تمسّك بايدن بخوض السباق يضع الديمقراطيين في مأزق

اجتماعات مكثفة لمشرعين وسط تصاعد الدعوات لانسحابه

بايدن مخاطباً أنصاره في ويسكونسن يوم الجمعة (إ.ب.أ)
بايدن مخاطباً أنصاره في ويسكونسن يوم الجمعة (إ.ب.أ)
TT

تمسّك بايدن بخوض السباق يضع الديمقراطيين في مأزق

بايدن مخاطباً أنصاره في ويسكونسن يوم الجمعة (إ.ب.أ)
بايدن مخاطباً أنصاره في ويسكونسن يوم الجمعة (إ.ب.أ)

فشلت المقابلة التلفزيونية التي أجراها الرئيس الأميركي جو بايدن، على قناة «إيه بي سي نيوز»، في طمأنة الديمقراطيين الخائفين من خسارة الانتخابات بعد أدائه الكارثي في المناظرة مع منافسه الجمهوري دونالد ترمب. ومع إصرار بايدن على القول إنه لن يتنحى عن الترشح إلا «بقدرة إلهية»، أصبح الديمقراطيون في مأزق صعب.

«إرادة إلهية»

كشفت تصريحات بايدن والتحركات الديمقراطية لإقناعه بالتنحي عن عمق الأزمة التي يتخبط فيها الديمقراطيون والأميركيون عموماً، الذين يواجهون خياراً بين رئيس كهل ومنافس مدان جنائياً. وبدلاً من أن يجد أنصار بايدن الأكثر ولاء ما يكفي من الطمأنينة للبقاء في صفه، جراء مقابلاته وخطبه الأخيرة، ازدادت شكوكهم بينما الوقت يداهم الحزب إذا رغب في تغيير مرشحه.

وأعرب عشرات المشرعين والاستراتيجيين الديمقراطيين، بعد المقابلة التلفزيونية، عن شكوك جدية في قدرة مرشّحهم على هزيمة ترمب. ورغم أن الكثير منهم رفض الإفصاح عمّا إذا قام بإبلاغ الرئيس شخصياً بهذه المخاوف، توقع آخرون أن يعمد المزيد من المسؤولين الديمقراطيين المنتخبين إلى مطالبة الرئيس بالتنحي. وقال أحد الديمقراطيين إن المقابلة لم تحل المشكلة، بل عمّقتها.

مخاوف جدية

قال جوليان كاسترو، وزير الإسكان السابق الذي خاض الانتخابات ضد بايدن للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي عام 2020، في مقابلة: «ترى حقاً رئيساً في حالة إنكار وفي فقاعة... نريد رئيساً يمكنه تقييم قدرته على البقاء في هذا السباق بأمانة ودقة، وهذه المقابلة لم تمنح الثقة على الإطلاق بأنه يتعامل بشكل جيد مع هذا الأمر».

وقال ديفيد أكسلرود، أحد كبار المستشارين السابقين للرئيس باراك أوباما الذي أعرب منذ فترة طويلة عن قلقه بشأن قرار بايدن الترشح مرة أخرى، إن الرئيس كان فخوراً بحق بسجله. وكتب على وسائل التواصل الاجتماعي: «لكنه منفصل بشكل خطير عن مخاوف الناس بشأن قدراته على المضي قدماً ومكانته في هذا السباق».

وبحسب الكثير من التعليقات، فإن أكثر ما أثار حفيظة الديمقراطيين، هو الجواب الذي قدّمه بايدن رداً على سؤال عن شعوره في يناير (كانون الثاني) إذا خسر أمام ترمب واضطر لتسليمه البيت الأبيض، وكان مفاده: «سأشعر بأنني بذلت كل ما في وسعي وقمت بأفضل عمل أستطيع القيام به». وقال الكثير من الديمقراطيين إن الانتخابات لم تكن تهدف إلى الحصول على جائزة المشاركة، بل تهدف إلى إيقاف مجرم مدان حاول إلغاء الانتخابات التي خسرها، وحث على خرق الدستور للعودة إلى السلطة.

