حياة جديدة لسجين سابق في «غوانتانامو»

تعاون مع السلطات الاميركية ... و"استغفر الله" تتخلل كلماته

سمحت بليز لماجد خان بالاستقرار هناك بعد إطلاق سراحه من غوانتانامو في بادرة إنسانية (نيويورك تايمز)
سمحت بليز لماجد خان بالاستقرار هناك بعد إطلاق سراحه من غوانتانامو في بادرة إنسانية (نيويورك تايمز)
TT

حياة جديدة لسجين سابق في «غوانتانامو»

سمحت بليز لماجد خان بالاستقرار هناك بعد إطلاق سراحه من غوانتانامو في بادرة إنسانية (نيويورك تايمز)
سمحت بليز لماجد خان بالاستقرار هناك بعد إطلاق سراحه من غوانتانامو في بادرة إنسانية (نيويورك تايمز)

في ليلة الخامس عشر من رمضان، في إحدى ضواحي مدينة بليز (شمال أميركا الوسطى)، جلس ماجد خان خريج غوانتانامو رفقة عائلته المكونة من 4 أفراد لتناول وجبة إفطار تقليدية لكسر صيام ساعات النهار.

كانت هناك ساق من لحم الخروف الذي ذبحه ماجد بنفسه، وهو المعتقل السابق في غوانتانامو، مع بعض الحلوى التي جلبتها أخته في ماريلاند، وتمور من منطقة الخليج. وكانت الأجواء صاخبة بعض الشيء، لكنها لم تكن كافية لإزعاج نوم الطفل حمزة، الذي وُلد قبل أسبوعين في مستشفى بالمدينة الواقعة في أميركا الوسطى.

انتقلت ربيعة خان زوجة ماجد على اليمين وابنتهما منال إلى بليز من باكستان عقب الإفراج عنه بترتيب من السلطات الأميركية (نيويورك تايمز)

كان الحديث موجزاً حول ما إذا كان طبق البرياني كثير التوابل، وكيف كان لحم الخروف مشوياً بشكل كامل. هذه أمور دنيوية، صارت أكثر أهمية لأن ماجد خان، المبعوث السابق لدى تنظيم «القاعدة»، كان يحتفل مع زوجته ربيعة وابنته منال في أول بيت يجمعهم معاً، في بليز، موطنهم الجديد.

 

في صفوف تنظيم «القاعدة»

 

طوال عقدين من الزمن، لم تكن هذه الوجبة العائلية ممكنة. بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، انضم ماجد خان إلى تنظيم «القاعدة»، ووافق على أن يصبح مفجراً انتحارياً، وسلّم 50 ألف دولار لاستخدامها في تفجير مميت بفندق في إندونيسيا. وبسبب جرائمه، تم احتجازه من قبل الولايات المتحدة، وتعذيبه على أيدي وكالة الاستخبارات المركزية، ثم سجنه في خليج غوانتانامو. وقد اعترف بأنه مذنب وأصبح متعاوناً مع الحكومة، وطوال ذلك الوقت، كانت زوجته تنتظره في باكستان.

ربيعة خان: «انتظرته 20 عاماً»

 

تقول ربيعة خان، وهي تتنفس الصعداء: «انتظرته 20 عاماً. وقال الجميع، (أنتِ شجاعة، أنتِ قوية). فالظروف كانت تتطلب ذلك. والآن أقول لماجد، (الأمر كله عليك، وليس عليّ وحدي)». أسئلة الحياة الكبيرة تنتظر هذه العائلة. هل سوف يستمر ماجد، (44 عاماً)، في عمله الناشئ في استيراد الأواني الفخارية؟ هل تحتاج ربيعة (40 عاماً)، إلى اصطحاب ولدها حمزة إلى المكسيك لزيارة طبيب متخصص في أمراض الكلى؟ أين الجامعة التي سوف تلتحق بها منال، (20 عاماً)، لكي تصبح طبيبة أسنان؟ لكن هناك صراعات أخرى تلوح في الأفق بصورة كبيرة.

