الانتخابات الأميركية تُحيي جدل انتشار الأخبار المُضلّلة على منصات التواصل

وسط تراجع القيود التنظيمية وتسخير الخوارزميات لدعم حملة دون الأخرى

إيلون ماسك يشارك في فعالية انتخابية لدعم المرشح الرئاسي دونالد ترمب خلال تجمع في بتلر (بنسلفانيا) يوم 5 أكتوبر (أ.ب)
إيلون ماسك يشارك في فعالية انتخابية لدعم المرشح الرئاسي دونالد ترمب خلال تجمع في بتلر (بنسلفانيا) يوم 5 أكتوبر (أ.ب)
TT

الانتخابات الأميركية تُحيي جدل انتشار الأخبار المُضلّلة على منصات التواصل

إيلون ماسك يشارك في فعالية انتخابية لدعم المرشح الرئاسي دونالد ترمب خلال تجمع في بتلر (بنسلفانيا) يوم 5 أكتوبر (أ.ب)
إيلون ماسك يشارك في فعالية انتخابية لدعم المرشح الرئاسي دونالد ترمب خلال تجمع في بتلر (بنسلفانيا) يوم 5 أكتوبر (أ.ب)

مع دخول الانتخابات الأميركية شوطها الأخير، تزداد التساؤلات حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي المعززة بالذكاء الاصطناعي على رأي الناخب وتوجهاته، خصوصاً في ظل انتشار معلومات مغلوطة ومضلّلة على حساباتها من دون حسيب ولا رقيب. يستعرض برنامج تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، مدى تأثير وسائل التواصل والذكاء الاصطناعي على الانتخابات الأميركية، وأسباب نفوذها وانعكاساتها المحتملة على نتائج الانتخابات.

غياب الرقابة

يقول بول تويد، محامي المشاهير المعروف بـ«محامي هوليوود»، والمختص في دعاوى التشهير ومواجهة التأثير السلبي لوسائل التواصل والذكاء الاصطناعي، إنه لا يمكن التحكم بما يقوله الأشخاص أو يفعلونه على وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من المنصات. لكنه يعتبر أن التحدي الأكبر هو المساءلة والمسؤولية، ويفسّر قائلاً: «تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي نفسها منفصلة عن وسائل الإعلام التقليدية، أي أنها مجرد وسيلة (تسهيل) وليس نشراً. نتيجةً لذلك تقول بأن كل نظريات المؤامرة التي ينشرها المستخدمون ليست من مسؤوليتها».

ويذكر بول بوجود المادة 230 من قانون الاتصالات في الولايات المتحدة، الذي «يحمي الوسائل من المقاضاة من قبل أي شخص يرغب في تصحيح المعلومات. كما يعني أنه من المستحيل عملياً إزالة نظريات المؤامرات والمعلومات المضللة بسرعة وبطريقة فعالة».

من جهتها، تقول كيتي بول، مديرة مشروع «شفافية التكنولوجيا» المعنية بانتشار الأخبار المغلوطة على وسائل التواصل الاجتماعي، إن بعض السياسيين يستفيدون من تضخيم نظريات المؤامرة لجذب الانتباه إلى حساباتهم، خصوصاً على منصات مثل «إكس» التي «تحب اللعب على وتر حرية التعبير». وتضيف بول أن «هذه المنصات تربح بشكل كبير من تضخيم المحتوى الذي يجلب لها أكبر عدد من النقرات. في هذه الحالة، وفي الكثير من نظريات المؤامرة، سواء كنت تنقر بدافع الصدمة أو بدافع الغضب من تضخيم نظرية مؤامرة، فإنك لا تزال تعطي الفرصة لهذه النظرية بطريقة تساعد هذه المنصات على تحقيق الأرباح. وينطبق الأمر نفسه على السياسيين، لأن الكثير من الأجواء السياسية الحالية تعتمد على النقرات وإعادة التغريدات والتصريحات اللافتة».

