من هي وكيلة العقارات التي حسمت قضية 11 سبتمبر؟

واحد من أهم القرارات في تاريخ محكمة الحرب الأميركية

إسكالييه التي كانت آنذاك عميدة في الجيش الأميركي تتحدث خلال تدريب القيادة القانونية الاحتياطية للجيش عام 2019 (نيويورك تايمز)
إسكالييه التي كانت آنذاك عميدة في الجيش الأميركي تتحدث خلال تدريب القيادة القانونية الاحتياطية للجيش عام 2019 (نيويورك تايمز)
TT

من هي وكيلة العقارات التي حسمت قضية 11 سبتمبر؟

إسكالييه التي كانت آنذاك عميدة في الجيش الأميركي تتحدث خلال تدريب القيادة القانونية الاحتياطية للجيش عام 2019 (نيويورك تايمز)
إسكالييه التي كانت آنذاك عميدة في الجيش الأميركي تتحدث خلال تدريب القيادة القانونية الاحتياطية للجيش عام 2019 (نيويورك تايمز)

تفوقت سوزان إسكالييه في عملها محاميةً في الجيش. خلال 32 عاماً من خدمتها العسكرية، قفزت من الطائرات، وخدمت في العراق ثلاث مرات، وكانت عدَّاءة متفانية وتنافسية. ثم أُصيبت بسكتة دماغية واضطرت إلى التقاعد عام 2021. لذا، قبل عام واحد، عندما عُرض عليها العمل مسؤولة في البنتاغون عن نظام محاكم الحرب في خليج غوانتانامو، كانت بمثابة تذكرة عودتها إلى الخدمة العسكرية.

مدخل محكمة الحرب الأميركية في غوانتانامو (نيويورك تايمز)

لقد كان عملاً غير مُجزٍ، وغير مرئي إلى حد كبير، وحتى أقل الأعمال فهماً. لعدة أشهر، أشرفت السيدة إسكالييه بهدوء على قضايا عمرها سنوات.

صفقة الإقرار بالذنب

اتخذت أحد أهم القرارات في تاريخ المحكمة، إذ أثارت أحداثاً لفتت الانتباه إلى دورها وإلى اللجان العسكرية غير الفعالة. في 31 يوليو (تموز)، وافقت السيدة إسكالييه على صفقة الإقرار بالذنب مع الرجل المتهم بتدبير مؤامرة «11 سبتمبر (أيلول)»، خالد شيخ محمد، ومتهمين آخرين.

تعد موافقة سوزان إسكالييه على صفقة الإقرار بالذنب من أهم القرارات بتاريخ محكمة الحرب في خليج غوانتانامو (نيويورك تايمز)

عقوبة السجن مدى الحياة

وفي مقابل الإقرار بالذنب، يقضي المتهمون عقوبة السجن مدى الحياة بدلاً من مواجهة عقوبة الإعدام في يوم من الأيام. وبعد يومين، تراجع وزير الدفاع لويد أوستن، عن قرارها.

والآن، يجب على القاضي أن يقرر ما إذا كان السيد أوستن قد تصرف على نحو صحيح عندما ألغى قرارها.

كان القاضي قد وافق على الاستماع إلى الحجج بشأن هذه المسألة هذا الشهر. ولكن في أمرٍ أصدره، يوم الاثنين، قال إنه سيُصدر حكماً «من دون مرافعة شفوية» استناداً إلى الملفات المكتوبة المقدَّمة من المحامين. كما سَلَب السيد أوستن أيضاً سلطة السيدة إسكالييه للتوصل إلى اتفاقات الإقرار بالذنب في القضايا ضد الرجال المتهمين بالمساعدة في تخطيط وتمويل عمليات الاختطاف التي أسفرت عن مقتل ما يقرب من 3000 شخص في 11 سبتمبر 2001.

وهي تواصل عملها في مبنى مكتبي عادي للغاية في مدينة الإسكندرية بولاية فرجينيا، وتحمل نفس اللقب وإنما بمسؤوليات أقل. أولئك الذين يعملون في مكاتبها ليس لديهم الكثير ليقولوه عن رئيستهم، التي يتلخص دورها في جزء قضائي وآخر إداري.

