«تفاؤل حذر» في نيويورك بالانعطافة الحادة لترمب من حرب أوكرانيا

زيلينسكي يحمِّل بكين المسؤولية: من دون الصين روسيا بوتين لا قيمة لها

الرئيسان الأميركي دونالد ترمب والأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال اجتماعهما في نيويورك (أ.ف.ب)
الرئيسان الأميركي دونالد ترمب والأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال اجتماعهما في نيويورك (أ.ف.ب)
TT

«تفاؤل حذر» في نيويورك بالانعطافة الحادة لترمب من حرب أوكرانيا

الرئيسان الأميركي دونالد ترمب والأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال اجتماعهما في نيويورك (أ.ف.ب)
الرئيسان الأميركي دونالد ترمب والأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال اجتماعهما في نيويورك (أ.ف.ب)

شكَّلت الانعطافة الحادة والمفاجئة للرئيس الأميركي دونالد ترمب، من الحرب بين روسيا وأوكرانيا مادة رئيسية في مناقشات رؤساء الدول والحكومات وكبار المسؤولين الدوليين، لا سيما الأوروبيين، المشاركين في الاجتماعات رفيعة المستوى للدورة السنوية الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، إذ تخلى عن إصراره السابق على ضرورة تنازل كييف عن أراضٍ بغية التوصل إلى اتفاق سلام مع موسكو، معلناً أن أوكرانيا يمكنها «استعادة كل أراضيها» التي احتلتها روسيا.

وبُعيد اجتماعه مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، على هامش اجتماعات نيويورك، نشر ترمب على منصته «تروث سوشيال» للتواصل الاجتماعي أن «أوكرانيا، بدعم من الاتحاد الأوروبي، في وضع يسمح لها بالقتال واستعادة كامل أراضيها إلى حدودها الأصلية»، مضيفاً أنه «مع الوقت والصبر والدعم المالي من أوروبا، خصوصاً حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فإن الحدود الأصلية التي بدأت منها هذه الحرب، خيار وارد للغاية».

ولم يفسر ترمب قط سبب اعتقاده الآن أن أوكرانيا، التي خسرت مساحاتٍ محدودة من الأراضي لصالح القوات الروسية على مدار العام الماضي، ستتمكن فجأة الآن من استعادتها. ولكن أحد كبار الضباط في حلف شمال الأطلسي (الناتو) لاحظ في نيويورك أن أوكرانيا لم تتمكن من تحقيق مكاسب عندما كانت المساعدات الأميركية لها في ذروتها، فكيف سيتمكنون الآن من ذلك؟!

التحوّل الترمبي

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي متوجهاً إلى اجتماع في مقر الأمم المتحدة بنيويورك (أ.ف.ب)

ورغم ذلك، عُدّت هذه الكلمات نقطة تحوّل أرخت تفاؤلاً حذراً، بما في ذلك على اجتماع رفيع المستوى عقده مجلس الأمن بالتزامن مع هذه التصريحات وعلى مواقف كثير من المسؤولين الدوليين الموجودين في نيويورك، وعبر العواصم، علماً أن الرئيس ترمب قال بعد اجتماعه الذي استمر ثلاث ساعات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في ألاسكا منذ أكثر من شهر، إن على زيلينسكي مواجهة الواقع وتوقيع صفقة تتضمن تنازلاً عن أراضٍ لروسيا. ووجَّه انتقادات حادة ومتكررة إلى زيلينسكي بسبب إصراره على ضرورة استمرار المساعدات من الولايات المتحدة. بل إنه وبَّخه خلال اجتماع في فبراير (شباط) الماضي في المكتب البيضوي، وقال لزيلينسكي: «ليست لديك أوراق قوة».

وأدت المواقف السابقة من ترمب إلى إحباط زيلينسكي والزعماء الأوروبيين، وأثارت تساؤلات حول التزام الولايات المتحدة مبادئ الأمم المتحدة للسيادة وسلامة الأراضي. وأما اليوم، فيرى مسؤولون دوليون أن موقف ترمب الجديد فوز كبير لزيلينسكي، الذي حض الرئيس الأميركي على مواصلة الضغط على نظيره الروسي لإنهاء الحرب.

