أميركا تفرض قيوداً جديدة على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي

تهدف للحفاظ على هيمنتها على القطاع وحرمان دول منافسة من الوصول إليه

الإدارة الأميركية تعتزم فرض قيود على تصدير التكنولوجيا المتعلقة بالذكاء الاصطناعي (رويترز)
الإدارة الأميركية تعتزم فرض قيود على تصدير التكنولوجيا المتعلقة بالذكاء الاصطناعي (رويترز)
TT

أميركا تفرض قيوداً جديدة على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي

الإدارة الأميركية تعتزم فرض قيود على تصدير التكنولوجيا المتعلقة بالذكاء الاصطناعي (رويترز)
الإدارة الأميركية تعتزم فرض قيود على تصدير التكنولوجيا المتعلقة بالذكاء الاصطناعي (رويترز)

أعلنت إدارة الرئيس الأميركي جو بادين، الاثنين، عزمها فرض مزيد من القيود على تكنولوجيا رقائق الذكاء الاصطناعي وتقنياتها بغرض ضمان الحفاظ على الهيمنة في مجال الحوسبة للولايات المتحدة وحلفائها مع إيجاد المزيد من السبل لحرمان الصين من الوصول إليها.

الرئيس الأميركي جو بايدن يتجه لفرض قيود على تصدير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي قبل أسبوع من رحيل إدارته (أ.ب)

وأقرَّ البيت الأبيض أن الصين تمكّنت من التحايل على العقوبات الأميركية السابقة التي فرضتها إدارة بايدن وكانت تهدف إلى منع تطويرها تقنيات الذكاء الاصطناعي، من خلال الحصول على الرقائق الأميركية وغيرها من التكنولوجيا بشكل غير مباشر عبر دول أخرى.

وتضع اللوائح الجديدة حداً أقصى لعدد رقائق الذكاء الاصطناعي التي يمكن تصديرها إلى معظم البلدان وتسمح بالوصول غير المحدود إلى تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الأميركية لأقرب حلفاء واشنطن، مع الإبقاء أيضاً على حظر الصادرات إلى الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية.

وتتجاوز التدابير الجديدة المُسهبة التي تم الكشف عنها في الأيام الأخيرة لإدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، مجرد فرض قيود على الصين، وتهدف إلى مساعدة الولايات المتحدة في الحفاظ على مكانتها المهيمنة في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال التحكم فيه حول العالم.

وزيرة التجارة الأميركية جينا ريموندو (أ.ب)

وقالت وزيرة التجارة الأميركية جينا رايموندو إن «الولايات المتحدة تتصدر قطاع الذكاء الاصطناعي في الوقت الراهن، سواء فيما يتعلق بتطوير الذكاء الاصطناعي أو تصميم شرائح الذكاء الاصطناعي، ومن الأهمية بمكان أن نحافظ على هذا الأمر».

وتأتي اللوائح تتويجاً لجهود إدارة بايدن على مدار أربع سنوات لوضع قيود على حصول الصين على الرقائق المتقدمة التي يمكن أن تعزّز قدراتها العسكرية والسعي إلى الحفاظ على الهيمنة الأميركية في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال سد المنافذ وإضافة قيود جديدة للسيطرة على تدفق الرقائق والتطوير العالمي للذكاء الاصطناعي.

إدارة ترمب قد تراجع القيود

ورغم أنه من غير الواضح كيف ستنفذ إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترمب القواعد الجديدة، فإن الإدارتين تشتركان في وجهات النظر بشأن التهديد الذي تمثله المنافسة مع الصين. ومن المقرر أن تدخل اللوائح حيز التنفيذ بعد 120 يوماً من النشر؛ مما يمنح إدارة ترمب وقتاً لإعادة تقييمها.

وستُفرض قيود جديدة على وحدات معالجة الرسومات المتقدمة التي تُستخدم لتشغيل مراكز البيانات اللازمة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي. وتنتج معظمها شركة «إنفيديا» ومقرّها سانتا كلارا بكاليفورنيا، بينما تبيع «أدفانسد مايكرو ديفايسيز» أيضاً شرائح الذكاء الاصطناعي.

