مواجهة نارية جمعت بين مرشحة الديمقراطيين كامالا هاريس ومنافسها الجمهوري دونالد ترمب، سعت خلالها هاريس وبعزم إلى تقديم نفسها مرشحةَ التغيير والمستقبل، مصممةً على استدراج خصمها إلى فخ الهجمات الشخصية عبر استفزازه واستهداف نقاط ضعفه. لكن ترمب، الذي كاد أن يقع في الفخ أكثر من مرة، حافظ على بعض التوازن الضروري لانتزاع دعم الفئة الانتخابية الأساسية التي يحتاج إليها المرشحان؛ الناخبون المستقلون، ليخرج من المناظرة معلناً فوزه ورافضاً المشاركة في مناظرة ثانية.
اليوم، وبعد انقشاع الغبار عن المناظرة الأولى، وربّما الأخيرة، بين هاريس وترمب، تتوجه الأنظار إلى تقييم الناخب الأميركي لأداء كل منهما. يستعرض برنامج تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، آراء الناخبين وما إذا تمكّن المرشحان من استقطاب أصوات المتردّدين عبر القضايا والحلول التي طُرحت.
من الفائز؟
يرى براد سامويلز، مراسل صحيفة «ذي هيل» في البيت الأبيض، أن هاريس «فازت بالجزء الأكبر من المناظرة»، مشيراً إلى أن الكثير من الأميركيين كانوا بانتظار أدائها للاطلاع أكثر على سياساتها والتعرف عليها مرشحةً. وأضاف سامويلز: «من الواضح أن خطة هاريس كانت تقتضي إخراج ترمب عن مساره، ووضع أفخاخ له. وأعتقد أنها نجحت بذلك، لكن النتيجة لم تكن كارثية بالنسبة إلى ترمب، والأرجح ألا تتغير النتائج بشكل جذري».
وتعترف أماندا ماكي، المرشحة الجمهورية السابقة في انتخابات فلوريدا النيابية، بأن أداء ترمب «لم يكن الأفضل، لكنّه بالتأكيد لم يكن الأسوأ»، على حدّ تعبيرها. وترى ماكي أن ترمب تصرف كالعادة على طبيعته، مضيفة: «هذا هو دونالد ترمب. فهو يتحدّث من القلب». وفي حين أشارت إلى أن أداء هاريس كان جيداً، إلا أن هذا لا يعني فوزها بأصوات الناخبين المترددين، «خصوصاً عندما يكون هناك قضايا حقيقية تُؤثّر على الأميركيين. وقد اختارت عدم التحدث عنها». وتابعت: «تملك خططاً واقتراحات عدّة، لكن منذ تسلمها مهامها نائبةً للرئيس لم تطبق أيّاً من تلك الخطط».
وتهُبّ لورين بيلور، الخبيرة الاستراتيجية الديمقراطية، للاعتراض على النقطة التي أثارتها ماكي. فتقول: «أولاً، تتمثّل وظيفة نائب الرئيس في أن يخدم مساعداً للرئيس، ولم يحدث قط في تاريخ الإدارات أن سألنا ماذا فعل نائب الرئيس حتى الآن. ثانياً، هاريس قررت الترشح في منتصف يوليو (تموز)، بينما علم ترمب أنه سيترشح منذ أكثر من عام ونصف العام. ومع ذلك، قال حرفياً خلال المناظرة إن لديه مفهوم خطة من دون وجود خطة واضحة».
ويقول سامويلز إنه لهذا السبب، فإن هاريس تسعى جاهدة لفصل نفسها عن بايدن، مشيراً إلى أنها مهمة صعبة؛ لأنها يجب أن تحرص في الوقت نفسه على عدم الظهور بمظهر المنتقد للرئيس الذي لا تزال تخدم نائبةً له. ويضيف: «لقد ذكرت أكثر من مرة: أنا لست جو بايدن، ولست دونالد ترمب. لذا نراها تحاول أن تكون حذرة فيما يتعلق بالسياسات، وتركز أكثر على فكرة أنها مرشحة أصغر سناً، وهي امرأة ملونة البشرة، وأنها تمثل جيلاً جديداً من القيادة. وبرأيي، تحاول التركيز على هذه النقاط لتفادي الأسئلة التي قد يطرحها الناخبون حول ما إذا كانت إدارتها ستكون امتداداً للسنوات الماضية ولإدارة بايدن».
