محاكمات غوانتانامو تكشف عن أسرار سجون «الاستخبارات الأميركية» السرية

عبد الهادي العراقي قيادي «القاعدة» تحدث من على كرسي متحرك أمام المحلفين

عبد الهادي العراقي قيادي «القاعدة» السابق في صورة قدمها محاموه... حيث قال أمام هيئة محلفين عسكرية أميركية الاثنين إنه عُصبت عيناه وجُرّد من ملابسه وحُلقت لحيته قسراً وصُوّر عارياً في مناسبتين بعد القبض عليه عام 2006 (نيويورك تايمز)
عبد الهادي العراقي قيادي «القاعدة» السابق في صورة قدمها محاموه... حيث قال أمام هيئة محلفين عسكرية أميركية الاثنين إنه عُصبت عيناه وجُرّد من ملابسه وحُلقت لحيته قسراً وصُوّر عارياً في مناسبتين بعد القبض عليه عام 2006 (نيويورك تايمز)
TT

محاكمات غوانتانامو تكشف عن أسرار سجون «الاستخبارات الأميركية» السرية

عبد الهادي العراقي قيادي «القاعدة» السابق في صورة قدمها محاموه... حيث قال أمام هيئة محلفين عسكرية أميركية الاثنين إنه عُصبت عيناه وجُرّد من ملابسه وحُلقت لحيته قسراً وصُوّر عارياً في مناسبتين بعد القبض عليه عام 2006 (نيويورك تايمز)
عبد الهادي العراقي قيادي «القاعدة» السابق في صورة قدمها محاموه... حيث قال أمام هيئة محلفين عسكرية أميركية الاثنين إنه عُصبت عيناه وجُرّد من ملابسه وحُلقت لحيته قسراً وصُوّر عارياً في مناسبتين بعد القبض عليه عام 2006 (نيويورك تايمز)

جلسات الاستماع في جرائم الحرب تعطي الرأي العام نظرة افتراضية داخل سجن سري تابع لـ«وكالة الاستخبارات المركزية» بعد سنوات من إغلاق «برنامج الموقع الأسود» التابع للوكالة، وبدأت التفاصيل تظهر رويداً رويداً خلال المحاكمات في خليج غوانتانامو.

100 شخص في «المواقع السوداء»

وحصل الجمهور يوم الاثنين على أول نظرة من «موقع أسود» تابع لـ«وكالة الاستخبارات المركزية»؛ بما في ذلك زنزانة بحجم خزانة دون نوافذ، حيث احتُجز قائد سابق في تنظيم «القاعدة» خلال ما وصفها بأنها أكثر التجارب إذلالاً في عُهدة الحجز الأميركي. وقاد القيادي السابق، عبد الهادي العراقي، جولة افتراضية شاملة بـ«الموقع»؛ حيث تحدث عن «الغرفة الصامتة» رقم «4»، خلال جلسة النطق بالحكم في خليج غوانتانامو، التي بدأت الأسبوع الماضي.

ووصف «العراقي» كيف كان معصوب العينين، ومجرداً من الملابس، وقد أزيلت لحيته بالقوة، وجرى تصويره عارياً في مناسبتين بعد القبض عليه عام 2006، ولم يرَ الشمس قط، ولم يسمع أصوات حراسه، الذين كانوا يرتدون ملابس سوداء بالكامل؛ بما في ذلك أقنعتهم.

«الغرفة الصامتة»

وكان عبد الهادي (63 عاماً) من آخر السجناء الذين احتجزوا في «شبكة المواقع السوداء الخارجية»؛ حيث احتجزت إدارة الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش واستجوبت نحو 100 شخص يشتبه في أنهم إرهابيون بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.

وحتى الآن، وبعد سنوات من إغلاق إدارة أوباما «البرنامج»، فإن أسراره باقية. ولكن التفاصيل بدأت تظهر شيئاً فشيئاً في محاكمات الأمن القومي لسجناء سابقين في خليج غوانتانامو.

