ترمب وبوتين يناقشان «تبادل أراضٍ» لإنهاء حرب أوكرانيا

محادثة هاتفية بينهما الثلاثاء لتجاوز عقبات مقترح الهدنة والتطورات الميدانية

الرئيس ترمب وبوتين سيعقدان محادثة هاتفية الثلاثاء لمناقشة الحرب في أوكرانيا (أ.ف.ب)
الرئيس ترمب وبوتين سيعقدان محادثة هاتفية الثلاثاء لمناقشة الحرب في أوكرانيا (أ.ف.ب)
TT
20

 ترمب وبوتين يناقشان «تبادل أراضٍ» لإنهاء حرب أوكرانيا

الرئيس ترمب وبوتين سيعقدان محادثة هاتفية الثلاثاء لمناقشة الحرب في أوكرانيا (أ.ف.ب)
الرئيس ترمب وبوتين سيعقدان محادثة هاتفية الثلاثاء لمناقشة الحرب في أوكرانيا (أ.ف.ب)

من المقرر أن يجري الرئيس الأميركي دونالد ترمب، محادثة هاتفية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين الثلاثاء، تتطرق إلى سبل إنهاء حرب أوكرانيا عبر أفكار تتطرق إلى «تبادل أراضٍ» وتجاوز عقبة الهدنة المقترحة من الجانب الأميركي.

وقال الرئيس ترمب، للصحافيين على متن طائرة الرئاسة، الأحد، إنه سيتحدث مع الرئيس بوتين يوم الثلاثاء. وأوضح أن الأراضي ومحطات الطاقة ستكون على جدول الأعمال، بالإضافة إلى تبادل أراضٍ. وأبدى ترمب تفاؤلاً بالنتيجة التي ستخرج من هذه المحادثة، مشيراً إلى أنه «تم إنجاز كثير من العمل خلال عطلة نهاية الأسبوع، وسنرى ما إذا كان لدينا ما نعلنه ربما بحلول يوم الثلاثاء». وهو ما يؤكد أن المفاوضين الذين يعملون على إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية ناقشوا بالفعل خطة تقسيم الأصول.

الرئيس ترمب وبوتين سيعقدان محادثة هاتفية الثلاثاء لمناقشة الحرب في أوكرانيا (أ.ف.ب)
الرئيس ترمب وبوتين سيعقدان محادثة هاتفية الثلاثاء لمناقشة الحرب في أوكرانيا (أ.ف.ب)

ويشير محللون إلى أن قائمة الطلبات الروسية ستكون طويلة، وتشمل رفع جميع العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس السابق جو بايدن، وتأكيد السيطرة الروسية على منطقة البحر الأسود، والمناطق التي استعادتها في كورسك، وفك تجميد الأصول الروسية للبنك المركزي الروسي لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والتي تقدر بنحو 300 مليار دولار، علماً بأن النقاشات كانت تدور حول استخدام فوائد هذه الأموال الروسية المجمدة لتمويل أوكرانيا.

وتضم قائمة المطالب الروسية أيضاً تخلي أوكرانيا عن طموحاتها للانضمام لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، إذ قال نائب وزير الخارجية الروسي ألكسندر غروشكو، إن روسيا ستسعى للحصول على ضمانات أمنية صارمة لضمان استبعاد كييف من حلف شمال الأطلسي في أي اتفاق سلام. وتصر روسيا على رفض نشر قوة حفظ سلام أوروبية في أوكرانيا بعد انتهاء الصراع، علماً بأن بريطانيا وفرنسا أعلنتا استعدادهما لإرسال قوات لمراقبة وقف إطلاق النار.

صورة تظهر شخصين يرتديان قناعين للرئيس ترمب والرئيس بوتين أمام طاولة يلفها العلم الأوكراني في إشارة إلى توافق واشنطن وموسكو على تبادل الأراضي في أوكرانيا (رويترز)
صورة تظهر شخصين يرتديان قناعين للرئيس ترمب والرئيس بوتين أمام طاولة يلفها العلم الأوكراني في إشارة إلى توافق واشنطن وموسكو على تبادل الأراضي في أوكرانيا (رويترز)

ومن المقرر عقد اجتماعات بين المفاوضين الأميركيين والأوكرانيين خلال الأسبوع الحالي. كما صرح الكرملين بأن مفاوضين أميركيين سيسافرون إلى روسيا لإجراء مزيد من المحادثات.