تقلّب المواقف
من ناحيتها، تتهم ماكي، كغيرها من الجمهوريين، هاريس بتغيير مواقفها في ملفات عدة في سعيها للظهور بمظهر وسطي غير متشدد. وتذكر ملفات التكسير الهيدروليكي والأسلحة والحدود، مضيفة: «لا بأس من أن يغير المرء موقفه، لكن كيف يمكن أن يتغير موقفك حيال هذا العدد من القضايا؟ فهي الآن تدعم فكرة الجدار الحدودي، ووجوب حماية بلدنا. لكن، إذا كنت قيصر الحدود منذ البداية، ولم تقم بأي شيء، لا، بل منذ اليوم الأول قمت بالتراجع عن كل سياسات الهجرة التي حافظت على أمن أميركا تحت إدارة الرئيس ترمب، كيف يمكن لك أن تغير موقفك إلى موقف أكثر اعتدالاً؟».
وتدافع بيلور عن هاريس، مشيرة إلى أن تغييرها موقفها فيما يتعلق بالتكسير الهيدروليكي سببه أنها «تعلمت الكثير عن كيفية استخدام الطاقة النظيفة»، كما نفت أن تكون مواقفها تغيرت في قضية الحدود.
وهاجمت بيلور ترمب في قضية الإجهاض، ولفتت إلى تغييره مواقفه في هذا الشأن. وذكرت أنه عيّن 3 قضاة في المحكمة العليا؛ ما مهّد الطريق لإلغاء قانون «رو ضد وايد» الذي يحمي حقوق الإجهاض على النطاق الفيدرالي. وأضافت: «لقد رأينا منذ الانتخابات النصفية أن حقوق الإنجاب مهمة بالنسبة للناخبين. إن رأي النساء مهم جداً هنا»، في إشارة إلى أرقام الاستطلاعات التي أظهرت دعم غالبية النساء لمواقف هاريس من الإجهاض.
الاقتصاد والهجرة
يذكر سامويلز أن الاقتصاد سيشكل القضية الأهم بالنسبة إلى عدد كبير من الناخبين، مشيراً إلى أهمية الناخبين المستقلين في هذه الانتخابات المتقاربة. ورأى أن ترمب لم يقم بما فيه الكفاية خلال المناظرة لتسليط الضوء على هذه القضية، وتوجيه اللوم لإدارة بايدن - هاريس في ارتفاع الأسعار مثلاً، مشيراً إلى أنه «خرج عن مساره» أكثر من مرة.
أما في قضية الهجرة، التي تتصدر أيضاً اهتمامات الناخب الأميركي، يشير سامويلز إلى أن الجمهوريين ينظرون إليها بصفتها نقطة قوة بالنسبة إليهم، ونقطة ضعف بالنسبة لحملة هاريس. إذ تُشير أرقام الاستطلاعات إلى أن أغلبية الأميركيين يعدُّون أن سياسات ترمب حيال أمن الحدود أفضل من سياسات هاريس، مضيفاً: «أعتقد أن هذه ستكون قضية ستستمر حملة ترمب باستخدامها ضدها، فقد أشاروا إلى حالات حيث قام مهاجرون غير شرعيين بقتل أميركيين، وإلى كل أنواع الجرائم التي تتخطى الحدود مع ربطها بهاريس وبوضع الهجرة. إذن، بالطبع ستستمر حملة ترمب بالتكلم عن هذه القضية، خصوصاً في ولايات مثل أريزونا والولايات الحدودية (...) ولا شك أن هاريس ستضطر إلى مواجهة هذه الهجمات في المستقبل».
وهذا بالفعل ما يركز عليه الجمهوريون، كماكي التي تحدثت عن جرائم ارتكبها بعض المهاجرين غير الشرعيين، مضيفة: «إن الشخص المسؤول عن الحدود حالياً، والذي لم يقم بأي شيء لضمان الأمن على الحدود، لا، بل ألغى سياسات إدارة ترمب التي صُممت للمحافظة على أمن الشعب، يجب أن يتحمل اللوم. وهذا الشخص هو كامالا هاريس».
لكن بيلور تحذّر من تصريحات من هذا النوع، منتقدة تصريح ترمب خلال المناظرة حين اتهم المهاجرين غير القانونيين بأكل الكلاب والقطط، وترى أن تصريحات كهذه من شأنها أن تعدّ تحريضاً على العنف وعلى استهداف المهاجرين، مضيفة: «ترمب نفسه حرّض على الجريمة وكان ذلك على مرأى الجميع، رأينا ذلك في 6 يناير (كانون الثاني) (اقتحام الكابيتول). ثم رأينا ارتفاع الجرائم ضد المهاجرين من هايتي منذ التعليق خلال المناظرة بأن المهاجرين يأكلون الحيوانات الأليفة، وهو أمر نعلم جميعاً أنه غير صحيح أبداً».