وأكد زيلينسكي أن وجهة النظر الجديدة من الرئيس الأميركي لساحة المعركة تتوافق الآن أكثر مع وجهة نظر أوكرانيا. وقال للصحافيين إن «ترمب هو من يغيِّر قواعد اللعبة بنفسه». وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: «أرحب بإيمان رئيس الولايات المتحدة بقدرة أوكرانيا ليس فقط على التمسك بالمسار» بل على الانتصار.

روبيو يناقض ترمب؟

اجتماع مجلس الأمن بحضور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في نيويورك (رويترز)

وبعد ساعات من إعلان ترمب أن أوكرانيا قادرة على «الانتصار»، وربما حتى الاستيلاء على أراضٍ خارج حدودها، ناقضه وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الذي يتولى أيضاً منصب مستشار الأمن القومي لدى البيت الأبيض، الذي قال إن الحرب في أوكرانيا «لا يمكن أن تنتهي عسكرياً»، متوقعاً أن «تنتهي على طاولة المفاوضات»، فيما يعكس إلى حد بعيد المواقف السابقة لترمب. ولم يشر روبيو إلى المناقشات مع الحلفاء الأوروبيين للولايات المتحدة حول إنشاء قوة أمنية لما بعد اتفاق السلام، بما يشمل دعماً جوياً أميركياً لحماية «منطقة حظر طيران» فوق أوكرانيا.

ومع ذلك، تعكس تصريحات ترمب شعوره بالإحباط من بوتين، الذي أحرجه بعدم إجرائه مفاوضات السلام التي جرى الاتفاق عليها، فكتب منشوراً مطولاً عن الصعوبات الاقتصادية والاستراتيجية التي تواجهها روسيا. وقال مستخدماً أسلوبه المميز في استخدام الأحرف الكبيرة إن «روسيا تخوض بلا هدف منذ ثلاث سنوات ونصف السنة، حرباً كان يفترض أن تتطلب قوة عسكرية حقيقية لأقل من أسبوع للفوز بها». وأضاف أن «هذا لا يميز روسيا». وأضاف أن القوات الروسية مجرد «نمر من ورق». وأشار إلى طوابير محطات الوقود والمبالغ الطائلة التي تنفقها روسيا على الحرب. ورأى أن «بوتين وروسيا يواجهان مشكلة اقتصادية كبيرة».

وفي خطابه أمام الجمعية العامة، قال ترمب إن الحرب في أوكرانيا تُسيء إلى صورة روسيا لأنها «كان من المفترض أن تكون مناوشة صغيرة وسريعة». وأضاف أنها «تُظهر لكم ماهية القيادة، وما يمكن أن تُلحقه القيادة السيئة ببلد ما». ورأى أن «السؤال الوحيد الآن هو: كم من الأرواح ستُزهق بلا داعٍ من كلا الجانبين؟».

مواقف أوروبا وروسيا

نائب المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة ديميتري بوليانسكي يلقي كلمة خلال اجتماع مجلس الأمن في نيويورك (رويترز)

وخلال اجتماع مجلس الأمن والاجتماعات الجانبية، حض القادة الأوروبيون الرئيس الأميركي على تشديد العقوبات على روسيا. وقال ترمب إنه «في حال لم تكن روسيا مستعدة للتوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب، فإن الولايات المتحدة مستعدة تماماً لفرض جولة قوية للغاية من الرسوم الجمركية، التي أعتقد أنها ستوقف إراقة الدماء بسرعة كبيرة».

وصرحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، قبل اجتماعها مع ترمب في نيويورك، بأن أوروبا ستفرض مزيداً من العقوبات والرسوم الجمركية على روسيا، وأن الاتحاد الأوروبي سيواصل خفض وارداته من الطاقة الروسية. كما دعا زيلينسكي، متحدثاً في جلسة خاصة لمجلس الأمن الدولي بشأن أوكرانيا، إلى ممارسة ضغط أقوى من الولايات المتحدة على روسيا. وقال زيلينسكي إن «موسكو تخشى أميركا وتوليها اهتماماً دائماً».

قال الرئيس الأوكراني في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتّحدة إن بإمكان الصين، في حال رغبت، إجبار روسيا على إنهاء الحرب في أوكرانيا، مضيفاً: «من دون الصين، روسيا بوتين لا قيمة لها. ومع ذلك، غالباً ما تلتزم الصين الصمت وتنأى بنفسها بدل العمل من أجل السلام».