اجتماعات لتقييم الرئيس

وفي ظل هذه الأجواء، بدا أن البيت الأبيض غير قادر على طمأنة كبار الديمقراطيين في الحزب. فقد قرر النائب حكيم جيفريز، زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب، عقد اجتماع افتراضي مع كبار الديمقراطيين في لجان الكونغرس الذين يشكلون المستويات العليا للحزب في مجلس النواب، لمناقشة ترشيح بايدن. وبدا أن الديمقراطيين بدأوا في الانقسام، حيث دعا أربعة نواب؛ هم لويد دوغيت وراؤول غريغالفا وسيث مولتون ومايك كويغلي، إلى انسحاب الرئيس، في حين أعلن آخرون عن مخاوفهم الجدية بشأن قدرته على الفوز في السباق.

وفي مجلس الشيوخ، يعمل السيناتور الديمقراطي مارك وارنر على تنظيم اجتماع للديمقراطيين في مكتبه لمناقشة مخاوفهم بشأن ترشيح بايدن وما يجب القيام به. وتحدثت وسائل الإعلام الأميركية عن قيام وارنر بإجراء اتصالات يوم الثلاثاء ببعض زملائه الديمقراطيين في مجلس الشيوخ لدعوتهم إلى اجتماع محتمل يوم الاثنين لمناقشة حملة الرئيس بايدن الرئاسية. وبينما لم يوضح وارنر ما إذا كان يحاول تنظيم مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين للضغط على بايدن للانسحاب من السباق، أكد بايدن أن «السيناتور وارنر هو الوحيد الذي يطالب بانسحابي من السباق الرئاسي». وأضاف بايدن أن «الحكام الديمقراطيين للولايات طالبوا ببقائي في السباق الرئاسي»، مستبعداً تماماً انسحابه من الترشح لولاية ثانية.

وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن وارنر يخبر أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين أن بايدن لم يعد بإمكانه البقاء في الانتخابات، في أعقاب أدائه المتعثر في المناظرة. وقال إنه يشعر بقلق عميق من عدم قدرة بايدن على إدارة حملة يمكن أن تهزم الرئيس السابق دونالد ترمب.

ولم تؤكد المتحدثة باسم وارنر، راشيل كوهين، أو تنفي للصحيفة، أن السيناتور يعتقد بضرورة تنحي بايدن عن السباق، وبدلاً من ذلك أصدرت بياناً جاء فيه: «مثل الكثير من الأشخاص الآخرين في واشنطن وفي جميع أنحاء البلاد، يعتقد السيناتور وارنر أن هذه أيام حاسمة بالنسبة لحملة الرئيس، وقد أوضح ذلك للبيت الأبيض».


مقالات ذات صلة

بسبب «الكثير من الخطوات»... جونسون يكشف رفض بايدن زيارة حاملة طائرات بريطانية

أوروبا الرئيس الأميركي جو بايدن (يمين) يصافح رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون (رويترز)

بسبب «الكثير من الخطوات»... جونسون يكشف رفض بايدن زيارة حاملة طائرات بريطانية

رفض الرئيس الأميركي جو بايدن زيارة حاملة الطائرات الرائدة للبحرية البريطانية بسبب عدد الخطوات خلال زيارته إلى المملكة المتحدة عام 2021.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن يرد على أسئلة الصحافيين في البيت الأبيض (أرشيفية- إ.ب.أ)

بايدن يشكِّك في «سلمية» انتخابات الرئاسة الأميركية

قال الرئيس الأميركي جو بايدن إنه غير واثق من أن الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر المقبل ستكون سلمية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تحليل إخباري ترمب وهاريس في المناظرة الرئاسية ببنسلفانيا في 10 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

تحليل إخباري هل يؤثر التصعيد في المنطقة على خيار الناخب الأميركي؟

الانتقاد الأبرزالموجّه للمرشحة الديمقراطية هاريس يرتبط بتداعيات خبرتها المحدودة في السياسة الخارجية.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ب)

بايدن: على إسرائيل البحث عن بدائل لاستهداف منشآت نفطية إيرانية

قال الرئيس الأميركي جو بايدن، اليوم (الجمعة)، إن إسرائيل لم تحسم أمرها بعد بشأن الرد على الضربة الإيرانية التي استهدفتها، الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في نيويورك (أ.ف.ب)

«لو موند»: دور أميركا في الشرق الأوسط تحول إلى «متفرج»

تحول انتباه العالم الآن من غزة إلى لبنان، حيث تستمر إسرائيل بضرب بيروت، وتواصل القوات الإسرائيلية تنفيذ عمليات في جنوب لبنان ضد «حزب الله».

