ترمب «واثق» من موافقة بوتين على مقترح وقف إطلاق النار

اعترف بأنه «كان ساخراً بعض الشيء» في قدرته على وقف الحرب خلال 24 ساعة

جانب من لقاء عاصف جمع ترمب بزيلينسكي في البيت الأبيض 28 فبراير (د.ب.أ)
جانب من لقاء عاصف جمع ترمب بزيلينسكي في البيت الأبيض 28 فبراير (د.ب.أ)
TT
20

ترمب «واثق» من موافقة بوتين على مقترح وقف إطلاق النار

جانب من لقاء عاصف جمع ترمب بزيلينسكي في البيت الأبيض 28 فبراير (د.ب.أ)
جانب من لقاء عاصف جمع ترمب بزيلينسكي في البيت الأبيض 28 فبراير (د.ب.أ)

تزداد التساؤلات عن البدائل التي يمكن أن يلجأ إليها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إذا لم ينجح في إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بقبول مقترح وقف إطلاق النار المؤقت لمدة 30 يوماً، الذي وافقت أوكرانيا عليه، وأبدت موسكو شكوكاً حياله. وعندما سئل عما ستكون خطته، قال ترمب: «سيكون خبراً سيئاً لهذا العالم لأن العديد من الناس يموتون». وأضاف: «لكنني أعتقد أنه (بوتين) سيوافق، أعتقد هذا حقاً، أعتقد أنني أعرفه جيداً، وأعتقد أنه سيوافق».

بيد أن ترمب اعترف بأنه «كان ساخراً بعض الشيء» عندما زعم وردّد خلال السنوات الثلاث الماضية منذ أن اجتاحت روسيا أوكرانيا، أنه قادر على وقف هذه الحرب خلال 24 ساعة، حتى قبل توليه منصبه.

«كنت ساخراً بعض الشيء»

قال ترمب في مقابلة مع برنامج «فول ميجر» التلفزيوني الذي تمّ بثّه قبل عرض المقابلة كاملة، الأحد: «حسناً، لقد كنت ساخراً بعض الشيء عندما قلت ذلك، ما أعنيه حقاً هو أنني أود أن أحل المشكلة وسأقوم بذلك، أعتقد أنني سأنجح». وكان هذا اعترافاً نادراً من ترمب، الذي عُرف بسجل طويل من الادعاءات المبالغ فيها. وها قد مرّ ما يقرب من الشهرين، منذ عودته إلى البيت الأبيض، ولا تزال إدارته تحاول التوسط لإنهاء الحرب، في الوقت الذي يواصل فيه الرئيس الروسي إرسال رسائل لا توحي باستعداده للتجاوب مع رغبات ترمب، إلا إذا كان وقف إطلاق النار «سيفضي لسلام دائم» وفق الكرملين.

وقال بوتين، الخميس، إن موسكو «تؤيد» وقف إطلاق النار، لكنه أكد على وجود «قضايا خطيرة» لا تزال بحاجة إلى حلّ قبل أن يتمكن الكرملين من الموافقة على أي شيء. وكشف الكرملين عن جانب من مضمون المباحثات التي أجراها بوتين مع ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس ترمب، الذي التقاه في موسكو. وقال المتحدث الرئاسي ديمتري بيسكوف إن بوتين حمّل ويتكوف رسالة إلى الرئيس ترمب، تضمّنت «النقاط التي تحتاج لعمل مشترك من أجل إنجاح اقتراح الهدنة».

ورغم ذلك، كتب ترمب في منشور على منصته «تروث سوشيال»: «أجرينا مناقشات جيدة ومثمرة للغاية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وهناك احتمال كبير جداً أن تنتهي هذه الحرب المروعة والدموية أخيراً».

العائق أمام السلام

ذكّرت صحيفة «وول ستريت جورنال»، المحسوبة على الجمهوريين، في افتتاحية لهيئة تحريرها، بقول وزير الخارجية ماركو روبيو يوم الثلاثاء، إنه إذا رفضت روسيا وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة لمدة 30 يوماً والذي قبلته أوكرانيا، «فسنعرف للأسف ما هو العائق أمام السلام هنا». وأضافت: «كنا نعرف ذلك من قبل، لكننا نعرف الآن بلسان روبيو أن الكرملين قال لا» (بالروسية).