وفي المحكمة يوم الاثنين، شاهد المتفرجون «الغرفة الصامتة» رقم «4»، وهي غرفة خاوية مساحتها 6 أقدام مربعة، قال عبد الهادي إنها تشبه المكان الذي احتُجز فيه لمدة 3 أشهر؛ لكن «من دون بُقع دم» كانت على جدار زنزانته آنذاك... «وكانت لحظة استثنائية». وقد خاطب عبد الهادي هيئة المحلفين العسكريين الأميركيين من على كرسي علاجي متحرك مبطن يستخدمه بسبب مرض في العمود الفقري أصابه بالشلل.

مدخل معسكر غوانتانامو شديد الحراسة (الشرق الأوسط)

الشعور بالندم والتسامح

وقرأ عبد الهادي ببطء نصاً «غير مصنف» باللغة الإنجليزية، وتوقف في بعض الأحيان ليستعيد رباطة جأشه أو يمسح الدموع من عينيه.

ووصف عبد الهادي ظروفه بأنها قاسية، لكنه قال إن تجربته سجيناً في الولايات المتحدة قد خفف منها الشعور بالندم والتسامح.

وفي عام 2022، أقر السجين بتهمة ارتكاب جرائم الحرب. وفى كلمته أمام هيئة المحلفين الاثنين، اعتذر من السلوك غير القانوني لقوات «طالبان» و«القاعدة» تحت قيادته في أفغانستان خلال الحرب في عامي 2003 و2004.

واستخدم بعضهم الغطاء المدني لشن هجمات، مثل تحويل سيارة أجرة إلى سيارة مفخخة. وتحول آخرون إلى انتحاريين، أو أطلقوا النار على مروحية للإخلاء الطبي. وقال في كلمة استغرقت 90 دقيقة: «بصفتي القائد؛ أتحمل مسؤولية ما فعله رجالي. أريدكم أن تعلموا أنني لا أكره أحداً من قلبي. اعتقدتُ أنني كنت على حق، لكني لم أكن كذلك. أعتذر».

وعندما تحدث عن الفترة التي قضاها في الحجز لدى «وكالة الاستخبارات المركزية»، كان عبد الهادي يصف الأشهر التي تلت القبض عليه في تركيا أواخر عام 2006، عندما اختفى في المراحل الأخيرة من «برنامج الموقع الأسود»، في أفغانستان، حتى أبريل (نيسان) 2007.

في البداية، احتجزوه في زنزانة من دون نوافذ، بها دش ومرحاض من الصلب المقاوم للصدأ، كما يظهر في العرض المرئي بالمحكمة. ثم نقلوه بعد شهور من الاستجواب حول مكان وجود أسامة بن لادن، الذي قال في شهادته إنه لا يعرفه.

جانب من القاعدة الأميركية في غوانتانامو (أ.ب)

الصور فاجأت محامي الحكومة

وكانت الزنزانة التالية، المعروضة في المحكمة، خاوية، من دون مرحاض أو دش؛ فقط 3 من الأغلال مُحكمة في الجدران. قال عبد الهادي إنه احتجز هناك لمدة 3 أشهر، وكانت هناك سجادة بسيطة على الأرض، ودلو للمرحاض، وبقع من الدم على أحد الجدران.

وقال إنه عند مرحلة ما، كانت حصته الغذائية تحتوي لحم الخنزير، وهو محظور في الإسلام، فرفض أن يأكل، وصار ضعيفاً للغاية، لدرجة أنه لم يستطع الوقوف. ثم جلب له خاطفوه بديلاً غذائياً، اسمه «إنشور». وقال إنه لم يرَ ضوء الشمس، ولم تكن لديه ساعة لمعرفة متى يصلي.