محامية عسكرية بارزة

وقد وصفها البعض بأنها منعزلة وغير مرحة. ورفضت طلب إجراء مقابلة معها. لكن الضباط الأميركيين الذين عملوا معها يقولون إنها كانت محامية عسكرية بارزة ترقَّت بثبات في الرتب العسكرية من وظيفة تتطلب الكثير إلى أخرى في مهنة نقلتها إلى الشرق الأوسط وأفريقيا. قال الجنرال جون ألتنبورغ جونيور، الذي أصبح أول مشرف على محكمة الحرب عام 2003 بعد تقاعده، إن السيدة إسكالييه شغلت «بعض أصعب الوظائف التي كان الجيش يخصِّصها للمحامين، وخرجت من الطرف الآخر برتبة نجمة واحدة»، وهي رتبة العميد.

يأتي أحد تصريحاتها العامة الأخيرة من شريط فيديو عام 2019، عندما نصحت، بصفتها عميداً، المحامين العسكريين الجدد بأن وظيفتهم قد تتطلب إخبار أحد القادة بأن مسار العمل محظور أو غير قانوني.

يواجه خالد شيخ محمد، المتهم بتدبير هجمات 11 سبتمبر، وأربعة متهمين آخرين، اتهامات في محكمة عسكرية أميركية في خليج غوانتانامو بمساعدة عمليات الاختطاف التي أسفرت عن مقتل ما يقرب من 3000 شخص. وتصل عقوبة هذه التهم إلى الإعدام.

المحاكمة: كانت الاتهامات قد وُجهت إلى المتهمين عام 2012، لكنَّ القضية كانت غارقة في إجراءات ما قبل المحاكمة، وركز كثير منهم على تعذيب وكالة الاستخبارات المركزية للمتهمين.

دور التعذيب: في عام 2021، رفض قاضٍ عسكري في قضية كبرى أخرى في غوانتانامو الأدلة الرئيسية لأن ذلك السجين تعرض للتعذيب.

ويطعن محامو الدفاع في قضية «11 سبتمبر» في نفس النوع من الأدلة، ويسعون إلى رفض القضية أو احتمال صدور حكم بالإعدام بسبب التعذيب.

صفقة الإقرار بالذنب: أجاز مسؤول في البنتاغون التوصل إلى اتفاق بشأن الإقرار بالذنب يهدف إلى حل القضية من خلال إصدار أحكام بالسجن مدى الحياة بحق خالد شيخ محمد ومتهمين آخرين.

وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ألغى الاتفاق على نحو مفاجئ (نيويورك تايمز)

ولكنَّ وزير الدفاع لويد أوستن ألغى الاتفاق على نحو مفاجئ، مما أعاد إحياء احتمال أن يواجهوا يوماً ما عقوبة الإعدام. ويطعن محامو الدفاع الآن في رد فعل أوستن بوصفه غير قانوني، أو أنه صدر ببساطة بعد فوات الأوان.

المتهمون في هجمات سبتمبر

المدعى عليهم في صفقة الإقرار بالذنب: إلى جانب خالد شيخ محمد، اتُّهم محمد بن عطاش بتدريب اثنين من الخاطفين، والبحث في الرحلات الجوية وجداول الرحلات، واختبار قدرة أحد الركاب على إخفاء شفرة حلاقة على متن الرحلات الجوية. واتُّهم مصطفى الهوساوي بمساعدة بعض الخاطفين مالياً وفي ترتيبات السفر.

المدعى عليهم الآخرون: أما عمار البلوشي فهو متهم بتحويل أموال من الإمارات إلى بعض الخاطفين في الولايات المتحدة. وقد اختار عدم الانضمام إلى صفقة الإقرار بالذنب وقد يواجه المحاكمة وحده.

واتُّهم رمزي بن الشيبة بالمساعدة في تنظيم خلية للخاطفين في ألمانيا. وفي عام 2023، وُجد أنه غير مؤهل طبياً للمثول أمام المحكمة وأُبعد من القضية، وقد يواجه يوماً ما محاكمة إذا استعاد صحته العقلية.

ابنة صيدلاني ووكيلة عقارات

قالت: «يجب عليكم فقط الوقوف بحزم وأن تقولوا: هذا هو القانون».

