ما خيارات أوكرانيا بعد نجاح هجومها المفاجئ على روسيا؟

باحثون أميركيون لـ«الشرق الأوسط»: صداع كبير لبوتين قد يغير سردية الحرب

جنود أوكرانيون على ظهر دبابة في منطقة سومي بالقرب من الحدود مع روسيا (رويترز)
جنود أوكرانيون على ظهر دبابة في منطقة سومي بالقرب من الحدود مع روسيا (رويترز)
TT

ما خيارات أوكرانيا بعد نجاح هجومها المفاجئ على روسيا؟

جنود أوكرانيون على ظهر دبابة في منطقة سومي بالقرب من الحدود مع روسيا (رويترز)
جنود أوكرانيون على ظهر دبابة في منطقة سومي بالقرب من الحدود مع روسيا (رويترز)

أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، أنّ الجيش «يعزّز» مواقعه في منطقة كورسك، بعد أكثر من عشرة أيام على بدء هجوم كبير تشنّه القوات الأوكرانية على الأراضي الروسية. وقال زيلينسكي على «تلغرام» بعد اجتماع مع القائد الأعلى للجيش الأوكراني: «الجنرال (أولكسندر) سيرسكي أفاد بتعزيز مواقع قواتنا في منطقة كورسك، وتوسيع نطاق المنطقة المؤمنة».

جنود أوكرانيون في منطقة سومي بالقرب من الحدود مع روسيا (رويترز)

وأظهر ضعف الرد الروسي وتأخره على الهجوم الأوكراني المفاجئ على كورسك، أن كييف ربما تكون قد حققت ما أرادت الوصول إليه من هذا الهجوم. ومع تجاوز القوات الأوكرانية الدفاعات الروسية واتجاهها إلى منطقة بيلغورود المجاورة، بدا أن الضغط قد تعمق على القيادة الروسية، خصوصاً أن الضحايا من الجنود الروس الذين سقطوا في المعارك، أو الذين يدافعون عن بيلغورود، هم من مجنّدي التعبئة العامة عديمي الخبرة.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماعه مع أعضاء في مجلس الأمن القومي الروسي في نوف أوغاريوفو خارج موسكو الجمعة (إ.ب.أ)

يقول جون هاردي، كبير الباحثين في الشأن الروسي في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن، إنه من المؤكد أن الهجوم يمثل صداعاً كبيراً للرئيس الروسي. وقال في حديث مع «الشرق الأوسط»، إن فشل روسيا في الدفاع عن حدودها وتقديم المساعدة الكافية للسكان المدنيين المتضررين، يقوض صورته (بوتين) ويغذي الاستياء. كما يعد أسر أوكرانيا أعداداً كبيرة من المجندين الروس قضية حساسة بالنسبة للكرملين، وكذلك لخطته المعلنة لنشر المزيد من المجندين لمواجهة الهجوم. (على عكس الجنود المحترفين والمتعاقدين، ليس من المفترض أن يضطر المجندون الشباب الذين يقضون سنة واحدة من الخدمة العسكرية الإجبارية، للقتال في الحرب، كما وعد بوتين في السابق).

وفي إشارة إلى الجنود الروس الذين أسرتهم أوكرانيا، قال زيلينسكي: «بدءاً من هذا الصباح، قمنا بتجديد صندوق التبادل لبلدنا». وأضاف: «أشكر جميع الجنود والقادة الذين يأسرون جنوداً روساً، وبالتالي يجعلون إطلاق جنودنا ومدنيينا المحتجزين لدى روسيا أقرب».

خلق معضلة لموسكو

حتى الآن، لا تزال الأهداف النهائية للهجوم الأوكراني غير واضحة. لكن المسؤولين الأميركيين، يقولون إنهم على اتصال مستمر مع المسؤولين الأوكرانيين، في محاولة «لفهم أفضل لتلك العملية». وقال المسؤولون الأوكرانيون إنهم أبلغوا كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين الأميركيين، إنها تهدف إلى خلق معضلة عملياتية للروس؛ لإجبار موسكو على تحويل قواتها التي تحرز منذ أسابيع تقدماً بطيئاً ولكنه ثابت، عن الخطوط الأمامية في منطقة دونيتسك شرق أوكرانيا.