وقال نائب مندوب الصين لدى الأمم المتحدة غينغ شوانغ، إنه «منذ اليوم الأول للأزمة، حافظت الصين على موقف موضوعي وغير منحاز، داعيةً إلى وقف الأعمال القتالية ومدافعةً عن محادثات السلام بهدف التوصل إلى حل سياسي». وأشاد زيلينسكي بالدعم الأميركي لبلاده، مؤكداً أن كييف «وافقت على جميع مقترحات الرئيس الأميركي لوقف إطلاق النار وإجراء محادثات مع روسيا لإرساء السلام».

وأضاف: «نعتمد على تحركات أميركا لدفع روسيا نحو السلام. موسكو تخشى أميركا وتنصت إلى ما تقوله».

ووصفت روسيا اجتماع مجلس الأمن بأنه مجرد محطة في نيويورك ضمن جولة عالمية لـ«ممثل سابق»، في إشارة إلى زيلينسكي. وقال نائب المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة ديمتري بوليانسكي، إنه «لا قيمة مضافة لاجتماع لإحلال السلام في أوكرانيا. سيصبح هذا مجرد حلقة أخرى مخزية في سوق النفاق».


مقالات ذات صلة

ترمب: أتوقع لقاءً «جيداً» مع زيلينسكي وقد أتحدث مع بوتين قريباً

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب يستقبل نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض - 17 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب) play-circle

ترمب: أتوقع لقاءً «جيداً» مع زيلينسكي وقد أتحدث مع بوتين قريباً

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنه يتوقع عقد لقاء «جيد» مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وإنه قد يتحدث قريباً مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين.

أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (إ.ب.أ) play-circle

تقرير: زيلينسكي مستعد للدعوة لاستفتاء على خطة ترمب بعد التوصل لوقف النار

نقل موقع «أكسيوس» عن الرئيس الأوكراني قوله إنه «مستعد» للدعوة إلى إجراء استفتاء على خطة الرئيس الأميركي لإنهاء الحرب في أوكرانيا إذا وافقت روسيا على وقف النار.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ صورة للقاء عاصف بين ترمب وزيلينسكي في البيت الأبيض يوم 28 فبراير (أ.ف.ب)

ترمب وزيلينسكي يبحثان «عقبتين رئيسيتين» أمام اتفاق السلام

أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أنه سيلتقي نظيره الأميركي دونالد ترمب، الأحد، في محاولة لوضع اللمسات الأخيرة على خطة السلام الأميركية لأوكرانيا.

علي بردى (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي جورج دبليو بوش خلال مؤتمرهما الصحافي في مدينة سوتشي على البحر الأسود جنوب روسيا 6 أبريل 2008 (أ.ب)

بوتين لبوش عام 2001: أوكرانيا مصطنعة وكانت تابعة لروسيا

في وثائق سرية أميركية، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لنظيره الأميركي جورج بوش الابن عام 2001 إن أوكرانيا «مصطنعة» وكان يفترض أن تكون تابعة لروسيا.

علي بردى (واشنطن)
تحليل إخباري ماكرون يستقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمقر إقامته الصيفي في حصن بريغانسون يوم 19 أغسطس 2019 (د.ب.أ)

تحليل إخباري باريس ترسم خريطة الضمانات الأمنية لكييف قبيل زيارة زيلينسكي إلى واشنطن

فرنسا تركز على تنسيق المواقف بين أوكرانيا وأوروبا والولايات المتحدة، ومصدر رئاسي فرنسي: قمة لـ«تحالف الراغبين» الشهر المقبل، ولا خطط لماكرون بعدُ لزيارة موسكو.

ميشال أبونجم (باريس)

ترمب: أتوقع لقاءً «جيداً» مع زيلينسكي وقد أتحدث مع بوتين قريباً

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يستقبل نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض - 17 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يستقبل نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض - 17 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب)
TT

ترمب: أتوقع لقاءً «جيداً» مع زيلينسكي وقد أتحدث مع بوتين قريباً

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يستقبل نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض - 17 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يستقبل نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض - 17 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب)

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الجمعة، إنه يتوقع عقد لقاء «جيد» مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وإنه قد يتحدث قريباً مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين بشأن الحرب في أوكرانيا.

