«مؤلمة»... أول صورة تُنشر لسجين «سي آي إيه» من «المواقع السوداء»

البلوشي بجسده النحيل تبدو عليه علامات سوء التغذية من سجن خارجي

عمار البلوشي يظهر بجسده العاري النحيل الذي تبدو عليه علامات سوء التغذية... ويرجع تاريخ التقاط الصورة إلى عام 2004 تقريباً داخل أحد السجون في الخارج (نيويوك تايمز)
عمار البلوشي يظهر بجسده العاري النحيل الذي تبدو عليه علامات سوء التغذية... ويرجع تاريخ التقاط الصورة إلى عام 2004 تقريباً داخل أحد السجون في الخارج (نيويوك تايمز)
TT

«مؤلمة»... أول صورة تُنشر لسجين «سي آي إيه» من «المواقع السوداء»

عمار البلوشي يظهر بجسده العاري النحيل الذي تبدو عليه علامات سوء التغذية... ويرجع تاريخ التقاط الصورة إلى عام 2004 تقريباً داخل أحد السجون في الخارج (نيويوك تايمز)
عمار البلوشي يظهر بجسده العاري النحيل الذي تبدو عليه علامات سوء التغذية... ويرجع تاريخ التقاط الصورة إلى عام 2004 تقريباً داخل أحد السجون في الخارج (نيويوك تايمز)

لسنوات، ظل محامو الدفاع في «قضايا غوانتانامو» يتحدثون عن مراجعة صور حكومية مزعجة للسجناء الذين احتجزتهم وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه»، داخل سجون سرية في الخارج تحت إدارة بوش، أو ما أطلق عليها «المواقع السوداء». وصُنفت هذه الصور «سرِّية»، ولم يُسمح للعالم برؤيتها حتى الآن.

الآن، نشر المحامون المشاركون في قضية «هجمات 11 سبتمبر (أيلول)»، صورة واحدة التقطها مسؤولون لدى «سي آي إيه» لأحد السجناء، ويدعى عمار البلوشي. في الصورة، يظهر البلوشي بجسده العاري النحيل الذي تبدو عليه علامات سوء التغذية. ويرجع تاريخ التقاط إلى عام 2004 تقريباً، داخل أحد السجون في الخارج.

وأفاد المحامون بأن الصورة، التي نشرتها صحيفة «الغارديان» للمرة الأولى، ظهرت في أثناء عملية مراجعة التصنيف داخل المحاكم العسكرية، في إشارة إلى محكمة الحرب التي أقيمت في خليج غوانتانامو بكوبا.

وقد رفعت الحكومة، حديثاً، السرية عن صورة لعمار البلوشي التقطتها «سي آي إيه» بسجن في الخارج نحو عام 2004.

من «المواقع السوداء» لـ«سي آي إيه»

وفي حين جرى تسريب صور لجنود أميركيين، وهم يسيئون معاملة السجناء في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، بما في ذلك من «سجن أبو غريب» الذي كان يديره الجيش في العراق عام 2004، لم تظهر أي صور من «المواقع السوداء» لـ«سي آي إيه».

في الواقع، دمَّرت قيادة الوكالة عام 2005 أشرطة فيديو لاستجوابات داخل أحد «المواقع السوداء» في تايلاند لضمان أن أحداً لن يطَّلع عليها أبداً. وتعد مثل هذه الصور نمط المواد التي لطالما سعى محامو الدفاع إلى تقديمها إلى القاضي أو هيئة المحلفين، بصفتها دليلاً على سلوكٍ حكومي مشين، من أجل تجنب عقوبة الإعدام أو رفض دعوى التورط بجرائم حرب المرفوعة ضد موكليهم.

المعتقد أن هناك المئات من مثل هذه الصور. وقال سجناء إنهم تعرضوا للتجريد من ملابسهم بشكل روتيني، وكان يجري تصويرهم في أثناء نقلهم عبر برنامج «المواقع السوداء»، من سجن سري إلى آخر. وقال محامو الدفاع عن ثمانية سجناء، على الأقل، في غوانتانامو إنهم حصلوا على صور سرية لموكليهم في أثناء احتجازهم لدى «سي آي إيه» في خضم إعداد قضاياهم للمحاكمة.