وفاجأت الصور، إن لم تكن الشهادة، محامي الحكومة. وعندما بدأ محامو عبد الهادي فحص صور زنزانات مماثلة لتلك التي كان محتجزاً فيها بمعزل عن العالم الخارجي في عامي 2006 و2007، احتج أحد المدعين العامين، ليعلم فقط أن المواد قد رُفعت عنها السرية مؤخراً. كان كُشف عن وجود التصوير العدلي لأول مرة في عام 2016 في قضية «11 سبتمبر». وقدم ممثلو الادعاء لمحامي الدفاع هذه المواد، لكنهم لم يكشفوا عن موقع آخر سجن سليم معروف لـ«برنامج الموقع الأسود». وقد أوضحت شهادة الاثنين أنه كان في أفغانستان.

قد يخفَّف الحكم

ومن شأن هيئة المحلفين إصدار الحكم على عبد الهادي بالسجن من 25 إلى 30 عاماً. ولكن قد يخفَّف الحكم من قبل المسؤولين الأميركيين، بعد أن سُمح لسجين سابق آخر من سجناء «الاستخبارات المركزية»، هو ماجد خان، بوصف تعذيبه في جلسة النطق بالحكم عام 2021، وأعادت هيئة المحلفين الحكم عليه بالسجن لمدة 26 عاماً.

ولكن «الهيئة» أوصت أيضاً بأن يحصل على الرأفة بسبب الانتهاكات التي تعرض لها في الحجز الأميركي. وقد أعيد توطين ماجد خان منذ ذلك الحين في دولة «بيليز» والتقى أسرته. في الأسبوع الماضي، أكد ضحايا الهجمات التي شنتها قوات عبد الهادي على استمرار حزنهم بسبب الأضرار العاطفية والجسدية التي عانوها في السنوات الأولى من أطول حرب لأميركا. وتحدث عبد الهادي مباشرة إلى المحلفين وعوائل الضحايا قائلاً: «أعرف ما يعنيه مشاهدة جندي آخر يموت أو يصاب بجروح. أنا أعرف هذا الشعور وأشعر بالأسف. وأعلم أنكم عانيتم كثيراً». وبدا أنه يخص بالذكر رجلاً من فلوريدا، يُدعى بيل إيغرز، تحدث عن فقدان ابنه البكر، وهو من القوات الخاصة، في انفجار قنبلة زُرعت على جانب الطريق من قبل قوات عبد الهادي عام 2004. وقال: «أعرف معنى أن تكون والداً... أن تفقد ولدك. من المؤكد أن حزنك سيكون ساحقاً. أنا آسف». افتتح عبد الهادي حديثه لهيئة المحلفين بالاعتذار عن جلوسه على كرسي العلاج المبطن، بدلاً من الوقوف ومخاطبتهم... «أعاني مشكلات في العمود الفقري».

وعندما استُدعي عبد الهادي لأول مرة عام 2014، توجه إلى المحكمة رفقة الشرطة العسكرية. وهو الآن معاق بسبب مرض «القرص التنكسي» الذي جعله، بعد 6 عمليات جراحية؛ بعضها غير ناجح، يعتمد على المسكنات، وعلى الكرسي المتحرك، ومشاية ذات 4 عجلات للتنقل.

17 سنة محتجزاً في غوانتانامو

ووصف سنواته الـ17 التي قضاها في معتقل غوانتانامو بأنه كان فيها وحيداً في بعض الأحيان... كانت تجربة انعزالية تخللها بعض أعمال الخير الفردية. وفيما كان يتعافى من العمليات الجراحية، قال إن الممرضات العاملات في السجن «اعتنين بي بلطف كبير». وقال إنه خلال الفترة التي أصيب فيها بالشلل، ساعده طبيب عسكري أميركي في الحصول على مكان إقامة في زنزانته بالسجن و«كان يأتي ليلعب (الداما) معي، ويمكث معي خلال فترة نقاهتي من الجراحة».