وسيكون بمقدور الشركات الكبرى المتخصصة في تقديم خدمات الحوسبة السحابية، مثل «مايكروسوفت» و«غوغل» و«أمازون»، الحصول على تراخيص عالمية لبناء مراكز بيانات، وهو جزء مهم من القواعد الجديدة التي ستعفي مشاريعها من حصص رقائق الذكاء الاصطناعي المخصصة للدول.

وللحصول على تصاريح الموافقة، يتعين على الشركات المصرَّح لها الالتزام بشروط وقيود صارمة، بما في ذلك متطلبات الأمان ومتطلبات تقديم التقارير، وأن يكون لديها خطة أو سجل حافل من احترام حقوق الإنسان.

وحتى الآن، فرضت إدارة بايدن قيوداً واسعة على وصول الصين إلى الرقائق المتقدمة والمعدات اللازمة لإنتاجها، وتصدر سنوياً تحديثاً للضوابط لتشديد القيود وتحديد الدول التي من المحتمل أن تقوم بنقل التكنولوجيا إلى بكين.

«إنفيديا» تخشى «المغالاة»

وبالنظر إلى أن القواعد تغير المشهد بالنسبة لشرائح الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات في مختلف أنحاء العالم، فقد انتقدت أصوات قوية في القطاع الخطة حتى قبل نشرها.

ووصفت «إنفيديا»، الاثنين، الضوابط بأنها «مغالاة واسعة»، وحذَّرت من أن البيت الأبيض سيفرض قيوداً صارمة على «التكنولوجيا المتاحة بالفعل في أجهزة الكمبيوتر المخصصة للألعاب والأجهزة الاستهلاكية». وزعمت «أوراكل» المزودة لمراكز البيانات في وقت سابق من هذا الشهر أن القواعد ستضع «معظم سوق الذكاء الاصطناعي ووحدات معالجة الرسومات العالمية في يد منافسينا الصينيين».

وتقسم اللوائح العالم ثلاثة مستويات. وسيتم إعفاء نحو 18 دولة، من بينها اليابان وبريطانيا وكوريا الجنوبية وهولندا، من القواعد برمتها. وسوف يكون لنحو 120 دولة أخرى، من سنغافورة وإسرائيل والسعودية والإمارات، قيود خاصة بكل دولة، في حين سيتم منع الدول الخاضعة لحظر أسلحة مثل روسيا والصين وإيران من تلقي التكنولوجيا تماماً.

مخاوف من هجمات إلكترونية

ويمكن أن تتسع استخدامات الذكاء الاصطناعي لتصل بشكل أكبر إلى الرعاية الصحية والتعليم والغذاء وغير ذلك، لكنها يمكن أيضاً أن تساعد في تطوير الأسلحة البيولوجية وغيرها والمساعدة في شن هجمات إلكترونية ودعم أنشطة التجسس،

حذَّرت رايموندو من إمكانية استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تصنعها الولايات المتحدة من جانب دول منافسة في عمليات محاكاة نووية، وتطوير الأسلحة البيولوجية، وتعزيز الجيوش. وأضافت أن إدارة بايدن تريد، من خلال هذه الإجراءات الجديدة، ضمان عدم تمكن معارضي الولايات المتحدة من وضع أيديهم على هذه التقنيات والانخراط في أنشطة تشكل خطراً على الأمن القومي الأميركي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة مثل تطوير الأسلحة الكيماوية والبيولوجية ودعم الهجمات السيبرانية والمساعدة في مزيد من انتهاكات حقوق الإنسان، مثل المراقبة الجماعية للمعارضين السياسيين.

وقال جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للصحافيين: «هناك الكثير من مطوّري الذكاء الاصطناعي الرائدين الذين يتوقعون أن قدرات الذكاء الاصطناعي ستتجاوز القدرات البشرية في مجالات من الفيزياء إلى البيولوجيا إلى الهندسة الكهربائية في المستقبل القريب جداً، وهذا له آثار اقتصادية وتكنولوجية، لكن له أيضاً آثاراً عميقة على الأمن القومي؛ لذا لدينا مسؤولية أمنية وطنية للقيام بأمرين، أولاً، الحفاظ على وحماية وتوسيع زعامة الذكاء الاصطناعي الأميركية، خصوصاً في مواجهة المنافسين الاستراتيجيين».