وفي حوار حصري مع موقع «بوليتيكو» الإخباري، قدّم ترمب نفسه بصفته صاحب القول الفصل في أي اتفاق سلام بين أوكرانيا وروسيا، وقال إن زيلينسكي «ليس لديه أي شيء حتى أوافق عليه. لذا سنرى ما لديه».

كان زيلينسكي، الذي سيلتقي مع ترمب في فلوريدا، الأحد، قد صرح للصحافيين بأنه سيحمل معه خطة سلام جديدة من عشرين بنداً، تتضمن مقترحات عن منطقة منزوعة السلاح. ومن المتوقع أن يركز الاجتماع على الضمانات الأمنية الأميركية.

وأشار ترمب إلى أنه قد يتحدث مع الرئيس الروسي بوتين «قريباً»، مضيفاً: «أعتقد أن الأمور ستسير معه على ما يرام».

من جانبه، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لموقع «أكسيوس»، الجمعة، ‌إنه يأمل في ‌إقناع ‌الرئيس الأميركي ​دونالد ‌ترمب بالعدول عن اقتراح أميركي يقضي بانسحاب القوات الأوكرانية من كامل إقليم دونباس.

وأوضح أنه إذا لم يتمكن ‌من دفع الولايات المتحدة إلى اتخاذ موقف «قوي» بشأن قضية التنازلات عن أراض، فإنه منفتح على ​طرح خطة السلام «ذات النقاط العشرين» التي تقودها واشنطن للاستفتاء، وذلك إذا وافقت روسيا على وقف إطلاق النار لمدة 60 يوماً للسماح لأوكرانيا بالاستعداد لمثل هذا التصويت وإجرائه.

وأشار الرئيس الأميركي إلى إنه سيلتقي برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مطلع الأسبوع، مؤكداً: «سألتقي زيلينسكي وكذلك نتنياهو. إنهم جميعاً قادمون إليّ. إنهم يحترمون بلدنا مجدداً».


ترمب وزيلينسكي يبحثان «عقبتين رئيسيتين» أمام اتفاق السلام

صورة للقاء عاصف بين ترمب وزيلينسكي في البيت الأبيض يوم 28 فبراير (أ.ف.ب)
صورة للقاء عاصف بين ترمب وزيلينسكي في البيت الأبيض يوم 28 فبراير (أ.ف.ب)
TT

ترمب وزيلينسكي يبحثان «عقبتين رئيسيتين» أمام اتفاق السلام

صورة للقاء عاصف بين ترمب وزيلينسكي في البيت الأبيض يوم 28 فبراير (أ.ف.ب)
صورة للقاء عاصف بين ترمب وزيلينسكي في البيت الأبيض يوم 28 فبراير (أ.ف.ب)

أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الجمعة، أنه سيلتقي الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الأحد، على الأرجح في فلوريدا، في محاولة لوضع اللمسات الأخيرة على خطة سلام أميركية لوقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا المستمرّة منذ فبراير (شباط) 2022.

ووسط ترقّب لما يمكن أن يعلنه الرئيس ترمب على منصته «تروث سوشيال» للتواصل الاجتماعي، أو من البيت الأبيض في هذا الشأن، كشف زيلينسكي على منصاته عن الاجتماع، مؤكداً أن أوكرانيا تعمل جاهدة على المضي في محادثات السلام. وأضاف: «يمكن حسم الكثير قبل حلول العام الجديد»، علماً بأن ترمب صرّح سابقاً بأنه لن يلتقي زيلينسكي إلا عندما يقترب الجانبان من التوصل إلى اتفاق سلام.

وفي حديث لاحق مع الصحافيين، أشار زيلينسكي إلى «جدول أعمال واسع» للاجتماع مع ترمب في منتجع «مارالاغو»، موضحاً أن موضوعات النقاش ستشمل ما عدّه أهم نقطتَي خلاف بين واشنطن وكييف في مفاوضات السلام؛ مصير منطقة دونباس في شرق أوكرانيا، والسيطرة على محطة الطاقة النووية في زابوريجيا التي تحتلها روسيا.