تنظيم المنصات

مارك زوكربيرغ أثناء الإدلاء بشهادته في جلسة استماع مشتركة بمجلس الشيوخ الأميركي 11 أبريل 2018 (أ.ب)

من ناحيته، يُشدّد سيث شاشنر، المدير التنفيذي لشركة «Stratamericas» للإعلام الرقمي والمسؤول السابق في شركة «مايكروسوفت»، على ضرورة أن تتحلى وسائل التواصل المختلفة وعمالقة التكنولوجيا بالمسؤولية، وأن تنظم المحتوى بطريقة مختلفة. ويشير شاشنر إلى أن هذه الوسائل لديها سياستها المختلفة المتعلقة بخطاب الكراهية والخطاب المسيء، ويجب أن تكون لديها سياسات أكثر دقة حول المعلومات المضللة.

لكن تويد يستبعد أن يسعى عمالقة التكنولوجيا إلى تنظيم منصاتهم، بل يتوقع أن يتدهور الوضع الأكثر «لأنهم ليسوا مستعدين للتنظيم الآن». ويضيف أن «الأمر مختلف جداً عن وسائل الإعلام التقليدية، إذ يفترض على الصحيفة مثلاً أن تتأكد من الحقائق، فيمرّ المقال أولاً على المراسل ثم المحرر ولجنة التحرير. أما اليوم، فلا أحد ينظر في ما ينشره هؤلاء الأشخاص على (المنصات)».

وتسلّط بول الضوء على التحدي المرتبط بتنظيم المحتوى، وتقول: «غالباً ما نرى هذه الشركات تتحدّث أمام الكونغرس عن سياساتها، لكن من دون الاعتراف بأنها غالباً ما لا تطبّق. على سبيل المثال، رأينا مئات الإعلانات لمخدرات وأسلحة يتم بيعها على هذه المنصات، ومن ضمنها (ميتا). ولا نتحدّث عن محتوى ينشره الأفراد، بل عن إعلانات تمت مراجعتها والموافقة عليها رغم معارضتها للقوانين. لكن الشركات تحقق الأرباح عبر عدم تطبيق سياساتها».

الذكاء الاصطناعي

صورة مركّبة بواسطة الذكاء الاصطناعي تدعو فيها سويفت لانتخاب ترمب (تروث سوشيال)

يُعزّز الذكاء الاصطناعي من خطورة انتشار الأخبار المغلوطة عبر وسائل التواصل، ويُحذّر البعض من تأثير ذلك على رأي الناخب الأميركي في موسم محتدم تتقارب فيه استطلاعات الرأي بين المرشحين، ما يجعل كل صوت انتخابي بغاية الأهمية. ويوضّح تويد في هذا الصدد: «يبدو أنه سيكون هناك نموذج من الذكاء الاصطناعي أكثر شبهاً بالإنسان من الإنسان نفسه. وإن تم استغلال ذلك في إطار انتخابات (...)، فإن ذلك سيكون برأيي حاسماً جداً، خصوصاً في ظل انتخابات متقاربة مثل التي لدينا الآن».

وعدّدت بول بعض مساعي استغلال الذكاء الاصطناعي للتأثير على الانتخابات، كتسجيل صوتي انتشر للرئيس الأميركي جو بايدن يدعو فيه داعميه إلى عدم التوجه إلى صناديق الاقتراع، خلال فترة الانتخابات التمهيدية. كما ذكرت بول مساعي خارجية للتأثير على نتائج الانتخابات، من دول كالصين وإيران وروسيا، التي حذّرت وكالات الاستخبارات الأميركية من استعمالها للذكاء الاصطناعي لزعزعة النظام الانتخابي.

وتقارن بول بين مقاربات وسائل التواصل لمحاولة التصدي لمحاولات التدخل الأجنبي في انتخابات 2016 و2020، وانتخابات هذا العام: «في 2020، كانت (ميتا) قلقة حيال الانتخابات. وأنشأت غرفة عمليات انتخابية، وتحدّثت عن الطريقة التي سيقوم بها فريق النزاهة الانتخابية بالتعامل مع هذه القضايا. لكن ليس هناك أي من ذلك الآن. وذلك لأنه لم تكن هناك أي عواقب لما حدث في 2016، وفي 2020، والآن نحن لا نرى هذه الجهود لا بل قامت الشركة بصرف آلاف الموظفين من فريق الثقة والسلامة في العامين الماضيين من أجل الاعتماد على أجهزة مثل الذكاء الاصطناعي».