تنازلات

وأبدت أوكرانيا مخاوف من هذه المحادثة التي قد تؤدي إلى ميل أميركي واسع النطاق للاستجابة للمطالب الروسية. وهي تدرك رغبة بوتين في الاحتفاظ بكثير من الأراضي التي يسيطر عليها، ولديها قلق من محاولة روسية أخرى للسيطرة على أوكرانيا بأكملها بعد بضع سنوات.

ووفقاً لـ«معهد دراسات الحرب» (مقره واشنطن)، فإن أوكرانيا فقدت السيطرة على نحو 11 في المائة من أراضيها منذ بداية الغزو الروسي عام 2022. وتعد التنازلات عن الأراضي من بين أكثر القضايا حساسية. وصرح مسؤولون أميركيون مراراً بأن أوكرانيا ستحتاج إلى التنازل عن بعض الأراضي لإنهاء الحرب، وهو ما يراه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خياراً «غير مجدٍ» و«مكافأة» لبوتين على شن الغزو الروسي لأوكرانيا.

وقد وافقت أوكرانيا على الشروط التي حددتها الولايات المتحدة لوقف إطلاق نار كامل مع روسيا يستمر 30 يوماً، عقب محادثات في مدينة جدة الساحلية السعودية يوم الثلاثاء الماضي. لكن منذ موافقة كييف على الشروط، اشتعل القتال على امتداد مئات الأميال من خطوط المواجهة في شرق أوكرانيا، وفي منطقة كورسك الغربية الروسية. وشنت أوكرانيا توغلاً بكورسك في أغسطس (آب) 2024، واحتفظت بجزء من الأراضي التي طالبت بها في هجومها الأولي، بينما صرحت روسيا بأنها استعادت سودجا، أكبر مدينة في كورسك لا تزال تحت السيطرة الأوكرانية، الأسبوع الماضي.

ميدانياً، أطلقت القوات الأوكرانية هجوماً بالمسيّرات على روسيا ليل الأحد - الاثنين، أدى إلى اندلاع حريق في مصفاة للنفط، بحسب ما أفادت السلطات المحلية الاثنين، في وقت أطلقت فيه موسكو عشرات المسيّرات باتّجاه أوكرانيا. وقال الحاكم الإقليمي في منطقة أستراخان بجنوب روسيا، إيغور بابوشكين، إنه تم إجلاء موظفي مجمع «الوقود والطاقة» قبل الهجوم الذي أدى إلى اندلاع حريق كبير، متحدثاً عن إصابة شخص بجروح. وفي الأثناء، أكد سلاح الجو الأوكراني إسقاط 90 من نحو 174 مسيّرة أطلقتها موسكو باتجاه أوكرانيا، بما فيها مسيّرات إيرانية التصميم من طراز «شاهد». وقال حاكم منطقة أوديسا الجنوبية أوليغ كيبر، إن الطاقة انقطعت عن نحو 500 شخص جراء الهجوم الروسي وأصيب شخص بجروح أيضاً.

مخاوف أوروبية

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خلال مؤتمر صحافي في بروكسل حول الأوضاع في أوكرانيا والدفاع الأوروبي (رويترز)
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خلال مؤتمر صحافي في بروكسل حول الأوضاع في أوكرانيا والدفاع الأوروبي (رويترز)

وأثار استعداد ترمب لتقديم تنازلات لموسكو حتى قبل بدء المحادثات، واحتضانه لبوتين، قلق حلفاء «الناتو» في أوروبا، الذين باتوا يتساءلون علناً عما إذا كان يمكن الاعتماد على عقود من الضمانات الأمنية الأميركية للقارة، أم لا. ويسارع الأوروبيون للتكيف مع نظام دولي جديد لا يعتمدون فيه على الولايات المتحدة. وتخشى الدول الأوروبية من أي اتفاق سلام يبرمه ترمب مع بوتين يقر بسيادة روسيا على الأراضي الأوكرانية، ويقول الأوروبيون إنهم لن يقبلوا ذلك، مع مخاوفهم من انتهاك بوتين لأي اتفاقيات والمضي في طموحاته لتهديد بولندا ودول البلطيق.