صورة وزّعتها وزارة الدفاه لمدينة سودجا في كورسك بعدما استعادتها قوات موسكو من أوكرانيا (أ.ب)
صورة وزّعتها وزارة الدفاه لمدينة سودجا في كورسك بعدما استعادتها قوات موسكو من أوكرانيا (أ.ب)

في غضون ذلك، ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن مركز أبحاث مقرباً من جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، أصدر الشهر الماضي تقريراً يجادل بأن الكرملين يجب أن يُؤجج الخلافات بين واشنطن وأوروبا. حينها، يُمكن لروسيا مواصلة هجومها على أوكرانيا دون عوائق. وتقول الصحيفة إن المركز البحثي يقول إنه إذا وافقت الولايات المتحدة على وقف تسليح أوكرانيا مقابل وعد من الكرملين بعدم تسليح الأنظمة المعادية لأميركا، فسيكون من الصعب تحقيق هذا الالتزام من روسيا.

ورأت «وول ستريت جورنال» أن ما ورد في تقرير «واشنطن بوست» أمر لا شك فيه. ورغم عدم ضمان صحة ما جاء في تقريرها، لكنه «يحمل لمحة عن حقيقة الكرملين ويتوافق مع سلوك الرئيس بوتين». ورأت أن إصرار الرئيس ترمب على القول إن تصريحات بوتين «واعدة للغاية»، فيما يواصل الضغط على أوكرانيا لإبرام صفقة دون وعود أميركية بالمساعدة أو الأمن، منح بوتين كل الحوافز لإبقاء الحرب مستمرة ليضع نفسه في أقوى موقف ممكن في حال عقد محادثات سلام جادة.

قضايا عالقة

يسير بوتين أمام حرس الشرف خلال لقائه قائد جيش ميانمار مين أونغ هلاينغ في موسكو الثلاثاء (رويترز)
يسير بوتين أمام حرس الشرف خلال لقائه قائد جيش ميانمار مين أونغ هلاينغ في موسكو الثلاثاء (رويترز)

وتساءلت الصحيفة عمّا إذا كان لدى ترمب خطة بديلة تتجاوز ضرب أوكرانيا لتقديم المزيد من التنازلات الأحادية الجانب. وبعدما ألمح ترمب الأسبوع الماضي، إلى أن بوتين «يريد إنهاء الحرب»، وأنه «فيما يتعلق بالتوصل إلى تسوية نهائية، قد يكون التعامل مع روسيا أسهل»، قالت الصحيفة إنه لا شيء مما فعله أو قاله بوتين منذ أن بدأ ترمب ميله نحو روسيا يوحي بأن بوتين لديه أي نية من هذا القبيل.

ولطالما جادل المسؤولون الروس بأن الحرب في أوكرانيا ناجمة عن توسع «الناتو» وتمسك الغرب بموقفه، ودعوا الحلف إلى إعادة النظر في وجوده في أوروبا الشرقية كجزء من اتفاق سلام. وبعدما اقتربت روسيا من استعادة منطقة كورسك التي احتلتها أوكرانيا الصيف الماضي، حيث أشار مسؤولون أميركيون إلى أن وقف المعلومات الاستخبارية وصور الأقمار الاصطناعية الأميركية، ساهم بشكل حاسم في ذلك، سلّط بوتين الضوء على العديد من القضايا التي «تحتاج إلى معالجة»، من بينها ما إذا كانت أوكرانيا ستحصل على أسلحة غربية خلال وقف إطلاق النار، وكيفية مراقبة الهدنة المحتملة.

جهود أوروبية لإقناع ترمب

وتأتي تعليقات بوتين في الوقت الذي أطلق فيه القادة الأوروبيون جهداً جديداً لتوحيد الغرب. فقد عقد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، السبت، اجتماعاً مع قادة دول داعمة لأوكرانيا في اجتماع افتراضي، هدفه إرساء أسس تحالف لحماية أي اتفاق محتمل لوقف إطلاق النار في أوكرانيا، بعد تحذيره من أن الرئيس الروسي «غير جادّ» بشأن السلام.

وشاركت دول أوروبية عدّة إلى جانب أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي والمفوضية الأوروبية وكندا وأستراليا في هذا الاجتماع، من أجل تحديد الخطوط العريضة لتحالف الدول المستعدة «لدعم سلام عادل ودائم» في أوكرانيا، وفقاً لبيان أصدرته الحكومة البريطانية. وأبلغ ستارمر القادة بأن الوقت حان من أجل التعهد بـ«التزامات ملموسة»، داعياً إلى مواصلة الضغط على بوتين كي «يجلس إلى طاولة المفاوضات» من أجل التوصل لوقف إطلاق النار في أوكرانيا. وتوقّع أن يفعل بوتين ذلك «عاجلاً أم آجلاً».

