذكر تركيا، الثلاثاء، «إلى جانب مصر وقطر وإسرائيل وغيرها»، خلال تعداده الدول الوسيطة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، وإطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم «حماس».

وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، اليوم، إن تركيا مستعدة للمساعدة بأي طريقة ممكنة للتوصل لوقف إطلاق نار دائم في قطاع غزة، وعبّر عن ارتياحه لاتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ في لبنان.

وكانت حركة «حماس» قد أعلنت اليوم أنها «جاهزة لاتفاق وقف إطلاق النار وصفقة جادة لتبادل الأسرى» مع إسرائيل، موضحة أنها أبلغت الوسطاء في مصر وقطر وتركيا بذلك.

وقال الرئيس الأميركي، جو بايدن، أمس الثلاثاء، إن الولايات المتحدة ستدفع مرة أخرى باتجاه التوصل إلى وقف إطلاق نار في غزة «مع تركيا ومصر وقطر وإسرائيل ودول أخرى».