نشأت إسكالييه في مدينة لوس بانوس الصغيرة في وسط ولاية كاليفورنيا، وهي ابنة صيدلاني ووكيلة عقارات. وورد اسمها في الصحيفة المحلية لكونها ضمن قائمة الشرف للمدرسة الثانوية عام 1980، ثم مرة أخرى للحصول على منحة دراسية للالتحاق بجامعة بيركلي - كاليفورنيا.

وروت مقالة أخرى أنها بعد سنتها الأولى في الكلية، زارت إسكالييه رفقة صديقة لها لوس أنجليس، وحصلتا على فترات عمل ممثلتَين إضافيتين في مشهد الحانة في مسلسل «أيام حياتنا،» التلفزيوني الذي عُرض للمرة الأولى في الأسبوع الذي وُلدت فيه. ذهبت إلى الجامعة في بيركلي لدراسة الأدب ولتصبح معلمة، وفقاً لإعلان المنحة الدراسية. ولكن بحلول السنة الدراسية الأولى انضمت إلى برنامج تدريب ضباط الاحتياط بالجيش.

وفي غضون سنوات قليلة اكتشفت برنامجاً للجيش يُرسل ضباطاً واعدين إلى كلية الحقوق، في حالتها كانت جامعة ولاية أوهايو. وفي بداية حياتها المهنية، كانت من بين أولى المظليات الإناث اللاتي تم تعيينهن في وحدة مشاة، وهي فريق اللواء القتالي الثالث التابع للفرقة 82 المحمولة جواً، وفقاً للعقيدة كانديس فروست، التي كانت أولى المظليّات، عام 1999. وقالت العقيدة فروست، التي كان ضابطة استخبارات وهي الآن متقاعدة: «لقد تولت أصعب المهام في الجيش مراراً وتكراراً. ولا أستطيع أن أفكر في فرد بفيلق القاضي العسكري العام خاض المواقف القتالية أكثر منها»، في إشارةٍ إلى فيلق القاضي العسكري العام بجيش الولايات المتحدة. كما اكتسبت احترامها في الجيش بسبب قدرتها على التحمل البدني، في وقت كانت النساء مستبعدات فيه من تولي الأدوار القتالية. وقال رئيس سابق إن إسكالييه بدأت القفز بالمظلات من أجل الرياضة في ولاية نورث كارولاينا مع النجم الصاعد، ديفيد إتش بترايوس، لتصبح «واحدة من رفاق بترايوس في القفز».

كان ذلك قبل فترة طويلة من تولي الجنرال بترايوس قيادة الفرقة 101 المحمولة جواً، وسافرت بوصفها عضواً في الفريق القانوني لتقديم المشورة إلى فريق «النسور الصارخة» في غزو العراق عام 2003. وقال الجنرال بترايوس، عبر البريد الإلكتروني: «لقد أثارت إعجابي كمستشارة قانونية بارعة للغاية وجندية مظلية مثير للإعجاب أيضاً».

* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

بعد 18 عاماً بغوانتانامو... باكستاني يتوفى بكراتشي

آسيا عبد الرحيم غلام رباني المعتقل السابق في غوانتانامو  (وسائل الإعلام الباكستانية)

بعد 18 عاماً بغوانتانامو... باكستاني يتوفى بكراتشي

بعد سنوات طويلة من المرض ونقص الرعاية الصحية، توفي عبد الرحيم غلام رباني، مواطن باكستاني أمضى 18 عاماً بسجن غوانتانامو في كراتشي، مسقط رأسه.

عمر فاروق (إسلام آباد )
خاص معتقلون في «معسكر إكس» الشديد الحراسة ضمن «معتقل غوانتانامو» (غيتي) play-circle 02:16

خاص ذكرى 11 سبتمبر وإغلاق «معتقل غوانتانامو»... وعود متجددة دونها عراقيل

اليوم وفي الذكرى الـ23 لهجمات 11 سبتمبر لا يزال «معتقل غوانتنامو» مفتوحاً رغم كل الوعود والتعهدات بإغلاقه لطي صفحة لطخت سمعة أميركا في العالم.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ معسكر «غوانتانامو» حيث يُحتجَز أسرى «القاعدة» و«طالبان» (نيويورك تايمز)

هل ألغى وزير الدفاع الأميركي صفقة الإقرار بالذنب في قضية «11 سبتمبر»؟

أحدث قراران دراماتيكيان صدمة في إطار قضية 11 سبتمبر (أيلول): إبرام صفقة الإقرار بالذنب مقابل إسقاط عقوبة الإعدام واستبدال السجن مدى الحياة بها، ثم التراجع عنها.