ونقل بيان الحكومة البريطانية عن ستارمر قوله: «لا يمكننا السماح للرئيس (الروسي فلاديمير) بوتين بأن يمارس الألاعيب بتسوية الرئيس (الأميركي دونالد) ترمب». وأضاف: «تجاهُل الكرملين التام لمقترح الرئيس ترمب بشأن وقف إطلاق النار يثبت أن بوتين غير جاد بشأن السلام». وتابع: «إذا جلست روسيا أخيراً إلى طاولة المفاوضات، يجب أن نكون مستعدين لمراقبة وقف إطلاق النار لضمان أن يكون سلاماً جاداً ودائماً». أما إذا رفضت «فعلينا أن نفعل كل ما في وسعنا لزيادة الضغط الاقتصادي على روسيا لإنهاء هذه الحرب».

ويقود ستارمر مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، جهوداً من أجل تشكيل تحالف للدول التي تعتزم مواصلة دعم أوكرانيا، منذ أن قلب ترمب سياسة بلاده الخارجية، وباشر مفاوضات مباشرة مع موسكو في فبراير (شباط). ويؤكد الزعيمان أن تحالفاً مثل هذا، إضافة إلى الدعم الأميركي، أمر ضروري لتوفير ضمانات أمنية لأوكرانيا تحول دون تجدّد الهجوم الروسي عليها.


مقالات ذات صلة

ترمب يهدد روسيا برسوم جمركية ثانوية على واردات النفط

أوروبا صورة مركّبة للرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترمب (أ.ف.ب)

ترمب يهدد روسيا برسوم جمركية ثانوية على واردات النفط

قال الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، إنه شعر بغضب شديد و«استياء» عندما انتقد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مصداقية قيادة نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن - لندن)
العالم جنديان أوكرانيان في مستودع أسلحة بدونيتسك في 19 مارس (أ.ف.ب)

حرب أوكرانيا تمهّد لـ«حرب الروبوتات»

إذا كانت الحرب دمويّة بامتياز، فهي أسهمت بطريقة غير مباشرة في تطوّر البشريّة عبر ما قدّمته من ابتكارات واختراعات.

المحلل العسكري (كتب)
أوروبا ترمب وبوتين (أ.ف.ب)

زيلينسكي يتهم بوتين بالسعي إلى إطالة الحرب عبر طرح «إدارة انتقالية» في أوكرانيا

زيلينسكي يتهم بوتين بالسعي إلى إطالة الحرب عبر طرح «إدارة انتقالية» في أوكرانيا

«الشرق الأوسط» (كييف - موسكو)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (يسار) يتحدث مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر (وسط) والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (إ.ب.أ)

أوكرانيا تتريّث في الرد على اقتراح واشنطن «المجحف» لاستثمار معادنها

أوكرانيا تتريّث في الرد على اقتراح واشنطن «المجحف» لاستثمار معادنها، وزيلينسكي يقول إن بلاده لن تعترف بالمساعدات العسكرية الأميركية السابقة بصفتها قروضاً.

إيلي يوسف (واشنطن)
أوروبا مبنى سكني تعرض لضربة بطائرة روسية بدون طيار وسط هجوم مستمر على أوكرانيا (رويترز)

روسيا تعلن السيطرة على قريتين في أوكرانيا

أعلنت روسيا، اليوم (السبت)، السيطرة على قريتين في شمال وجنوب أوكرانيا، مواصِلة تقدّمها على الخطوط الأمامية.

«الشرق الأوسط» (كييف)

تقرير: الذكاء الاصطناعي يحسم مستقبل السباق بين أميركا والصين

علما الصين وأميركا جنباً إلى جنب (أرشيفية - أ.ب)
علما الصين وأميركا جنباً إلى جنب (أرشيفية - أ.ب)
TT
20

تقرير: الذكاء الاصطناعي يحسم مستقبل السباق بين أميركا والصين

علما الصين وأميركا جنباً إلى جنب (أرشيفية - أ.ب)
علما الصين وأميركا جنباً إلى جنب (أرشيفية - أ.ب)

واجهت الولايات المتحدة لحظات حاسمة من قبل، مثل الحربين العالميتين الأولى والثانية، والحرب الباردة، والكساد الاقتصادي في السبعينات، وصعود اليابان في الثمانينات، وهجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 الإرهابية، لكن المنافسة الحالية مع الصين مختلفة تماماً.