«الشرق الأوسط» (باريس)

رسائل بريد إلكتروني تُظهر مخاوف أميركية مبكرة بشأن جرائم حرب إسرائيلية في غزة

دمار هائل في خان يونس جنوب قطاع غزة نتيجة القصف الإسرائيلي (رويترز)
دمار هائل في خان يونس جنوب قطاع غزة نتيجة القصف الإسرائيلي (رويترز)
TT

رسائل بريد إلكتروني تُظهر مخاوف أميركية مبكرة بشأن جرائم حرب إسرائيلية في غزة

دمار هائل في خان يونس جنوب قطاع غزة نتيجة القصف الإسرائيلي (رويترز)
دمار هائل في خان يونس جنوب قطاع غزة نتيجة القصف الإسرائيلي (رويترز)

بينما كانت إسرائيل تقصف شمال قطاع غزة بغارات جوية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وتأمر بإجلاء أكثر من مليون فلسطيني من المنطقة، وجّهت مسؤولة كبيرة في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تحذيراً صريحاً للبيت الأبيض.

فقد كتبت دانا سترول، نائبة مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط آنذاك، في رسالة بالبريد الإلكتروني بتاريخ 13 أكتوبر (تشرين الأول) إلى كبار مساعدي الرئيس جو بايدن تقول إن النزوح الجماعي سيشكل كارثة إنسانية، وقد يمثل انتهاكاً للقانون الدولي، ما قد يؤدي إلى توجيه اتهامات إلى إسرائيل بارتكاب جرائم حرب. وذكرت سترول، في الرسالة، أنها كانت تنقل تقييماً للجنة الدولية للصليب الأحمر «جمّد الدماء في عروقها»، وفق ما نقلته وكالة «رويترز» للأنباء.

وبينما تقترب حرب غزة من إتمام عامها الأول، ويتأرجح الشرق الأوسط على شفا حرب أوسع نطاقاً، تظهر رسائل سترول عبر البريد الإلكتروني، ومراسلات أخرى لم ترد تقارير عنها من قبل، صراع إدارة بايدن من أجل الموازنة بين المخاوف الداخلية إزاء ارتفاع أعداد القتلى في غزة ودعمها العلني لإسرائيل في أعقاب هجوم حركة «حماس» الفلسطينية في 7 أكتوبر على جنوب إسرائيل، التي تقول إنه أسفر عن مقتل 1200 شخص.

وراجعت «رويترز» 3 مجموعات من الرسائل المتبادلة عبر البريد الإلكتروني بين كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية، التي يرجع تاريخها إلى الفترة من 11 إلى 14 أكتوبر، أي بعد أيام قليلة من اندلاع الأزمة. وأدت الحملة الإسرائيلية إلى مقتل أكثر من 41 ألفاً و800 فلسطيني في غزة، ما فجّر احتجاجات في الولايات المتحدة، قادها نشطاء عرب أميركيون ومسلمون.

قلق مبكر... وكارثة أسوأ

تكشف رسائل البريد الإلكتروني، التي لم ترد تقارير عنها من قبل، عن قلق مبكر في وزارة الخارجية والبنتاغون، من أن ارتفاع عدد القتلى في غزة قد ينتهك القانون الدولي ويعرّض العلاقات الأميركية مع العالم العربي للخطر. وتُظهر الرسائل أيضاً ضغوطاً داخلية في إدارة بايدن لتغيير رسالتها، من إظهار التضامن مع إسرائيل إلى الحديث عن التعاطف مع الفلسطينيين وضرورة السماح بدخول مزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة.

ولا يزال التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بعيد المنال، على الرغم من مرور أشهر من المفاوضات التي توسطت فيها الولايات المتحدة. والآن أصبح جزء كبير من غزة خراباً. ويلوح خطر اندلاع حرب إقليمية مع إيران في الأفق بعد الهجمات التي شنّتها إسرائيل على لبنان واغتيال حسن نصر الله، الأمين العام لجماعة «حزب الله» اللبنانية، المدعومة من طهران، الأسبوع الماضي، والهجمات الصاروخية الإيرانية على إسرائيل.

ويقول مسؤولون كبار في إدارة بايدن إنهم يعتقدون أن ضغوط البيت الأبيض على حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تلك الأيام الأولى من الحرب أحدثت فرقاً، ومنعت وقوع كارثة أسوأ.