انتقادات واسعة

وانتقد خبراء محاولات الولايات المتحدة إقامة حواجز قانونية لاحتكار الابتكارات في مجال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في يديها وفي يد مجموعة من الدول الحلفاء. ورأى ممثلو صناعة أشباه الموصلات القواعد الجديدة، قائلين إنها قد تعزّز في الواقع صناعة الرقائق في الصين وقدرتها التنافسية في مجال الذكاء الاصطناعي.

وقال بيتر هاريل، المسؤول الاقتصادي السابق في إدارة بايدن الذي يعمل الآن زميلاً غير مقيم في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: «هذا بالتأكيد انحراف عن الطريقة التي فكرنا بها في التكنولوجيا منذ أوائل التسعينات ونمو الإنترنت، ويشبه الطريقة التي فكرنا بها في دور التكنولوجيا خلال الحرب الباردة». كما ذكر نيد فينكل، نائب رئيس الشؤون الحكومية في «إنفيديا»، التي تهيمن على سوق وحدات معالجة الرسومات، في بيان: «ستؤثر سياسة الحد الأقصى للدول المتطرفة على أجهزة الكمبيوتر السائدة في البلدان حول العالم، ولن تفعل شيئاً لتعزيز الأمن القومي بل ستدفع العالم إلى تقنيات بديلة».


مقالات ذات صلة

ثورة في تحرير الصور مع إطلاق «Firefly Bulk Create» من «أدوبي»

تكنولوجيا الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي مثل «Firefly Bulk Create» ليست مجرد أتمتة بل هي تمكين للإبداعيين للتركيز على ما يجيدونه أيضاً (أدوبي)

ثورة في تحرير الصور مع إطلاق «Firefly Bulk Create» من «أدوبي»

الأداة تعد بإعادة تعريف سير العمل للمصورين وصناع المحتوى والمسوقين!

نسيم رمضان (لندن)
علوم هل يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يكشف «لغة الخلايا الحية»؟

هل يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يكشف «لغة الخلايا الحية»؟

وصف كثير من علماء الأحياء الخلوية هذا التوجه أخيراً بأنه «الكأس المقدسة» التي يرومون نيلها في مجالهم منذ فترة طويلة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
خاص تهدف «مايكروسوفت» إلى تدريب أكثر من 100 ألف فرد في مهارات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية المتقدمة (شاترستوك)

خاص رئيس «مايكروسوفت العربية»: الذكاء الاصطناعي والسحابة سيشكلان مستقبل السعودية الرقمي

تشير دراسات إلى أن استثمار دولار واحد في الذكاء الاصطناعي التوليدي يحقق عائداً على الاستثمار بنسبة 3.7 ضعف للمؤسسات السعودية.

نسيم رمضان (لندن)
علوم حان الوقت للتوقف عن صنع أجهزة الذكاء الاصطناعي القابلة للارتداء

حان الوقت للتوقف عن صنع أجهزة الذكاء الاصطناعي القابلة للارتداء

كارثة استثمارات التقنيات الذكية الملبوسة

جيسوس دياز (واشنطن)
تحليل إخباري تضع اللوائح حداً أقصى لعدد رقائق الذكاء الاصطناعي التي يمكن لواشنطن تصديرها (رويترز)

تحليل إخباري لوائح أميركية للسيطرة على الذكاء الاصطناعي عالمياً... ماذا نعرف عنها؟

أعلنت واشنطن، الاثنين، أنها ستصدر لوائح جديدة تهدف إلى التحكم في وصول الدول الأخرى في جميع أنحاء العالم إلى رقائق وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي المصممة في أميركا.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

مخاوف أميركية من فرار متهم بهجوم على قاعدة في الأردن تجنبا لمحاكمته

صورة التقطها قمر «بلانت لبس» الاصطناعي لقاعدة عسكرية أميركية تعرضت لهجوم بطائرة مسيرة في شمال شرق الأردن (أرشيفية - أ.ب)
صورة التقطها قمر «بلانت لبس» الاصطناعي لقاعدة عسكرية أميركية تعرضت لهجوم بطائرة مسيرة في شمال شرق الأردن (أرشيفية - أ.ب)
TT