ويقول مايكل كلارك، المحلل العسكري البريطاني والمدير السابق لـ«المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية» (روسي)، الذي يتخذ من لندن مقراً له، إن العالم سيعدُّ روسيا هي المنتصرة في الحرب إذا تمكنت من الخروج من الصراع باستعادة السيطرة على الأراضي وتخفيف التوترات مع الولايات المتحدة، فإذا رفعت الولايات المتحدة العقوبات على روسيا -ولو بشكل جزئي- وحصل بوتين على شراكة استراتيجية مع واشنطن -وهو ما يبدو أن إدارة ترمب تسعى إليه- فإن بقية العالم سيجلس مكتوف الأيدي. ويقول محللون إن الرئيس ترمب يريد الظهور بأنه حقق السلام، وإن كان على المدى القصير، وإذا قام بوتين بغزو أوكرانيا مرة أخرى في 2029 أو 2030، فإن ترمب سيتفاخر بأن بوتين لم يستطِع غزو أوكرانيا مرة أخرى خلال وجوده في البيت الأبيض.

مناطق المفاعلات النووية

وأشار ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط لشبكة «سي إن إن»، الأحد، إلى أن هناك اتفاقاً مطروحاً على طاولة محادثات وقف إطلاق النار، موضحاً أن الروس يركزون على أن تتناول المحادثات مناطق المفاعلات النووية، والوصول إلى الموانئ واتفاقية محتملة بشأن البحر الأسود. وقال ويتكوف إن «جميع الأطراف المعنية، بمن فهيم الأوروبيون، ملتزمون ببذل كل ما في وسعنا للتوصل إلى حل ناجح».

وكان ويتكوف قد التقى الرئيس بوتين في موسكو يوم الخميس الماضي، وطرح عليه المبادرة التي اقترحها البيت الأبيض لوقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً. وصرح بوتين بأنه يوافق من حيث المبدأ على فكرة وقف إطلاق النار، لكنه طالب بإزالة الأسباب الجذرية للحرب. وأشار ويتكوف إلى أنه أمضى ما بين 3 و4 ساعات في الاجتماع الذي وصفه بالإيجابي، وأنه ضيّق الفجوة بين مواقف روسيا وأوكرانيا.

أعضاء لجنة التضامن مع الشعب الأوكراني يحملون لافتات كتب عليها «أوكرانيا ليست للبيع ولا للاستيلاء عليها» أمام البعثة الروسية لدى الأمم المتحدة في جنيف (إ.ب.أ)
أعضاء لجنة التضامن مع الشعب الأوكراني يحملون لافتات كتب عليها «أوكرانيا ليست للبيع ولا للاستيلاء عليها» أمام البعثة الروسية لدى الأمم المتحدة في جنيف (إ.ب.أ)

معركة البحر الأسود

ويقول نيل مالفين، مدير الأمن الدولي بمعهد «روسي»، إن منطقة البحر الأسود مهمة جداً لروسيا، وتعدُّ أحد الأهداف الرئيسية للترويج لروسيا كقوة عظمى من خلال سيطرة بوتين على هذه المنطقة، والسعي للاحتفاظ بها، إذ منذ عام 2014، استولت روسيا على شبه جزيرة القرم، ثم انخرطت في غزو أوكرانيا في 2022 لتوسيع القوة العسكرية عبر جنوب القوقاز، كما أنشأت روسيا قواعد عسكرية في جورجيا وأرمينيا، لكن مع زيادة قدرات حلف شمال الأطلسي العسكرية الدفاعية وانضمام السويد وفنلندا للحلف، لم تعد روسيا قادرة على الوصول إلى منطقة البلطيق بشكل فعال، لذا أصبحت منطقة البحر الأسود اكثر أهمية للرئيس بوتين ولا يستطيع تحمل خسارة هذه المنطقة.