وقال جون كيربي، منسق الاتصالات الاستراتيجية لمجلس الأمن القومي، إن روسيا بدأت في نشر قواتها في كورسك، رغم أنه لم يحدد من أين أتت تلك القوات.

رجال إطفاء يعملون على إخماد حريق في مركز تجاري تعرض لقصف أوكراني في دونيتسك (رويترز)

ورفض كيربي إعطاء تقييم للعملية الأوكرانية، لكنه قال إن الولايات المتحدة تراقب كيفية رد فعل روسيا وإعادة نشر قواتها. وقال: «في غضون ذلك، سنواصل التأكد من أن أوكرانيا تمتلك الأسلحة والقدرات التي تحتاج إليها للدفاع عن نفسها، وسنواصل التحدث مع الأوكرانيين».

من ناحيتها، أكدت نائبة المتحدث باسم «البنتاغون»، سابرينا سينغ، أن وزير الدفاع لويد أوستن، تحدث مع نظيره الأوكراني، رستم أوميروف، «في محاولة للحصول على فهم أفضل لأهدافهم». وأضافت أن هناك بعض الدلائل على أن الهجوم الأوكراني في روسيا يجذب القوات الروسية بعيداً عن المقاطعات الشرقية من أوكرانيا، مشيرة إلى أن هناك تقارير أولية عن تحرك بعض الوحدات الروسية نحو كورسك.

نوعية الأسلحة وشروطها لم تتغيرا

وفيما يواصل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي المطالبة بالسماح لقواته في استخدام أسلحة بعيدة المدى لضرب تجمعات القوات في عمق الأراضي الروسية، وهو ما تتهمه به موسكو اليوم، قالت سينغ إن نوعية الأسلحة وشروط استخدامها لم تتغيرا، لكنهما لم تَعُودا كما كانتا منذ بداية الغزو الروسي في فبراير (شباط) 2022.

وقالت إن الطيارين الأوكرانيين باتوا يحلقون الآن بطائرات «إف - 16»، وتلقى جنود المشاة تدريباً متطوراً، ويقودون دبابات «ليوبارد» الألمانية و«أبرامز» الأميركية والمزيد. وأضافت: «لقد رأيتمونا نعدل ونمنح قدرات مختلفة بمرور الوقت، ونحن نحتفظ بهذا الحق في الاستمرار في القيام بذلك».

جسر فوق نهر سيم تم تدميره في منطقة كورسك (صورة من مقطع فيديو بثته جهة أخرى وأعادت نشره وكالة رويترز)

وتواصل موسكو اتهام واشنطن وحلف «الناتو»، بأنهم يقفون وراء الهجوم الأوكراني وتنسيقه، محذرة من أنه قد يؤدي إلى اندلاع حرب عالمية.

قالت وزارة الخارجية الروسية إن أوكرانيا استخدمت صواريخ غربية من المرجح أنها أميركية الصنع من طراز «هيمارس» لتدمير جسر فوق نهر سيم في منطقة كورسك، مما أسفر عن مقتل متطوعين كانوا يحاولون إجلاء مدنيين.

وقالت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، في ساعة متأخرة من مساء الجمعة، على «تلغرام»: «للمرة الأولى، تعرضت منطقة كورسك لقصف بقاذفات صواريخ غربية الصنع، من طراز هيمارس الأميركي على الأرجح». وأضافت: «نتيجة للهجوم على الجسر فوق نهر سيم في منطقة جلوشكوفو، تم تدميره بالكامل، وقتل متطوعون كانوا يساعدون سكاناً مدنيين ممن جرى إجلاؤهم».