20 بنداً

كشف زيلينسكي هذا الأسبوع عن خطة منقّحة من 20 بنداً لإنهاء الحرب، طُوّرت بالتعاون مع الولايات المتحدة، وهي تشمل طيفاً واسعاً من القضايا، ومنها الضمانات الأمنية التي تسعى إليها أوكرانيا لمنع أي عدوان مستقبلي من روسيا. وعلى الرغم من أنه أقر بوجود نقاط خلافية في شأن الأراضي ومحطة الطاقة، فإن القضية الأهم هي ما إذا كانت روسيا ستوافق على المسودة من الأساس.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يلتقي نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في لاهاي يوم 25 يونيو (د.ب.أ)

وأكد مسؤول أميركي رفيع أن الولايات المتحدة مستعدة لإرسال الضمان الأمني، بنص يستند إلى المادة الخامسة من معاهدة حلف «الناتو» إلى مجلس الشيوخ للتصديق عليه.

وأكد زيلينسكي أن الخطة صارت «جاهزة بنسبة 90 في المائة تقريباً»، مضيفاً أنه ستتم أيضاً مناقشة «اتفاق اقتصادي»، لكنه لم يتمكن من تأكيد «ما إذا كان سيتم التوصل إلى اتفاق نهائي بحلول نهاية اللقاء». وأوضح أن الجانب الأوكراني سيثير أيضاً «قضايا حدودية». وأكد أن أوكرانيا «ترغب في مشاركة الأوروبيين»، لكنه شكّك في إمكانية تحقيق ذلك في وقت قصير. وقال: «يجب علينا، بلا شك، إيجاد صيغة ما في المستقبل القريب لا تقتصر على أوكرانيا والولايات المتحدة فحسب، بل تشمل أوروبا أيضاً».

هل توافق روسيا؟

رجّح محللون أن يرفض الكرملين هذه الخطة. وقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، إن هناك «تقدماً بطيئاً، ولكنه ثابت» في المفاوضات مع الولايات المتحدة.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال حفل تقديم ميداليات إلى أفراد الخدمة العسكرية ضمن حملة بلاده ضد أوكرانيا في موسكو يوم 17 ديسمبر (رويترز)

وصرح الناطق باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، الجمعة، بأن المسؤولين الروس على اتصال بالفعل مع الممثلين الأميركيين منذ اجتماعات المبعوث الرئاسي الروسي كيريل ديميترييف أخيراً في فلوريدا. وقال: «جرى الاتفاق على مواصلة الحوار».

وأفاد زيلينسكي، الجمعة، بأنه لا يملك الوقت للتفكير فيما إذا كانت روسيا ستوافق في نهاية المطاف على الخطة. وقال: «لماذا؟ لأن روسيا تبحث باستمرار عن أعذار للرفض. والجواب بسيط للغاية: إذا أوضحت أوكرانيا موقفها وكان بناءً، فيما ترفضه روسيا، على سبيل المثال، فهذا يعني أن الضغط غير كافٍ. وهذا أيضاً أمر أرغب في مناقشته مع الرئيس الأميركي».

وفي مقابل الموقف الروسي المتصلب، حرص زيلينسكي على إظهار دعمه الكامل لجهود ترمب الرامية إلى السلام، واستعداده لتقديم تنازلات، بما في ذلك بشأن القضايا الحدودية. وصرّح بأن «روسيا ستواجه عواقب وخيمة، تشمل فرض عقوبات جديدة وزيادة الدعم العسكري الغربي لكييف، إذا ما رفضت جهود السلام الأخيرة».

وتستمرّ المحادثات بين المفاوضين الأوكرانيين والأميركيين، بعدما قدّم زيلينسكي تفاصيل الخطة المكونة من 20 بنداً هذا الأسبوع. وأوضح أن الولايات المتحدة ستقدّمها إلى الكرملين.

وفي خطابه المسائي، الخميس، قال زيلينسكي إن الجهود الدبلوماسية في الأسابيع المقبلة يمكن أن تكون «مُكثّفة»، مُضيفاً أنه تحدّث لمدة ساعة تقريباً في وقت سابق من ذلك اليوم مع المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، وصهر ترمب جاريد كوشنر، وقال: «تطرقنا إلى تفاصيل كثيرة، وهناك أفكار جيدة ناقشناها»، في إشارة إلى بعض الأفكار الجديدة فيما يتعلق بالصيغ والاجتماعات، وبالطبع التوقيت، لتقريب السلام الحقيقي.

المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف وصهر الرئيس دونالد ترمب جاريد كوشنر ينتظران وصول ترمب إلى مطار في نيوجيرسي يوم 13 يوليو (أ.ب)

وتُعدّ الخطة المكونة من 20 بنداً ثمرة أحدث حملة دبلوماسية قادتها إدارة ترمب، التي بدأت في الخريف. وحدّد ترمب في البداية عيد الشكر موعداً نهائياً لموافقة أوكرانيا على اتفاق سلام مع روسيا، لكن على الرغم من ادعاء الرئيس ترمب هذا العام قرب التوصل إلى تسوية، فإنه شعر بالإحباط من رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التنازل عن مطالبه واسعة النطاق، ومنها إصراره على تسليم روسيا أراضي لم تتمكن قواتها من السيطرة عليها في أوكرانيا، فضلاً عن مطالبته كييف بالموافقة على إجراءات من شأنها تقويض سيادتها.

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، صرّح زيلينسكي بأنه على استعداد لسحب قواته من مناطق دونباس التي لا تزال تحت سيطرة كييف، وتحويل تلك المناطق إلى منطقةٍ منزوعة السلاح بوصفها جزءاً من اتفاق سلام محتمل. وقال إنه سيفعل ذلك بشرط واحد فقط، وهو أن تسحب روسيا قواتها من منطقة مماثلة، وأن تنتشر شرطة أوكرانية في المنطقة.


بوتين لبوش عام 2001: أوكرانيا مصطنعة وكانت تابعة لروسيا

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي جورج دبليو بوش خلال مؤتمرهما الصحافي في مدينة سوتشي على البحر الأسود جنوب روسيا 6 أبريل 2008 (أ.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي جورج دبليو بوش خلال مؤتمرهما الصحافي في مدينة سوتشي على البحر الأسود جنوب روسيا 6 أبريل 2008 (أ.ب)
TT

بوتين لبوش عام 2001: أوكرانيا مصطنعة وكانت تابعة لروسيا

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي جورج دبليو بوش خلال مؤتمرهما الصحافي في مدينة سوتشي على البحر الأسود جنوب روسيا 6 أبريل 2008 (أ.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي جورج دبليو بوش خلال مؤتمرهما الصحافي في مدينة سوتشي على البحر الأسود جنوب روسيا 6 أبريل 2008 (أ.ب)

كشفت وثائق أميركية كانت مُصنّفة سريّة، ورفع عنها هذا التصنيف أخيراً، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبلغ الرئيس جورج بوش الابن عام 2001 أن أوكرانيا كان يفترض أن تكون تابعة لروسيا، بيد أن مسؤولي الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي تخلوا عنها. كما سأله أيضاً عن فكرة انضمام روسيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).

ونشرت مؤسسة غير حكومية، تُسمّى «أرشيف الأمن القومي» التي تتخذ من جامعة جورج واشنطن في العاصمة الأميركية مقراً لها وتعنى بالأبحاث ونشر الوثائق، عدداً غير محدد من الأوراق والمحاضر التي كانت مصنفة سرية، ولكنها حصلت عليها أخيراً بحكم قضائي بموجب قانون حرية المعلومات.

ويورد أحد المحاضر تفاصيل حرفية عن المحادثات التي أجريت في اللقاء الأول المغلق بين الرئيسين الروسي والأميركي في 16 يونيو (حزيران) 2001 في سلوفينيا، حين قدّم بوتين لبوش ما وُصف بأنه «محاضرة تاريخية موجزة» تتضمن تفسيراته لانهيار الاتحاد السوفياتي في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي. وقال بوتين: «ما حدث حقاً؟ غيّرت النيات السوفياتية الحسنة العالم، طواعية. وتنازل الروس عن آلاف الكيلومترات المربعة من أراضيهم، طواعية». وأضاف أن ذلك «أمر لم يُسمع به من قبل. أوكرانيا جزء من روسيا لقرون، جرى التنازل عنها. كازاخستان، جرى التنازل عنها أيضاً. القوقاز كذلك. من الصعب تصديق ذلك، وجرى ذلك على يد قادة الحزب» الشيوعي السوفياتي.

وهو كان يشير بذلك إلى انفصال الجمهوريات عن الاتحاد السوفياتي بسبب مزيج من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك تداعيات غزو أفغانستان والإصلاحات السياسية التي حفزتها المعارضة المتزايدة والركود الاقتصادي.