إيلون ماسك و«إكس»

ماسك يتبرع بمليون دولار لأحد الناخبين في بنسلفانيا يوم 20 أكتوبر (أ.ف.ب)

يساهم ماسك إلى حد كبير في الترويج للأخبار المغلوطة عبر منصته «إكس». وقد أثار جدلاً مؤخراً عبر تبرعه بمبلغ مليون دولار يومياً للناخبين المسجلين في بنسلفانيا، في حال وقعوا على وثيقة «داعمة» للدستور. ويقول تويد إن إيلون ماسك لا يملك واحدة من أهم المنصات في العالم فحسب، بل يملك كذلك المال للتأثير على الناس وتشجيعهم على اتخاذ موقف معين.

ولفت تويد إلى أن الفرق بين شخص مثل ماسك وعملاق الإعلام روبرت مردوخ، هو أن تأثير وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي «عالمي» ولا يقتصر على بلد معين. ويضيف: «إذا قمت برفع دعوى ضد أي من المنصات، سيكون ردّها: إن حصلت على قرار محكمة في فرنسا أو في سويسرا، سنمتثل به في تلك الولاية القضائية فقط».

وتتحدث بول عن تأثير ماسك، مشيرةً إلى أنه عدّل الخوارزميات على منصّة «إكس» للترويج للمحتوى الخاص به قبل محتوى الآخرين. وتوضّح: «صمّم الخوارزميات بطريقة تعزز نظريات المؤامرة الخاصة به عندما ينشرها من حسابه الخاص». وتضيف: «هذا يعني أن هناك وزناً مختلفاً لنظريات المؤامرة التي يروّج لها ماسك، وتراجعاً واسعاً لأي من الجهود لوضع إجراءات سلامة وحماية المستخدم على موقع (إكس) تحديداً. ونتيجة لذلك، رأينا ازدياداً في عدد الجهات الخبيثة التي تستخدم المنصة».

وتسلط بول الضوء هنا على تحقيق لشركتها «Tech Transparency» الذي وجد أن أكثر من 12 فرداً وكياناً خاضعين لعقوبات أميركية، ومنها جهات إرهابية، اشتروا «إكس بريميوم»، وهي العلامة الزرقاء التي تمنح أيضاً تعزيزاً خوارزمياً للمحتوى. وتقول: «قام ماسك بتسليط الضوء على إرهابيين معاقبين، وكان يربح من ذلك لأنهم كانوا يدفعون للاشتراك في هذه الخدمة. في بعض الحالات، هناك مشاركة في إيرادات الإعلانات لكل من يملك هذه العلامة».

أما شاشنر، فيعدُّ أن مصداقية ماسك تحديداً «تدهورت بشكل كبير»، مشيراً إلى تراجع عدد مستخدمي منصته وعدد الإعلانات.


مقالات ذات صلة

الذهب يحلّق إلى قمم جديدة قبل الانتخابات الأميركية

الاقتصاد موظف يضع سبائك ذهب بغرفة العمل خلال عملية الإنتاج بمصنع «كراستسفيتم» للمعادن الثمينة في روسيا (رويترز)

الذهب يحلّق إلى قمم جديدة قبل الانتخابات الأميركية

ارتفعت أسعار الذهب إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق يوم الخميس، متجهة نحو أفضل شهر لها في 7 أشهر، مدفوعةً بالطلب على الملاذ الآمن قبيل الانتخابات الأميركية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ شعار منصة «إكس» (رويترز)

تقرير: إخفاق منصة «إكس» في مواجهة المعلومات المضللة عن الانتخابات الأميركية

قال مركز مكافحة الكراهية الرقمية إن ميزة تقصِّي الحقائق التي تستند إلى الجمهور في منصة «إكس»، «تخفق في مواجهة الادعاءات الكاذبة».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ظهر ترمب مستقلا شاحنة لجمع القمامة (أ.ب)

في سخرية من تصريحات بايدن... ترمب يظهر مستقلاً شاحنة لجمع القمامة

في لقطة مفاجئة وغير متوقعة، الغرض منها السخرية من بايدن، ظهر دونالد ترمب مستقلاً شاحنة لجمع القمامة تحمل اسمه وشعار حملته.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ يقوم موظفان من مقاطعة أليغيني بإعادة صناديق الاقتراع من مواقع الاقتراع عبر الأقمار الاصطناعية إلى مستودع انتخابات مقاطعة أليغيني قبل يوم الانتخابات في بيتسبرغ ببنسلفانيا (أ.ف.ب)