* «نيويورك تايمز »


مقالات ذات صلة

ذكرى 11 سبتمبر وإغلاق «معتقل غوانتانامو»... وعود متجددة دونها عراقيل

خاص معتقلون في «معسكر إكس» الشديد الحراسة ضمن «معتقل غوانتانامو» (غيتي) play-circle 02:16

ذكرى 11 سبتمبر وإغلاق «معتقل غوانتانامو»... وعود متجددة دونها عراقيل

اليوم وفي الذكرى الـ23 لهجمات 11 سبتمبر لا يزال «معتقل غوانتنامو» مفتوحاً رغم كل الوعود والتعهدات بإغلاقه لطي صفحة لطخت سمعة أميركا في العالم.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ معسكر «غوانتانامو» حيث يُحتجَز أسرى «القاعدة» و«طالبان» (نيويورك تايمز)

هل ألغى وزير الدفاع الأميركي صفقة الإقرار بالذنب في قضية «11 سبتمبر»؟

أحدث قراران دراماتيكيان صدمة في إطار قضية 11 سبتمبر (أيلول): إبرام صفقة الإقرار بالذنب مقابل إسقاط عقوبة الإعدام واستبدال السجن مدى الحياة بها، ثم التراجع عنها.

كارول روزنبرغ (واشنطن*)
الولايات المتحدة​ مساحة مشتركة للمحتجزين في مركز الاحتجاز رقم 6 في خليج غوانتانامو في عام 2019 (نيويورك تايمز)

غوانتانامو: نقل داخلي للمعتقلين جراء مشاكل في البنية التحتية لأحد سجونه

أجبرت مشاكل، غير مُعلنة، تتعلق بالبنية التحتية، الجيش الأميركي على إخلاء السجن الذي يضم الرجال المتهمين بالتآمر لشن هجمات 11 سبتمبر 2001.

كارول روزنبرغ (واشنطن* )
الولايات المتحدة​ طلب القاضي أنتوني جيه. ناتالي 72 عاماً ترك القضية للتقاعد الشهر المقبل واصفاً نفسه بأنه «متعب ومنهك» (أ.ب)

اختصار زمن جلسات الاستماع في غوانتانامو بسبب أزمة في قضية المدمرة «كول»

اختصر قاضٍ عسكري، الجمعة، الإجراءات التحضيرية للمحاكمة في قضية تفجير المدمرة «يو إس إس كول»، وسمح للمحامي الرئيسي للدفاع بالتقاعد، الشهر المقبل.

كارول روزنبرغ (واشنطن *)
الولايات المتحدة​ قال وزير الدفاع الأميركي لويد جيه أوستن إنه بسبب المخاطر التي ينطوي عليها الأمر فإن «المسؤولية عن قضية خالد شيخ محمد يجب أن تقع على عاتقه» (نيويورك تايمز)

«غوانتانامو»: كيف انتهى الأمر بالتراجع عن «صفقة 11 سبتمبر»؟!

في غضون ثلاثة أيام من الأسبوع الماضي، صدر قراران في إطار قضية هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، أصابا أسر الضحايا بالذهول، وأثارا نقاشاً سياسياً حاداً.

كارول روزنبرغ (واشنطن* ) إيريك شميت (واشنطن*)

اختلافات جوهرية في سياسات ترمب وهاريس الخارجية

هاريس وزيلينسكي في البيت الأبيض في 26 سبتمبر 2024 (د.ب.أ)
هاريس وزيلينسكي في البيت الأبيض في 26 سبتمبر 2024 (د.ب.أ)
TT

اختلافات جوهرية في سياسات ترمب وهاريس الخارجية

هاريس وزيلينسكي في البيت الأبيض في 26 سبتمبر 2024 (د.ب.أ)
هاريس وزيلينسكي في البيت الأبيض في 26 سبتمبر 2024 (د.ب.أ)

شهدت نيويورك، هذا الأسبوع، اجتماعات مكثفة لقمة المستقبل تحت سقف الأمم المتحدة، شارك فيها زعماء العالم، وألقى خلالها الرئيس الأميركي جو بايدن خطابه الأخير أمام الجمعية العامة قبل مغادرته منصبه وتسليم الشعلة إما لكامالا هاريس أو لخصمها دونالد ترمب.