وفي أحاديث خاصة، طلب البيت الأبيض من إسرائيل تأجيل هجومها البري لمنح منظمات الإغاثة مزيداً من الوقت لإعداد المساعدات للنازحين وإعطاء إسرائيل مزيداً من الوقت للتوصل إلى اتفاق مع «حماس»، وذلك وفقاً لما قاله مسؤولون في الإدارة للصحافيين في إفادات غير علنية حينها.

بطء في التعامل مع معاناة الفلسطينيين

لكن 3 مسؤولين أميركيين كباراً شاركوا في عملية صنع القرار قالوا إن واشنطن كانت بطيئة في التعامل مع معاناة الفلسطينيين. ورغم أن الغزو البري تأخر في نهاية المطاف نحو 10 أيام، عزا المسؤولون الثلاثة ذلك التأخير إلى الاستعدادات العملياتية للجيش الإسرائيلي أكثر من الضغوط الأميركية.

وبعد نشر هذه القصة، قال السيناتور الديمقراطي، كريس فان هولن، إن رسائل البريد الإلكتروني تُظهر أن «الكارثة الإنسانية التي تكشّفت في غزة كانت واضحة بشكل مؤلم منذ الأيام الأولى للحرب، إذ نبّه خبراء كبار إلى انتهاك المعايير الدولية»، وإلى تجاهل البيت الأبيض «لمخاوف مشروعة».

وقال البيت الأبيض رداً على أسئلة بشأن رسائل البريد الإلكتروني: «كانت الولايات المتحدة تقود الجهود الدولية الرامية لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة»، و«كان ذلك وسيظل أولوية قصوى». وأضاف أنه قبل «تدخل (الولايات المتحدة)، لم يكن هناك طعام أو ماء أو دواء يدخل إلى غزة».

جرائم حرب

يجري التحقيق بشأن ارتكاب قادة في إسرائيل و«حماس» جرائم حرب في أعقاب الهجمات التي شنّتها الحركة الفلسطينية.

ففي يونيو (حزيران)، خلصت لجنة تابعة للأمم المتحدة إلى وجود أدلة موثوقة على أن «حماس» وجماعات فلسطينية مسلحة أخرى ارتكبت جرائم حرب تشمل التعذيب واحتجاز رهائن. كما وجدت اللجنة أدلة على ارتكاب إسرائيل جرائم حرب نتيجة لاستخدامها قنابل ضخمة في غزة في الأشهر الأولى من الحرب.

ولا تزال إدارة بايدن والحملة الرئاسية لنائبة الرئيس كامالا هاريس عالقة بين مجموعتين انتخابيتين قويتين، هما الديمقراطيون المؤيدون لإسرائيل والتقدميون الأصغر سناً الداعمون للفلسطينيين.

ويقول منافس هاريس عن الحزب الجمهوري، الرئيس السابق دونالد ترمب، إنه «سيحسم» الحرب «سريعاً» إذا فاز في الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني)، دون أن يخوض في تفاصيل عن كيفية ذلك. لكن محللي السياسة الخارجية يستبعدون أن تؤدي الانتخابات إلى تغيير كبير في السياسة الأميركية تجاه إسرائيل، بالنظر إلى دعم كلا الحزبين طويل الأمد لها.

وتُظهِر رسائل البريد الإلكتروني التي راجعتها وكالة «رويترز» محاولات حثيثة داخل إدارة بايدن لتحذير البيت الأبيض من الأزمة الوشيكة، ومقاومة مبدئية من البيت الأبيض لوقف إطلاق النار خلال الأيام الأولى الفوضوية من الحرب. وبدأ تبادل المجموعات الثلاث من رسائل البريد الإلكتروني في 11 أكتوبر، أي في اليوم الخامس من الغارات الجوية الإسرائيلية بعد هجوم «حماس».

«فقدان المصداقية»

في مرحلة مبكرة، تزايدت المخاوف داخل الإدارة بشأن صورة الولايات المتحدة في نظر حلفائها العرب.

وبعد أن استهدفت الغارات الجوية الإسرائيلية مستشفيات ومدارس ومساجد غزة، أبلغ كبير مسؤولي شؤون الدبلوماسية العامة في وزارة الخارجية الأميركية، بيل روسو، كبار المسؤولين في الوزارة بأن واشنطن «تفقد مصداقيتها بين الجماهير الناطقة بالعربية» بعدم تعاملها مع الأزمة الإنسانية مباشرة، وذلك وفقاً لرسالة بالبريد الإلكتروني أرسلت يوم 11 أكتوبر. وذكرت السلطات الصحية في غزة في ذلك اليوم أن عدد القتلى بلغ نحو 1200 شخص.