استطلاع: معظم الأميركيين قلقون أو محبطون بشأن حملة الانتخابات الرئاسية

أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز «أ ب - نورك» لأبحاث الشؤون العامة أن نحو 7 من كل 10 أميركيين عبّروا عن شعورهم بالقلق أو الإحباط بشأن الحملة الرئاسية لعام 2024.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ترمب مخاطباً أنصاره في حدث انتخابي ببنسلفانيا - 29 أكتوبر (إ.ب.أ)

«زلّة بايدن» تلقي بظلالها على حملة هاريس

ألقت زلّة الرئيس الأميركي، جو بايدن، «المسيئة»، حول مؤيدي الرئيس السابق دونالد ترمب، بظلالها على حملة منافسته الديمقراطية كامالا هاريس، قبل أيام من موعد

إيلي يوسف (واشنطن)

إدارة بايدن تلقت 500 تقرير حول استخدام إسرائيل أسلحة أميركية في غزة

جانب من الدمار جراء الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ف.ب)
جانب من الدمار جراء الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

إدارة بايدن تلقت 500 تقرير حول استخدام إسرائيل أسلحة أميركية في غزة

جانب من الدمار جراء الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ف.ب)
جانب من الدمار جراء الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ف.ب)

تلقت الإدارة الأميركية ما يقرب من 500 تقرير يزعم أن إسرائيل استخدمت أسلحة زوّدتها بها الولايات المتحدة في هجمات تسببت في أضرار غير ضرورية للمدنيين في قطاع غزة، لكنها فشلت في الامتثال لسياساتها الخاصة التي تتطلب تحقيقات سريعة في مثل هذه الادعاءات، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر.

ووفق تقرير نشرته صحيفة «واشنطن بوست»، قال هؤلاء الأشخاص، الذين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم، لأنهم غير مخولين لمناقشة المداولات الداخلية، إن بعض هذه الحالات على الأقل التي عُرضت على وزارة الخارجية على مدار العام الماضي ربما ترقى إلى انتهاكات للقانون الأميركي والدولي.

ويتم تلقي التقارير من منظمات الإغاثة الدولية والمنظمات غير الربحية وتقارير وسائل الإعلام وشهود العيان الآخرين. وتشمل العشرات منها توثيقاً بالصور لشظايا القنابل المصنوعة في الولايات المتحدة في المواقع التي قُتل فيها عشرات الأطفال، وفقاً لمناصري حقوق الإنسان المطلعين على العملية.

ومع ذلك، وعلى الرغم من إرشادات وزارة الخارجية الداخلية للاستجابة لحوادث الأذى المدني، التي توجّه المسؤولين لإكمال التحقيق والتوصية بالتحرك في غضون شهرين من بدء التحقيق، لم تصل أي حالة واحدة إلى مرحلة «التحرك»، كما قال مسؤولون حاليون وسابقون للصحيفة.

ولفتوا إلى أن أكثر من ثلثي الحالات لا تزال دون حلّ، مع انتظار كثير من الردود من الحكومة الإسرائيلية، التي تستشيرها وزارة الخارجية للتحقق من ظروف كل حالة. ويقول منتقدو إمداد إدارة بايدن المستمر بالأسلحة لإسرائيل، التي دخلت الآن 13 شهراً من الحرب، التي أسفرت عن مقتل 43 ألف شخص، وفقاً للسلطات الصحية في غزة، إن التعامل مع هذه التقارير هو مثال آخر على عدم رغبة الإدارة في تحميل حليفها الوثيق المسؤولية عن الخسائر الفادحة في الصراع.

وقال جون رامينغ تشابيل، المستشار القانوني والسياسي الذي يركز على المساعدات الأمنية الأميركية ومبيعات الأسلحة في «مركز المدنيين في الصراعات»: «هم يتجاهلون الأدلة على الأذى والفظائع التي تلحق بالمدنيين على نطاق واسع للحفاظ على سياسة نقل الأسلحة غير المشروطة إلى حكومة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو».