كارول روزنبرغ (واشنطن*)
الولايات المتحدة​ مساحة مشتركة للمحتجزين في مركز الاحتجاز رقم 6 في خليج غوانتانامو في عام 2019 (نيويورك تايمز)

غوانتانامو: نقل داخلي للمعتقلين جراء مشاكل في البنية التحتية لأحد سجونه

أجبرت مشاكل، غير مُعلنة، تتعلق بالبنية التحتية، الجيش الأميركي على إخلاء السجن الذي يضم الرجال المتهمين بالتآمر لشن هجمات 11 سبتمبر 2001.

كارول روزنبرغ (واشنطن* )
الولايات المتحدة​ طلب القاضي أنتوني جيه. ناتالي 72 عاماً ترك القضية للتقاعد الشهر المقبل واصفاً نفسه بأنه «متعب ومنهك» (أ.ب)

اختصار زمن جلسات الاستماع في غوانتانامو بسبب أزمة في قضية المدمرة «كول»

اختصر قاضٍ عسكري، الجمعة، الإجراءات التحضيرية للمحاكمة في قضية تفجير المدمرة «يو إس إس كول»، وسمح للمحامي الرئيسي للدفاع بالتقاعد، الشهر المقبل.

كارول روزنبرغ (واشنطن *)

هل الأميركيون مستعدون لأول رئيسة في تاريخهم؟

كامالا هاريس في ختام حملتها الانتخابية بفيلادلفيا في بنسلفانيا الثلاثاء (أ.ف.ب)
كامالا هاريس في ختام حملتها الانتخابية بفيلادلفيا في بنسلفانيا الثلاثاء (أ.ف.ب)
TT

هل الأميركيون مستعدون لأول رئيسة في تاريخهم؟

كامالا هاريس في ختام حملتها الانتخابية بفيلادلفيا في بنسلفانيا الثلاثاء (أ.ف.ب)
كامالا هاريس في ختام حملتها الانتخابية بفيلادلفيا في بنسلفانيا الثلاثاء (أ.ف.ب)

شَكَّل قرار الرئيس الأميركي، جو بايدن، بالتخلي عن طموحاته للفوز بولاية ثانية، في عز السباق الانتخابي، سابقة في التاريخ الأميركي، كما شَكَّلَ تسلُّم نائبة الرئيس، كامالا هاريس، الشعلة لاستكمال المشوار الصعب إلى البيت الأبيض، سابقة أخرى أيضاً.

وكأن هذا لم يكن كافياً لزعزعة توازن «القوة العظمى» لتأتي حرب غزة والتصعيد في المنطقة والتنافس مع الصين والحرب الروسية الأوكرانية والأزمة في السودان، لتصب النار على زيت التجاذبات السياسية الداخلية، وتدفع بالناخب الأميركي الذي قلَّما يركز على السياسة الخارجية، للنظر في تداعياتها ورسم جزء من قراره الانتخابي بناءً عليها.

ناخبات وناخبون ينتظرون دورهم للإدلاء بأصواتهم في ميلووكي بويسكونسن الثلاثاء (أ.ف.ب)

وفي خضم هذه الأحداث التاريخية على أكثر من مستوى، يتساءل الكثيرون: هل ستشهد انتخابات هذا العام منعطفاً تاريخياً عبر وصول امرأة إلى مقعد الرئاسة في البيت الأبيض للمرة الأولى في التاريخ الأميركي؟ وهل أميركا مستعدة فعلاً لامرأة تحكمها؟

فالولايات المتحدة التي يرتكز دستورها على مبادئ العدالة والمساواة والحريات، لم تنتخب منذ تأسيسها على يد الآباء المؤسسين في عام 1776 امرأة في منصب الرئاسة. واقع محيّر يفرض أسئلة كثيرة من دون أجوبة واضحة، فالحلم الأميركي، الذي أطلق الرئيس السابق، المرشح الجمهوري، دونالد ترمب، رصاصة الرحمة عليه عندما قال في أحد التجمعات الانتخابية في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي إنه، أي الحلم الأميركي، «مات»، يعتمد على صورة أساسية وهي تكافؤ الفرص، لكن هل حظوظ هاريس بالفوز مهددة بسبب جندرها وليس سياساتها؟ وهل يتكرر سيناريو هيلاري كلينتون؟

