ترمب يراجع استراتيجيته الانتخابية بعد اتّساع القلق من صعود هاريس

مستشاروه ينصحونه بالتركيز على السياسات وتخفيف «الإهانات»

ترمب يتفاعل مع أنصاره خلال فعالية انتخابية بأريزونا 23 أغسطس (د.ب.أ)
ترمب يتفاعل مع أنصاره خلال فعالية انتخابية بأريزونا 23 أغسطس (د.ب.أ)
TT

ترمب يراجع استراتيجيته الانتخابية بعد اتّساع القلق من صعود هاريس

ترمب يتفاعل مع أنصاره خلال فعالية انتخابية بأريزونا 23 أغسطس (د.ب.أ)
ترمب يتفاعل مع أنصاره خلال فعالية انتخابية بأريزونا 23 أغسطس (د.ب.أ)

تصاعدت في الأيام الأخيرة مخاوف كثير من مؤيدي المرشح الجمهوري، الرئيس السابق دونالد ترمب، من احتمال خسارته والحزب الجمهوري، ليس الانتخابات الرئاسية فحسب، بل انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب كذلك. وتعززت هذه المخاوف بعد ما عُدّ نجاحاً حقّقه الديمقراطيون في توحيد حزبهم، وموجة الحماس التي أعادوا إطلاقها لدى ناخبيهم، ما يُحتّم على ترمب القيام بتغيير استراتيجية حملته وترميم علاقاته مع معارضيه داخل حزبه الجمهوري، وأسلوبه في مهاجمة المرشحة الديمقراطية نائبة الرئيس كامالا هاريس.

إقرار بحجم التحدي

نقلت وسائل إعلام عدة عن مقربين من الرئيس السابق أن ترمب أشار في مجالسه الخاصة إلى أنه يدرك أنه قد يخسر في نوفمبر (تشرين الثاني) إذا لم يُغيّر نهجه بشكل كبير في التعامل مع السباق. ويقول هؤلاء إن احتمالات عودته إلى البيت الأبيض لم تعد مشرقة كما كانت قبل ما يزيد قليلاً على شهر، عندما كان يحتفل مع الجمهوريين في مؤتمرهم بميلووكي، وتصاعد تأييده بعد محاولة اغتياله، وتمسك بايدن بالترشح، قبل تخليه عن ذلك لمصلحة هاريس.

لكن اليوم، ومع صعود أرقامها في استطلاعات الرأي والتغطية الإخبارية الإيجابية لترشيحها، يشعر ترمب وفريقه بالقلق. ويطالبه مؤيدوه بالتوقف عن «هوسه» بأحجام الحشود والهجمات الشخصية على هاريس، والتركيز بدلاً من ذلك على السياسة وسجلها نائبة لبايدن. وفي الوقت نفسه، كان مستشاروه يضعون بشكل خاص استراتيجيات حول كيفية توسيع نطاق جاذبيته لدى الناخبين وتعزيز الدعم بين كبار الحلفاء.

ويبدو أن ترمب قد بدأ فعلاً في تغيير بعض سياسات حملته، حيث أعلن هذا الأسبوع أنه لن يطبق قانون «كومستوك» الذي يحظر تسليم حبوب الإجهاض عبر البريد، وهو ما كان يرفض الالتزام به سابقاً. ويوم الجمعة، كتب على منصّته «تروث سوشيال» أن إدارته «ستكون عظيمة للنساء وحقوقهن الإنجابية»، مستخدماً مصطلحاً شائعاً بين الناشطين في مجال حقوق الإجهاض، في محاولة واضحة لجذب الناخبين المعتدلين، على الرغم من أنه تعرض على الفور لانتقادات المناهضين للإجهاض.

ترميم العلاقات مع معارضيه

أعلن كينيدي دعمه لحملة ترمب خلال فعالية انتخابية بأريزونا في 23 أغسطس (إ.ب.أ)

بعد أن طلب منه المستشارون والحلفاء التركيز بشكل أكبر على السياسة، شرع في جولة استمرت أسبوعاً في الولايات المتأرجحة التي قد تحسم السباق. وعمل على كسب تأييد المرشح المستقل روبرت كيندي جونيور، الذي أعلن يوم الجمعة أنه سيعلق حملته الرئاسية ليدعم ترمب.