وأضاف: «عندما يتعلق الأمر بسياسات الأسلحة التي تنتهجها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، فإن كل شيء يبدو جيداً على الورق، ولكنه أصبح بلا معنى في الممارسة العملية عندما يتعلق الأمر بإسرائيل».

رفضت وزارة الخارجية تفصيل حجم الحوادث قيد التحقيق. وقال مسؤول أميركي، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته بموجب المبادئ التوجيهية التي وضعتها الإدارة، إن الحكومة تتابع عن كثب الحوادث المحالة إلى وزارة الخارجية وتسأل الحكومة الإسرائيلية عنها.

وأسفرت غارة إسرائيلية، أمس (الثلاثاء)، على مبنى سكني عن مقتل أكثر من 90 شخصاً، بينهم 25 طفلاً، وفقاً لوزارة الصحة في غزة. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر إن الولايات المتحدة «تشعر بقلق عميق إزاء خسارة أرواح المدنيين»، وإن واشنطن تسعى إلى الحصول على «تفسير كامل».

وقال الجيش الإسرائيلي إنه «على علم بتقارير تفيد بإصابة مدنيين». ورفض أورين مارمورستين، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، مناقشة التحقيقات الأميركية أو جهود واشنطن للحد من إلحاق الضرر بالمدنيين. وقال في بيان: «كجزء من التحالف الوثيق بين إسرائيل والولايات المتحدة، هناك اتصال مستمر ووثيق مع واشنطن فيما يتصل بنضال إسرائيل ضد الهجمات الإرهابية ضد مواطنيها».

ويقول الجيش الإسرائيلي إنه يبذل «جهوداً كبيرة» لتجنب إلحاق الأذى بالمدنيين، ولكنه استشهد بوجود مقاتلي حركة «حماس» المختبئين بين المدنيين كمبرر لتنفيذ تفجيرات على المدارس والمستشفيات والمساجد والخيام. وتقول وزارة الصحة في غزة إن أغلب القتلى من النساء والأطفال.

في وقت سابق من هذا الشهر، أرسل وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع، لويد أوستن، رسالة إلى الحكومة الإسرائيلية، يهددان فيها بـ«تداعيات» سياسية إذا لم تسمح إسرائيل على الفور بدخول مزيد من المساعدات إلى غزة، حيث يقول الأطباء والمحللون إن الآلاف ماتوا جوعاً.

وقد فُسِّر التحذير على نطاق واسع على أنه يعني أن واشنطن قد تفكر في حجب نقل الأسلحة ما لم يتحسن الوضع الإنساني بشكل ملحوظ. وفي رسالتهما، أقرّ بلينكن وأوستن أيضاً بفشل الجهود الأميركية للتخفيف من الخسائر المدنية في إسرائيل. وكتبا: «من المهم أن تنشئ حكوماتنا قناة جديدة يمكننا من خلالها إثارة ومناقشة حوادث إلحاق الضرر بالمدنيين. ولم تسفر مشاركاتنا حتى الآن عن النتائج اللازمة». ومنحا إسرائيل 30 يوماً لتقديم النتائج، الأمر الذي من شأنه أن يؤخر أي إجراء حتى بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية الأسبوع المقبل.

إرشادات وزارة الخارجية بشأن الأضرار المدنية، التي كشفت عنها إدارة بايدن في أغسطس (آب) 2023، توجه الوزارة حول كيفية تقييم ما إذا كان أي جيش أجنبي قد انتهك أياً من مجموعة متنوعة من القوانين الأميركية وتقديم توصيات واضحة للعمل.

من خلال التحقيق في مثل هذه الحالات، يجب أن يكون المسؤولون قادرين على «تحديد التوصية وتوثيق الإجراءات التي يمكن للوزارة اتخاذها وستتخذها رداً على مثل هذه الحوادث»، وفقاً لوثيقة السياسة المكونة من 21 صفحة، التي حصلت الصحيفة على نسخة منها ولكن لم يتم الكشف عنها للعامة.