يقول مايكل أوهانلن، كبير الباحثين في معهد بروكينغز في واشنطن، إن أوكرانيا هي التي اتخذت هذا القرار. وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن كييف اتخذت قراراً بتغيير سردية الحرب والزخم وخلق نفوذ في أي مفاوضات مستقبلية. وأضاف: «هذه فكرتها وليست فكرة واشنطن، ومع ذلك، هي فكرة جيدة، ولكنها ليست تغييراً أساسياً في قواعد اللعبة أيضاً».

جندي أوكراني يلقم ذخائر على دبابة في منطقة سومي بالقرب من الحدود مع روسيا (أ.ف.ب)

من ناحيته، يقول هاردي، مما لا شك فيه أن الرئيس بوتين غاضب، لكن تهديداته هي مجرد خطاب، وما زلت أعتقد أنه لن يشن هجوماً عسكرياً على إحدى دول حلف شمال الأطلسي. ومع ذلك، قد تقوم موسكو بتصعيد حملتها الأخيرة من التخريب وغيرها مما يسمى بـ«الإجراءات النشطة» ضد الغرب.

أوكرانيا نفسها بدت مندهشة من مدى النجاح الأولي الذي حققته العملية، وهي المرة الأولى التي تتعرض فيها روسيا، القوة النووية، لغزو منذ الحرب العالمية الثانية. ويقول هاردي: «هناك بُعد مهم آخر يتمثل في التأثير الذي خلّفه الهجوم على روسيا. ربما كان أحد أهدافه رفع الروح المعنوية وإعادة تنشيط الثقة والدعم الغربيين، وتغيير السرد السلبي الذي ساد منذ فشل هجوم أوكرانيا عام 2023».

خيارات كييف ومعضلاتها

وفيما يرى المراقبون أن أمام أوكرانيا العديد من الخيارات؛ من بينها مواصلة التوغل داخل روسيا، أو البدء في حفر الخنادق في الأراضي التي يسيطرون عليها الآن ومحاولة الدفاع عنها، أو، بعد تعرضهم للخسائر المستمرة في شرق أوكرانيا، فقد يقررون أنهم أوضحوا للغرب، ولروسيا، أنها ليست دولة لا تقهر، وفي هذه الحالة، يمكنهم الانسحاب بعد ذلك.

لكن العملية خلقت أيضاً نقطة ضعف بالنسبة لكييف التي اضطرت لنقل بعض جنودها الأكثر تدريباً والمتمرسين في القتال من خط المواجهة الذي يبلغ طوله ألف كيلومتر في شرق وجنوب أوكرانيا إلى كورسك. وقد أدى ذلك إلى إضعاف مواقعها في شرق أوكرانيا. وقال معهد دراسات الحرب، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن، إن القوات الروسية حققت مكاسب نحو بلدة توريتسك الواقعة على خط المواجهة، والتي سيسهل الاستيلاء عليها الطريق أمام القوات الروسية في منطقة دونيتسك شرق أوكرانيا.

لكن زيلينسكي أكد أنّ الوضع على الجبهة الشرقية لأوكرانيا قرب بلدتي بوكروفسك وتوريتسك كان «تحت السيطرة»، وذلك بعدما أفادت روسيا بأنّها حقّقت تقدّماً كبيراً باتجاههما في الأسابيع الأخيرة. وقال الرئيس الأوكراني: «(كانت هناك) عشرات الهجمات الروسية على مواقعنا في اليوم الماضي. لكنّ جنودنا يبذلون كلّ ما في وسعهم لتدمير المحتل وصدّ الهجمات».

مركز تفتيش حدودي روسي تعرض للدمار في الهجوم الأوكراني على منطقة كورسك الروسية (إ.ب.أ)

يقول هاردي إن السيطرة على الأراضي الروسية من شأنها أن تمنح أوكرانيا المزيد من النفوذ في محادثات السلام السياسية. ومن الممكن أن تحاول كييف مقايضتها بالأراضي الأوكرانية. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح إلى متى ستكون قادرة على الاحتفاظ بالأراضي الروسية. وبدلاً من محاولة مقايضة الأراضي في نهاية الحرب، يمكنها القيام بمفاوضات محدودة على المدى القريب لمقايضتها بالمنطقة الواقعة في شمال خاركيف التي استولت عليها روسيا في مايو (أيار) ولكن في الوقت الحاضر، لا أعتقد أن الكرملين قد يوافق على مثل هذه الصفقة.


