بتهديده بضم غرينلاند... ترمب يعزّز مقاربة بوتين حيال أوكرانيا

الرئيس الأميركي يريد استثمار أميركا في منطقة استراتيجية تخلّت عنها أوروبا

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدثان خلال اجتماع ثنائي في قمة زعماء «مجموعة العشرين» في أوساكا باليابان في 28 يونيو 2019 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدثان خلال اجتماع ثنائي في قمة زعماء «مجموعة العشرين» في أوساكا باليابان في 28 يونيو 2019 (رويترز)
TT

بتهديده بضم غرينلاند... ترمب يعزّز مقاربة بوتين حيال أوكرانيا

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدثان خلال اجتماع ثنائي في قمة زعماء «مجموعة العشرين» في أوساكا باليابان في 28 يونيو 2019 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدثان خلال اجتماع ثنائي في قمة زعماء «مجموعة العشرين» في أوساكا باليابان في 28 يونيو 2019 (رويترز)

تشكّل تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي سيتولى منصبه قريباً، بضم جزيرة غرينلاند وقناة بنما - كما مطالبته بدمج كندا بالولايات المتحدة - سابقة تقوّي وضعية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «المفترسة» لأوكرانيا، حسب تحليل في صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

وفي إطار الحزب الجمهوري الأميركي، رحّب كثيرون بمبادرات ترمب، مثل النائب براندون جيل، قائلاً: «يجب أن يشعر شعوب بنما وغرينلاند وكندا بالشرف؛ لأن دونالد ترمب يريد ضمهم إلى الحظيرة الأميركية». وبينما أطلق عليه المحللون سابقاً لقب «الانعزالي»، أثبت ترمب خلال كلامه في بضع جمل أنه «إمبريالي» قبل كل شيء، حسب الصحيفة.

وقالت تارا فارما، الزميلة الزائرة في مؤسسة «بروكينغز» الأميركية لدراسة السياسات: «يبدو أن التدخلات العسكرية لبوتين في جورجيا وأوكرانيا أدت إلى إزالة القيود عن السلوك الإمبريالي في العالم، مع ما يترتب على ذلك من تأثير تقليد سلوك روسيا في كل مكان».

ويوضح فلاديسلاف سوركوف، صاحب المقام الرفيع السابق في الكرملين، في آخر كتاباته، أن فلاديمير بوتين فتح، بالحرب في أوكرانيا، عصراً إمبراطورياً جديداً على نطاق عالمي، تسعى القوى الكبرى إلى إدخال نفسها فيه. فعندما تتدخل تركيا في سوريا فإنها «تتماشى مع أفضل تقاليد الباب العالي»، والصين تنسج «طرق الحرير» في أوروبا وتستعد لإعادة توحيد شطرَي البلاد مع تايوان، والولايات المتحدة تطالب بغرينلاند وكندا وقناة بنما.

 

 

تغيير للنظام القائم؟

 

ويبدو أن مثال بوتين أكثر إغراءً بالنسبة لدونالد ترمب؛ لأن الرئيس المنتخب معجب بالحكام المستبدين، تشرح سيليا بيلين، مديرة مكتب باريس للمجلس الأوروبي للعلاقات الدولية، وتقول: «إن ترمب يحب الرجال الأقوياء الذين يضعون كل وسائلهم في خدمة أهدافهم، مثل بوتين، أو كيم جونغ أون رئيس كوريا الشمالية. إنه يفكر مثلهم».

مع دونالد ترمب في ولايته الثانية، الذي طهّر فريقه من أولئك الذين يمكنهم كبح جماح اندفاعاته، هل تتحول الولايات المتحدة ببطء إلى قوة تعديلية (أي تريد تغيير النظام القائم)، سواء في الخارج أو في الداخل؟ يجيب أحد الدبلوماسيين: «يحلم دونالد ترمب بأن يكون رجلاً قوياً مثل فلاديمير بوتين؛ رئيساً لا يعتمد على الانتخابات وعلى رقابة العدالة والإعلام».

وتبين تصريحات ترمب الأخيرة قبل كل شيء، وفق الدبلوماسي الذي لم يكشف عن اسمه، العودة المذهلة لأساليب القوة التي كانت سائدة في القرن التاسع عشر، وعودة السياسة الخارجية ذات الرؤية الإمبريالية.

فترمب يفعل مثل بوتين لكن بذكاء، وفق الدبلوماسي؛ لأن لا أحد يعتقد أنه سيغزو غرينلاند فعلياً. ولكن ترمب يفكّر «خارج الصندوق» من خلال فرض فتح نقاش حول قضية استراتيجية. وأضاف الدبلوماسي: «الولايات المتحدة هي إحدى قوى الصفقة الجديدة في القطب الشمالي، والدنمارك (التي تحكم غرينلاند) ليست على المستوى (لتنافس في القطب الشمالي)».