فالصين تنافس الولايات المتحدة على صعيد حجم الاقتصاد والتطور التكنولوجي والنفوذ العالمي والطموح الجيوسياسي. في المقابل، لا يمتلك صناع السياسة في واشنطن استراتيجية متماسكة لمواجهة هذا التحدي غير المسبوق، وإنما يدورون في حلقة خطيرة من القرارات التي تأخذ شكل رد الفعل، وهو ما يصب في النهاية في صالح بكين، على حد قول ديوي مورديك، المدير التنفيذي لمركز الأمن والتكنولوجيا الناشئة بجامعة جورج تاون الأميركية، ووليام هاناس، المحلل الرئيسي بالمركز، في التحليل المشترك الذي نشره موقع مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية.

علمي االصين وأميركا (رويترز)
علمي االصين وأميركا (رويترز)

وتعتمد الولايات المتحدة حالياً في مواجهة التحديات، على أدوات تشمل الإكراه من خلال العقوبات الاقتصادية، والتهديد بالعمل العسكري. ورغم فاعلية هذا النهج إلى حد ما في الماضي، فإنه غير كافٍ لمواجهة التحدي الصيني، خصوصاً أن الولايات المتحدة تتعامل مع تحركات الصين على أساس رد الفعل، بدلاً من السعي الإيجابي وراء تحقيق أهدافها.

وتحتاج واشنطن إلى استراتيجيات جديدة، مدعومة بالبحث والرصد المستمرين، لتقييم قدرات الصين التنافسية، وتتبع تقدمها التكنولوجي، وتقييم المخاطر الاقتصادية، وتمييز أنماط تعاملها مع الدول الأخرى. وكلما اتخذت واشنطن تدابير أفضل، وحققت فهماً أعمق للتحديات التي تواجهها الصين، نجحت في بلورة رؤية استباقية لضمان نجاح طويل الأمد في ظل المنافسة الجيوسياسية.

وفي حين أن النهج الحالي الأميركي، وهو مزيج من ردود الفعل التي تشعر الولايات المتحدة بالرضا، وتعالج الأعراض وتتجاهل الأسباب الكامنة، يعدُّ وصفة للهزيمة.

ويرى ديوي مورديك ووليام هاناس في تحليلهما، أن فكرة إمكانية احتفاظ الولايات المتحدة بالريادة العالمية إلى أجل غير مسمى، من خلال إبطاء صعود الصين من خلال قيود التصدير، وغيرها من العقبات، هي فكرة قصيرة النظر. فالقدرة النووية للصين ومكانتها المرموقة في مجال الذكاء الاصطناعي، تظهران مدى سخافة الاعتماد على مثل هذه الأساليب.

وعلى صناع القرار في واشنطن إدراك حقيقة أن عواقب سوء فهم الصين باهظة بالنسبة للولايات المتحدة، التي قد تجد نفسها في مواجهة حرب أو نشر لمسببات الأمراض (فيروسات أو خلافه)، أو هجمات على البنية التحتية في أسوأ السيناريوهات، لذلك يجب التواصل المستمر وبناء الثقة مع بكين، للتخفيف من حدة هذه المخاطر، كما يجب على واشنطن التخلي عن الغطرسة التي صبغت موقفها تجاه الصين، ومعظم دول «العالم الثالث» السابق.

لكن لا يعني ذلك أن الصين تخلو من نقاط الضعف، وفي مقدمتها سيطرة الحزب الشيوعي الحاكم، واعتماده جزئياً على شبكة من المراقبة والقمع تجرم التفكير والتعبير غير التقليديين. ومقابل القمع والطاعة، يضمن الحزب للشعب استمرار الرخاء. لكن هذه الصفقة تصبح هشة عندما تبدأ تناقضات الديكتاتورية والاقتصاد الموجه بالظهور، أو كما يقال في الصين التقليدية، عندما يفقد الحاكم «تفويض السماء».