من جهته، قال دانييل جيه. جونز، المحقق الرئيسي في دراسة للجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ صدرت عام 2014 وأدانت برنامج «سي آي إيه».، إنه وفريقه راجعوا مئات من هذه الصور، بعضها مدرج في التقرير الكامل المكون من 6 آلاف صفحة، والذي لا يزال سرياً.

ووصف جونز الصور بأنها «مزعجة للغاية، ودليل واضح على الوحشية» داخل «المواقع السوداء»، ووصفها بأنها من بين «أكثر السجلات الخاضعة للحماية لبرنامج التعذيب التابع لوكالة (سي آي إيه)».

رفض اتفاق الـ«إقرار بالذنب»

جدير بالذكر أن البلوشي يرفض، حتى الآن، الانضمام إلى اتفاق الـ«إقرار بالذنب» مع ثلاثة من المتهمين معه -وتمضي قضيته، حتى هذه اللحظة، نحو محاكمة قد تنتهي بعقوبة الإعدام. ويواجه البلوشي اتهامات بمساعدة بعض الرجال المتورطين باختطاف طائرات في إطار هجمات 11 سبتمبر، وكذلك معاونتهم في إنجاز ترتيبات السفر وتحويل الأموال إلى الولايات المتحدة، بناءً على طلب عمه والرجل المتهم بتدبير خطة الهجمات، خالد شيخ محمد.

كان البلوشي، الذي وُلد في الكويت، يعمل في الإمارات العربية المتحدة مهندس برمجيات في ذلك الوقت. وألقي القبض عليه في باكستان عام 2003، مع متآمر آخر هو وليد بن عطاش.

وقال محامي البلوشي، جيمس جي. كونيل، هذا الأسبوع، إن مفاوضات الإقرار بالذنب مستمرة في قضية موكله، الذي يسعى إلى تلقي العلاج في غوانتانامو بسبب التعذيب الذي تعرض له في أثناء احتجازه لدى «سي آي إيه»، بما في ذلك إصابة دماغية رضِّية.

عام 2019، وضع محامو الدفاع عن البلوشي الصورة على الصفحة السابعة من طلب جرى تقديمه إلى القاضي العسكري لاستبعاد جميع اعترافات السجين التي تدينه، بالنظر إلى ما تعرَّض له من «تعذيب ومعاملة قاسية ولا إنسانية ومهينة» داخل حجز «سي آي إيه» بين عامي 2003 و2006، وبعد ذلك، قدموا الوثيقة المكونة من 202 صفحة لمراجعة التصنيف -عملية داخل المحكمة لتحديد المعلومات التي لا تزال سرِّية وما يمكن نشره.

إلا أن ما أثار دهشتهم أن الوثيقة التي جرى إصدارها حديثاً من المراجعة، كانت تحتوي على جزء كبير من الحجة القانونية، لكنَّ الصورة لم تكن كذلك، وإنما ظهرت الصورة بالضبط كما قدمها المحامون -حيث كانت المنطقة التناسلية للبلوشي مغطاة بصندوق أسود «للحفاظ على كرامته»، على حد قول كونيل.

وقد جرى رفع السرية عن الصورة مع إصدار ملف قدمه الفريق القانوني لعمار البلوشي عام 2019.

وقد أزالت الحكومة الأميركية البيانات الوصفية من صور «سي آي إيه» قبل تسليمها إلى محامي الدفاع، بصفتها دليلاً محتملاً في قضايا غوانتانامو. إلا أن محامي الدفاع يعتقدون، استناداً إلى تسلسل زمني سري لرحلة البلوشي عبر 6 «مواقع سوداء»، أن صورته التُقطت عام 2004، خلال عامه الثاني من الاحتجاز.