مواجهة الاستثمارات العسكرية لروسيا والصين

ففي غرينلاند حيث يؤدي ذوبان الجليد بسبب تغير المناخ إلى فتح طرق شحن جديدة، وحيث تمتلك الولايات المتحدة قاعدة عسكرية، أصبح عدد الغواصات الآن أكبر من عدد الدببة القطبية. وتعمل روسيا منذ عدة سنوات على تعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري في المنطقة. ورغم أن الجزيرة التي تحمي الولايات المتحدة من الصواريخ الروسية، تتمتع أيضاً بموارد معدنية كبيرة، فإن واشنطن تشعر بالقلق أيضاً إزاء الاهتمام الذي أبدته الصين بها.

في مواجهة الاستثمارات العسكرية الروسية والصينية، يرى ترمب أن ضعف الرقابة الأوروبية في المجال الجوي والفضاء تحت الماء شرق غرينلاند أمر خطير.

وفي مواجهة تهديداته، لم تكتفِ الدنمارك بالرد بأنها «ليست للبيع، ولن تكون كذلك أبداً»، بل أعلنت أيضاً عن زيادة إنفاقها الدفاعي لضمان «وجود أقوى في القطب الشمالي»، وقالت إنها «منفتحة على الحوار» لضمان «تلبية الطموحات الأميركية» في القطب الشمالي. وهذا ما قد يكون هو التأثير الفاضل لتصريحات دونالد ترمب الاستفزازية: إجبار الأوروبيين على إعادة الاستثمار في التاريخ، وإعادة الانخراط في قضايا استراتيجية كبرى، حسب «لوفيغارو».

تبرير غزو أوكرانيا

تفيد تصريحات ترمب المثيرة للجدل - عن ضم غرينلاند وبنما وكندا - في المقام الأول روسيا التي تكسب طموحاتها التوسعية شرعية لم تكن متوقعة؛ فهذه التصريحات تضفي شرعية على محاولات الكرملين الجديدة الرامية إلى توسيع نطاق نفوذه.

وفي حين أن الغرب ندد دائماً بالطبيعة «غير القانونية» لغزو روسيا لأوكرانيا، فإن موسكو قد تعتبر أن طموحاتها أصبحت الآن مبررة من قِبَل واشنطن، وفق الصحيفة.

وعلّق فلاديمير سولوفيوف، مقدم البرامج التلفزيونية وحليف الكرملين قائلاً: «ما يفعله دونالد ترمب مفيد لنا (لروسيا) كثيراً. وهذا يدمر تماماً كل الأوهام التي لا يزال البعض يتوهمونها بشأن قمة الديمقراطيات واحترام آراء حلفاء (الناتو). ترمب رجل عظيم!».

وبحسب «لوفيغارو»، فإن هذه «إشارة سيئة لأوكرانيا، في الوقت الذي يستعد فيه ترمب للقاء فلاديمير بوتين (لإنهاء) الحرب».

ويعلّق فلاديسلاف سوركوف المسؤول السابق بالكرملين قائلاً: «الإمبراطوريات تولد من جديد، وتتصادم الإمبراطوريات. فلنتذكر أن السلام ليس إلا استمراراً للحرب بوسائل أخرى».


مقالات ذات صلة

أمير قطر يبحث مع بايدن جهود الوساطة المشتركة بشأن غزة

المشرق العربي أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني (قنا)

أمير قطر يبحث مع بايدن جهود الوساطة المشتركة بشأن غزة

قال الديوان الأميري إن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بحث مع الرئيس الأميركي جو بايدن في اتصال هاتفي، الاثنين، جهود الوساطة المشتركة لإنهاء الحرب في غزة.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
الولايات المتحدة​ صاروخ «نيو غلين» التابع لشركة «بلو أوريجين» أثناء الاستعدادات للإطلاق في مجمع الإطلاق 36 بمحطة كيب كانافيرال الفضائية بولاية فلوريدا بالولايات المتحدة في 13 يناير 2025 (إ.ب.أ)

شركة جيف بيزوس الفضائية تلغي إطلاق صاروخها الضخم الجديد في اللحظات الأخيرة

ألغت شركة «بلو أوريجين» الإطلاق الأول لصاروخها الضخم الجديد في وقت مبكر من صباح يوم الاثنين بسبب مشكلة فنية، حسبما أفادت وكالة «أسوشييتد برس».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدثان خلال اجتماع ثنائي بقمة زعماء مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

الكرملين: لا تحضيرات بعد لاجتماع بوتين وترمب

قال الكرملين، الاثنين، إنه لا توجد تحضيرات محددة حتى الآن لعقد اجتماع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ مبان أتت عليها النيران في حي  باسيفيك باليسادس بلوس أنجليس أمس (رويترز)

إطفائيو لوس أنجليس يسابقون الزمن لاحتواء الحرائق

تسابق فرق الإطفاء الزمن لاحتواء حرائق لوس أنجليس، وسط تحذيرات من عودة الرياح العاتية، ومخاوف من اتساع رقعة النيران ومعها حصيلة الضحايا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ تُظهر صور التقطت بالأقمار الاصطناعية الخاصة بشركة «ماكسار» منازل ومباني بمنطقة ألتادينا بولاية كاليفورنيا... على اليمين التقطت في 8 يناير 2025 وعلى اليسار التقطت في 6 يناير 2025 قبل الحرائق (أ.ف.ب)