ماجد خان يحمل طفله حمزة في موطنه الجديد... ويقول «الحياة اختبار» واصفاً نفسه برجل نصف الكوب الممتلئ (نيويورك تايمز)

«أستغفر الله» تتخلل كلماته

 

لا يزال ماجد بحاجة إلى العثور على رعاية صحية للأضرار التي ألمّت به في سجون الاستخبارات الأميركية السرية في الخارج. ولم يندمج بعد في البلد الذي استقرّ فيه مع عائلته. ولم يتمكّن من فتح حساب مصرفي بسبب ماضيه. يقول: «الحياة اختبار»، ويصف نفسه بأنه رجل نصف الكوب الممتلئ (متفائل).

وهو يرى الفصل التالي من حياته فرصة لتصحيح الأمور. حيث قال إنه تأذى، وفعل أشياء آذت الآخرين. وعبارة «أستغفر الله» تتخلل كلماته من حين لآخر.

وحتى بين 750 رجلاً وصبياً مروا عبر السجن في غوانتانامو، كان ماجد خان يقف دائماً متميزاً عن الآخرين. إنه مواطن باكستاني، التحق بالمدرسة الثانوية في ضواحي بالتيمور، وتحوّل إلى التطرف هناك بعد وفاة والدته عام 2001.

وغادر إلى باكستان في العام نفسه، بعد هجمات 11 سبتمبر، في سن 21، وتزوج ربيعة في زواج عائلي مُرتب. كما انضم إلى أعضاء تنظيم «القاعدة»، من بينهم رجال متهمون بالتخطيط لهجمات 11 سبتمبر، وتم تجنيده ليكون عنصراً انتحارياً في هجوم لم يتحقق أبداً على الرئيس الباكستاني الأسبق، برويز مشرف.

احتفل ماجد وعائلته بليلة رمضان في مطعم على الطراز اللبناني (نيويورك تايمز)

تعاون مع السلطات الأميركية

 

ويقول ماجد إن قراراته كانت متهورة وخاطئة. كان أول سجين يُعذب في سجون الاستخبارات المركزية ويعترف بذنبه في جرائم الحرب، بعد نحو عقد من الزمان من احتجازه، بوصفه «معتقلاً ذا قيمة عالية».

وأمضى سنوات معزولاً عن معتقلين آخرين أكثر من أي سجين آخر، قضى أغلب ذلك الوقت متعاوناً مع الحكومة. وبعد 16 شهراً من إدانة هيئة المحلفين العسكرية الأميركية لمعاملته - ووصفتها بأنها «وصمة عار على النسيج الأخلاقي لأميركا» - سمحت له دولة بليز بإعادة التوطين هناك في بادرة إنسانية. وبإلحاح من بليز، دفعت الولايات المتحدة ثمن منزله وسيارته وهاتفه وقدمت له راتباً.

وأمضت ربيعة خان تلك السنوات أمّاً عازبة مع والديها في منزل مليء بالأخوات والإخوة وأبناء وبنات الإخوة والأخوات. تقضي وقتها في تربية منال، ابنتهما التي وُلدت بعد اعتقال الزوج.

 

التقى ابنته للمرة الأولى

 

وفي غوانتانامو، كان يصلي وحده، ويقضي الأيام في النوم، ويتناول طعامه بمفرده. وقال: «اعتدت على ذلك. وكانت وجبة الإفطار في رمضان تأتي بـ3 تمور، وأحياناً علبة من العسل». واجتمع شمل الأسرة بعد شهرين من الإفراج عنه. التقى ابنته للمرة الأولى في صالة «كبار الزوار» في مطار بليز. ولم يشعر الزوج والزوجة اللذان كانا منفصلين خلال العشرينات والثلاثينات من عمرهما بأنهما غريبان. وقالت ربيعة: «إنني لا أعرف السبب. ربما بسبب الرسائل». تقول منال إنها كانت سنة مثيرة للغاية، ابتداءً من الأخبار المفاجئة بأن الوالد الذي لم تلتقه أبداً قد أُطلق سراحه من السجن.