روسيا من الغرب؟

في سياق رده على ذلك، أكد الرئيس بوش لنظيره الروسي أنه ينظر إلى روسيا كجزء من الغرب لا كخصم، مشجعاً بوتين على «إعادة تعريف التهديدات الجديدة القادمة من أولئك الذين يكرهون أميركا»، والذين يمكن أن يكرهوا روسيا أيضاً. ولفت أيضاً إلى أن الصين يمكن أن تصبح تهديداً خلال النصف الأول من القرن الحادي والعشرين.

صورة للرئيس الأميركي السابق جورج بوش في البيت الأبيض (أ.ف.ب)

وعلى الأثر، قال بوتين: «والآن دعني أعود إلى موضوع توسيع حلف (الناتو). أنتم تعرفون موقفنا. أنت أدليت بتصريح مهم عندما قلت إن روسيا ليست عدواً. ما قلته عن الأعوام الـ50 المقبلة مهم». وأضاف أن «روسيا أوروبية ومتعددة الأعراق، مثل الولايات المتحدة. أتصور أننا قد نصبح حلفاء. لن نتحالف مع الآخرين إلا في ظل حاجة ماسة. لكننا نشعر بأننا مُستبعدون من حلف (الناتو)».

وذكّر بأنه «في عام 1954، تقدم الاتحاد السوفياتي بطلب للانضمام إلى (الناتو)»، مضيفاً: «لدي الوثيقة» التي تؤكد هذا الطلب. واستطرد أن «(الناتو) رفض الطلب لأربعة أسباب محددة: عدم التوصل إلى تسوية مع النمسا، وعدم التوصل إلى تسوية مع ألمانيا، والسيطرة الشمولية على أوروبا الشرقية، وضرورة تعاون روسيا مع عملية نزع السلاح التابعة للأمم المتحدة. والآن، استوفيت كل هذه الشروط. ربما يمكن لروسيا أن تكون حليفاً». ولكن بوتين أضاف أيضاً أن المشكلة في عدم انضمام روسيا تكمن في أن «(الناتو) يتوسع، وليس لدينا ما نقوله حيال ذلك».

وفي محادثة منفصلة عام 2008، سعى بوتين إلى إقناع بوش بأن أوكرانيا «دولة مصطنعة» لديها مجتمع منقسم، موضحاً أن «أوكرانيا دولة بالغة التعقيد. إنها ليست أمة بُنيت بشكل طبيعي، بل دولة مصطنعة أُنشئت في الحقبة السوفياتية». وأضاف: «إذا ذهبت إلى غرب أوكرانيا، فسترى قرى لا يتحدث سكانها إلا اللغة الهنغارية، ويرتدون تلك القبعات التقليدية. أما في الشرق، فيرتدي الناس البدلات الرسمية وربطات العنق والقبعات الكبيرة. وينظر جزء كبير من الشعب الأوكراني إلى (الناتو) على أنه منظمة معادية». ورأى أن هذا الأمر «يخلق مشاكل لروسيا؛ إذ يُهدد بنشر قواعد عسكرية وأنظمة عسكرية جديدة على مقربة منها، مما يثير حالة من عدم اليقين والتهديدات لنا».

«ساحة صراع»

وفي اجتماع بوش وبوتين في سوتشي عام 2008، عبر بوتين عن مخاوف تُدرج اليوم كمبررات لحرب روسيا في أوكرانيا. وقال: «لن يكون هذا جديداً عليكم، ولا أتوقع رداً. أردت فقط أن أقوله بصراحة. أود التأكيد على أن انضمام دولة مثل أوكرانيا إلى (الناتو) سيخلق، على المدى البعيد، ساحة صراع بيننا وبينكم - مواجهة طويلة الأمد».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يترأس اجتماعاً لمجلس الدولة في الكرملين (أ.ف.ب)

وتعكس هذه التصريحات بعضاً من كلام قاله بوتين في العقد الأول من الألفية الثانية، ومنه أن «من لا يندم على تفكك الاتحاد السوفياتي فليس له قلب. ومن يريد إحياءه على صورته السابقة فليس له عقل».

وخلال السنوات اللاحقة، استغل بوتين الحنين إلى الحقبة السوفياتية كأداة لترسيخ سيطرته وتبرير الحرب مع أوكرانيا، مشبهاً إياها بحرب ضد النازية.