مقالات ذات صلة

قاضية أميركية توقف ترحيل طالبة تركية في جامعة تافتس

الولايات المتحدة​ صورة مثبتة من مقطع فيديو للحظة توقيف رميساء أوزتورك

قاضية أميركية توقف ترحيل طالبة تركية في جامعة تافتس

أمرت قاضية اتحادية في ولاية ماساتشوستس أمس (الجمعة) بوقف ترحيل طالبة دكتوراه تركية في جامعة تافتس الأميركية في الوقت الراهن.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يسيرون عبر حرم جامعة كولومبيا الأميركية (أ.ف.ب)

بعد تنازلات لإدارة ترمب... استقالة الرئيسة المؤقتة لجامعة كولومبيا

استقالت رئيسة جامعة كولومبيا المؤقتة كاترينا أرمسترونغ، وذلك بعد أسبوع واحد من موافقة الجامعة على تغييرات كبيرة وسط معركة ساخنة مع إدارة ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ بيتر ماركس شغل منصب رئيس قسم اللقاحات في إدارة الغذاء والدواء الأميركية (رويترز) play-circle

استقالة مسؤول اللقاحات في «الغذاء والدواء» الأميركية

استقال كبير مسؤولي اللقاحات في الولايات المتحدة أمس الجمعة احتجاجاً على ما وصفه بـ«معلومات مضللة وأكاذيب» يروج لها وزير الصحة الجديد، وفقاً لما أوردته تقارير.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
إعلام  مبنى إذاعة صوت أميركا (ا.ب)

قاض أميركي يعرقل جهود إدارة ترمب لإغلاق إذاعة «صوت أميركا»

علّق قاض أميركي الجمعة خطوات إدارة الرئيس دونالد ترمب، لإغلاق شبكة «صوت أميركا» الإذاعية الممولة من الحكومة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ صورة من الأرشيف لكيندي قبل اغتياله في 22 نوفمبر 1963 (رويترز)

وثائق كيندي... بين نظريات المؤامرة والدولة العميقة

أعاد قرار الرئيس دونالد ترمب برفع السرية عن وثائق اغتيال الرئيس السابق جون إف كيندي، تسليط الضوء على مفهوم الدولة العميقة في الولايات المتحدة.

رنا أبتر (واشنطن)

وثائق كيندي... بين نظريات المؤامرة والدولة العميقة

صورة من الأرشيف لكيندي قبل اغتياله في 22 نوفمبر 1963 (رويترز)
صورة من الأرشيف لكيندي قبل اغتياله في 22 نوفمبر 1963 (رويترز)
TT
20

وثائق كيندي... بين نظريات المؤامرة والدولة العميقة

صورة من الأرشيف لكيندي قبل اغتياله في 22 نوفمبر 1963 (رويترز)
صورة من الأرشيف لكيندي قبل اغتياله في 22 نوفمبر 1963 (رويترز)

أتاح قرار الرئيس دونالد ترمب برفع السرية عن الوثائق المرتبطة باغتيال الرئيس السابق جون إف كيندي، الكشف عن آلاف الصفحات التي لم تأت بجديد يُذكر في عملية الاغتيال، لكنها أعادت إلى الواجهة نظريات مؤامرة كثيرة، وسلّطت الضوء على مفهوم الدولة العميقة الذي يردده سيد البيت الأبيض كلّما سنحت الفرصة.

فترمب، الذي وعد في حملته الانتخابية بالكشف عن الوثائق السرية المرتبطة بالاغتيال، فعل ذلك عبر قرار تنفيذي واسع النطاق، أدى إلى الإفراج عن الآلاف من الصفحات رغم الاعتراضات السابقة للاستخبارات المركزية. ورغم أن هذه الوثائق لم تكشف عن معلومات لافتة مرتبطة بعملية الاغتيال، فإنها كشفت عن كم هائل من الهويات الغامضة والمهمات السرية وعمليات التجسس لوكالة الاستخبارات المركزية في الستينات والتي سعت لعقود لإخفائها.

يستعرض برنامج تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، تفاصيل ما ورد في وثائق كيندي السرية، وأسباب كشف ترمب عن سريتها وما إذا كانت قد رفعت الغطاء حقاً عن معلومات مضرّة بعمل الاستخبارات الأميركية.