مؤيدو هاريس في تجمع انتخابي بفيلادلفيا في بنسلفانيا الثلاثاء (أ.ف.ب)

الأميركيون وانتخاب «رئيسة»

إجابة الأميركيين عن هذا السؤال ليست مطمئنة للديمقراطيين ومرشحتهم كامالا هاريس، وهي أول امرأة تتسلم منصب نائب الرئيس. ففيما يؤكد 54 في المائة من الأميركيين أنهم مستعدون لانتخاب امرأة لمنصب الرئاسة، يقول 30 في المائة من الناخبين إنهم غير مستعدين لاتخاذ خطوة من هذا النوع، بحسب استطلاع أجرته مجلة «إيكونوميست» بالتعاون مع «youGov» بعد انسحاب بايدن من السباق. رقم صادم ومن شأنه أن يقضي على حظوظ هاريس بالفوز في سباق محتدم ومتقارب مع ترمب. وعند سؤال الناخبين عمّا إذا كان الأميركيون سينتخبون امرأة في صناديق الاقتراع، يرجح 41 في المائة منهم أن الناخب لن يصوت لامرأة مقابل رجل إذا كان الاثنان مؤهلين للمنصب. وحتى بالنسبة للناخبين الديمقراطيين الذين يدعمون بنسبة 70 في المائة وصول امرأة إلى سدة الرئاسة، إلا أن 37 في المائة منهم يشككون بأن الناخبين الآخرين سيصوتون لامرأة مقابل رجل لديه الكفاءة نفسها.

ويتخوّف الديمقراطيون هنا من تكرار سيناريو عام 2016 عند خسارة مرشحتهم هيلاري كلينتون أمام ترمب، بينما عَدَّهُ الكثيرون تصويتاً ضد وصول امرأة إلى سدة الرئاسة.

صورة مركبة تجمع هيلاري كلينتون والرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب (رويترز)

كلينتون و«السقف الزجاجي»

كلينتون، وهي المرأة الأولى في التاريخ الأميركي التي تمكنت من انتزاع ترشيح حزب أساسي للانتخابات، خسرت خسارة فادحة أمام ترمب رغم كل الاستطلاعات التي أظهرت تقدمها. وهي بنت حملتها الانتخابية على أساس شعار: «أنا معها»، وروّجت لمسيرتها على هذا الأساس. ولعلّ أكثر مشهد انطبع في ذاكرة الأميركيين كان في ليلة المؤتمر الوطني الحزبي الديمقراطي عندما «كسرت» المرشحة الديمقراطية سقفاً زجاجياً، وهو إشارة مجازية للتحديات التي تواجهها النساء للوصول إلى مناصب مهمة في الولايات المتحدة.

ولعلّ ما يؤرق نوم الديمقراطيين اليوم هو أن نسبة الأميركيين المتحفظين عن انتخاب امرأة للرئاسة، تتخطى نسبة عام 2015، أي تاريخ ترشح كلينتون للرئاسة. حينها أظهرت الاستطلاعات أن 63 في المائة من الناخبين كانوا مستعدين لرئيسة في ذلك المنصب. ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم تراجعت هذه النسبة بـ9 نقاط بدلاً من أن تتقدم، وذلك في استطلاع جديد لـ«تايمز» بالتعاون مع «SAY24».

هيلاري كلينتون خلال الليلة الختامية للحزب الديمقراطي في شيكاغو 19 أغسطس 2024 (إ.ب.أ)

ومن المؤكد أن هذه الأرقام شكّلت عاملاً مهماً في اختيار هاريس رجلاً نائباً لها، بدلاً من حاكمة ميشيغان مثلاً غريتشين ويتمر التي تتمتع بشعبية كبيرة وكانت من المرشحين البارزين للمنصب. وقد وقع خيار هاريس في نهاية المطاف على تيم والز، رجل أبيض في الستين من العمر لضمان «توازن» البطاقة.