وشعر بعض المسؤولين الأميركيين والديمقراطيين في الكونغرس بالإحباط إزاء ميل وزارة الخارجية الواضح إلى الاعتماد على إسرائيل لإثبات الاتهامات الموجهة إليها. وقال مايك كيسي، الذي عمل في قضايا غزة في مكتب الشؤون الفلسطينية التابع لوزارة الخارجية في القدس، إن كبار المسؤولين يعطون الانطباع بشكل روتيني بأن هدفهم في مناقشة أي انتهاكات مزعومة من جانب إسرائيل هو التوصل إلى كيفية تأطيرها في ضوء أقل سلبية.

وأضاف أن كبار المسؤولين غالباً ما يرفضون مصداقية المصادر الفلسطينية، وروايات شهود العيان، والمنظمات غير الحكومية، والروايات الرسمية من السلطة الفلسطينية، حتى الأمم المتحدة. وقال المسؤول الأميركي، الذي تناول الأسئلة حول تعامل الإدارة مع هذه التقارير، إن وزارة الخارجية تأخذ في الاعتبار الأصوات الفلسطينية والإسرائيلية أثناء تقييمها مزاعم إلحاق الضرر بالمدنيين.

وقال أشخاص مطلعون على العملية إن ربع الحالات على الأقل تم رفضها في المرحلة الأولى من 3 مراحل تحقيقية، إما لأنها تعدّ غير موثوقة، أو لأنه لم يكن هناك ما يشير إلى استخدام الأسلحة الأميركية. وقد انتقلت الأغلبية إلى مرحلة «التحقق».

وقال السيناتور كريس فان هولين (ديمقراطي من ماريلاند)، الذي التقى بمسؤولي الإدارة في عدة مناسبات لمناقشة هذه القضية، إنه يشعر بالإحباط الشديد بسبب ما أسماه الافتقار إلى المتابعة. وقال فان هولين: «لا يوجد جدول زمني محدد للحصول على ردود على كثير من الاستفسارات المخصصة التي تم إجراؤها».

وقال بلينكن، في قطر الأسبوع الماضي، إن إدارة بايدن تركز بشدة على «التأكد من احترام معايير القانون الإنساني الدولي»، مضيفاً: «كل ما نركز عليه يتضمن التأكد، بأفضل ما في وسعنا، من احترام هذه المعايير، والعمل على تعظيم القدرة على حماية الناس والتأكد من حصولهم على المساعدة التي يحتاجون إليها».

وتعدّ إسرائيل أكبر متلقٍ تراكمي للمساعدات العسكرية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية، وقد قدّمت لها إدارة بايدن ما لا يقل عن 17.9 مليار دولار من المساعدات العسكرية في العام الماضي وحده، وفقاً لدراسة حديثة أجراها معهد «واتسون» للشؤون الدولية والعامة بجامعة براون.

ولكن على الرغم من تزايد القلق بين مسؤولي الإدارة والمشرعين بشأن سلوك إسرائيل في حرب غزة، فإن كل المساعدات العسكرية تقريباً، باستثناء شحنة متأخرة من القنابل التي يبلغ وزنها 2000 رطل، استمرت في التدفق دون انقطاع. ويقول المحللون إن وتيرة وحجم الأسلحة يعني أن الذخائر الأميركية تشكل جزءاً كبيراً من ترسانة إسرائيل، مع وجود أسطول من الطائرات الحربية المصنوعة في أميركا لتوصيل أثقل القنابل إلى أهدافها.

وقال ويليام د. هارتونغ، أحد مؤلفي تقرير معهد «واتسون» وخبير في صناعة الأسلحة والميزانية العسكرية الأميركية في معهد «كوينسي»: «من المستحيل تقريباً ألا تنتهك إسرائيل القانون الأميركي نظراً لمستوى المذبحة الجارية، وغلبة الأسلحة الأميركية».

ومن بين الحالات التي قُدِّمَت إلى وزارة الخارجية، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر، مقتل فتاة تبلغ من العمر 6 سنوات وعائلتها في سيارتهم في يناير (كانون الثاني)، مع العثور على قطع من قذيفة دبابة أميركية الصنع عيار 120 مليمتراً في مكان الحادث. وكانت هناك شظايا قنابل أميركية الصنع صغيرة القطر تم تصويرها في منزل عائلة وفي مدرسة تؤوي مدنيين نازحين، بعد أن قتلت الغارات الجوية في مايو (أيار) عشرات النساء والأطفال.