وبحلول ذلك الوقت، ووفقاً للمعلومات التي جرى الكشف عنها عبر سنوات جلسات ما قبل المحاكمة، كان يجري الإبقاء على البلوشي عارياً، بشكل روتيني، ويتعرض للضرب. كما حُرم من النوم لعدة أيام في كل مرة. وقد جرى تحقيق ذلك من خلال تكبيله من الكاحلين والمعصمين بطريقة أجبرته على الوقوف عارياً، مع غطاء على رأسه.

وفي أحد الأيام، تعرض للصفع بشكل متكرر وضرب رأسه في الحائط من مجموعة من موظفي «سي آي إيه» الذين يتدربون ليكونوا محققين. ولبعض الأيام، لم يتلقَّ أي طعام. وفي أيام أخرى كان يجري تقديم علب من المكملات الغذائية السائلة له، في إطار عملية «تلاعب غذائي» متعمَّد. وبعد عام في الحجز الأميركي، انخفض وزن الرجل الذي يبلغ طوله 5 أقدام و11 بوصة إلى 119 رطلاً، بعد أن كان 141 رطلاً عند إلقاء القبض عليه.

وقال كونيل إن أحد العسكريين في فريق الدفاع عن البلوشي تأثر بشدة بالصور وغيرها من الأدلة على سوء معاملة السجين لدرجة أنه خضع للعلاج من اضطراب ما بعد الصدمة.

وتذكر المحامي ريك كامين رعبه عندما رأى الصور التي التقطتها «سي آي إيه» لعميله السابق عبد الرحيم النشيري، المتهم بالتخطيط لتفجير المدمرة «يو إس إس كول» قبالة سواحل اليمن عام 2000.

وقال: «لقد كان الأمر صادماً حقاً. لم يكن هذا النشيري كما عرفناه في غوانتانامو. لقد بدا كأنه شخص تعرَّض لانتهاكات مروعة. وكانت تبدو عليه أمارات الجنون».

* «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

غوانتانامو: اتفاقات الإقرار بالذنب لمتهمين في قضية 11 سبتمبر سارية

الولايات المتحدة​ البوابة الرئيسية لسجن «غوانتانامو» في القاعدة البحرية الأميركية (أرشيفية - أ.ف.ب)

غوانتانامو: اتفاقات الإقرار بالذنب لمتهمين في قضية 11 سبتمبر سارية

أفاد قاضٍ عسكري في غوانتانامو بأنه سيواصل قبول إقرارات الذنب من ثلاثة متهمين مقابل أحكام بالسجن المؤبد.

كارول روزنبرغ (واشنطن)
الولايات المتحدة​ إسكالييه التي كانت آنذاك عميدة في الجيش الأميركي تتحدث خلال تدريب القيادة القانونية الاحتياطية للجيش عام 2019 (نيويورك تايمز)

من هي وكيلة العقارات التي حسمت قضية 11 سبتمبر؟

أثارت موافقة سوزان إسكالييه على صفقة الإقرار بالذنب، وهو واحد من أهم القرارات في تاريخ محكمة الحرب في خليج غوانتانامو.

كارول روزنبرغ
آسيا عبد الرحيم غلام رباني المعتقل السابق في غوانتانامو  (وسائل الإعلام الباكستانية)

بعد 18 عاماً بغوانتانامو... باكستاني يتوفى بكراتشي

بعد سنوات طويلة من المرض ونقص الرعاية الصحية، توفي عبد الرحيم غلام رباني، مواطن باكستاني أمضى 18 عاماً بسجن غوانتانامو في كراتشي، مسقط رأسه.

عمر فاروق (إسلام آباد )
خاص معتقلون في «معسكر إكس» الشديد الحراسة ضمن «معتقل غوانتانامو» (غيتي) play-circle 02:16

خاص ذكرى 11 سبتمبر وإغلاق «معتقل غوانتانامو»... وعود متجددة دونها عراقيل

اليوم وفي الذكرى الـ23 لهجمات 11 سبتمبر لا يزال «معتقل غوانتنامو» مفتوحاً رغم كل الوعود والتعهدات بإغلاقه لطي صفحة لطخت سمعة أميركا في العالم.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ معسكر «غوانتانامو» حيث يُحتجَز أسرى «القاعدة» و«طالبان» (نيويورك تايمز)

هل ألغى وزير الدفاع الأميركي صفقة الإقرار بالذنب في قضية «11 سبتمبر»؟

أحدث قراران دراماتيكيان صدمة في إطار قضية 11 سبتمبر (أيلول): إبرام صفقة الإقرار بالذنب مقابل إسقاط عقوبة الإعدام واستبدال السجن مدى الحياة بها، ثم التراجع عنها.