وبينما دافعت إسرائيل عن الضربات، قائلة إن «حماس» تستخدم المباني المدنية لأغراض عسكرية، كتب روسو أن الدبلوماسيين الأميركيين في الشرق الأوسط يراقبون التقارير الإعلامية العربية التي تتهم إسرائيل بشنّ «إبادة جماعية» وواشنطن بالتواطؤ في جرائم حرب.

كما كتب روسو أن «عدم استجابة الولايات المتحدة للأوضاع الإنسانية للفلسطينيين ليس غير فعال وله نتائج عكسية فقط، بل إننا متهمون أيضاً بالتواطؤ في جرائم حرب محتملة من خلال التزام الصمت حيال أفعال إسرائيل بحق المدنيين».

وبينما خاطب روسو كبار المسؤولين في وزارة الخارجية، حثّ على التحرك سريعاً لتغيير موقف الإدارة المعلن المتمثل في الدعم غير المشروط لإسرائيل وعمليتها العسكرية في غزة. وكتب: «إذا لم يتم عكس هذا المسار بسرعة، ليس عبر الرسائل فقط، وإنما بالأفعال، فإن هناك مخاطرة بالإضرار بموقفنا في المنطقة لسنوات مقبلة».

واستقال روسو في مارس (آذار)، عازياً ذلك لأسباب شخصية. وأحجم عن التعليق.

«تخفيف السرعة»

في يوم 13 أكتوبر، أي بعد يومين من رسالة روسو، ألقت طائرات إسرائيلية منشورات على شمال غزة تأمر مليون شخص من سكان القطاع بمغادرة منازلهم. وأعطى نتنياهو السكان مهلة 24 ساعة للفرار، في حين بدأت القوات الإسرائيلية مدعومة بالدبابات هجوماً برياً داخل القطاع الذي تديره «حماس»، والذي يبلغ عدد سكانه 2.3 مليون نسمة. وتعهّد نتنياهو بالقضاء على «حماس» بسبب هجومها.

وأثارت أوامر الإخلاء قلق وكالات الإغاثة والأمم المتحدة. وبحلول ذلك الوقت، كانت الغارات الجوية الإسرائيلية قد محت أحياء بأكملها.

وأصدرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جنيف بياناً قالت فيه إن الأمر الإسرائيلي «لا يتوافق مع القانون الدولي الإنساني» لأن من شأنه أن يقطع الغذاء والمياه والاحتياجات الأساسية الأخرى عن غزة. وفي محادثة هاتفية في ذلك اليوم مع سترول، كان فابريزيو كاربوني، المدير الإقليمي للشرق الأوسط باللجنة الدولية للصليب الأحمر، أكثر وضوحاً، كما تظهر رسائل البريد الإلكتروني.

فقد قالت سترول، في رسالتها يوم 13 أكتوبر، التي وصفت فيها المحادثة بينهما، إن «اللجنة الدولية للصليب الأحمر ليست مستعدة لقول ذلك علناً، لكنها تدق ناقوس الخطر في أحاديث خاصة، بأن إسرائيل تقترب من ارتكاب جرائم حرب». وكانت رسالتها عبر البريد الإلكتروني موجهة إلى كبار المسؤولين في البيت الأبيض ووزارتي الخارجية والدفاع.

وكتبت سترول: «هاجسهم الرئيسي هو أنه من المستحيل أن يتحرك مليون مدني بهذه السرعة». وقال أحد المسؤولين الأميركيين، في سلسلة رسائل البريد الإلكتروني، إنه سيكون من المستحيل تنفيذ مثل هذا الإخلاء دون التسبب في «كارثة إنسانية».

وقال عدة مسؤولين أميركيين كبار لوكالة «رويترز» إن بعض كبار المسؤولين الأميركيين عبّروا عن قلقهم في أحاديث خاصة من عدم وجود طريق آمنة للخروج من القطاع المكتظ بالسكان.

