تقرير: تسارع شيخوخة السكان يهدد الاقتصاد العالمي

أشخاص مسنون (رويترز)
أشخاص مسنون (رويترز)
TT

تقرير: تسارع شيخوخة السكان يهدد الاقتصاد العالمي

أشخاص مسنون (رويترز)
أشخاص مسنون (رويترز)

يشكل تسارع شيخوخة السكان في العالم عبئاً متزايداً على الاقتصاد العالمي، وفق تقرير نشرته أمس (الخميس) صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

حسب التقرير، يمكن بالمعدل الذي يتغير به معدل المواليد في العالم اليوم، أن يصبح عدد المواليد أقل من عدد الوفيات اعتباراً من عام 2050. وبحلول هذا التاريخ، سيتضاعف عدد الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عاماً أو أكثر ليصل إلى 1.6 مليار، أي أكثر من 16 في المائة من السكان، حسب توقعات الأمم المتحدة. في الاتحاد الأوروبي، التطور أسرع. في بداية عام 2021، كان كبار السن يمثلون بالفعل ما يقرب من 21 في المائة من السكان، مقارنة بـ 17 في المائة قبل عشر سنوات. بحلول عام 2050، سينضم حوالي 30 في المائة من سكان أوروبا إلى ما يسمى «الجيل الأكبر سناً».

أجيال طفرة المواليد

إن الزيادة في متوسط ​​العمر المتوقع، الذي زاد عشر سنوات في خمسين عاماً، ووصول أجيال طفرة المواليد إلى سن التقاعد، يزيدان عبء المعاشات التقاعدية والنفقات الصحية، خاصة مع تفاقم المشاكل الطبية مع إطالة حياة المتقاعدين.

يتقلص عدد السكان بالفعل في العديد من الدول. في إسبانيا، من المتوقع أن ينخفض العدد ​​أكثر من الثلث بحلول عام 2100، بينما سيزداد عدد كبار السن من 20 في المائة (اليوم) إلى 39 في المائة. يمكن أيضاً (بحلول عام 2100)، انخفاض عدد السكان الإيطاليين إلى النصف. في فرنسا، فيما سيبقى عدد سكانها بازدياد حتى عام 2040، ستكون سن كل واحد من كل ثلاثة أشخاص أكثر من 60 عاماً، مقارنة بواحد من كل أربعة أشخاص اليوم.

وفي الوقت نفسه، فإن نسبة السكان في سن العمل، أي الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 سنة، آخذة في الانخفاض. وبالتالي، ترتفع بذلك نسبة الإعالة، التي تربط جيل كبار السن بالسكان في سن العمل، إلى ضعف المستوى الحالي تقريباً (بحلول 2100). إذ إن نسبة الإعالة العالية تثير القلق أكثر إذا كانت نسبة السكان العاملين منخفضة.

يفرض انخفاض عدد السكان في سن العمل ضغوطاً على أسواق العمل ودول الرفاهية. بالإضافة إلى التكاليف المتزايدة للمعاشات التقاعدية، فإن السكان الأكبر سناً لديهم احتياجات طبية أكثر، ويتطلب ذلك استثمارات، وتكييف المعدات والبنية التحتية.

الآثار الاقتصادية والمالية السلبية للشيخوخة تراكمية. يؤدي تقلص عدد السكان في سن العمل إلى إضعاف ديناميكية الدولة ونموها وابتكارها، حيث يكون العمال الأكبر سناً أقل إنتاجية من الشباب. فمع شيخوخة السكان، يمتلك كبار السن معظم الأصول، وهو ما يضر بالاقتصاد. بدلاً من تشجيع الابتكار، يتم توجيه المدخرات نحو الاستثمارات غير المنتجة وسوق العقارات لا يكون في متناول الشباب. بالإضافة إلى ذلك، فإن الدين العام آخذ في الازدياد وتكاليف الحماية الاجتماعية تثقل كاهل دخل العاملين.