قبل وبعد... هكذا حوَّلت الحرائق أحياء لوس أنجليس إلى أنقاض ورماد (صور)

تلتقط صور الأقمار الاصطناعية الدمار من الأعلى لحرائق لوس أنجليس؛ حيث تظهر أحياء بأكملها وقد تحولت إلى أنقاض.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

مستشار سابق لترمب: إيلون ماسك «شخص شرير»

ترمب مع مستشاره السابق ستيف بانون (أ.ف.ب)
ترمب مع مستشاره السابق ستيف بانون (أ.ف.ب)
TT

مستشار سابق لترمب: إيلون ماسك «شخص شرير»

ترمب مع مستشاره السابق ستيف بانون (أ.ف.ب)
ترمب مع مستشاره السابق ستيف بانون (أ.ف.ب)

انتقد المستشار السابق للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، والمنظّر اليميني المتطرف البارز، ستيف بانون، الملياردير إيلون ماسك حليف ترمب، ووصفه بـ«الشخص الشرير».

ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» تصريحات قالها بانون عن تنصيب ترمب في 20 يناير (كانون الثاني)، في مقابلة مع صحيفة «كوريري ديلا سيرا» الإيطالية: «سأطرد إيلون ماسك بحلول الوقت الذي يتم فيه تنصيب ترمب، ولن يكون لديه تصريح لدخول البيت الأبيض، سيكون مثل أي شخص آخر».

وأضافت «نيويورك تايمز» أن هذه التعليقات تعمق العداء بين رجلين كانا مستشارين مؤثرين للرئيس المنتخب.

وكان بانون مهندس فوز ترمب بالانتخابات الرئاسية في عام 2016، وخدم لفترة مستشاراً استراتيجياً خلال فترة ولايته الأولى في البيت الأبيض.

ومنذ إطلاق سراحه في أكتوبر (تشرين الأول) من فترة 4 أشهر قضاها في السجن بتهمة ازدراء المحكمة، جدد بانون حربه الكلامية مع ماسك، الذي ضخ أكثر من ربع مليار دولار من أجل فوز ترمب بالانتخابات في نوفمبر (تشرين الثاني)، وأصبح منذ ذلك الحين حاضراً دائماً إلى جانبه.

وفي المقابلة التي نشرت الأسبوع الماضي، قال بانون عن ماسك: «إنه شخص شرير حقاً، وأصبح إيقافه قضية شخصية بالنسبة لي».

ماسك خلال حدث انتخابي لترمب في بنسلفانيا يوم 5 أكتوبر 2024 (أ.ب)

وتعكس الخلافات التوتر الأوسع نطاقاً داخل التيار اليميني في الولايات المتحدة بشأن المخاوف من أن ماسك الذي هو أغنى شخص في العالم ومالك منصة «إكس»، قد يستخدم نفوذه لتهميش الشخصيات القوية داخل ذلك التيار للترويج لأجندته الخاصة.

ويقوم ماسك بأعمال تجارية كبيرة مع الحكومة الفيدرالية بصفته الرئيس التنفيذي لشركة «سبيس إكس»، كما يدير شركة صناعة السيارات «تيسلا».

ويقول بعض الشخصيات اليمينية الذين رحبوا في البداية بماسك الآن، إنهم يشعرون بالخداع، مما يثير تساؤلات حول متانة تحالفهم معه.

ولقد استعان ترمب بماسك لقيادة جهود تهدف إلى خفض البيروقراطية الفيدرالية، لكن ليس من الواضح ما إذا كان بانون سيلعب أي دور في الإدارة، أم لا.

وقبل أن يترك منصبه في عام 2021، عفا ترمب عن بانون قبل أن يواجه محاكمة بتهمة إساءة استخدام الأموال التي ساعد في جمعها لمجموعة تدعم بناء جدار ترمب الحدودي.

ولم يرد ماسك على تصريحات بانون.

ترمب وماسك بتكساس في 19 نوفمبر 2024 (رويترز)

وكان أحد محاور نزاعهما حول الإبقاء على تأشيرات لجلب العاملين الأجانب المهرة إلى الشركات الأميركية، وهي تأشيرات يرفضها بعض المحافظين الذين يعارضون الهجرة، بينما يدعم ماسك التأشيرات، مثل كثير من قادة التكنولوجيا الذين يقولون إنها تساعد في جلب العاملين إلى شركاتهم.

وقال بانون في المقابلة، إن التأشيرات منعت الأميركيين من الحصول على وظائف.

وأضاف أن ماسك، خسر المناقشة السياسية حول التأشيرات، كما تساءل عما إذا كان الملياردير يجب أن يحد من مشاركته في السياسة الأميركية، لأنه ولد ونشأ في جنوب أفريقيا أثناء نظام الفصل العنصري، وقال بانون: «يجب أن يعود إلى جنوب أفريقيا».