هاريس وكلينتون: استراتيجيات مختلفة

«إن لم تفعلها هيلاري، فكيف ستفوز كامالا؟» سؤال يتردد على لسان كثير من الديمقراطيين الذين يسعون جاهدين للتركيز على السياسات بدلاً من الشخصيات في هذا السباق الحاسم، والذي يصفه الكثيرون بالسباق لـ«إنقاذ الأمة» من براثن ترمب الذي قضى على حظوظ كلينتون بهزيمة ساحقة ومفاجئة. لهذا السبب تعتمد حملة هاريس على استراتيجية مختلفة عن استراتيجية كلينتون في أكثر من من ملف:

١- مهاجمة ترمب «المجرم»

فكلينتون مثلاً تجنبت مهاجمة ترمب شخصياً في محاولة من الحزب الديمقراطي لإظهار أنه حزب يعتمد على القيم والمبادئ، لكنها استراتيجية أثبتت فشلها بوجه ترمب المتعطش للمواجهة، وتوجيه الإهانات والانتقادات؛ لهذا السبب يعتمد فريق هاريس على استراتيجية تسلط الضوء على دورها السابق بوصفها مدعية عامة في ولاية كاليفورنيا، تُسائل «مجرماً مداناً» وهو ترمب الذي تمت إدانته في نيويورك في قضية «أموال الصمت».

٢- الإجهاض وصوت المرأة

لعلّ الفارق الأبرز في انتخابات هذا العام هو أنها تأتي بعد إلغاء المحكمة العليا حق الإجهاض المعروف بـ«رو مقابل وايد» بعد أكثر من 50 عاماً من إقراره. في قرار اتهم الكثيرون ترمب بالتسبب به بسبب تعييناته القضائية في المحكمة التي يسيطر عليها اليوم المحافظون.

وقد واجه إلغاء هذا القرار موجة من الغضب والاستياء من النساء، وهذا ما تعول عليه حملة هاريس لانتزاع الفوز عبر استقطاب هذه الفئة الانتخابية المهمة التي تصوت أكثر من الرجال. وتظهر أرقام الاستطلاعات أن 54 في المائة من النساء يدعمن هاريس مقابل 45 في المائة من المؤيدات لترمب، بينما تعتقد 70 في المائة من الناخبات أن أجندة هاريس ستساعدهن مقابل 43 في المائة فقط لترمب.

٣- التبرعات وحماسة الناخب

تمكنت هاريس من جمع تبرعات قياسية مقارنة بكل من كلينتون في عام 2015 وترمب اليوم، إذ أعلنت حملتها عن جمع أكثر من 310 ملايين دولار في شهر يوليو (تموز) 66 في المائة منها أتت من أشخاص تبرعوا لأول مرة، مقابل 138 مليوناً لحملة ترمب. وذلك في إشارة واضحة لحماسة الناخب الأميركي الذي سئم بحسب الأرقام من الوجوه نفسها في المعترك السياسي، ويسعى لدفع وجوه جديدة إلى الواجهة.

وهنا يأتي دور هاريس وبطاقتها، فهي المرة الأولى منذ 50 عاماً تقريباً التي لا تحمل فيها البطاقتان الانتخابيتان اسم بوش أو كلينتون أو بايدن. فبين الأعوام 1980 إلى 2020، حمل المرشحون للرئاسة أو نوابهم أسماء هذه العائلات المذكورة والعريقة في السياسة، أي أن 3 أجيال كاملة صوتت في الانتخابات الرئاسية لصالح أو ضد فرد من هذه العائلات. ويقول البعض إن هذا ما دفع بالناخبين لرفض هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية السابقة والسيناتورة السابقة والسيدة الأولى السابقة التي ارتبط اسمها وصورتها بزوجها وفضيحة مونيكا لوينسكي.

أما ترمب، فقد أصبح هو كذلك من الوجوه التقليدية المكررة خصوصاً في صفوف الناخبين الشباب الذين يبحثون عن وجوه جديدة. فهل سيكون هذا «كعب أخيل» ترمب الذي يضمن خسارته ويمهد لدخول هاريس التاريخ من بابه العريض بوصفها أول رئيسة أميركية؟ أم أن هذه الحماسة ستذبل مع قرب موعد الانتخابات في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل ويعيد التاريخ نفسه؟