«منجم ذهب»

جانب من وثائق كيندي التي رفع ترمب السرية عنها في 18 مارس 2025 (رويترز)
جانب من وثائق كيندي التي رفع ترمب السرية عنها في 18 مارس 2025 (رويترز)

بالنسبة للقلائل من الذين عملوا لسنوات للكشف عن ملابسات اغتيال كيندي، لم توفر هذه الوثائق أي معلومات جديدة مرتبطة بعملية الاغتيال. بين هؤلاء جايمس جونستون، مؤلف كتاب «الاغتيال - وكالة الاستخبارات المركزية في عهد كيندي» والمحامي السابق في لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ خلال تحقيقها بعملية الاغتيال في عام 1976. يقول جونستون إنه لم يفاجأ بالمعلومات الواردة في الوثائق؛ لأنه أصلاً لم يتوقع أن يكون هناك المزيد من الوثائق المتوفرة غير تلك التي اطّلع عليها عندما كان في لجنة مجلس الشيوخ. وأوضح جونستون أن الوثائق التي تمّ الكشف عن سريتها هي تلك الموجودة في الأرشيف الوطني فقط، مشيراً إلى غياب وثائق كثيرة لم تتم مشاركتها مع الأرشيف الوطني، ولا حتى مع اللجنة المعنية بالتحقيق.

أما مات داليك، المؤرّخ الرئاسي وأستاذ الإدارة السياسية في جامعة «جورج واشنطن»، فقد أعرب عن مفاجأته بعد الاطّلاع على الوثائق الجديدة المنشورة، ووصفها بـ«منجم ذهب» لأي شخص يدرس تاريخ وكالة الاستخبارات. وأضاف: «إنها تكشف عن مصادر وأساليب وكالة الاستخبارات المركزية، وإلى أي مدى كان البيت الأبيض تحت إدارة كيندي قلقاً حيال تدخّل الوكالة في الدبلوماسية في مختلف السفارات، بالإضافة إلى معلومات عن أن نصف المسؤولين السياسيين في السفارة الأميركية في فرنسا كانوا يعملون لصالح الوكالة».

موقع الأرشيف الوطني الذي نشر الوثائق السرية لاغتيال كيندي (رويترز)
موقع الأرشيف الوطني الذي نشر الوثائق السرية لاغتيال كيندي (رويترز)

ويوافق جيمي يوجينيو، الذي ألّف خمسة كتب عن اغتيال كيندي، منها كتاب «اغتيال كيندي: الدلائل اليوم»، على وجود معلومات جديدة في الوثائق تبرز عمليات «سي آي إيه» CIA وتظهر طابع العلاقة المتوترة بين الوكالة وكيندي. ورأى أنها سلّطت الضوء على إحدى أبرز العمليات التي قامت بها وكالة الاستخبارات المركزية، وهي عملية «Mockingbird»، حين تجسست الوكالة على صحافيين، كما تظهر الوثائق. ويقول ديجينيو إن الوثائق تطرّقت كذلك إلى ما تلى أحداث «خليج الخنازير»، من غضب كيندي و«اشمئزازه الشديد» من الطريقة التي «خدعته» بها وكالة الاستخبارات الأميركية لكي يقوم بإطلاق هذه العملية. ويقول ديجينيو إن النقطة الثالثة التي كشفت عنها الوثائق، متعلّقة بعمليات الوكالة في فرنسا. وفسَّر قائلاً: «إنها تكشف عن عدد من الأشخاص في وزارة الخارجية الذين كانوا فعلياً عملاء لوكالة الاستخبارات في السفارة الأميركية في باريس. وكان هناك الكثير من الأشخاص، على رأسهم شارل دو غول، الذين اعتقدوا أنهم كانوا متورطين في محاولة الإطاحة بحكومته. ويبدو أن الأمر كان صحيحاً».

وثائق مفقودة و«حرب عالمية ثالثة»

يقول البعض إن الكثير من الوثائق حول اغتيال كيندي لم تكشف بعد (أ.ب)
يقول البعض إن الكثير من الوثائق حول اغتيال كيندي لم تكشف بعد (أ.ب)