في هذه الأثناء، لم يجلس هاريس وترمب ساكنين بانتظار نتيجة الانتخابات، فوجود قادة العالم على الأراضي الأميركية فرصة ذهبية لإثبات أهليتهما على صعيد السياسة الخارجية. وعقدا اجتماعات دلّت بشكل من الأشكال على أولوية كل منهما في ساحة الصراعات الدولية، التي لا تخلو من تحديات متزايدة، بدءاً من أوكرانيا مروراً بالمنافسة مع الصين، وصولاً إلى التصعيد المستمر في منطقة الشرق الأوسط.

يستعرض برنامج تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، نقاط الاختلاف بين المرشحين في هذه الملفات المعقدة، بالإضافة إلى مدى اهتمام الناخب الأميركي بالسياسة الخارجية.

التصعيد في الشرق الأوسط

بايدن في مؤتمر صحافي في البيت الأبيض في 26 سبتمبر 2024 (أ.ب)

يُخيّم شبح التصعيد في المنطقة على الانتخابات الأميركية. ويقول جيمس جيفري، السفير السابق إلى العراق وسوريا والمبعوث الخاص السابق للتحالف الدولي لهزيمة «داعش»، إن المرشحين يركزان لدى تطرقهما إلى هذا الملف على السياسة الأميركية تجاه إيران. ويشير جيفري إلى أنه سيكون على المرشحين التعامل مع هذا الواقع في المنطقة، مضيفاً: «إن الفارق الرئيسي بينهما هو أن ترمب سيكون مصراً جداً على فرض العقوبات، بينما ستتبع هاريس سياسة بايدن، وربما موقف أوباما، لمحاولة التوصل إلى اتفاق من أجل مشاركة المنطقة مع إيران».

وتعدُّ لورا كيلي، مراسلة صحيفة «ذي هيل» للشؤون الخارجية، أن إيران تُشكّل قضية أساسية في حملتي كل من ترمب وهاريس، مشيرةً إلى أن ترمب يقدم نفسه على أنه «الرجل القوي» الذي يستطيع مواجهة إيران إن وصل إلى البيت الأبيض ويرغمها على القيام بما يريد وبالتراجع، بينما ستحرص هاريس على إكمال ما بدأت به إدارة بايدن، وهو محاولة التنسيق بين مختلف اللاعبين في الشرق الأوسط، مضيفة: «لكن كما نرى حالياً، ما يجري على أرض الواقع يتغلب على كافة الجهود الدبلوماسية».

ترمب يتحدث مع الصحافيين في نيويورك في 26 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

ويوافق روبرت فورد، السفير الأميركي السابق في سوريا والجزائر، على أن سياسة هاريس ستكون «استكمالاً لسياسة بايدن في الشرق الأوسط، على الأقل في البداية»، مضيفاً: «إنها لا تملك خبرة واسعة في العمل على قضايا المنطقة، ولا تعرف القادة كما كان يعرفهم بايدن، وبصراحة أعتقد أن اهتماماتها تصب أكثر على القضايا المحلية والصين وحتى روسيا». واستبعد فورد أن تتخذ هاريس أي مبادرات رئيسية فيما يتعلق بالشرق الأوسط. وفيما يتعلق بترمب، ذكّر فورد بأنه من الصعب توقّع مواقف الرئيس السابق في القضايا الدولية، مضيفاً: «لقد صرح مرتين خلال حملته هذا الشهر بأنه قد ينظر في رفع العقوبات عن طهران، ليس بسبب طريقة تصرّف هذه الأخيرة تحديداً، لكن لأنه قلق حول انتشار استخدام العملة الصينية في الأسواق العالمية».