بدورها، كتبت بولا توفرو، المسؤولة الكبيرة في البيت الأبيض المعنية بالاستجابة الإنسانية، في البريد الإلكتروني: «تقييمنا هو أنه ببساطة لا توجد طريقة لحدوث هذا النطاق من النزوح دون التسبب في كارثة إنسانية»، وسوف يستغرق الأمر «شهوراً» لتهيئة الهياكل اللازمة لتوفير «الخدمات الأساسية» لأكثر من مليون شخص. وطلبت من البيت الأبيض أن يطلب من إسرائيل إبطاء هجومها. وكتبت توفرو: «نحتاج من حكومة إسرائيل التخفيف من سرعة دفع الناس إلى الجنوب».

وحثّ آندرو ميلر، الذي كان نائب مساعد وزير الخارجية في مكتب شؤون الشرق الأدنى بوزارة الخارجية آنذاك، زملاءه على التحرك بسرعة.

وكتب ميلر: «إذا كنا نميل إلى التدخل لدى الإسرائيليين لثنيهم عن السعي إلى عمليات إخلاء جماعية، فسوف يتعين علينا فعل ذلك قريباً، وعلى مستوى رفيع وعبر نقاط اتصال متعددة». واستقال ميلر في يونيو (حزيران)، عازياً ذلك إلى أسباب عائلية.

تسريع التسليح

بينما كان المسؤولون الأميركيون يقيّمون الأزمة الإنسانية، ضغطت إسرائيل على واشنطن للحصول على مزيد من الأسلحة.

ووفقاً لرسائل البريد الإلكتروني، حثّ مسؤول كبير في السفارة الإسرائيلية في واشنطن وزارة الخارجية الأميركية في 14 أكتوبر على تسريع شحن 20 ألف بندقية آلية للشرطة الإسرائيلية.

وفي ذلك اليوم، اعتذر المستشار الدفاعي الإسرائيلي، أوري كتساف، في رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى نظيرته في وزارة الخارجية الأميركية، عن إزعاجها خلال عطلة نهاية الأسبوع، لكنه قال إن شحنة البنادق «عاجلة جداً»، ويجب أن توافق عليها الولايات المتحدة.

وقالت كريستين ميناريتش، وهي مسؤولة في إدارة ضوابط التجارة في الأصناف الدفاعية، القسم المعني بالموافقة على مبيعات الأسلحة في وزارة الخارجية، لكتساف إن البنادق لن تتم الموافقة عليها خلال الساعات الأربع والعشرين أو الثماني والأربعين المقبلة. وقد تستغرق مثل هذه الشحنات الضخمة من الأسلحة وقتاً طويلاً، إذ تتطلب موافقة وزارة الخارجية وإخطار الكونغرس. وأحجم كتساف والسفارة الإسرائيلية عن التعليق.

وأعادت جيسيكا لويس، التي كانت مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية والعسكرية آنذاك، إرسال رسالة ميناريتش وطلب إسرائيل الحصول على البنادق إلى مكتب شؤون الديمقراطية والعمل وحقوق الإنسان التابع لوزارة الخارجية. ويتولى المكتب مراجعة مبيعات الأسلحة الأميركية المحتملة لضمان عدم إرسالها إلى الجيوش الضالعة في انتهاكات لحقوق الإنسان.

وبحسب رسائل البريد الإلكتروني، طلبت لويس من المكتب تسريع مراجعته، وأن يشرح «بشكل عاجل» أي معارضة منه لصفقات أسلحة محددة لإسرائيل. واستقالت لويس في يوليو (تموز).

وأوصى كريستوفر لومون، نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الديمقراطية والعمل وحقوق الإنسان، برفض أكثر من 12 صفقة أسلحة، بما في ذلك قاذفات قنابل، وقطع غيار، وبنادق. وفي ردّه على لويس، أشار إلى مخاوف بشأن «سلوك» وحدات معينة من الشرطة الإسرائيلية، مثل وحدة دوريات الحدود (يمام)، وهي وحدة من القوات الخاصة.

وكتب لومون أن هناك «تقارير كثيرة» عن تورط وحدة يمام في «انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان». وأبدى مكتب شؤون الديمقراطية والعمل وحقوق الإنسان اعتراضاً على 16 صفقة أسلحة منفصلة لإسرائيل، وفقاً لرسالة البريد الإلكتروني ومصدر مطلع.

وقال المصدر إنه تم المضي في جميع الصفقات تقريباً، على الرغم من اعتراضات المكتب.