كارول روزنبرغ (واشنطن*)

انسحاب مات غايتز مرشح ترمب لوزارة العدل على خلفية تجاوزات أخلاقية

مات غايتز (أ.ف.ب)
مات غايتز (أ.ف.ب)
TT

انسحاب مات غايتز مرشح ترمب لوزارة العدل على خلفية تجاوزات أخلاقية

مات غايتز (أ.ف.ب)
مات غايتز (أ.ف.ب)

في أول ضربة سياسية لمرشحي الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، لشغل مناصب في إدارته المقبلة، أعلن النائب المستقيل، مات غايتز اليوم (الخميس) انسحابه من الترشح لمنصب وزير العدل، قائلاً في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، إن «ترشيحه أصبح مصدر إلهاء».

ويأتي انسحاب غايتز بعد تصاعد الضغوط عليه، جراء أدلة بدت دامغة، تظهر تورطه في تجاوزات أخلاقية، كانت لجنة الأخلاقيات في مجلس النواب قد فتحت تحقيقاً فيها منذ عام 2021. وعقد غايتز اجتماعات متعددة مع أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين على مدار اليومين الماضيين، حيث سعى إلى اختبار فرصه في الحصول على تأكيد ترشحه في حال تمسك به. لكن أعضاء مجلس الشيوخ، بمن فيهم أولئك الذين دعموه، أعربوا عن شكوكهم في إمكانية تأكيده، لأنه قد يخسر على الأقل 3 أصوات جمهورية، ما قد يؤدي إلى رفض ترشحه، في ظل السيطرة المحدودة للجمهوريين على مجلس الشيوخ.

وكتب غايتز على منصة «إكس» (تويتر سابقاً): «من الواضح أن تأكيدي أصبح بشكل غير عادل مصدر إلهاء للعمل الحاسم لانتقال ترمب - فانس. ليس هناك وقت لإضاعته في مشاجرة مطولة بلا داع في واشنطن، وبالتالي سأسحب اسمي من الاعتبار لشغل منصب المدعي العام. يجب أن تكون وزارة العدل التابعة لترمب جاهزة في اليوم الأول».

وكان ينظر إلى غايتز على أنه اختيار ترمب الأكثر إثارة للجدل، بعد أن أعلن أنه سيقود وزارة العدل، لتنفيذ وعوده الانتخابية، خصوصاً في ملف الترحيل الجماعي للمهاجرين، الذي أكد عليه ترمب في الأيام الماضية مراراً وتكراراً. لكن جهوده تعرضت لأسئلة حول سوء أخلاقيات غايتز المزعوم وتعاطيه للمخدرات، من أعضاء مجلس الشيوخ، وهي اتهامات نفاها غايتز.

وفور إعلانه الانسحاب، بدا العديد من أعضاء مجلس الشيوخ مرتاحين لانسحابه. وقالت السيناتور الجمهورية، سينثيا لوميس: «أعتقد أن ما قرأته للتو هو أنه شعر بأن هذا سيكون مصدر إلهاء كبير، ومن الجيد أن يدرك ذلك وأن يكون على دراية بنفسه». وقال بعض أعضاء مجلس الشيوخ إنهم يريدون رؤية تقرير لجنة الأخلاقيات بمجلس النواب الذي طال انتظاره والذي يفصل بعض هذه الادعاءات. وكانت اللجنة قد راهنت على قرار الإفراج عن التقرير، ولكن حتى الجمهوريين في مجلس النواب أعربوا عن دعمهم لمشاركة نتائج التحقيق، على الأقل مع أعضاء مجلس الشيوخ، الذين كانوا سيفحصون غايتز ما إذا كان مؤهلاً لمنصب وزير العدل.