ويوافق جيفري الذي عمل في إدارة ترمب على أنه من الصعب التكهن بمواقف الرئيس السابق، مُذكّراً بإعلانه مرتين عن نيته سحب القوات الأميركية من سوريا، وتراجعه عن ذلك، لكنه شدد على أهمية الفريق المحيط بالرئيس، عادّاً أن ترمب كان لديه فريق متميز في السياسة الخارجية. وأضاف: «عندما يكون لديك فريق عمل كهذا، من الأرجح أن نرى سلوكاً يسهل التنبؤ به في إطار رؤية دونالد ترمب للعالم».

وهنا عقّبت كيلي على تصرفات ترمب التي لا يمكن توقعها في بعض الأحيان، مشيرةً إلى تصريح أدلى به مؤخراً قال فيه إن إيران «ترغب بأن تكون طرفاً في اتفاقات إبراهام»، مضيفة: «لقد ألقى هذا التصريح ضوءاً مثيراً للاهتمام على طريقة تفكيره وشعوره حول كيفية تغيير الأوضاع في الشرق الأوسط». لكن كيلي أشارت في الوقت نفسه إلى أنه في حال وصول ترمب إلى البيت الأبيض، فإن عدداً كبيراً من مستشاريه السابقين لن يكونوا معه بسبب توتر العلاقات بينهم، أما بالنسبة لهاريس فثمّة توقعات بأن يتسلم مدير الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) ويليام بيرنز منصب وزير الخارجية، على حد قولها.

«الضغط» على نتنياهو

تتزايد الدعوات لإدارة بايدن بوقف الأسلحة لاسرائيل (أ.ب)

وفيما تواجه إدارة بايدن انتقادات حول تعاطيها مع ملفات المنطقة، وفشلها في وقف التصعيد في غزة ولبنان، يعدُّ فورد أن سياسة بايدن تجاه إسرائيل هي انعكاس لآراء الرئيس «الذي يتمتع بتاريخ طويل مع منطقة الشرق الأوسط»، مشيراً إلى أن القرارات المتعلقة بهذا الملف مرتبطة باعتقاداته.

وتحدث فورد عن التوتر في العلاقة بين بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فأشار إلى فارق أساسي في مقاربة الطرفين، قائلاً: «يبدو أن نتنياهو يؤمن بوجود حل أمني لمشكلة غزة، وللمشاكل في لبنان، ويعتقد أنه لا يجب أن يكون هناك وجود للدولة الفلسطينية، وأنه على إسرائيل أن تحكم هذه الأراضي إلى الأبد، وأن الفلسطينيين في هذه الأراضي لن يكون لهم الحق بتقرير مصيرهم. إنها ببساطة رؤية يملكها رئيس وزراء إسرائيل مع قسم كبير من حكومته، إن لم يكن معظمهم. إذن هذا هو الفارق الرئيسي مع العديد من الديمقراطيين، لكن هناك أيضاً جمهوريين يدعمون حل الدولتين، من حيث المبدأ على الأقل. وطالما هناك هذا الفارق بين الأميركيين الذين يدعمون حل الدولتين والحكومة الإسرائيلية المحافظة، دائماً ما سيكون هناك احتكاك في ما يتعلق بالاستراتيجيات والسياسات».

ويرجح فورد أن نتنياهو «يفضل عودة ترمب إلى البيت الأبيض»، لكن رغم ذلك «فهو مضطر إلى التعاون مع إدارة بايدن لقرابة الأربعة أشهر المتبقية في ولايته».

ترمب يتحدث أمام المجلس الأميركي الإسرائيلي في 19 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

ويواجه بايدن دعوات من أعضاء حزبه التقدميين لفرض قيود على المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل، واستعمالها ورقة ضغط على نتنياهو، وهو ما رفضه بايدن ونائبته هاريس. وهنا، تقول كيلي إنه من غير المؤكد أن حجب الولايات المتحدة للأسلحة عن إسرائيل سوف يؤدي إلى دفع نتنياهو لاتخاذ قرارات تتماشى أكثر مع إدارة بايدن، مضيفة: «لكن إن نظرنا إلى إدارة ترمب، فهو قد يعطي المجال لنتنياهو لإطلاق العنان للقوة العسكرية على نطاق واسع دون أي قيود قد تفرضها إدارة بايدن».