وتطرّق جونستون بالتفصيل إلى ما يصفه بالوثائق المفقودة التي لم يتم الكشف عنها في عملية الاغتيال، مذكّراً بأن كيندي كان يحاول الإطاحة بنظام فيديل كاسترو في كوبا. وذكر حادثة معينة قائلاً: «ما حصل بعد اغتياله هو أن ليندون جونسون أصبح رئيساً. وهناك وثيقة لم يتم تسليمها إلى الأرشيف الوطني، والتي لم يعلن عنها، وهي مذكرة كتبها رئيس وكالة الاستخبارات الأميركية حول لقائه مع ليندون جونسون بعد 6 أيام من الاغتيال. التقيا وحدهما في منزل جونسون، وتحدثا لوقت طويل. نحن نعلم أن جزءاً من هذا اللقاء كان له علاقة بكوبا، لكن الأمر الغريب هو أنه لم يتم نشر هذه المذكرة علناً أبداً، ولم يتم تسليمها إلى الأرشيف الوطني». وتابع: «عندما كنت في لجنة الشيوخ، طلبت هذه الوثيقة، ورفضوا تسليمها إلى مجلس الشيوخ أيضاً».

وعدَّ جونستون أن سبب إخفاء بعض الحقائق والوثائق هو القلق من تورّط حكومة أجنبية في الاغتيال، ونشوب حرب عالمية ثالثة، مذكّراً: «لقد بدأت الحرب العالمية الأولى إثر عملية اغتيال بسيطة».

من جهته، يقول ديليك إن هذه هي أحد الأسباب التي أدت إلى معارضة وكالة الاستخبارات رفع السرية عن الوثائق، مضيفاً أن «وكالة الاستخبارات الأميركية وعلى مدى عدد من السنوات، ارتكبت مجموعة من الانتهاكات للسلطة التي لم نكن على علم بها في خمسينات القرن الماضي وستيناته. فقد تم التجسس على الأميركيين داخلياً، وعلى الصحافيين، والإطاحة بالحكومات. وبعد عقود، تملك الوكالة مصلحة في حماية مصادرها وطرق عملها. حتى لو أن الزمن مختلف جداً، واختلفت التكنولوجيا، فهي لا ترغب بالكشف عن هذه الأمور».

وعدَّ ديليك أنه، وعلى الرغم من أن الوكالة مختلفة اليوم عما كانت عليه في السابق، فإن هناك آلاف الوثائق التي لم يتم نشرها، منها ما هو موجود في عهدة بعض المحاكم، ومنها بعض المعلومات التي لا ينبغي نشرها. ويرى ديوجينيو أن من الوثائق التي لم يتم نشرها، «وثائق متعلقة بالمتهم بقتل كيندي لي هارفي أوزوالد، والمعروفة بملف أوزوالد قبل الاغتيال»، تحديداً فيما يتعلق بزيارته إلى مكسيكو سيتي. ويضيف: «كانت هذه زيارة غامضة جداً لأوزوالد قبل 6 أو 7 أسابيع من عملية الاغتيال».

ترمب وكيندي والدولة العميقة

وقَّع ترمب أمراً تنفيذياً لرفع السرية عن وثائق اغتيال كيندي (أ.ب)
وقَّع ترمب أمراً تنفيذياً لرفع السرية عن وثائق اغتيال كيندي (أ.ب)

أظهرت الوثائق كذلك علاقة مضطربة بين كيندي ووكالة الاستخبارات المركزية، التي وُصفت حينها بـ«الدولة العميقة»، وهو تعبير يكرره ترمب. ويقول البعض إن هذه هي أحد الأسباب التي دفعت ترمب للإفراج عن الوثائق.

ويقارن جونستون بين عهدي ترمب وكيندي، مشيراً إلى أن «الدولة العميقة» في عهد كيندي كانت تعني أن البيروقراطية في الولايات المتحدة تملك وجهة نظرها الخاصة للعالم، في حين يواجه ترمب اليوم بيروقراطية لا تدعمه و لم تدعمه في عهده الأول أيضاً. لكن جونستون رأى أن كيندي سعى للسيطرة على وكالة الاستخبارات الأميركية بعد غزو خليج الخنازير، ساعياً لتعيين أخيه روبرت كيندي ليكون رئيس الوكالة، وقوبل بالمعارضة.

وهنا يشير ديوجينيو إلى أن كيندي لم يكن لديه أي سيطرة على وكالة الاستخبارات، وأن محاولته للسيطرة عليها فشلت.

