في مؤتمر سياسي عُقد هذا الأسبوع في العاصمة الأميركية واشنطن، حوَّل قادة ومفكرون محسوبون على حركة «لنجعل أميركا عظيمة مجدداً (ماغا)» بريطانيا إلى «قصة تحذيرية» للولايات المتحدة، محذرين من أن السياسات البريطانية تجاه الهجرة، خصوصاً تجاه المسلمين، يجب ألا تُكرر في أميركا. وجاءت هذه الرسائل خلال مؤتمر المحافظين الوطني، الذي شهد مشاركة شخصيات بارزة من اليمين الأميركي، بينهم مسؤولون سابقون في إدارة الرئيس دونالد ترمب، وأعضاء في مجلس الشيوخ، ومفكرون من مراكز بحثية محافظة.

وبحسب وسائل إعلام أميركية، فقد كان العنوان الضمني للمؤتمر واضحاً: «إنجلترا كانت الكناري في منجم الفحم... فاحذروا أن تصبح أميركا التالية».
أبرز ما ميّز المؤتمر هو تصاعد الخطاب المعادي للمسلمين والمهاجرين. وذهب ستيف بانون، كبير مستشاري ترمب السابق، وأحد أبرز الناشطين اليمينيين الذي ينشط على ضفتي الأطلسي، إلى حدّ القول: «إن بريطانيا تتجه نحو حرب أهلية»؛ بسبب ما وصفه بـ«فشلها في التعامل مع الإسلاموية». وأضاف أن ما يحدث في المملكة المتحدة اليوم يمكن أن يحدث في الولايات المتحدة إذا لم يتم اتخاذ إجراءات صارمة ضد الهجرة.

وتناوب المشاركون على رسم صورة قاتمة لبريطانيا بوصفها دولةً مهدَّدةً من الداخل؛ بسبب ما وصفها المتحدثون بـ«الهجرة الجماعية من دول إسلامية». وقد وُصفت المملكة المتحدة بأنها أصبحت «واجهة لحرب حضارية»، بينما عبَّر المتحدثون عن إعجابهم بصعود أحزاب أوروبية يمينية متطرفة تتبنى أجندات معادية للهجرة.
قال ناثان بينكوسكي، الباحث في منظمة «تجديد أميركا»، وهي منظمة مسيحية غير ربحية «أُنشئت لمواجهة الوعي» من قِبل راسل فوغت، مدير ميزانية البيت الأبيض ومهندس ما يُعرَف بـ«مشروع 2025» الذي أصدره «معهد هيريتغ» اليميني، إن أوروبا «في حالة طوارئ حضارية». وأكد أن ما يحدث في شوارع بريطانيا، «يُنذر بأن الولايات المتحدة ليست بمنأى». واستدعى بينكوسكي خطاب السياسي البريطاني الراحل إينوك باول، المعروف بخطابه التحذيري ضد الهجرة عام 1968، قائلاً: «إن العقلية النخبوية التي تجاهلت تحذيرات باول لا تزال موجودة، في بريطانيا وأيضاً في أميركا».
المشاركون ربطوا بين ازدياد أعداد اللاجئين القادمين إلى المملكة المتحدة من دول مثل أفغانستان وباكستان وإيران، وبين ما وصفوه بـ«فقدان السيطرة على الهوية الوطنية». يُذكر أن بريطانيا استقبلت أكثر من 29 ألف مهاجر غير نظامي عبر القناة الإنجليزية هذا العام فقط، في وقت بلغت فيه طلبات اللجوء مستوى قياسياً، تُشكِّل الجنسيات المسلمة نسبةً كبيرةً منها.

ويُشكِّل المسلمون 6.5 في المائة من سكان المملكة المتحدة، مقابل 46.2 في المائة من المسيحيين و37.2 في المائة من العلمانيين، وفق تعداد سكاني عام 2021.
لكن هذا الخطاب لم يمرّ دون رد. فقد وصفت منظمة «كير» الأميركية، المعنية بالدفاع عن الحقوق المدنية للمسلمين، المؤتمر بأنه «منصة للتعصب الأعمى»، متهمةً بانون وآخرين بترويج «صور زائفة عن المسلمين والمهاجرين في بريطانيا».
وقال إدوارد أحمد ميتشل، نائب مدير المنظمة: «هذا النوع من الخطاب الخطير يُقرب اليمين المتطرف من تكرار أخطاء الماضي، حين صُوّر المهاجرون اليهود في القرن العشرين تهديداً وجودياً». كما حذَّر من أن التصريحات الأخيرة، إلى جانب منشورات تحريضية على وسائل التواصل، قد تدفع البعض إلى «أخذ الأمور بأيديهم»، في ظل تصاعد جرائم الكراهية ضد المسلمين في بريطانيا.
رغم الصورة السلبية، فإن بعض المتحدثين في المؤتمر رأوا أن بريطانيا لا تزال تملك فرصةً «لإنقاذ نفسها»، مشيرين إلى صعود نايجل فاراج، زعيم حزب «الإصلاح» البريطاني، الذي تبنّى خطاباً شبيهاً بأجندة ترمب، خصوصاً في ملف الهجرة.

وكان من المقرر أن يلقي فاراج كلمةً في المؤتمر، لكن حضوره أُلغي؛ بسبب ظروف سفره، رغم أنه استغل وجوده في واشنطن لعقد لقاءات مع مُشرِّعين أميركيين، أبرزها مشاركته في جلسة أمام اللجنة القضائية بمجلس النواب، حيث تحدَّث عن «قيود حرية التعبير» في بريطانيا، مستشهداً بقضية لوسي كونولي، وهي ناشطة بريطانية أُدينت بالتحريض على الكراهية. ووصف فاراج هذه المرأة بأنها «دليل حي على ما قد يحدث من خلل» في ظل قيود حرية التعبير.
وعزا بعض الحاضرين شعبية فاراج إلى حملته الطويلة الأمد من أجل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في استفتاء قدَّمه على أنه يمنح بريطانيا فرصة استعادة سيادتها، وهو ما نال إعجاب ترمب وكثير من مؤيديه الأوائل.

يرى مراقبون أن ما يجمع اليمين المتشدد في الولايات المتحدة ونظراءه في أوروبا - خصوصاً في بريطانيا - لم يعد مجرد تقاطعات سياسية، بل تطابق آيديولوجي في النظرة للهجرة، والإسلام، والهوية الوطنية. وقالت نعومي غرين، الأمين العام المساعد للمجلس الإسلامي البريطاني: «إن اليمين البديل في أميركا وأوروبا يتعلم من بعضه بعضاً، ويستخدم الإسلاموفوبيا أداةً سياسيةً لعرقلة التماسك المجتمعي». وأكدت أن هذه الاستراتيجية باتت تهدد الأمن المجتمعي بشكل مباشر.