يقول كليم الأمين إمام المسجد الذي يرتاده ماجد إن الجالية المسلمة في بليز رحبت بماجد خان على الفور (نيويورك تايمز)

من كراتشي إلى بليز

 

وبعد 8 أسابيع، سافرت رفقة والدتها لمدة 48 ساعة - من كراتشي إلى الدوحة إلى نيويورك إلى ميامي إلى مدينة بليز - وانضمتا إليه. كانت هناك زيارات من عائلة والدها في الولايات المتحدة، وزيارات لمناطق سياحية على طول ساحل بليز الكاريبي والآن، هناك أخ رضيع - كل العوامل المطلوبة لوجود فجوة غير عادية في حياتها قبل عام أو عامين من ذهابها إلى الكلية، إنها تطوف حول منزل عائلتها المكون من 3 غرف نوم مع إحساس بالهدوء، إذ لديها غرفة نوم خاصة بها للمرة الأولى، مزينة بخيوط من أضواء احتفالية مبهجة. وصممت إعلان ولادة حمزة، مع صورة بالون على شكل قلب. وقد أرسلته على هاتفها من المستشفى إلى أسرته في 3 مناطق زمنية بعد دقائق من وصوله. خارج المنزل، ترتدي هي ووالدتها عباءتين وتغطيان شعرهما بالحجاب ووجهيهما بكمامات واقية من فيروس «كورونا»، وهي نسخة حديثة من النقاب المتشدد.

 

باكستاني القلب

 

ويقود ماجد سيارة العائلة، وهي سيارة «تشيفي إيكوينوكس» مستعملة. ويقول: «أنا رجل باكستاني القلب مع قليل من الأمركة في الخارج. لذا، فأنا أؤمن بالنسوية إلى حد ما. لكنني أؤمن بشدة بالاحتشام الإسلامي، وبالشرف. يجب أن أتأكد من أن ابنتي محتشمة إلى أن تتزوج. لقد كان الاندماج في الحياة في بليز تحدياً بالنسبة لي». ويبلغ عدد سكان بليز نحو 415 ألف نسمة، وهي بحجم ولاية نيوجيرسي، مع نسبة تبلغ نحو 5 في المائة من إجمالي سكان الولاية.

 

الاندماج كان تحدياً

 

واللغة الرسمية في بليز هي الإنجليزية، مما يساعد على التأقلم. ولكن بالنسبة لماجد خان، الرجل الذي كان في عجلة من أمره، فإن الاندماج كان تحدياً. قال كليم الأمين، إمام المسجد، الذي يُعرف باسم الأخ كليم: «إنه لم يتماهَ بعد مع سياسة حرية التصرف في بليز. وأعتقد بأنه يحتاج إلى مزيد من الوقت». لم يقم ماجد بعد واجهة المتجر لأعماله التجارية، حيث يبيع الأواني الفخارية الملونة من باكستان، ولم يجد مشترياً تجارياً كبيراً بعد. وأضاف أن جزءاً من المشكلة يكمن في عدم استعداد أي مصرف لفتح حساب دولي للمتهم الذي سلّم 50 ألف دولار إلى جماعة متفرعة عن تنظيم «القاعدة» من دون أن يعلم بالغرض من ذلك.

وكان بالفعل محتجزاً لدى الولايات المتحدة في الوقت الذي تم فيه استخدام المال في تفجير أسفر عن مقتل نحو 10 أشخاص في فندق «ماريوت» في جاكرتا بإندونيسيا، بتاريخ 5 أغسطس (آب) 2003. وتُلقي حكومة بليز باللائمة على الأنظمة المالية العالمية التي فُرضت بعد 11 سبتمبر.

وقال مسؤول حكومي ناقش المشكلة، بشرط عدم الكشف عن هويته؛ لأنها تنطوي على علاقات دبلوماسية حساسة: «إن القضية بعيدة عن متناول حكومة بليز»، واصفاً إياها بأنها «عقبة أمام تأسيس ماجد عملاً تجارياً مستداماً هناك. ومرافق العائلة موجودة على بطاقة الائتمان الخاصة بوالده، الذي زاره لفترات طويلة. فأي عمل يقوم به يحتاج إلى نقود، وأحياناً إلى شريك بليزي الجنسية. وإذا احتاجت زوجته إلى السفر بطفلها للخارج لتلقي الرعاية الصحية، فلا يمكنه مرافقتهما. فلديه إقامة في بليز فقط ومنفذ للحصول على الجنسية، ولكن بناء على طلب من الحكومة الأميركية، لا يملك ماجد وثائق للسفر».