أفاد التقرير بأنه ما لم تكن هناك مفاجآت من حيث تطور الديموغرافيا أو إنتاجية العمل، وظواهر الجمود القوي، سيستمر الوضع الديموغرافي في التدهور (الشيخوخة). تؤثر التركيبة السكانية المسنة بالفعل على التصنيفات الائتمانية للدولة، وفقاً لوكالات التصنيف الائتماني. وفقاً لمؤشر S&P، سيتم تخفيض تصنيف نصف الاقتصادات الرئيسية في العالم إلى حالة غير مرغوب فيها أو عالية المخاطر بحلول عام 2060 إذا لم يتم اتخاذ خطوات للتخفيف من تكلفة السكان المسنين. وسترتفع تكلفة المعاشات التقاعدية بمتوسط ​​4.5 نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2060، لتصل إلى 9.5 في المائة.

تتطلب الشيخوخة زيادة التضامن وتعقيد حياة الصغار بالسن، وفق التقرير. نتيجة لذلك، «من المرجح أن تزداد النزاعات بين الأجيال بين الشباب والمتقاعدين بشكل كبير»، كما يحذر التقرير الصادر عن جامعة «باريس دوفين» الفرنسية.

عد التقرير أنه لمعالجة مشكلة شيخوخة المجتمع، يجب أن يتطور قطاع واسع حول الإسكان المتكيف مع كبار السن، وتدريب المهنيين لدعمهم ورعايتهم، أو حتى تدريب وتوظيف كبار السن أنفسهم، من أجل تشجيعهم على العمل لفترة أطول. بالإضافة إلى تدابير دعم الأسر أو تنظيم العمل، فإن البدائل تشمل «رفع سن التقاعد» أو «السماح بمزيد من الهجرة».


مقالات ذات صلة

كبسولة «البكتيريا النافعة» تعالج مشكلات الهضم لمرضى السكري

صحتك الكبسولات تحتوي على عينة من ميكروبات الأمعاء المفيدة (جامعة كوبنهاغن)

كبسولة «البكتيريا النافعة» تعالج مشكلات الهضم لمرضى السكري

كشف باحثون في جامعة آرهوس بالدنمارك عن نتائج وصفوها بـ«الواعدة» لعلاج جديد يعتمد على كبسولات تحتوي على «البكتيريا النافعة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
صحتك البروتينات الضارة محرك مهم لشيخوخة الدماغ والتدهور المعرفي المرتبط بالعمر (رويترز)

كيف يمكننا إبطاء شيخوخة الدماغ ومنع الخرف؟

تشمل نصائح إبطاء شيخوخة الدماغ: تشجيع ممارسة الرياضة، النظام الغذائي الصحي، تقليل تعرّض الناس لتلوث الهواء والتدخين، التأكد من أن الناس ليسوا معزولين اجتماعياً.

«الشرق الأوسط» (برلين)
يوميات الشرق يدخن بعض المدخنين الإلكترونيين للابتعاد عن التدخين التقليدي (الجمعية الأميركية لأمراض الصدر)

أفضل طرق الإقلاع عن التدخين الإلكتروني

نجحت دراسة جديدة قادتها باحثة من جامعة ماساتشوستس أمهرست بالولايات المتحدة في تحديد الاستراتيجيات الأكثر فعالية لمساعدة الأشخاص على الإقلاع عن التدخين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق المساحات الخضراء توفر للأطفال فرصة للعب والنشاط البدني بعيداً عن الشاشات (معاهد الصحة الوطنية الأميركية)

طريقة بسيطة لإبعاد الأطفال عن الشاشات

توصلت دراسة أميركية إلى أن توفر المساحات الخضراء في الأحياء طريقة بسيطة يمكن أن تسهم بشكل كبير في تقليل وقت الشاشة لدى الأطفال.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك تظهر الخلايا المناعية في الدماغ أو الخلايا الدبقية الصغيرة (الأزرق الفاتح/الأرجواني) وهي تتفاعل مع لويحات الأميلويد (الأحمر) - وهي كتل بروتينية ضارة مرتبطة بمرض ألزهايمر ويسلط الرسم التوضيحي الضوء على دور الخلايا الدبقية الصغيرة في مراقبة صحة الدماغ (جامعة ولاية أريزونا)

فيروس شائع قد يكون سبباً لمرض ألزهايمر لدى بعض الأشخاص

اكتشف الباحثون وجود صلة بين عدوى الأمعاء المزمنة الناجمة عن فيروس شائع وتطور مرض ألزهايمر لدى بعض الأشخاص.

«الشرق الأوسط» (لندن)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