وبدا أن جهود كثير من الجمهوريين نجحت خصوصاً في إعادة ترميم علاقة ترمب بحاكم ولاية جورجيا، الجمهوري بريان كيمب، الذي يحظى بشعبية كبيرة في هذه الولاية الحاسمة. وأثارت انتقادات ترمب العلنية لكيمب، على خلفية رفض الأخير إعادة عد الأصوات في ولايته عام 2020، مخاوف جدية بين الجمهوريين من أن الرئيس السابق كان يخاطر بخسارة 16 صوتاً من أصوات المجمع الانتخابي. وساهم في ترميم هذه العلاقة شون هانيتي، مقدّم البرامج الشهير على محطة «فوكس نيوز»، الذي استضاف كيمب، يوم الخميس، وقيام الأخير بالتشديد على أهمية فوز الجمهوريين وعلى «الحاجة إلى إعادة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض». ودعا هانيتي مع السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام وآخرين، ترمب، إلى ضرورة إعادة تركيز حملته. وقال هانيتي حول خلافه مع كيمب: «نحن على بُعد 40 يوماً من التصويت المبكر، وليس لدينا وقت لذلك». وأوضحت كيليان كونواي، مستشارة ترمب السابقة في المقابلة مع هانيتي، أن «الصيغة الفائزة» هي «إهانات أقل، والمزيد من الأفكار». فيما نصح المرشح الرئاسي الجمهوري السابق، فيفيك راماسوامي، ترمب، أيضاً، بـ«تحويل التركيز إلى السياسة»، حسب تصريحاته لصحيفة «بوليتيكو».

ترمب متمسك بطريقته

أنصار ترمب يحملون لافتات «كامالا الكاذبة أنت مطرودة» خلال فعالية انتخابية بأريزونا 23 أغسطس (رويترز)

رغم ذلك، لا يزال ترمب يرفض الكثير من نصائح مساعديه، ويُقوّض الكثير من رسائله بسلسلة من التصريحات غير الرسمية، والأحاديث الصاخبة والأخطاء الفادحة التي هدّدت بإذكاء هذا النوع من القلق الجمهوري. ويوم الاثنين في ولاية بنسلفانيا، حاول توضيح تعليق سابق قال فيه إنه يعتقد أن وسام الحرية الرئاسي، الذي يكرم المدنيين، «أفضل بكثير» من وسام الشرف الممنوح للعسكريين. ويوم الثلاثاء في ولاية ميشيغان، ادعى أن كامالا هاريس فازت بترشيح الحزب الديمقراطي بعد «الإطاحة الشريرة والعنيفة بالرئيس» بايدن، واصفاً مدينة شيكاغو، التي استضافت المؤتمر الديمقراطي، بأنها «منطقة حرب أسوأ من أفغانستان». كما رفض علناً نصيحة الحلفاء بالحدّ من هجماته الشخصية على هاريس وغيرها من الديمقراطيين، خلال خطاب ألقاه يوم الأربعاء في ولاية كارولينا الشمالية. ووصفها في ولاية أريزونا بأنها شخص «كسول».

ولم يمنع ذلك بعض المقربين من ترمب من التعبير عن رضاهم عن أدائه الأسبوع الماضي. وركّزت أجزاء من خطاباته على السياسة، أوضح فيها نقاطه حول الدعوة إلى خفض الضرائب، وإلغاء القيود التنظيمية، وإنتاج الوقود الأحفوري المحلي، وهو ما يعدّه حلفاؤه حاسماً لتحقيق النصر.

ولا يزال السباق متقارباً على المستوى الوطني، وفي الولايات التي تشهد منافسة، وفقاً لمتوسط استطلاعات الرأي التي أجرتها صحيفة «نيويورك تايمز». ونقلت الصحيفة عن ديفيد أوربان، المستشار السياسي لترمب، قوله إن الرئيس السابق أظهر تحسّناً كبيراً هذا الأسبوع، في دليل على أنه يركز على الديناميكيات الجديدة في السباق. وأضاف: «سيكون سباقاً صعباً بلا شك، ولكن إذا تحدث فقط عن القضايا الكبرى؛ الاقتصاد والتضخم والهجرة والجريمة، فإننا سنفوز».