 

*خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

غوانتانامو: اتفاقات الإقرار بالذنب لمتهمين في قضية 11 سبتمبر سارية

الولايات المتحدة​ البوابة الرئيسية لسجن «غوانتانامو» في القاعدة البحرية الأميركية (أرشيفية - أ.ف.ب)

غوانتانامو: اتفاقات الإقرار بالذنب لمتهمين في قضية 11 سبتمبر سارية

أفاد قاضٍ عسكري في غوانتانامو بأنه سيواصل قبول إقرارات الذنب من ثلاثة متهمين مقابل أحكام بالسجن المؤبد.

كارول روزنبرغ (واشنطن)
الولايات المتحدة​ إسكالييه التي كانت آنذاك عميدة في الجيش الأميركي تتحدث خلال تدريب القيادة القانونية الاحتياطية للجيش عام 2019 (نيويورك تايمز)

من هي وكيلة العقارات التي حسمت قضية 11 سبتمبر؟

أثارت موافقة سوزان إسكالييه على صفقة الإقرار بالذنب، وهو واحد من أهم القرارات في تاريخ محكمة الحرب في خليج غوانتانامو.

كارول روزنبرغ
آسيا عبد الرحيم غلام رباني المعتقل السابق في غوانتانامو  (وسائل الإعلام الباكستانية)

بعد 18 عاماً بغوانتانامو... باكستاني يتوفى بكراتشي

بعد سنوات طويلة من المرض ونقص الرعاية الصحية، توفي عبد الرحيم غلام رباني، مواطن باكستاني أمضى 18 عاماً بسجن غوانتانامو في كراتشي، مسقط رأسه.

عمر فاروق (إسلام آباد )
خاص معتقلون في «معسكر إكس» الشديد الحراسة ضمن «معتقل غوانتانامو» (غيتي) play-circle 02:16

خاص ذكرى 11 سبتمبر وإغلاق «معتقل غوانتانامو»... وعود متجددة دونها عراقيل

اليوم وفي الذكرى الـ23 لهجمات 11 سبتمبر لا يزال «معتقل غوانتنامو» مفتوحاً رغم كل الوعود والتعهدات بإغلاقه لطي صفحة لطخت سمعة أميركا في العالم.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ معسكر «غوانتانامو» حيث يُحتجَز أسرى «القاعدة» و«طالبان» (نيويورك تايمز)

هل ألغى وزير الدفاع الأميركي صفقة الإقرار بالذنب في قضية «11 سبتمبر»؟

أحدث قراران دراماتيكيان صدمة في إطار قضية 11 سبتمبر (أيلول): إبرام صفقة الإقرار بالذنب مقابل إسقاط عقوبة الإعدام واستبدال السجن مدى الحياة بها، ثم التراجع عنها.

كارول روزنبرغ (واشنطن*)

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

TT

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)
تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)

ترمب «رمز للسلام وقاهر الحروب»، هكذا صوّر الرئيس المنتخب نفسه في حملته الانتخابية التي مهّدت لولايته الثانية في البيت الأبيض. فالرئيس الـ47 انتزع الفوز من منافسته الديمقراطية، بانياً وعوداً انتخابية طموحة بوقف التصعيد في غزة ولبنان، واحتواء خطر إيران، ووضع حد للحرب الروسية - الأوكرانية وهي على مشارف عامها الثالث.

يستعرض برنامج تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، خطط ترمب لإنهاء النزاعات، ودلالات اختياره وجوهاً معيّنة في إدارته لديها مواقف متناقضة بعض الأحيان في ملفات السياسة الخارجية.