أوكرانيا

زيلينسكي مع زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأميركي تشاك شومر (يمين)، وزعيم الأقلية ميتش ماكونيل (أ.ف.ب)

تحتل أوكرانيا مساحةً كبيرةً من النقاش في الموسم الانتخابي، وقد سلّطت زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينكسي للولايات المتحدة الضوء على التجاذبات الداخلية الحادة المحيطة بالملف. ففيما اجتمع الزعيم الأوكراني بهاريس ومن المتوقع أن يلتقي ترمب، فإن مواقف كل منهما مختلفة فيما يتعلق بحل الصراع هناك.

وبينما يعرب جيفري عن تفاؤله في قضية أوكرانيا، مشيراً إلى أن روسيا لم تحقق الفوز «فهي متوترة وتحارب دولة أصغر منها»، على حد تعبيره، تشير كيلي إلى أن السباق الانتخابي الحالي يعكس «أوقاتاً عصيبةً جداً لأوكرانيا»، مشيرة إلى الجدل الذي ولدته زيارة زيلينكسي إلى بنسلفانيا لدى الجمهوريين الذين اتهموا الرئيس الأوكراني بمحاولة التدخل في الانتخابات الأميركية من خلال زيارته لولاية متأرجحة. وقالت كيلي إن هذه الخطوة ساهمت في «تغذية التعصب الحزبي المتزايد بشأن السياسة الأميركية تجاه أوكرانيا»، مشيرةً إلى أن زيلينكسي «تلقى أبرد استقبال على الإطلاق في الكونغرس خلال زيارته إلى واشنطن».

الناخب الأميركي والسياسة الخارجية

هاريس في حدث انتخابي في ويسكونسن في 20 سبتمبر 2024 (د.ب.أ)

رغم القضايا الخارجية العالقة والتوترات المتزايدة، فإن الناخب الأميركي لا يركز عادة على السياسة الخارجية لدى توجهه إلى صناديق الاقتراع. وهذا ما تحدث عنه فورد قائلاً: «عندما فكر كيف تنظر أميركا إلى العالم وهي على مشارف الانتخابات، أعتقد أن السؤال الأكبر هو ما مقدار الاهتمام الذي يريد الشعب الأميركي أن توليه واشنطن للسياسة الخارجية مقارنة بالقضايا الداخلية؟ وبرأيي هذه الانتخابات في 2024 تتمحور بشكل أساسي حول القضايا المحلية مثل الاقتصاد والهجرة، وهذا التفضيل الشعبي سيؤثر على الوقت الذي يمضيه إما الرئيس ترمب أو الرئيسة هاريس على السياسة الخارجية».

أما جيفري فلديه مقاربة مختلفة، ويقول «إن الأميركيين يتجاهلون السياسة الخارجية حتى تأتي هذه الأخيرة وتهز كيانهم». وأعطى مثالاً على ذلك في هجمات سبتمبر التي «جرّت أميركا إلى حرب كبيرة أدت إلى سقوط عدد هائل من الضحايا في العراق و أفغانستان». وأضاف جيفري: «في الواقع رغم التجاذبات التي نتحدث عنها لدينا سياسة حول العالم من خلال حلفائنا ومعهم، تسعى للحفاظ على هدوء العالم». ويحذر قائلاً: «إن تزعزع الأمن في العالم، يحدث أمران: أولاً التجارة والعولمة واستخدام الدولار الأميركي وغيرها من الفوائد التي يستفيد منها الأميركيون ستختفي. ثانياً وهي النقطة الأهم هناك 20 أو 30 دولة، إن لم تستطع الاعتماد على الولايات المتحدة في الحالات الطارئة، فهي ستجد بديلاً نووياً مما سيؤدي إلى عالم مسلح نووياً سينعكس سلباً على السلام العالمي وعلى فرص نجاة الولايات المتحدة».