مخاوف أميركية من فرار متهم بهجوم على قاعدة في الأردن تجنبا لمحاكمته

صورة التقطها قمر «بلانت لبس» الاصطناعي لقاعدة عسكرية أميركية تعرضت لهجوم بطائرة مسيرة في شمال شرق الأردن (أرشيفية - أ.ب)
صورة التقطها قمر «بلانت لبس» الاصطناعي لقاعدة عسكرية أميركية تعرضت لهجوم بطائرة مسيرة في شمال شرق الأردن (أرشيفية - أ.ب)

حذر ممثلو ادعاء في الولايات المتحدة اليوم الثلاثاء من إمكانية فرار مهندس إلى إيران إذا أفرج عنه بكفالة على ذمة محاكمة تتعلق بهجوم بطائرة مسيرة على قاعدة عسكرية أميركية في الأردن نفذه مسلحون تدعمهم إيران العام الماضي.

كان ممثلو الادعاء الاتحاديون في بوسطن قد أبلغوا القاضي قبل ثلاثة أسابيع بأنهم منفتحون على السماح بالإفراج عن مهدي صادقي بكفالة انتظارا للمحاكمة بتهمة التورط في مخطط لانتهاك العقوبات الأميركية وقوانين الرقابة على الصادرات. لكن ممثلي الادعاء العام طلبوا استمرار احتجاز صادقي بعد أن أفرجت الحكومة الإيطالية يوم الأحد عن متهم آخر وهو رجل الأعمال الإيراني محمد عابديني وسمحت له بالعودة إلى إيران.

وجاء ذلك بعد أن أطلقت إيران الأسبوع الماضي سراح الصحفية الإيطالية تشتشيليا سالا، التي اعتقلتها السلطات في طهران بعد ثلاثة أيام من القبض على الرجلين الإيرانيين. واستشهدت المدعية العامة كريستينا كلارك بالأحداث في إيطاليا لتحذر من أن إيران قد تتخذ خطوات لمساعدة صادقي على الفرار إذا أطلق سراحه، وهو الأمر الذي قالت إنه قد يقدم عليه بالنظر إلى مدة السجن الطويلة المحتملة التي قد يواجهها. وقالت خلال جلسة للمحكمة «إن ما فعله المتهم لم يكن، على أقل تقدير، انتهاكا للقانون فحسب، بل إهانة للأمن القومي الأميركي».

وردت محامية الدفاع جيسيكا ثرال بأن المدعين يطلقون «تخمينات» للقول إن موكلها يريد مغادرة الولايات المتحدة، حيث تعيش زوجته وأطفاله. وقال قاضي المحكمة الجزئية دونالد كابيل إنه سيصدر حكمه في وقت لاحق بشأن ما إذا كان سيسمح بالإفراج عن صادقي.

ويقول ممثلو الادعاء إن عابديني أدار شركة إيرانية كان عميلها الرئيسي هو «الحرس الثوري» الإيراني وإنها صنعت نظام الملاحة المستخدم في برنامج الطائرات المسيرة العسكرية. ويقول المدعون إن هذا النظام استُخدم في طائرة مسيرة ضربت قاعدة البرج 22 العسكرية الأميركية في الأردن في يناير (كانون الثاني) 2024. وأدى الهجوم إلى مقتل ثلاثة عسكريين أميركيين وإصابة 47 آخرين.

وقال ممثلو الادعاء إن صادقي، وهو أميركي إيراني، ساعد عابديني في الحصول على التكنولوجيا التي نُقلت إلى إيران في أثناء عمله في شركة أنالوج ديفايسز لأشباه الموصلات وفي ولاية ماساتشوستس. وأضاف ممثلو الادعاء أن التكنولوجيا التي حصل عليها عابديني تضمنت النوع نفسه من المكونات الإلكترونية المستخدمة في نظام ملاحة الطائرات المسيرة.

ودفع صادقي ببراءته. ونفت إيران تورطها في هجوم العام الماضي ورفضت الاتهامات بأنها قبضت على سالا للضغط على إيطاليا لإطلاق سراح عابديني.