التصعيد في المنطقة

دمار جراء غارة إسرائيلية في غزة في 22 نوفمبر 2024 (رويترز)

تعهّد الرئيس الأميركي المنتخب بإنهاء الحروب ووقف التصعيد المستمر في المنطقة. ومع استمرار الحرب في غزة ولبنان، تعتبر دانا ستراول، نائبة وزير الدفاع سابقاً لشؤون الشرق الأوسط ومديرة الأبحاث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أنه لا يزال من المبكّر قراءة المشهد في إدارة ترمب المستقبلية، مشيرة إلى أن الرئيس المنتخب «وعد بإحلال سلام في منطقة لم تنعم بالسلام أبداً». وتقول ستراول: «دونالد ترمب يعد بإحلال السلام في المنطقة من جهة، لكنه يعد من جهة أخرى بالدعم القاطع لإسرائيل. وهذا يُعدّ مشكلةً حقيقية؛ لأن من الأمور التي يجب أن تحصل لتحقيق السلام إعطاء الأولوية للمدنيين الفلسطينيين في غزة، والمدنيين اللبنانيين في لبنان، والحرص على وصول المساعدات الإنسانية لهؤلاء وتوفير الأمن لهم وما يحتاجون إليه من قادتهم. لكن ذلك سيتطلّب قرارات صعبة في إسرائيل. والسؤال الأكبر برأيي هو ما إذا كان دونالد ترمب يستطيع دفع هؤلاء القادة على الاتفاق هذه المرة، وهم لم يتفقوا أبداً في السابق».

ويتحدث كيفن بارون، الصحافي المختص بالشؤون العسكرية والمدير التحريري السابق في «Politico Live»، عن تحديات كثيرة يواجهها فريق ترمب الذي اختاره لقيادة السياسة الخارجية، مشيراً إلى أنه مؤلّف من «مزيج من التقليديين الذين يرغبون في علاقات قديمة الطراز مع الشرق الأوسط والقادة هناك، وبين من هم أكثر تقدماً ويبحثون عن مهاجمة إيران، والرد بالمثل وتغيير الديناميكية التي برأيهم كانت لينة جداً خلال السنوات الأربع الماضية تحت جو بايدن».

ويتساءل بارون: «هل ستتمكن هاتان المجموعتان من الالتقاء في الوسط؟» ويعطي بارون مثالاً «معرقلاً للسلام» في فريق ترمب، وهو السفير الأميركي المعيّن في إسرائيل، مايك هاكابي، الداعم بشدة لتل أبيب والرافض للاعتراف بالضفة الغربية وحقوق الفلسطينيين. ويقول بارون: «إن تعيين مايك هاكابي مثال جيد هنا، فهو داعم قوي لدولة إسرائيل مهما كلّف الأمر. لكنه يدعمها من وجهة نظر معينة؛ فهو مسيحي قومي وهو جزء من حركة متنامية ومجموعة من الأميركيين المسيحيين الذين يشعرون بأن وجود علاقة قوية مع دولة إسرائيل اليهودية أفضل من عدم وجودها لأسباب دينية».

ترمب والسفير المعين في إسرائيل مايك هاكابي خلال حدث انتخابي في بنسلفانيا 12 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وهنا يسلّط ريتشارد لوبارون، السفير الأميركي السابق إلى الكويت ونائب مدير البعثة الأميركية إلى تل أبيب سابقاً وكبير الباحثين في معهد «ذي أتلانتيك»، الضوء على سياسة الرؤساء الأميركيين بشكل عام في منطقة الشرق الأوسط، مذكراً بأنهم لا يريدون تورطاً عميقاً في المنطقة. ويتحدث عن ترمب بشكل خاص فيقول: «ترمب لم يُنتخب من قبل أشخاص يهتمون بالشرق الأوسط، بل انتخبه الأشخاص الذين يرغبون بجعل أميركا عظيمة مجدداً، وهذه وجهة نظر انعزالية. لذا أعتقد أنه سيضغط للتوصل إلى حلول تخرج الولايات المتحدة من مستوى تورطها الحالي في الشرق الأوسط، لا أعتقد أنه سيكون متعاطفاً مع التورط في صراعات كبرى، وسيرغب بالحفاظ على أسعار منخفضة للنفط بسبب تأثير ذلك على الداخل. لكنه سيفاجأ على غرار معظم الرؤساء الأميركيين بقدرة الشرق الأوسط على جذبهم إلى داخله رغم جهود البقاء بعيداً».