لكن ترمب أوضح في تصريحات صحافية أنه على الرغم من الدعوات للتركيز على القضايا، فإنه «يعتقد أنه بالنسبة إلى ما يفعله الديمقراطيون، ومدى تطرفهم، ومدى مرضهم، فهو يقوم بحملة هادئة للغاية».


مقالات ذات صلة

حال إعادة انتخابه... ترمب يتعهد بنشر وثائق عن اغتيال جون كينيدي

الولايات المتحدة​ المرشح الرئاسي الجمهوري السابق روبرت ف. كينيدي جونيور يصافح المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترمب (أ.ف.ب)

حال إعادة انتخابه... ترمب يتعهد بنشر وثائق عن اغتيال جون كينيدي

أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في تجمع انتخابي في ولاية أريزونا أمس أنه سينشئ لجنة رئاسية مستقلة للنظر في محاولات الاغتيال.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ روبرت ف. كينيدي جونيور (أ.ب)

روبرت كينيدي ينسحب من السباق الرئاسي الأميركي ويدعم ترمب

قرر روبرت ف. كينيدي جونيور، الجمعة، الانسحاب من السباق الرئاسي الأميركي، معلناً دعمه المرشح الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب.

الولايات المتحدة​ المرشحة الرئاسية الديمقراطية كامالا هاريس خلال المؤتمر الوطني الديمقراطي يوم 22 أغسطس 2024 في شيكاغو (أ.ب)

خطاب هاريس لقبول الترشيح «واحد من الأقصر في التاريخ»... وترمب «الأطول»

حظي خطاب كامالا هاريس لقبول ترشيح الحزب الديمقراطي لخوض سباق الانتخابات الرئاسية، اهتماماً واسعاً، ألهبت خلاله حماس المشاركين في ختام المؤتمر الوطني بشيكاغو.

هبة القدسي (واشنطن)
الولايات المتحدة​ المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترمب يزور أريزونا (أ.ف.ب)

«وظيفتي خطرة»... ترمب يعلق على اعتقال رجل هدده بالقتل في أريزونا

رد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب على عملية مطاردة أطلقها مسؤولو إنفاذ القانون، الخميس، بعد أن هدد رجل من ولاية أريزونا بقتل المرشح الرئاسي الجمهوري.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس في المؤتمر الوطني الديمقراطي في شيكاغو (أ.ب)

هاريس تطلق مسيرتها الرئاسية بالتحذير من «خطورة» انتخاب ترمب

رسمت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس بخطاب قبول ترشيحها الرئاسي في المؤتمر الوطني الديمقراطي ملامح سياسة قوية حيال إيران ومنح الفلسطينيين حق تقرير المصير.

علي بردى (شيكاغو)

هاريس نجحت في الحفاظ على «وحدة الحزب» رغم الخلاف حول دعم إسرائيل

حظيت هاريس بدعم واسع خلال المؤتمر الوطني الديمقراطي (أ.ف.ب)
حظيت هاريس بدعم واسع خلال المؤتمر الوطني الديمقراطي (أ.ف.ب)
TT

هاريس نجحت في الحفاظ على «وحدة الحزب» رغم الخلاف حول دعم إسرائيل

حظيت هاريس بدعم واسع خلال المؤتمر الوطني الديمقراطي (أ.ف.ب)
حظيت هاريس بدعم واسع خلال المؤتمر الوطني الديمقراطي (أ.ف.ب)

على الرغم من الاعتراضات التي أثارها التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي على سياسات إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تجاه الحرب في غزة، بدا أن نائبته كامالا هاريس التي حصلت على ترشيح مؤتمر الحزب، قد نجحت في منع حدوث تداعيات على وحدته. وكشفت الحرب في غزة عن بعض من أسوأ الخلافات التي واجهها الحزب، حيث أنفقت الجماعات المؤيدة لإسرائيل مبالغ ضخمة لهزيمة بعض أبرز أعضاء مجلس النواب الليبراليين في الانتخابات التمهيدية. وواجه بايدن مراراً وتكراراً المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين في فعاليات الحملة الانتخابية قبل انسحابه من السباق.