وبالفعل، تشهد الصين اليوم تصدعات في هذه المعادلة، حيث يكافح الشباب لإيجاد وظائف، ويواجه قطاع العقارات، حيث تدخر العائلات الصينية ثرواتها، صعوبات. والحكومات المحلية التي اقترضت بكثافة غارقة في الديون. ويعاني المجتمع الصيني من الشيخوخة المتسارعة، مع تناقص عدد العمال الذين يعيلون مزيداً من المتقاعدين.

وإذا كان الفوز هو الهدف، فهناك فرصة أمام إدارة ترمب لاستغلال نقاط الضعف الصينية، من خلال شن الحرب النفسية نفسها التي تمارسها الصين ضد الولايات المتحدة وحلفائها، من خلال عمليات «الجبهة المتحدة»، أو على الأقل، بتأكيد التمييز بين الشعب الصيني والنخبة التي تحكمه. كما يمكن أن تستفيد الولايات المتحدة في مواجهتها مع الصين، من خلال منع وصول التكنولوجيا الأجنبية المتقدمة إلى الصين، وتشجيع الدول والشركات الأجنبية التي تتعاون مع الصين على وضع مصالح الولايات المتحدة في الحسبان، عند اتخاذ قراراتها بشأن التعاون مع الصين.

في الوقت نفسه، فإن استغلال نقاط ضعف الصين لترجيح كفة الولايات المتحدة، يبعد السياسة الأميركية عن دائرة رد الفعل التي تدور داخلها منذ سنوات، لكي تركز على أهداف محددة. ومع ذلك، يظل على واشنطن إدراك 3 نقاط أساسية؛ وهي:

أولاً، على إدارة ترمب، وقادة الشركات، والمتبرعين في الولايات المتحدة ضخ استثمارات عامة وخاصة غير مسبوقة في تنمية المواهب، بما في ذلك المهارات الصناعية التي لا تتطلب شهادات جامعية، وفي البحث والتطوير عالي المخاطر - عالي العائد.

ثانياً، الاعتراف بأن التكنولوجيا غير كافية لضمان هيمنة الولايات المتحدة. فالصين تدرك ضرورة تحويل الاكتشافات إلى منتجات، وقد صقلت مهاراتها في ذلك على مدى آلاف السنين. وحالياً، تشغل الصين مئات «مراكز الأبحاث» الممولة من الدولة في جميع أنحاء البلاد، بعيداً عن المدن الكبرى الساحلية، لتسهيل ترجمة الأفكار الجديدة إلى منتجات. كما تنشئ «سلاسل صناعية متكاملة للذكاء الاصطناعي» لتوفير تقنيات الحوسبة والذكاء الاصطناعي للشركات المحلية، بما في ذلك الشركات العاملة في المناطق الداخلية، وهو ما يضمن لها تحقيق قفزات كبيرة في هذا المجال، ويزيد خطورتها على الولايات المتحدة، حيث أصبح من الواضح أن التفوق في ميدان الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يحسم مستقبل التنافس الجيوسياسي والاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة.

ثالثاً، تحتاج إدارة ترمب إلى آلية فعالة لجمع وتحليل البيانات العلمية الأجنبية تشبه في جوهرها، وإن لم تكن بنطاق الآلية نفسها التي تستخدمها الصين، لتحديد أساس تطورها. فالجهود الأميركية الحالية لتتبع العلوم الأجنبية من خلال وكالات متخصصة في جمع المعلومات السرية لا تناسب مهمة رصد المعلومات «السرية». وستساعد هذه النافذة التي تطل على البنية التحتية التكنولوجية، الصين، في توجيه قرارات الاستثمار، وتعزيز أمن البحث العلمي، من خلال كشف الثغرات التي يسعى المنافسون إلى سدها من خلال التعاملات غير المشروعة للحصول على التكنولوجيا الأميركية أو الغربية، المحظور تصديرها إلى الصين.

أخيراً، يمكن القول إن الولايات المتحدة لن تنجح في التصدي للصين بمجرد العمل على وقف صعودها، فهذا أمر غير محتمل وغير ضروري. ولكن ستنجح إدارة الرئيس ترمب في تحقيق الهدف من خلال إعادة بناء الطاقة الإنتاجية الأميركية، لخلق فرص لكل الأميركيين. ويتطلب هذا النهج الصبر والاستثمار المستدام، لكن البديل الذي يعتمد على تعليق الآمال على المعرفة المجردة، والرد على تحركات الصين، في حين تتدهور المجتمعات الأميركية، أسوأ بكثير.