ترمب يعتمر قبعة تحمل شعار «اجعل أميركا عظيمة مجدداً» (أ.ف.ب)

وتوافق ستراول مع مقاربة الانعزالية في فريق ترمب، مشيرة إلى وجود وجوه كثيرة ضمن فريقه من الداعمين للانعزالية الذين يسعون للتركيز على الوضع الداخلي و«جعل أميركا عظيمة مجدداً»، وأن هؤلاء سيعملون على تقليص الدور العسكري للولايات المتحدة حول العالم، ومنح دولارات دافعي الضرائب الأميركيين لأي بلد.

لكن ستراول تُذكّر في الوقت نفسه بأن العامل المشترك في فريق ترمب الذي اختاره، هو أنه «يريد من الفريق المحيط به أن يفكّر فيه هو وفي ما يريده». وتفسر قائلة: «ما نعلمه من رئاسته الأولى هو أن ما يريده أو ما يفكّر به قد يتغير من يوم إلى آخر، ومن ساعة إلى أخرى. هذا النوع من الغموض عادة ما لا يكون جيداً بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وبالنسبة إلى الحلفاء والشركاء في أماكن مثل الشرق الأوسط، وهي أماكن نريد التعاون معها. فهم يطلبون قيادة أميركية يمكن الاتكال عليها ومستقرة. وبرأيي، استناداً إلى الفريق الذي يتم تشكيله حتى الآن، حيث يقوم أناس مختلفون بقول أشياء مختلفة وعقد اجتماعات مختلفة، فإنه من غير الواضح إن كانوا سيتمكنون في الواقع من العمل بعضهم مع بعض».

تساؤلات حول نوع الضغوطات التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)

وضمن الحديث عن حلول واستراتيجيات في المنطقة، يعرب لوبارون عن تشاؤمه من فرص التوصل إلى حلّ الدولتين، مُرجّحاً أن تقوم إسرائيل «بضم الأراضي المحتلة والضفة الغربية بموافقة أميركية، أو حتى من دونها». ويضيف السفير السابق: «هناك أيضاً احتمال استمرار وجود انقسام في إسرائيل حول هذه القضايا، وسنضطر إلى التدخل بسبب علاقتنا. أعتقد أن هناك مسائل وجودية بحتة ينبغي أن تواجهها إسرائيل حول ماذا تريد أن تصبح بعد 5 إلى 10 سنوات، أو حتى بعد 20 أو 50 سنة. هل تريد أن تصبح دولة ديمقراطية؟ أو أن تكون متورطة في صراع إلى الأبد في الشرق الأوسط؟ أو هل تريد التوصل إلى سلام حقيقي يحترم الآمال الفلسطينية؟».

ويُفسر لوبارون أسباب استمرار الحرب في لبنان وغزة فيقول: «من الأسباب المحزنة لاستمرار الحرب في لبنان وفي غزة أن نتنياهو لا يمكنه الاستغناء عن الحرب، وهذه إحدى مشاكل علاقته مع ترمب. فترمب لا يريد الحرب، لكن نتنياهو يحتاج إليها وسيكون من المثير للاهتمام مشاهدة كيف سيقوم الاثنان على الاتفاق خلال الـ6 أشهر أو السنة المقبلة. لكن لحظة الحساب قادمة في إسرائيل، وهي تأجلت بسبب النزاع. سيكون لها نتائج كبيرة، وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى إن كان ترمب سيقرر اللعب في السياسة الإسرائيلية المحلية كما فعل نتنياهو في السياسة المحلية الأميركية».