هاريس تتجنب الخلاف

تسعى هاريس لإنهاء الخلاف داخل حزبها حول حرب غزة (د.ب.أ)

وتجنبت هاريس ما كان يمكن أن يكون انقساماً كبيراً خلال تأكيد ترشيحها، والذي كان من شأنه أن يكشف عن انقسامات عميقة داخل الحزب. وبدا من خلال أعمال المؤتمر أن هاريس قد لا تدفع الثمن الانتخابي نفسه للحرب في غزة، الذي دفعه بايدن عندما كان مرشحاً. ورغم أنها مثل بايدن، تؤمن «بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، ولا تدعم حظر الأسلحة عليها، لكن كبار قادة التيار التقدمي وغيرهم من القادة المؤيدين للفلسطينيين في شيكاغو، قالوا إنهم يتوقعون أن تسلك مساراً مختلفاً في السياسة الخارجية عن بايدن إذا تم انتخابها. وحرصت هاريس على الدعوة بعبارات قوية إلى الحاجة إلى وقف إطلاق النار، والاعتراف باليأس حيال المعاناة المروعة التي يقاسيها الشعب الفلسطيني في غزة.

احتجاجات «متواضعة»

وبدا أن هاريس قد حظيت بفرصة من قبل الجناح المؤيد للفلسطينيين، عبّرت عنه ضآلة أعداد المتظاهرين، و«تنصل» بعض قادة التيار التقدمي من دعمهم، ما انعكس على حجم الاحتجاجات التي كان من الممكن أن تشكل ضربة لجهودها في إظهار أن الحزب موحد. غير أن منع أحد أعضاء الحزب الديمقراطي من الأميركيين الفلسطينيين من الإدلاء بخطاب في اليوم الأخير من أعمال المؤتمر، أسوة بوالدي أحد الرهائن الأميركيين الإسرائيليين في غزة، قوبل باحتجاج «متواضع» خارج قاعة المؤتمر في شيكاغو، وبإعلان بعض المندوبين من أنهم سيبقون «غير ملتزمين» بدعم هاريس في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

ونقلت وسائل إعلام أميركية عدة عن مسؤولين ديمقراطيين قولهم إن قادة الحزب كانوا يشعرون بالقلق من أن خطاباً أمام المؤتمر، يتناول الحرب في غزة من شأنه أن يهز «الوحدة» التي كانت حاضرة طوال الحدث.

«غير الملتزمين» على موقفهم

جانب من مظاهرة ضد حرب غزة في شيكاغو 22 أغسطس (أ.ب)

وقال عباس علوية، المندوب الديمقراطي «غير الملتزم» من ولاية ميشيغان وزعيم «الحركة الوطنية غير الملتزمة»، في مقطع فيديو، إن هاريس والرئيس بايدن وفريقيهما على علم بطلب المندوبين غير الملتزمين بتعيين متحدث أميركي من أصل فلسطيني للتحدث أمام المؤتمر. واقترحت الحركة متحدثين، من بينهم النائبة عن ولاية جورجيا رؤى رومان، والنائب عن ولاية إلينوي عبد الناصر رشيد، والدكتورة تانيا حاج حسن طبيبة رعاية الأطفال التي عالجت المرضى في غزة، بحسب صحيفة «واشنطن بوست». وقال علوية إن قادة الحزب رفضوا ذلك، منتقداً «الحزب الذي لا ينبغي له إسكات أصوات الناس، حتى عندما تكون لدينا خلافات حول السياسة».

وفيما حاول أعضاء التيار التقدمي في الكونغرس مواصلة الضغط من أجل تغيير برنامج الحزب لمراعاة مطالب المندوبين غير الملتزمين، وتجنب إبعاد الناخبين الشباب والتقدميين، قالت «الحركة الوطنية غير الملتزمة» على موقعها على الإنترنت: «لا يمكننا أن نتحمل خيبة أمل هذه القاعدة أو نفورها بشكل دائم في نوفمبر».

ورغم ذلك، أشار الناشطون المؤيدون للفلسطينيين إلى فوز بسيط في المؤتمر، فقد وفرت اللجنة الوطنية الديمقراطية مساحة للجنة رسمية يوم الاثنين حول حقوق الإنسان الفلسطيني. وخففوا من انتقاداتهم لهاريس قائلين: «إنها متعاطفة بشكل لا يصدق مع الفلسطينيين»، مطالبين بأن يتحول التعاطف إلى سياسة. كما أن العديد من ممثلي التيار التقدمي، رفضوا أن تكون الانتخابات مبنية على «قضية واحدة»، مركزين على خطر واحد: «عودة ترمب إلى البيت الأبيض».