مقالات ذات صلة

قمة «كوب29» تتوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لتمويل المناخ

العالم كان من المقرر اختتام قمة «كوب29» أمس الجمعة لكنها امتدت لوقت إضافي (رويترز)

قمة «كوب29» تتوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لتمويل المناخ

اتفقت دول العالم بعد أسبوعين من المفاوضات الشاقة، على هدف تمويل سنوي بقيمة 300 مليار دولار لمساعدة الدول الأكثر فقراً على مواجهة آثار تغير المناخ.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الولايات المتحدة​ بروك رولينز مرشحة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لمنصب وزير الزراعة (أ.ب)

ترمب يرشح المعاونة السابقة بالبيت الأبيض بروك رولينز لمنصب وزير الزراعة

قال الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إنه سيرشح المعاونة السابقة بالبيت الأبيض بروك رولينز لشغل منصب وزير الزراعة في إدارته المقبلة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم أسلحة (أ.ب)

السجن 4 سنوات لأميركي باع أجزاء من أسلحة بشكل غير قانوني لأشخاص في إسرائيل

قالت شبكة «فوكس 32» شيكاغو إن رجلاً من مدينة بالوس هيلز الأميركية حُكم عليه بالسجن لمدة أربع سنوات تقريباً بتهمة شحن أجزاء من أسلحة بشكل غير قانوني

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ وزير الدفاع الإسرائيلي لويد أوستن (إ.ب.أ)

أوستن يؤكد لكاتس أهمية ضمان أمن الجيش اللبناني والـ«يونيفيل»

أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أن الوزير لويد أوستن تحدث مع نظيره الإسرائيلي يسرائيل كاتس، اليوم (السبت).

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد الملياردير إيلون ماسك يظهر أمام الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)

إيلون ماسك أكثر ثراءً من أي وقت مضى... كم تبلغ ثروته؟

أتت نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024 بفوائد على الملياردير إيلون ماسك بحسب تقديرات جديدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

أوستن يؤكد لكاتس أهمية ضمان أمن الجيش اللبناني والـ«يونيفيل»

وزير الدفاع الإسرائيلي لويد أوستن (إ.ب.أ)
وزير الدفاع الإسرائيلي لويد أوستن (إ.ب.أ)
TT

أوستن يؤكد لكاتس أهمية ضمان أمن الجيش اللبناني والـ«يونيفيل»

وزير الدفاع الإسرائيلي لويد أوستن (إ.ب.أ)
وزير الدفاع الإسرائيلي لويد أوستن (إ.ب.أ)

أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أن الوزير لويد أوستن تحدث مع نظيره الإسرائيلي يسرائيل كاتس، اليوم (السبت).

وأضافت الوزارة في بيان عن المكالمة: «شدد الوزير أوستن على أهمية ضمان سلامة وأمن القوات المسلحة اللبنانية وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)».

كما أكد وزير الدفاع الأميركي التزام بلاده بالتوصل لحل دبلوماسي في لبنان يسمح للمدنيين الإسرائيليين واللبنانيين بالعودة بأمان إلى منازلهم.

يأتي ذلك بعدما شنَّت إسرائيل سلسلة غارات، منذ فجر اليوم، على بيروت وضاحيتها الجنوبية؛ ما أدى إلى تدمير مبنى سكني بصورة تامة ومقتل ما لا يقل عن 11 شخصاً بحسب السلطات اللبنانية، فيما تتواصل الحرب بين الدولة العبرية و«حزب الله» رغم الجهود الدولية المبذولة بهدف التوصل إلى وقف إطلاق النار.

وتؤكد إسرائيل عزمها على إبعاد «حزب الله» عن حدودها لمنعه من مواصلة إطلاق الصواريخ عليها.