إيران وسياسة الضغط القصوى

تعهد ترمب باستعادة سياسة الضغط القصوى مع إيران (أ.ف.ب)

تلعب إيران دوراً بارزاً في التصعيد في المنطقة، ومع استعداد ترمب لتسلُّم الرئاسة في العشرين من يناير (كانون الثاني)، تزداد التساؤلات حول ما إذا كان سيعود إلى سياسة الضغط القصوى التي اعتمد عليها في إدارته الأولى. وهنا يتساءل بارون: «ترمب يعد بالانسحاب من الحروب الخارجية بينما يخوض حروباً خارجية فيما يتعلق بإيران». ويضيف: «إذن، ماذا يعني الضغط الأقصى على الإيرانيين؟ أتوقع أموراً مثل دعم نتنياهو وإسرائيل بالكامل حين يقومون بهجمات في لبنان وغيره من دون أي انتقاد، ومن دون أي قيود. قد يعني أيضاً القتال في أماكن مثل سوريا والعراق ومناطق أخرى لم نسمع عنها كثيراً علناً».

وهنا تشدد ستراول على أن سياسة الضغط القصوى هي «نشاط»، وليس هدفاً، وتفسر قائلة: «ما لم نره بعد من فريق ترمب هو تحديد أو عرض الهدف المثالي: هل الهدف احتواء البرنامج النووي الذي تم الاستثمار فيه بشكل كبير؟ هل الهدف التراجع عن هذا البرنامج أو تفكيكه أو القضاء عليه؟ هل الهدف صد دعم إيراني للإرهاب؟ لتحقيق ذلك، سيحتاج إلى أكثر من سياسة ضغط قصوى، وسيحتاج للتعاون مع حلفاء وشركاء أي أنه سينبغي أن يبذل جهوداً دبلوماسية، لأن الأمر لا يتعلّق فقط بما يمكن أن نقوم به عسكرياً، فسيتوجب عليه أن يرغب بإقامة حوار مع النظام في طهران على بعض النقاط».

الحرب الروسية - الأوكرانية

ترمب يصافح بوتين في مؤتمر صحافي في هلسنكي 16 يوليو 2018 (أ.ف.ب)

من الوعود التي أطلقها ترمب إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية في 24 ساعة. ويصف لوبارون الوضع الحالي بمثابة «رقصة بين بوتين وترمب للوصول إلى طريقة لإنهاء هذا النزاع». وأوضح: «لقد انضم زيلينسكي إلى تلك الرقصة مؤخراً. يجب أن نتذكر أن هذين الخصمين قد أرهقتهما الحرب، لا يمكنهما العثور على المزيد من العناصر من شعبهم للقتال، كما يريان أن تسلُّم ترمب الرئاسة سيضع حدوداً على الفترة التي يستطيعان فيها الاستمرار بهذه الحرب». ويرجّح السفير السابق أن تنتهي الحرب «بحل دبلوماسي غير مناسب وغير مرض لن يسعد أياً من الأطراف، على غرار كل الحلول الدبلوماسية. وهذا سيشكل نقطة يعلن فيها ترمب عن نجاحه ليقول: لقد أنهيت الحرب في أوكرانيا».

ويشير بارون إلى رفع إدارة بايدن الحظر عن أوكرانيا لاستعمال الأسلحة الأميركية في روسيا، فيقول إن «ما تغيّر هو أن ترمب فاز بالانتخابات، وهناك فترة شهرين سيسعى بايدن خلالهما لتقديم كل ما بوسعه إلى أوكرانيا؛ لأن الأمور ستتغير في 20 يناير عندما يتولى ترمب منصبه». ويضيف: «إذن، الفكرة هي التوفير لأوكرانيا أكبر قدر من الدفاعات الآن لكي ينتقلوا إلى طاولة المفاوضات».

وتوافق ستراول مع هذا التقييم قائلة: «إن هذا التصعيد الذي يجري حالياً هو فرصة لكل من الطرفين لكي يعززا موقفهما قبل تنصيب دونالد ترمب، الذي بدوره صرّح بأنه سيطالب أن ينضم الجميع إلى طاولة المفاوضات. وسيعمل على تقليل سلطة التفاوض الأوكرانية عبر التهديد بإيقاف المساعدات العسكرية».