ولدى المقارنة بين عهدي ترمب وكيندي، سارع ديجينيو للتحذير قائلاً إن «الدولة العميقة اليوم هي أكبر بكثير وأكثر تعقيداً بكثير مما كانت عليه في 1963. إنها تعوق الأفرع القانونية للحكومة. لدينا هذا الكيان شبه المرئي، والذي يملك سلطة كبيرة، لكن لا يتحمل مسؤولية لأنه يعمل في الظل. في عهد كيندي، لم تكن الوكالة بهذا الحجم، أما اليوم فهي هائلة. إن ميزانيات الدفاع التي نصرفها اليوم عملاقة! وهذا يخلق مجمعاً عسكرياً وصناعياً أكبر بكثير».

وذكّر ديليك بحب ترمب لنظريات المؤامرة، واتهامه في عام 2016 والد السيناتور الجمهوري تيد كروز بالتورط بعملية اغتيال كيندي. وعدّ ديليك أن ترمب لديه مصلحة سياسية في نشر هذه الوثائق؛ لأنه يمكنه حينها الإشارة إلى الانتهاكات الاستخباراتية التي حصلت منذ عقود من عمليات الاغتيال في الستينات، وحرب فيتنام، وفضيحة (ووترغايت)، والقول إن الدولة العميقة موجودة منذ زمن بعيد، والتلويح بأنها مسؤولة عن محاولة اغتياله كذلك. وأضاف: «هناك نوع من المحاذاة سياسياً وآيديولوجياً. وحتى في نظرية المؤامرة، لا ينبغي أن نستخفّ بكيف يقوم ترمب باستخدام ذلك لصالحه».

نظريات مؤامرة أم حقائق؟

مدير وكالة الاستخبارات المركزية جون راتكليف يدلي بإفادته أمام الكونغرس في 25 مارس 2025 (أ.ف.ب)
مدير وكالة الاستخبارات المركزية جون راتكليف يدلي بإفادته أمام الكونغرس في 25 مارس 2025 (أ.ف.ب)

ولّد اغتيال كيندي نظريات مؤامرة كثيرة؛ إذ يرفض كثيرون نظرية ضلوع أوزوالد بمفرده في العملية. لكن ديليك لا يؤمن بهذه النظريات، بل يعتبر أن أوزوالد تصرّف بمفرده، مشيراً إلى أنه كان «مضطرباً عقلياً و متأثراً بأفكار شيوعية».

وأشار ديليك إلى وجود إثباتات تدحض جميع نظريات المؤامرة، قائلاً: «ليس هناك إثبات حقيقي أن وكالة الاستخبارات المركزية أو ليندون جونسون أو المافيا أو كوبا كانوا جزءاً من مؤامرة أكبر لقتل كيندي».

في المقابل، يعارض جونستون وديوجينيو هذه المقاربة، كل على طريقته. وقال ديوجينيو: «لا أعتقد أن أوزوالد كان الفاعل على الإطلاق. لا أعتقد أنه كان موجوداً في الطابق السادس في ذلك اليوم. أعتقد أن ما جرى كان نوعاً من المؤامرة بين وكالة الاستخبارات المركزية والمنفيين الكوبيين. وعندما تم إطلاق النار على أوزوالد أمام مسرح تكساس، استعانت الوكالة بحلفائها القدماء من الجريمة المنظمة، واغتال جاك روبي أوزوالد قبل أن يستطيع أوزوالد أن يفصح عن أي شيء».

وفي حين يختلف جونستون مع ديوجينيو بأن أوزوالد هو الذي أطلق الرصاصة، لكنه يعتقد أنه لم يتصرف بمفرده. وأشار إلى أنه اطّلع على بعض الملفات التي لم يفرج عنها خلال سير تحقيقه في مجلس الشيوخ تُعزّز نظريته هذه. لكنه تحفّظ عن إعطاء المزيد من المعلومات نظراً لسريتها، مشيراً إلى أنه عرض الحقائق في كتابه، تاركاً باب الاستنتاجات مفتوحاً. فقال: «أحاول ألا أصل إلى نتيجة، باستثناء واحدة: وهي أنه لم يتم إعطاء الحقيقة كاملة إلى لجنة وارن». وهي اللجنة التي أسسها ليندون جونسون للتحقيق بالاغتيال، والتي استنتجت أن أوزوالد هو القاتل الوحيد.